أما بعد:
فإن نعم الله على الخلق كثيرة لا تعد ولا تحصى كما قال الله تعالى: وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ ٱلإنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ [إبراهيم:34].
وأعظم النعم بعد الإيمان العافية والأمن، فالأمن ضد الخوف، الأمن طمأنينة القلب وسكينته وراحته وهدوؤه، فلا يخاف الإنسان مع الأمن على الدين، ولا على النفس، ولا على العرض، ولا على المال، ولا على الحقوق.
فالأمن أصل من أصول الحياة البشرية، لا تزدهر الحياة ولا تنمو ولا تخلو بغير الأمن.
ما قيمة المال إذا فقد الأمن؟! ما طيب العيش إذا انعدم الأمن ؟! كيف تنتعش مناشط الحياة بدون الأمن؟!.
الأمن تنبسط معه الآمال، وتطمئن معه النفوس على عواقب السعي والعمل، وتتعدد أنشطة البشر النافعة مع الأمن، ويتبادلون المصالح والمنافع، وتكثر الأعمال المتنوعة التي يحتاج إليها الناس في حياتهم مع الأمن، وتدر الخيرات والبركات مع الأمن، وتأمن السبل، وتتسع التجارات، وتُشيد المصانع، ويزيد الحرث والنسل، وتحقن الدماء، وتحفظ الأموال والحقوق، وتتيسر الأرزاق، ويعظم العمران، وتسعد وتبتهج الحياة في جميع مجالاتها مع الأمن.
وقد امتنّ الله على الخلق بنعمة الأمن، وذكّرهم بهذه المنّة، ليشكروا الله عليها، وليعبدوه في ظلالها، قال الله تعالى: أَوَلَمْ نُمَكّن لَّهُمْ حَرَماً ءامِناً يُجْبَىٰ إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلّ شَىْء رّزْقاً مّن لَّدُنَّا وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ [القصص:57]. وقال تعالى: فَلْيَعْبُدُواْ رَبَّ هَـٰذَا ٱلْبَيْتِ ٱلَّذِى أَطْعَمَهُم مّن جُوعٍ وَءامَنَهُم مّنْ خوْفٍ [قريش3-4].
وعن عبيد الله بن محسن الأنصاري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من أصبح منكم آمناً في سربه، معافىً في جسده، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها)) [رواه الترمذي، وقال: "حديث حسن"].
والإسلام عني أشد العناية باستتباب الأمن في مجتمعه، فشرع الأوامر، ونهى عن الفساد والشرور، وشرع الحدود والزواجر الرادعة، قال تعالى: وَتَعَاوَنُواْ عَلَى ٱلْبرِ وَٱلتَّقْوَىٰ وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى ٱلإِثْمِ وَٱلْعُدْوَانِ [المائدة:2].
وأخبرنا الله تعالى أن الأمن لمن عمل الصالحات، واستقام على سنن الهدى، وابتعد عن سبل الفساد والردى، قال تعالى: ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَـٰنَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَـئِكَ لَهُمُ ٱلاْمْنُ وَهُمْ مُّهْتَدُونَ [الأنعام:82].
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا رأى الهلال قال: ((اللهم أهلّه علينا بالأمن والإيمان، والسلامة والإسلام، هلال خير ورشد، ربي وربك الله)).
فالأمن نعمة كبرى، ومنّة من الله عظمى، إذا اختلفت نعمة الأمن، أو فقدت فسدت الحياة، وشقيت الأمم، وساءت الأحوال، وتغيرت النعم بأضدادها، فصار الخوف بدل الأمن، والجوع بدل رغد العيش، والفوضى بدل اجتماع الكلمة، والظلم والعدوان بدل العدل والرحمة.. عافانا الله بمنه وكرمه..
فاشكروا الله واحمدوه على نعمة الأمن، وعلى النعم الظاهرة والباطنة التي أسبغها عليكم، وذلك بالدوام على الطاعات، والبعد عن المحرمات، فإنّ الله تعالى منّ على هذه البلاد بنعمة الأمن وغيرها حتى صارت والحمد لله مضرب الأمثال بين الدول في هذا العصر في الأمن والاستقرار ومحاربة الجريمة، لأن الشريعة الإسلامية، تحكم هذه البلاد، ودستور هذه المملكة حرسها الله كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
ألا ومن تسوِّل له نفسه، ومن يزيِّن له الشيطان العبث بأمن هذه البلاد واستقرارها، ومن يقترف جريمة التخريب والتفجير والإرهاب والإفساد في الأرض فقد وقع في هاوية المكر والخيانة، وَلاَ يَحِيقُ ٱلْمَكْرُ ٱلسَّيّىء إِلاَّ بِأَهْلِهِ [فاطر:43]. واكتسب جرمًا يخزيه أبدًا، وسيلقى جزاءه الأليم الذي قدّره الله له، سواء كان هذا المخرّب مسلمًا أو غير مسلم، لأن هذا التخريب والتفجير والإفساد يقتل ويصيب نفوسًا معصومة محرّمة الدم والمال من المسلمين، أو غير المسلمين الذين أمّنهم الإمام أو نُوَّابه على نفوسهم وأموالهم.
والإسلام يأخذ على يد الظالم والمفسد والمعتدي على النفوس، والأموال المعصومة بما يمنعه من ارتكاب الجرائم، ويزجره وأمثاله عن البغي والعدوان، لأن الإسلام دين العدل، ودين الرحمة والخير، فلا يأمر أتباعه إلاّ بما فيه الخير، ولا ينهاهم إلاّ عمّا فيه شرٌّ وضرر.
فاتقوا الله أيها المسلمون تكونوا من المفلحين، واعتصموا بحبل الله جميعًا يهدكم إلى صراطٍ مستقيم، وكونوا يدًا واحدة على كل مجرم أثيم، يريد أن يزعزع أمنكم واستقراركم، ويعبث بمنجزاتكم، وينشر الفوضى في مجتمعكم، قال الله تعالى: وَمَن يَكْسِبْ إِثْماً فَإِنَّمَا يَكْسِبُهُ عَلَىٰ نَفْسِهِ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً [النساء:111]. وقال تعالى: لَّيْسَ بِأَمَـٰنِيّكُمْ وَلا أَمَانِىّ أَهْلِ ٱلْكِتَـٰبِ مَن يَعْمَلْ سُوءا يُجْزَ بِهِ وَلاَ يَجِدْ لَهُ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَلِيّاً وَلاَ نَصِيراً [النساء:123].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإيّاكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، ونفعنا بهدي سيد المرسلين وقوله القويم.
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنّه هو الغفور الرحيم.
|