معاشر المسلمين:
يتبوء العلم والتعليم في الإسلام بدرجة عظيمة، ومرتبة كبيرة، به ترتفع الأقدار، وتحاز المغانم الكبار، يقول الله جلّ وعلا: يَرْفَعِ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ مِنكُمْ وَٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ دَرَجَـٰتٍ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ [المجادلة:11].
والنبيّ يقول: ((من سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا سهَّل الله له به طريقًا إلى الجنّة)) [أخرجه مسلم].
والدعوة إلى العلم والمعرفة عامة لكل أحد، شاملة لميادين الحياة ومجالاتها التي تصلح بها الأفراد والمجتمعات، في الحديث: ((طلب العلم فريضة على كل مسلم)) [رواه ابن ماجه]
إخوة الإسلام:
كل أمّة تهدف من التعليم أغراضًا ومنافع، وتقصد من ورائه غايات ومقاصد، لذا تسعى الأمم من خلال منطلقات علمية وأهداف تربوية إلى تحقيق أغراض ومقاصد من التعليم، وغايات وأهداف من التربية.
أبرزها: صهر الجيل بروح التربية ومفاهيمها، ونوعها وشكلها.
سئل أحد المربين عن مستقبل أمته، فقال: أعطوني مناهج تعليمها لأقول في مستقبلها.
فالتعليم بشتى أنواعه، والتربية بمختلف صورها هما الوسيلة الكبرى لإنشاء الأجيال التي تؤمن بمبدأ الأمة وقيمها، وهما السبيل لتسديد المجتمع بكامله بروحهما ومضامينهما.
أيها المسلمون:
العلم في نظرة الإسلام صمام الأمان بإذن الله للنهوض بالأمة، وجعلها في مكان عالٍ من المكارم والفضائل، والرقي والتمدن، والصلاح والسعادة، والاجتهاد والفلاح.
العلم في الإسلام له غايات عظمى، وأهداف نبلى، تضمن سعادة الأفراد وسلامة المجتمعات وفلاحها دنيًا وأخرى.
والأمة المحمدية أمة عقيدة تقوم على مبدأ رسالة سامية، ومنهج ربانيٍّ يراد منه تحكيم شريعة الله جلّ وعلا في هذه الحياة في جميع المجالات ومختلف الصور، فلا غرو حينئذٍ أن يكون التعليم بشتى أنواعه أداة لإنشاء الأجيال التي تؤمن بذلكم المبدأ الراسخ، وتدين بالعقيدة الصحيحة التي حملتها الرسالة المحمدية، والمشكاة النبويّة.
إنّ الإسلام وهو يحث على التعليم ويركز على التربية لينظر إلى ذلك على أنّه أساس وقاعدة لضمان ترسيخ المفاهيم الصحيحة في نفوس الخلق نحو خالقها، وما تتضمنه تلك المفاهيم من أثر بالغ في ضبط السلوك والتوجهات التي تحقق الفوز والسعادة لبني البشر إِنَّمَا يَخْشَى ٱللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ ٱلْعُلَمَاء [فاطر:28].
ينظر الإسلام للتعليم على أنّه أداة تحقق بناء مجتمع صالح في جوانب حياته كلها، في محيط التزام كامل بمنهج الله جلّ وعلا وفق معايير الرفض والقبول التي حددها الشرع لتصبح الحياة صورة تطبيقية لقوله جل علا في خطابه لنبيّنا محمد قُلْ إِنَّ صَلاَتِى وَنُسُكِى وَمَحْيَاىَ وَمَمَاتِى للَّهِ رَبّ ٱلْعَـٰلَمِينَ لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذٰلِكَ أُمِرْتُ [الأنعام:162-163].
التربية والتعليم في الإسلام ينطلقان من أهداف تضمن بإذن الله جلّ وعلا تخريج أجيال مملوكة الفكر والمشاعر لخالقها، تابعة بالثقافة والتصور والواقع لدينها قلبًا وقالبًا، وفق فهم صحيح لحقائق الإيمان ومناهج الإسلام، فتبذر حينئذٍ من خلالهما في نفوس الناشئة روح العزة بهذا الدين فترتسم به مبادئهم ونظراتهم، وتصاغ به عقلياتهم وتوجهاتهم نحو كل نافع ومفيد في دينهم ودنياهم.
التربية والتعليم في نظرة محمد سبيل لتعميق المبادئ العليا والمثل الفضلى في عقول الناشئة ليتمثلوها منهج سلوك وأسلوب عمل في حياتهم كلها، قال : ((إنّما بعثتُ لأتمم مكارم الأخلاق)).
إخوة الإسلام:
ديننا يشجع على كسب العلوم والمعارف التي تزود الأفراد والمجتمع بكل صالح ونافع يحقق عمار الأرض وفق ما أراد الله جلّ وعلا: وَسَخَّرَ لَكُمْ مَّا فِى ٱلسَّمَـٰوٰتِ وَمَا فِى ٱلأرْضِ جَمِيعاً مّنْهُ [الجاثية:13].
فسائر العلوم التي تحقق مبدأ احترام العمل، وترسخ المفاهيم والاتجاهات السليمة نحو كل عمل بناءً هي مطلب من مطالب هذا الدين، كل ذلك بغية إنشاء جيل مؤمن يعمل لدينه ودنياه، ويسهم في تفضيل أمته ومجتمعه، ويسير به قُدمًا في معارج التطور الميداني، والرقي الحضاري وفق إطار حياة كريمة تضمن بإذن الله للأمة الإسلامية حياة كريمة، تضمن بإذن الله جل وعلا للأمة الإسلامية العزّة والكرامة، والرفعة والسيادة، ((المؤمن القوي خير وأفضل من المؤمن الضعيف، وفي كلٍّ خير)).
أيّها المعلمون .. أيّها المربّون:
لتكن تلكم الأهداف نصب أعينكم، وليكن تحقيقها في ناشئة المسلمين هو مطلبكم ومسعاكم، حققوا غرسًا يدين للإسلام أولاً، وللأمة ثانيًا.
ابذلوا قصارى جهدكم لتربية تغرس في القلوب الولاء الصادق والمحبة الحقيقية لدين الإسلام ولنبيِّ الإسلام محمد عليه أفضل الصلاة والسلام.
احرصوا على كشف الحقائق الصحيحة لهذا الدين، ولدعوة سيد الأنبياء والمرسلين عليه أفضل الصلاة والتسليم، وجهوا الناشئة إلى الالتزام بالأخلاق الإسلامية والآداب المرعية، والتمثل بالمكارم والفضائل في المدرسة والبيت، في الشارع والسوق، وفي ميادين الحياة كلها.
في تلك المعالم مسؤولية تقع على عواتقكم، وواجب محتم نحو أمتكم، ((كلكم راعٍ، وكلكم مسؤولٌ عن رعيته)).
معاشر المسلمين .. أمة الإسلام:
أعداء الإسلام يجعلون في أولويات اهتمامهم سياسية تعليمية تضمن تربية تخدم مصالحهم وتنشئ جيلاً يتقمص مفاهيمهم ويقتبس عاداتهم وأنواع سلوكياتهم، ويدين بالولاء والطاعة لهم، قال جلّ وعلا: وَدُّواْ لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُواْ فَتَكُونُونَ سَوَاء [النساء:89].
أعداء المسلمين يخططون للنيل منهم، ومن دينهم بكل طريقة ممكنة، ووسيلة متاحة، ومن أعظم وسائلهم محاولة اختراق بلدان المسلمين بمناهج أو برامج تعليمية تهدف لسلخ الولاء لهذا الدين، ولنشر المفاهيم الإسلامية الصحيحة والتقاليد الأصيلة في إطار تغذية بأفكار علمانية، وتربية قائمة على التحلل من الضوابط الدينية، والاستهانة بالأخلاق الاجتماعية الفاضلة، فهي في الجملة تفرز في مجتمعات المسلمين أضرارًا متناهية ومخاطر بالغة تكمن في إضاعة الدين وإماتة آدابه وإخفاء مميزاته.
فاتقوا الله عباد الله والتزموا بمنهج دينكم، واحرصوا على تحقيق أهدافه ومقاصده تصلح الأحوال، وتزكو النفوس، وتسعد الحياة.
بارك الله لي ولكم في القرآن، ونفعنا بما فيه من الآيات والبيان، أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنّه هو الغفور الرحيم.
|