أما بعد:
فيا أيها الناس، اتقوا الله تعالى حق التقوى.
عباد الله، بعث الله نبيه محمداً بالهدى ودين الحق، هُوَ ٱلَّذِى أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِٱلْهُدَىٰ وَدِينِ ٱلْحَقّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى ٱلدّينِ كُلّهِ [الفتح:28]. والهدى هو العلم النافع والعمل الصالح، بعث الله محمداً على حين فترة من الرسل، واندراس من العلم والهدى، والأرض مليئة بالفساد في كل الشؤون، الأرض مليئة بالفساد في كل أحوال البشرية، بعثه الله في قوم يعيشون جاهليةً جهلاء، وضلالةً عمياء، لا يعرفون حقاً من باطل، ولا هدىً من ضلال، ولا يميزون بين معروف ومنكر، نشؤوا على هذه الضلالة حتى استقرت في نفوسهم، والأرض كلها مليئة بالظلم والإجرام والعدوان والفساد العظيم، فبعث الله محمداً ، فأصلح الله به الأرض بعد فسادها، وجمع به القلوب بعد فرقتها، فهدى الله به من الضلالة، وبصَّر به من العمى، فصلوات الله وسلامه عليه، وصدق الله: قَدْ جَاءكُمْ مّنَ ٱللَّهِ نُورٌ وَكِتَـٰبٌ مُّبِينٌ يَهْدِى بِهِ ٱللَّهُ مَنِ ٱتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ ٱلسَّلَـٰمِ وَيُخْرِجُهُمْ مّنِ ٱلظُّلُمَـٰتِ إِلَى ٱلنُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَىٰ صِرٰطٍ مُّسْتَقِيمٍ [المائدة:15، 16].
أيها المسلمون، يقول الله جل وعلا: ٱدْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلْمُعْتَدِينَ وَلاَ تُفْسِدُواْ فِى ٱلأرْضِ بَعْدَ إِصْلَـٰحِهَا وَٱدْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ ٱللَّهِ قَرِيبٌ مّنَ ٱلْمُحْسِنِينَ [الأعراف:55، 56].
ينهانا الله أن نفسد في الأرض بعد إصلاحها، أَجَل، إن الأرض صلحت بمبعث محمد ، صلحت في كل الأحوال، فالله ينهانا أن نفسد فيها بعد إصلاحها، بأي نوع من أنواع الفساد، فالله لا يحب الفساد، والله لا يصلح عمل المفسدين.
وَلاَ تُفْسِدُواْ فِى ٱلأرْضِ، إن الفساد في الأرض شامل لأنواع الفساد كلّه، سواء كان هذا الفساد في المعتقد، في الأخلاق والسلوك، في المعاملات، في كل شؤون الحياة، فأعظم فساد في الأرض الإفساد فيها بالشرك بالله، بعبادة غيره، بدعاء غيره.
الفساد فساد الأفكار، الفساد الفكري بالإلحاد والعياذ بالله، بالتنكر لهذا الدين، بمعاداة هذا الدين، بالسعي في القضاء على الإسلام وأهله، ذلك أعظم الفساد، وأعظم الجرم والعياذ بالله.
فالمفسدون في الأرض الذي ينشرون الباطل والإلحاد، ويدعون إلى الضلال، ومخالفة الشريعة، والتنكر لها، ويعتقدون أن هذه الشريعة قد انتهى دورها في الحياة، وأن العالم يجب أن تكون له نظم وقوانين بعيدة عن هذا الدين وتعاليمه، أولئك المعادون لهذا الدين، والساعون في القضاء عليه، وعلى تعليمه ومبادئه، ذلك أعظم الفساد وأشره، أَفَحُكْمَ ٱلْجَـٰهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ ٱللَّهِ حُكْماً لّقَوْمٍ يُوقِنُونَ [المائدة:50].
من أنواع الفساد من يظن أن البشرية لا يمكن أن تبقى على الكتاب والسنة، ويزعمون أن الكتاب والسنة قد انتهى دورهما في الحياة، وأن العالم يجب أن ينبذ هذا الكتاب والسنة؛ لأنها تراث قديم، وأن الواجب أن تحكم قوانين ونظم على أنقاض هذه الشريعة، كل هذا من السعي في الأرض بالفساد، كل هذا من الفساد في الأرض الذي حرمه الله، ونهانا عنه جل وعلا.
أيها المسلمون، الفساد في الأرض يكون أيضاً بأنواع المعاصي والمخالفات لشرع الله، بارتكاب نواهيه، وتعطيل أوامره ظَهَرَ ٱلْفَسَادُ فِى ٱلْبَرّ وَٱلْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِى ٱلنَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ ٱلَّذِى عَمِلُواْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ [الروم:41].
أيها المسلمون، الفساد في الأرض؛ يعم الفساد المجتمع كلَّه أو بعض أفراده، فليتق المسلم ربه أن يكون ممن يسعى في الأرض فساداً من حيث لا يشعر.
أيها المسلم، إن الله جل وعلا أمرنا بتقواه في كل أحوالنا؛ لأن تقواه جل وعلا يحصّننا من كل سوء، ويحفظنا من كل بلاء.
من أنواع الفساد ـ يا عباد الله ـ التعامل بالرشوة بين المسلمين، ففي ذلك بلاء عظيم، وفي الحديث: ((لعن الله الراشي والمرتشي)).
المرتشي قد أفسد في الأرض، دافع الرشوة قد أفسد في الأرض، نعم إنه أفسد في الأرض وعطل حقوق الخلق، وسعى لتعطيل حقوق الخلق، وأدّت به الرشوة إلى أن يظلم عباد الله، فيجحد حقوقهم، ويعطي الحق من لا يستحقه، ويتغاضى عن كل أنواع الفساد، لماذا؟ لأن هذه الرشوة التي سيطرت على قلبه، وأصبح ـ والعياذ بالله ـ لا يؤدي عملاً، ولا يقوم بواجب، إلا أن يرى تلك الرشوة قد حصلت في يديه، فإنه بذلك يعمل، ومن لم يقدّم له الرشوة، لا يمكن أن يقوم له بواجب، ولا يمكن أن يؤدي عمله، لفساد قلبه، ولهذا لُعِن الراشي والمرتشي، حتى يكون المجتمع بعيداً عن هذا الداء العضال، بعيداً عنه، لأن الرشوة، وشيوعها في أي مجتمع، سبب للفساد.
أيها الإخوة، إن من الفساد في الأرض ما يروجه البعض من الشائعات والأراجيف والأباطيل التي يقصدون بها ملء القلوب من الفتن والمصائب، شحْن القلوب بالأحقاد والبغضاء على المجتمع المسلم، فبعضهم ـ والعياذ بالله ـ همّه وغايته أن يملأ قلوب الأمة حقداً على دينها، وحقداً على أمنها؛ وحقداً على ولاتها، لا يبالي بذلك؛ لأن هدفه وغايته أن يرى في المجتمع تفككاً، وأن يرى في المجتمع بعداً عن الهدى، والواجب على المسلم تقوى الله، في كل أموره كلها، وأن يسعى في جمع القلوب، وتوحيد الصف، ما وجد لذلك سبيلاً.
شباب الإسلام، إن أعداء الإسلام يستغلون كل حدث، وكل أمر من الأمور، يستغلونه ليوظفوه في سبيل ضرب الأمة بعضها ببعض، وإحلال الشائعات والمصائب بين الأمة، فالواجب على المسلم أن يتقي الله، وأن لا ينخدع بكل ما يسمع ويعرض ويقال، إن كثيراً من هذه القنوات الباطلة، القنوات الفاسدة، كثير منها همّه وغاية همِّه أن ينشر الفساد بين المجتمع، وأن يسعى في تفريق قلوب الأمة، وأن يحدث بين صفوفها بلبلة بما ينشره ويعرضه من آراء بعيدة عن الإسلام وتعاليمه، بعيدة عن الخير كله، فليس هدفهم النصيحة، وليس هدفهم التوجيه، وليس هدفهم إيضاح الحق، وإنما هدفهم ملء القلوب حقداً وبغضاً في المجتمع بعضه على بعض.
شباب الإسلام، إن الواجب على الجميع تقوى الله، وأن لا نصغي إلى ما يقوله الأعداء المغرضون، الله جل وعلا قد بين لنا في كتابه ما بين شياطين الإنس والجن من ارتباط وثيق في سبيل إحداث التصدع بين مجتمع المسلمين وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلّ نِبِىّ عَدُوّاً شَيَـٰطِينَ ٱلإِنْسِ وَٱلْجِنّ يُوحِى بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ زُخْرُفَ ٱلْقَوْلِ غُرُوراً وَلَوْ شَاء رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱلآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُواْ مَا هُم مُّقْتَرِفُونَ [الأنعام:112، 113].
شباب الأمة، شباب الإسلام، اتقوا الله في أنفسكم، واستقيموا على طاعة ربكم، واشكروا الله على نعمائه عليكم، وحاولوا بكل وسيلة ممكنة أن تعالجوا كل قضية تحلّ بكم، أن يكون علاجها على ضوء ما دل عليه كتاب الله، وسنة محمد ، احذروا مكائد الأعداء فإنهم لا يبالون في أي أودية الهلاك ألقوكم، إنهم يظهرون أنفسهم بأنهم المصلحون، وبأنهم وبأنهم ... والله يعلم كذب ذلك، وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِى ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا وَيُشْهِدُ ٱللَّهَ عَلَىٰ مَا فِى قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ ٱلْخِصَامِ وَإِذَا تَوَلَّىٰ سَعَىٰ فِى ٱلأرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ ٱلْحَرْثَ وَٱلنَّسْلَ وَٱللَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلْفَسَادَ [البقرة:204، 205].
أعداؤنا يشجعون الفوضى في مجتمعات المسلمين، يشجعون كل فساد وفرقة بين المسلمين، ولكن المسلم على ثقة بدينه، على ثقة بإسلامه، ولا يغتر بمكائد الأعداء، ولا يظن أنهم يخلصون له، فهم أعداؤه وإن تظاهروا مظهر النصح والمودة، لكنهم في الباطل يبطنون العداء للإسلام وأهله، فلنتمسك بإسلامنا، ولنتمسك بديننا، ولنسع جاهدين في إصلاح أحوالنا، وإصلاح أعمالنا وأخلاقنا بالتناصح فيما بيننا، والتعاون على البر والتقوى في كل سبيل يكون به وحدة الأمة، واجتماع كلمتها.
إن العالم الإسلامي اليوم وهو يعايش هذه الأحداث، إنه يعايشها، وللأسف الشديد أن كثيراً منها يستغل لأجل تفريق شمل الأمة، عاطفة طيبة ولكن يستغل هذه العاطفة من لا يبالون بالأمة، يهيّجونها ويأمرونها بكل أمر لا علاقة له بهذه الأمور، ولكنهم يستغلون هذه الفرصة، ليضربوا الأمة بعضها ببعض، وليفرقوا شملها، فهم يستغلون كل هذه الفرص لأجل أن تعيش الأمة في عالمنا الإسلامي في فوضى لا نهاية لها، ولا مبرر لها، ولا تخدم أي قضية، ولا تخدم أي هدف، ولكنها أمور تستغل لمصالح أعداء الإسلام.
فليتق المسلمون ربهم، وليكونوا على وعي وفكر من الواقع كله حتى لا يمتدوا في طاعة أعدائهم، وحتى لا يخدموا مصالح أعدائهم من حيث لا يشعرون.
حفظ الله الجميع بالإسلام، وأعاذنا وإياكم من الفتن، ما ظهر منها وما بطن، إنه على كل شيء قدير.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه، إنه هو الغفور الرحيم.
|