أما بعد: فيا أيها الناس، اتقوا الله تعالى حق التقوى.
عباد الله، إن العلم نعمة من الله، يتفضل بها على من يشاء من عباده، فالعلم نور وهدى يتفضل الله به على من يشاء من عباده، وقد أخبرنا ربنا عن قول ملائكته الكرام أنهم قالوا: سُبْحَـٰنَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنتَ ٱلْعَلِيمُ ٱلْحَكِيمُ [البقرة:32]، وأخبر تعالى أن العلماء هم أهل خشية الله ومخافته: إِنَّمَا يَخْشَى ٱللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ ٱلْعُلَمَاء إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ [فاطر:28]، وأخبر تعالى أن العلم نعمة يخص بها من يشاء من عباده: وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لّمَا عَلَّمْنَاهُ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ [يوسف:68]، وأخبرنا تعالى أن العلم سبب لرفعة أهله وعزتهم في الدنيا والآخرة: يَرْفَعِ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ مِنكُمْ وَٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ دَرَجَـٰتٍ [المجادلة:11]، وأخبر تعالى عن تفاوت العلماء والجهال وأنه لا استواء بينهم: قُلْ هَلْ يَسْتَوِى ٱلَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَٱلَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُو ٱلأَلْبَـٰبِ [الزمر:9].
ومن شرف العلماء أن الله استشهد بهم في أعظم مقام وهو توحيده تعالى: شَهِدَ ٱللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ وَٱلْمَلَـٰئِكَةُ وَأُوْلُواْ ٱلْعِلْمِ قَائِمَاً بِٱلْقِسْطِ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ [آل عمران:18]، والعلم أساس الملة والدين: فَٱعْلَمْ أَنَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلا ٱللَّهُ وَٱسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَـٰتِ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ [محمد:19].
أيها المسلم، هذا العلم الذي هو نعمة من الله على العبد، هذا العلم قد يكون سبباً لسعادة حامله في الدنيا والآخرة، وقد يكون سبباً لشقائه في الدنيا والآخرة. فيكون العلم سبباً لسعادة صاحبه إن هو قام بحق هذا العلم، عمل به، ودعا إليه، وعلّمه غيره، ولهذا العلم النافع يبقى ثوابه ويمتد ثوابه لصاحبه ولو كان في لحده، فأعمال العباد تنقطع بموتهم إلا العلماء ومن تصدق ومن أنفق في الخير يقول : ((إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له)).
فالعلم الذي يُنتفع به هو العلم الذي علّمه، علم علّمه لغيره، أرشد به جاهلاً، وأنار به حيران، وأيقظ به من الغفلة، هذا العلم الذي علّمه، من انتفع بعلمه واستفاد من علمه فإن لهذا المعلِّم أجراً عظيماً كلما انتفع بهذا العلم وامتدت أيامه، فإن الله يجرى عليه ثواب ذلك العلم الذي علّمه.
أيها الأخوة، فالعلم شرف لأهله إن هم قاموا بواجبه، وأدوا حقه على الوجه المرضي، وابتغوا بذلك وجه الله والدار الآخرة.
أيها المسلمون، إن غداً أول الفصل الدراسي لعام 1422هـ من هجرة المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم، فغدا أبناؤنا بناتنا سيؤمُّون مراحل التعليم الجامعي فما دونه، إذاً ما هي رسالة المعلم؟ ما هي وظيفة العلم التي يجب أن يؤديها، ويجب أن يقوم بها، ويجب أن يلتزمها؟
إنها رسالة عظيمة، رسالة شريفة لمن كان مخلصاً لله في أقواله وأعماله. أجل إنها رسالة شريفة، وإنه لعمل عظيم لمن أخلص لله في قوله وعمله.
أيها المعلم، وأيتها المعلمة، إن الواجب عظيم، وإن المهمة ثقيلة، والمسؤولية كبيرة على هذا العلم.
نعم، إنه واجب كبير، معلم سيلتقي بمجموعة من أبناء المسلمين، ومعلمة ستقوم بتعليم كثيرٍ من بنات المسلمين، فما واجب ذلك المعلم؟ إن واجبه أمور:
أولاً: في نفسه، فليتق الله في نفسه، وليكن قدوة حسنة لغيره، ليتخلق بأخلاق الإسلام، وليتأدب بآداب الإسلام، وليعلم أن أقواله وأعماله تتلقى عنه، وأن هؤلاء النشء سينظرون إلى المعلم والمعلمة، سينظرون إلى الأقوال التي يتلفظون بها، والأعمال التي يعملونها، فإن يكن ذلك المعلم وتلك المعلمة ذا خلق نبيل ومروءة وعلم واستقامة على الخُلُق فإنه يصدر منه ومن المعلمة كل كلامٍ طيب بعيد عن الفحش، بعيد عن سقيط الأقوال والأعمال، إن الأبناء والبنات مرآة تعكس أخلاق المعلم والمعلمة، فليتق الجميع ربهم في ذلك، وليحرصوا على أن تكون الأقوال والأعمال موزونة بالميزان الشرعي، فبذلك يؤدي المعلم وتؤدي المعلمة واجبها.
وأمرٌ آخر، أن يكون ذلك المعلم وتلك المعلمة لديهم الانضباط في الوقت وأداء الواجب الذي فُرض عليهم حتى ينقل الأجيال عنهم تلك الأمانة والمحافظة على المسؤولية.
وأمرٌ آخر أن يعلم المعلم والمعلمة أنهم دعاة إلى الله إن صدقوا الله في أقوالهم وأعمالهم، فأعظم الدعوة إلى الله مجال التعليم، فمجال التعليم مجال خصب للدعوة إلى الله، وإرشاد النشء إلى الخير، والأخذ بأيديهم لما يحب الله ويرضاه، نعم إنه مجال خصبٌ للدعوة إلى الله، تغرس في نفوس أولئك النشء الأخلاق والفضائل والأعمال الطيبة والأقوال الحسنة، فينشؤون معظمين للإسلام وآدابه وأخلاقه.
أنت ـ أيها المعلم ـ وأنتِ ـ أيتها المعلمة ـ دعاةٌ إلى الإسلام إن اتقى الجميع ربه في ذلك، دعاة إلى الإسلام، إلى تربية هذا النشء، إلى تعليمه الخير، إلى استئصال أسباب الشر من نفسه، إلى ملء قلبه بمحبة الله ورسوله، ومحبة دينه، وتعظيم أوامره، وتعظيم نواهيه.
أيها المعلم، تدخل على الطلاب وأنت في حالةٍ مستقيمة، متمسكاً بآداب الإسلام في ملبسك، في مظهرك, في كل أحوالك، فيصغي النشء إليك , ويرون الإسلام حقيقة بهذا المعلم الذي إن نطق فبخير، وإن أمر فبخير، وإن سكت فعلى خير، يرون إنساناً متمسكاً متأدباً بآداب الإسلام خجَلاً من أن يرى الطلاب معلماً يحضر وهو بعيد عن أخلاق الإسلام في مظهره وفي حركاته وتصرفاته، فإنهم سيتأثرون بهذا السلوك السيئ الذي يشاهدونه من ذلك المعلم الذي سيستمر معهم فصلاً دراسياً كاملاً.
فيا أيتها المعلمة، ويا أيها المعلم، اتقوا الله في نشء المسلمين، علموهم الخير، وزكوا نفوسهم بالأعمال الصالحة، وكونوا قدوة حسنة لهم يتأسون بكم، ((من دعى إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه إلى يوم القيامة لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الوزر مثل أوزار من تبعه إلى يوم القيامة لا ينقص ذلك من أوزارهم شيئاً)).
أيها المعلم، وأيتها المعلمة، إن تقوى الله واجب على الجميع، إن وظيفة المعلم ليست كسائر الوظائف، لكنها الوظيفة العظيمة التي إذا استقام أهلها استقام نشؤنا وصلحوا في الغالب بتوفيق من الله.
أيها المعلم والمعلمة، إن أبناءنا وبناتنا يواجهون غزواً فكرياً إلحادياً قائماً على أشُدِّه من خلال كل الوسائل التي يراها أعداء الإسلام مؤثرةً على شبابنا وفتياتنا، هذا الغزو الضال المكثف لا يمكن أن نتداركه إلا أن نحصن أبناءنا وبناتنا، أن نحصنهم بالتربية الإسلامية الصادقة، إلى أن نملأ قلوبهم بالخير، إلى أن نحذرهم من الشر ووسائله، إلى أن ننأى بهم عن طرق الضلال والغواية.
أيتها المعلمة، وأيها المعلم، قد تسمع من شبابنا من الصغار من بنين وبنات ما يترسب في أذهانهم من مشاهدة بعض القنوات، أو قراءة بعض المجلات الهابطة، أو سماع بعض القصص المنحرفة، والنظر إلى بعض المسلسلات البعيدة عن الإسلام وأهله.
فاحرص ـ أيها المعلم ـ واحرصي ـ أيتها المعلمة ـ على تصحيح الوضع، وعلى إصلاح الأخطاء، وعلى التوجيه السليم لهؤلاء الفتيان والفتيات، ألاَّ يغتروا بما شاهدوا وبما يرون، وأن تستأصلوا كل الشر من نفوسهم بالتربية الصالحة والتوجيه الطيب الذي يستفيدون منه في الحاضر والمستقبل.
أيها المعلم، وأيتها المعلمة، ولئن كان بعض أبنائنا وبناتنا في هذه الإجازة قد ذهبوا مذاهب شتى، وكلٌّ سافر وكثير منهم انتقلوا من بلاد الإسلام إلى هنا وهناك، فأخشى أن يرجع بعضهم ولديه تصورات خاطئة مما شاهد من ذلك الإعلام المنحرف، أو قرأ من بعض الصحف والمجلات البعيدة عن الخير، أو تأثر بما رأى وشاهد، فلا بد من استئصال تلك التصورات الخاطئة من نفوسهم، والتبيين لهم أن الإسلام هو دين الحق الكامل في كل أحواله، وأن ما لدى الآخرين ـ مهما بلغوا ـ فإنهم على ضلال وخطأ، إن الواجب علينا أن نستفيد من كل شيء نافع، ولكن لا نتنازل عن ديننا وثوابت إسلامنا، كَوْني أستفيد حق، ولكن كوني أبتعد عن هذا الدين أو أقبل من يشكك في هذا الدين وقيمه وفضائله، هذه المصيبة العظيمة.
أيها المعلم، وأيتها المعلمة، إن الطلاب أمانة في الأعناق، سواءٌ في ذلك طلاب الجامعات ومن دونهم، فالمحاضرون في الجامعات يجب عليهم تقوى الله والدعوة إلى الله وتحبيب الإسلام للنفوس.
أيها المعلم، مهما تكن المادة التي تقوم بتعليمها، فاجعل الدعوة إلى الله من خلال أي مادة تعلمها، سواءٌ دينية أو علمية، في أي مادة من المواد، فلتكن الدعوة إلى الله ملازمة لك، وأن تدعو إلى الله على قدر ما تستطيع؛ لأنها أمور مهمة، لا بد من تحصين هذا النشء، والأخذ بأيديهم حتى لا تجرفهم تلك المبادئ الضالة والإعلام المنحرف الذي يبث شره وسمومه.
فيا أمة الإسلام، إن واجب المعلمين في كل المراحل التعليمية أن يتقوا الله في أنفسهم، ويتحسسوا مشاكل شبابنا، ويحذروهم من الأخلاق السيئة، والأخلاق الرذيلة، والأعمال المنحرفة، وكلما سمعوا منهم من أمور خاطئة حاولوا أن يصححوا الخطأ، وأن يقيموا ما أعوج من الأخلاق.
فكن ـ أيها المعلم ـ وكوني ـ أيتها المعلمة ـ متحسسين مشاكل الشباب، وينظرون مشاكلهم، ويحاولون أن يتصوروا ما هم عليه في هذه الإجازة، وماذا حملوا من فكرٍ أو خطأ، فليصححوا تلك الأخطاء، وليبدلوا الصفحات السيئة بصفحات ناصعة بالخير والهدى.
إن المعلم الذي يتقي الله في أبنائه والمعلمة التي تتقي الله في بناتها لا بد أن يسلكوا المسلك الصحيح الذي به يتداركون الأخطاء؛ لأن أمة الإسلام تواجه حملات شرسة من لدن أعدائها، فلا بد من التحصين بالتربية الصالحة، والتوجيه القيم، والحرص على إصلاح النشء، وتحسس المشاكل حتى نقضي على كل ما يخالف شرع الله، ذلك واجب إسلامي على المعلم والمعلمة، إن اتقى الجميع ربهم، وأصلحوا نيتهم، وعملوا بمقتضى علمهم.
أسأل الله للجميع التوفيق والسداد، وأن يكون عاماً دراسياً خيِّراً، يحمل في طياته كل خير وسعادة للأمة في حاضرها ومستقبلها.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه، إنه هو الغفور الرحيم.
|