.

اليوم م الموافق ‏10/‏ذو القعدة/‏1445هـ

 
 

 

النفس ومراتبها (2)

2183

الرقاق والأخلاق والآداب

أعمال القلوب

سعيد بن يوسف شعلان

جدة

عمار بن ياسر

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

ملخص الخطبة

1- محاسبة النفس قبل الشروع في العمل. 2- محاسبة النفس بعد أداء العمل. 3- مقامات أخرى لمحاسبة النفس. 4- مسائل يحاسب الإنسان بها نفسه في الدنيا قبل أن يسأله الله عنها يوم القيامة. 5- الحساب في الدنيا يخفف حساب الآخرة.

الخطبة الأولى

أما بعد:

فما زلنا نعالج أيها الإخوة علاج القلب باستيلاء النفس الأمارة عليه، وقد سبق لنا أن العلاج يكون بأمرين: بمحاسبة النفس ومخالفتها، وكان آخر ما مرّ بنا الكلام على فضيلة محاسبة النفس، ثم نقول اليوم وبالله التوفيق:

محاسبة النفس نوعان، نوع قبل العمل ونوع بعده.

فأما النوع الأول: فهو أن يقف العبد عند أول همِّه ومبدء إرادته، ولا يبادر بالعمل حتى يتبين له رجحانه على تركه.

قال الحسن رحمه الله تعالى: "رحم الله عبدًا وقف عند همِّه، فإن كان لله مضى، وإن كان لغيره تأخر".

ولكن، كيف يكون محاسبة النفس قبل العمل؟ إذا تحركت النفس لعمل من الأعمال وهَمّ به العبد وجب عليه أن يقف أولاً وينظر، هل ذلك العمل مقدور له أم غير مقدور ولا مستطاع؟ هل يستطيع فعله؟ هل يقدر عليه؟ فإن لم يكن مقدورًا له لم يقدم عليه، وإن كان مقدورًا له، وقف ثانية ونظر، هل فعله خير له من تركه؟ أم تركه خير له من فعله؟ فإن كان ترك العمل الذي همَّ به، وأراد أن يفعله -إن كان تركه- خيرٌ له من عمله لم يُقدم عليه، وإن كان فعله خير له من تركه وقف ثالثًا، ونظر: هل الباعث عليه إرادة وجه الله وثوابه؟ أم إرادة الجاه والثناء من المخلوق؟ ما الباعث على العمل؟ أراد به وجه الله واحتساب الثواب عنده. أم أراد الجاه والثناء والمال من المخلوق؟

فإن كان الباعث عليه إرادة الجاه والثناء والمال من المخلوق لم يقدم عليه, وإن أفضى به إلى مطلوبه، ينبغي عليه ألا يُقدم على العمل، وإن أفضى به إلى تحقيق مطلوبه ومبتغاه، لماذا؟ لئلا تعتاد النفس الشرك ويخف عليها العمل لغير الله تعالى، فبقدر ما يخف عليها ذلك يثقل عليها العمل لوجه الله تعالى حتى يصير أثقل شيء عليها، إذا اعتاد العبد العمل لغير وجه الله وتساهل في ذلك ثقل عليه العمل لله تعالى.

وإن كان الباعث على هذا العمل إرادة وجه الله تعالى وثوابه وقف رابعًا وأخيرًا، ونظر: هل هو مُعانٌ عليه وله أعوان وأنصار ينصرونه، إذا كان العمل محتاجًا إلى ذلك أم لا؟ إن كان ليس له أعوان أمسك عنه فإن النبي أمسك عن الجهاد بمكة حتى صار له شوكة وأنصار، فإن كان مُعانًا عليه فليقدم فإنه منصور، فلا يفوِّت النجاح إلاَّ من فَوّت خصلة من هذه الخصال، وإلا فمع اجتماعها لا يفوته النجاح، فهذه أربع مقامات، إذا حاسب العبد نفسه عليها قبل العمل تبين له ما يقدم عليه من العمل وما يحجم عنه، فما كل ما يريد العبد فعله يكون مقدورًا له ولا كل ما يكون مقدورًا له يكون فعله خير له من تركه، ولا كل ما يكون فعله خير له من تركه يفعله لله، ولا كل ما يفعله لله يكون معانًا عليه.

وأمَّا النوع الثاني: فهو محاسبة النفس بعد العمل، إذا حاسبها قبل أن يعمل وانشرح صدره للعمل فقام به فينبغي عليه محاسبة نفسه بعد العمل أيضًا, لماذا؟ قد وفَّى المقامات التي ذكرت وحققها لماذا يطالب بالحساب بعد العمل مرة أخرى؟ لمصالح أخرى تتبين بعد المحاسبة، ومحاسبة النفس بعد العمل ثلاثة أنواع أحدها:

محاسبتها على طاعة قصرت فيها من حق الله تعالى: إذا فعل العبد طاعة فإنه ينبغي عليه أن يحاسب نفسه بعدها، هل قصَّر في هذه الطاعة أم وفى المقامات التي ينبغي مراعاتها من حق الله في الطاعة؟ وما هي المقامات؟ هي ستة:

الإخلاص في العمل، والنصيحة لله فيه، ومتابعة رسول الله في العمل، وشهود مشهد الإحسان فيه، وشهود منة الله تعالى عليه، وشهود تقصيره فيه بعد ذلك كله.

يعني عليه أن يسأل نفسه بعد أداء الطاعة هل أخلص في العمل؟ ونصح لله في أداء هذا العمل؟ فخلّصه من الشوائب وخلّص من إرادة غير الله تعالى فيه، وهل تابع رسول الله فيه؟ بحيث يكون العمل خالصًا صوابًا، خالصًا لله، وصوابًا أي يتابعوا فيه رسول الله فلا يؤديه بالهوى إنما يقيده بمتابعة رسول الله .

ثم هل شهد الإحسان في هذا العمل؟ وما هو الإحسان؟ الإحسان كما سئل جبريل النبي عنه فقال: ((الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك)) وجاء في هذا حديث أبي هريرة في البخاري وحديث عمر في مسلم: ((الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه)) رأي العين فإن من رأى العظيم أمامه لم يشرد ذهنه، ولم يتجه في كل واد، وإنما يركز ويحضره انتباهه وتركيزه، ((فإن لم تكن تراه)) وهذا هو الواقع فعلاً فإن الله لا يُرى في الدنيا ولن تروا ربكم حتى تموتوا، كما جاء في صحيح مسلم والحديث صحيح ((فإنه يراك))، عليك أن تستيقن أن الله تبارك وتعالى وإن حيل بينك وبين رؤيته ((فإنه يراك)) وهذا دافع لك على أن تحسن في أداء العمل.

ثم من مقامات الطاعة: أن تشهد مِنّة الله عليك عندما تؤدي الطاعة، الله هو الذي مَنّ عليك ووفقك وشرح صدرك لأداء الطاعة، ولو أراد لصرف قلبك عنها، ولجعلك من الذين ينشغلون بدنياهم عن آخرتهم، لكن هو الذي رحمك ونظر إليك بعين الرحمة فهداك وأرشدك لتلك الطاعة، فلا تغتر ولا تنظر إلى نفسك نظرة الإعجاب والإدلال.

والمقام السادس: أن تشهد وأن تعترف وأن تلحظ تقصيرك في أداء الطاعة بعد ذلك كله. بعد الوفاء بكل هذه المقامات عليك أن تعرف أنك مازلت مقصرًا، وأنك لم تفعلها ولم توقعها على الوجه الذي ينبغي لله تعالى.

هذه المقامات ينبغي على العبد أن يسأل نفسه بعد أداء الطاعة هل وفاها وهل أتى بها في هذه الطاعة.

هذا أحد أنواع محاسبة النفس بعد أداء العمل.

والثاني: أن يحاسب نفسه على كل عمل كان تركه خير له من فعله، إذا فعل وعمل عملاً كان تركه خيرًا له من فعله، ولم يستن ذلك إلا بعد وقوع العمل فينبغي أن يحاسب نفسه، لماذا فعلت هذا العمل؟ قد كنت سألتُ نفسي وحاسبتها قبل فعله، وتبين لي أن فعله خير لي من تركه، فهل تابعت هواي؟ هل كان تركه خيرًا ثم تابعت أنا الهوى وتركت الحق الذي استبان؟ ينبغي أن يحاسب نفسه.

ثالثًا: ينبغي أن يحاسب نفسه على كل عمل مباح أو معتاد لِم فعله؟ لِم فعل هذا العمل المباح؟ وهل أراد به الله والدار الآخرة فيكون رابحًا، أم أراد به الدنيا والعاجلة فيخسر ذلك الربح ويفوته الظفر به؟

والذين يهملون أنفسهم ويتركون محاسبتها ويسترسلون ويتساهلون ويُمَشون الأمور، يؤول بهم هذا الأمر إلى الهلاك، فإن هذه هي حال أهل الغرور الذين يغمضون أعينهم عن العواقب، ولا ينظرون فيها، ويُمشون الحال ويتكلون على العفو، فإنهم يهملون أنفسهم ويتركون محاسبتها فإذا فعلوا ذلك سهل عليهم مواقعة الذنوب كلها، وأنس بها وعسُر عليه فطام نفسه، ولو حضر هذا الإنسان التارك لمحاسبة نفسه رشده لعلم أن الحمية أسهل عليه من الفطام، أيهما أسهل أن يحمي الإنسان نفسه من الوقوع في المحظور والمخالفات، أو أن يفطمها عن المألوفات والأمور المعتادة؟ فطامها صعب، إن أعطيتها ما تريده فإنه يصعب عليك أن تفطمها، لكنك إن حاسبتها عند إرادتها للأشياء وبعد العمل سهل عليك حمايتها عن الوقوع فيما يغضب الله عز وجل، ولو حضر الإنسان رشده لعلم أن الحمية أسهل من الفطام وترك المألوف والمعتاد، وجماع ما مضى أيها الإخوة الكرام من الكلام على محاسبة النفس قبل العمل وبعد العمل:

أنه يجب على العبد أن يبدأ أولاً بالفرائض فيحاسب نفسه عليها، فإن تذكر فيها نقصًا تداركه بقضاء أو إصلاح، ثم يحاسبها على أفعال المناهي المنهيات التي نهاه الله تبارك وتعالى أن يقربها فإن ارتكب منها شيئًا تداركه بالتوبة أو بالاستغفار والحسنات الماحية، ثم يحاسب نفسه على الغفلة، فإن كان قد غفل عما خُلِقَ له تداركه بالذكر وبالإقبال على الله تعالى، ثم يحاسبها على ما تكلمت به، وما مشت إليه رجلاه، وما بطشت يداه، وعلى ما سمعته أذناه، لماذا فعله؟ ولمن فعله؟ وعلى أيِّ وجه فعله؟ ينبغي أن يحاسب نفسه على ذلك كله، ويعلم العبد أنه لا بد أن يُنشر له ولكل حركة وكلمة منه يوم القيامة ديوانان، ديوان لمن فعلته؟ وكيف فعلته؟ السؤال الأول عن الإخلاص، والثاني عن المتابعة.

قال الله تعالى في سورة الحجر: فَوَرَبّكَ لَنَسْـئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ عَمَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ [الحجر:92-93].

وقال في سورة الأعراف: فَلَنَسْـئَلَنَّ ٱلَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْـئَلَنَّ ٱلْمُرْسَلِينَ فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِم بِعِلْمٍ وَمَا كُنَّا غَائِبِينَ [الأعراف:6-7]. وقال في سورة الأحزاب: ليسأل الصادقين عن صدقهم، فإذا سُئل الصادقون وحوسبوا على صدقهم فما الظن بالكاذبين.

وورد في تفسير المراد من الصادقين وجهان:

الأول: أنهم هم الأنبياء والمرسلون فيسألهم الله عن إبلاغ الرسالات التي أرسلهم بها.

والثاني: أنهم المبلغون عن الرسل سيسألهم الله عن تبليغهم ما أبلغته رسلهم إياه من شريعة ربهم، العلماء والدعاة وغيرهم سيسألهم الله عز وجل.

قال ابن القيم رحمه الله: والتحقيق أن الآية تتناول هذا وتتناول هذا، تتناول الجميع.

قال قتادة رحمه الله: "كلمتان يُسئل عنها الأولون والآخرون يوم القيامة، ماذا كنتم تعملون؟ وما أجبتم المرسلين؟" أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.


 

الخطبة الثانية

 

الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأشهد أن محمدًا عبد الله ورسوله خاتم الأنبياء وإمام المرسلين، اللهم صل وسلم وبارك على الخيرة من خلقك، والمصطفى من عبادك محمد وعلى آله وصحبه.

أما بعد:

في الآيات التي تدل على سؤال الناس يوم القيامة، آية عظيمة في آخر سورة التكاثر، قال الله تعالى: ثُمَّ لَتُسْـئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ ٱلنَّعِيمِ [التكاثر:8]. قال محمد بن جرير الطبري رحمه الله: "ثم ليسألنكم الله عز وجل عن النعيم الذي كنتم فيه في الدنيا ماذا عملتم فيه من أين وصلتم إليه؟ وفيما أصبتموه وماذا عملتم به؟ سيسألكم الله عن ذلك، إن الله سائل كل عبد عما استودعه من نعمه وحقه.

والسؤال بل والنعيم المسؤول عنه يوم القيامة نوعان: نوع أُخذ بحله ومن حله وصُرف في حقه فيُسأل عن شكره، النعيم الذي وصلنا إليه بالحلال المحض وصرفناه في الحلال المحض نُسأل عن شكره، هل شكرتم هذه النعمة العظيمة، بل النعيم العظيم الذي جعلكم الله فيه في الدنيا، هل أتيتم بشكره وقدّمتم شكره؟ هل قمتم بواجب الله تعالى فيه؟.

والنوع الثاني: نوع أخذ بغير حِله وصُرف في غير حقه، يسئل عن الذي وصلنا إليه بغير الطريق الحلال وصرفناه في غير الحلال نسئل عن مستخرجه وعن مصرفه، من أي استخرجتموه؟ وفيما صرفتموه؟ سؤال من الله تبارك وتعالى يوم القيامة عن النعيم بنوعيه، ورضي الله عن صحابة رسول الله الذين كان الواحد منهم إذا وضع الماء في الظل ليبرد بعض الشيء ولتخف درجة حرارته وسخونته يشربه فإذا أحس فيه بشيء من البرودة بكى وقال: ثُمَّ لَتُسْـئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ ٱلنَّعِيمِ [التكاثر:8].

ماء بُرِّدَ بعض الشيء لا كل الشيء، ثُمَّ لَتُسْـئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ ٱلنَّعِيمِ [التكاثر:8]. فما بالنا نحن غرقنا في النعيم إلى آذاننا وتقلبنا في أعطافه، وما زال سخطنا على قضاء الله وقدره وعدم رضانا بما رزقنا الله عز وجل، وعدم أدائنا لشكر هذه النعم. ما زال واقعًا مشاهدًا وما زلنا مصروفين عن كتاب الله تبارك وتعالى وسنة رسوله لا نلقي لذلك بالاً، وما بكم من نعمة فمن الله، كما قال في سورة النحل:

ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ ٱلضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْـئَرُونَ [النحل:53]. تفزعون إلى الله، إذا مسكم ضر، ومستكم مصيبة، ثُمَّ إِذَا كَشَفَ ٱلضُّرَّ عَنْكُمْ إِذَا فَرِيقٌ مّنْكُم بِرَبّهِمْ يُشْرِكُونَ [النحل:54].

عبد الرحمن بن عوف الصحابي الجليل الذي رآه سعيد بن جبير في خيمة ابن عباس في الحج يتعلم على يديه القرآن من كبار الصحابة من آكابرهم ومن العشرة المبشرين بالجنة، وإن لم يكن من العشرة المعدودين فهو منهم بُشر بالجنة، وهناك كثيرون لم يدخلوا في العشرة المعدودين جاءتهم البشائر من رسول الله بالجنة.

عبد الرحمن يطلب العلم ويتعلم القرآن على صحابي من سن أبنائه أو أبناء أبنائه، فيسأله سعيد بن جبير: أتتعلم القرآن على يدي ابن عباس يا عبد الرحمن؟ قال: نعم. شغلنا الغزو عن كتاب الله عز وجل، الجهاد والغزو منعهم من أن يحفظوا القرآن كله، ويتعلموا القرآن كله لمصلحة الإسلام، فما الذي شغلنا نحن عن كتاب الله عز وجل، إن كان الذي شغلهم هو الجهاد في سبيل الله عز وجل، فما الذي شغلنا نحن؟ فلنسأل أنفسنا هذا السؤال.

هل نحن في حاجة إلى أن نكرر كل جمعة الشواغل التي صرفتنا عن كتاب الله؟ وخالد بن الوليد الصحابي الجليل قائد جيوش المسلمين الفاتح المغوار البطل العظيم الذي يعرفه كل أحد في هذه الدنيا، يعرفه أهل الصين وأهل إندونيسيا والملايو وأهل جميع البلاد في الحبشة وإفريقيا والعراق وغير ذلك لمَّا عزله عمر عن القيادة وجلس في حمص وقد نشر مصحفه يتعلم ويقرأ ويبكي ويقول: شغلنا الجهاد عن تعلم كتاب الله عز وجل، هذا هو الذي شغلهم، وسمعت نفس الكلام من أحد المجاهدين الأفغان في هذه الأيام، يأسف على أنه لم يحفظ من القرآن إلا إثني عشر جزءًا فقط، ويقول إنما أردت أن أذهب إلى شيخي لأتم القرآن، شغلني الجهاد ووددت لو أن تهيأ لي مجلس أسمع فيه كل حديث روي عن رسول الله ولكني لست بمُتمكن ولست بواجد ذلك الوقت، وهذه الفرصة، فما الذي شغلنا نحن؟ هذا الذي شغل الأولين من المجاهدين والآخرين منهم، فلنسأل أنفسنا عن الذي شغلنا عن كتاب الله تعالى وإذا كان العبد محاسبًا عن كل شيء ومسؤول عن كل شيء، حتى على سمعه وبصره وقلبه، كما قال الله تعالى في سورة الإسراء: إِنَّ ٱلسَّمْعَ وَٱلْبَصَرَ وَٱلْفُؤَادَ كُلُّ أُولـٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً [الإسراء:36]. إذا كان محاسبًا على ذلك كله، فهو حقيق على أنه يناقش نفسه قبل أن يُناقش الحساب، وقد دل على وجوب محاسبة العبد نفسه في الدنيا قوله تعالى في سورة الحشر: يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ [الحشر:18]. يقول تعالى لينظر أحدكم ماذا قدَّم ليوم القيامة من الأعمال. أمن الصالحات التي تُنجي أم من السيئات التي توبقه؟

وكان سفيان الثوري يقول قبل أن يقوم من مجلس حديثه يقول عن الدنيا:

أرى الأشقياء لا يسأمونها على           أنهم فيهـا عـراة وجـوَّع

وإنها وإن كانت تسُـر فإنهـا           سحابة صيف عن قليل تقشّعُ

هكذا كان يقول عن الدنيا: أرى أشقياء الناس لا يسأمونها ولا يسأمون أن يغرقوا أنفسهم في ملذاتها ومتاعها، ولو فوَّت ذلك عليهم أداء حقوق الله تعالى التي خلقوا لأجلها، على أنهم فيها عراة ومجوَّع، وإنها وإن كانت تسرُ حينًا فإنها سحابة صيف عن قليل تمضي وتزول.

وقال حافظ بن أحمد الحكمي:

والموت فاذكـره ومـا وراءه          فمنـه مـا لأحـد بـراءة

وإنــه للفيصـل الـذي بـه             ينكشف الحال فـلا يشتبـه

القبر روض من رياض الجنان          أو حفرة من حفـر النيران

إن يك خيرًا فالذي مـن بعـده          أفضل عنـد ربنـا لعبـده

وإن يك شرًا فمـا بعـد أشـد           ويلٌ لعبد عن سبيل الله صد

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

إلى أعلى

إذا كانت لديك أية ملاحظات حول هذه الخطبة، إضغط هنا لإرسالها لنا.

كما نرجو كتابة رقم هذه الخطبة مع رسالتك ليتسنى لنا التدقيق وتصويب الأخطاء

 
 

 2004© مؤسسة المنبر الخيرية للمواقع الدعوية على شبكة الإنترنت، جميع الحقوق محفوظة

عدد الزوار حالياً