أما بعد:
فإن لله تبارك وتعالى منح وعطايا ومواهب يمنحها لعباده ويهبها لهم في كل حين. يمحو بها الخطايا ويكفر بها السيئات ويرفع الدرجات ويقيل العثرات. فقد شرع لنا جل وعلا شهراً نصوم فيه، وشهراً نحج فيه، ويوماً أو يومين من بعض الشهور نصومها, وشرع كذلك قيام الليل وصلاة الوتر والأضحية والعقيقة وغير ذلك من أنواع العبادات المختلفة المتنوعة كل ذلك منه جل وعلا تنويعاً لسبل الخير والطاعات وتنشيطاً للنفس عندما تنتقل من نوع من الطاعات إلى نوع آخر فلا يمل الإنسان ولا يكل من طاعة الله، وتلك نعمة من نعم الله علينا وذلك فضله سبحانه وتعالى. فمن ذلك أنه شرع لنا صيام رمضان وقيامه ووعدنا بالمغفرة والأجر العظيم فقال صلى الله عليه وسلم: ((من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه)) [متفق عليه].
وشرع لنا الحج في أشهر الحج: شوال وذي القعدة وذي الحجة، ووعد من حج كما أمره الله بالمغفرة والجنة فقال صلى الله عليه وسلم: ((من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه)) [رواه مسلم]. وقال صلى الله عليه وسلم: ((الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة)) [متفق عليه].
وشرع صوم يوم عرفة وصوم يوم عاشوراء ويوماً قبله أو يوماً بعده وقال: ((صوم يوم عرفة أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده وصوم يوم عاشوراء أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله)) [رواه مسلم].
وشرع الأضحية في يوم النحر، وقد وردت الأحاديث أنه ضحى عن نفسه وعن فقراء أمته وعن نسائه في البخاري ومسلم والسنن. وشرع العقيقة وهي التي تذبح عن المولود، عن الذكر شاتان، وعن الأنثى شاة، وقد وردت أحاديثها في السنن أنه صلى الله عليه وسلم سئل عن العقيقة فأخبرنا بها.
وهكذا عباد الله تجدون أنه ما من عبادة تقرب من الله إلا وقد أخبرنا الله بها في كتابه أو أخبرنا بها نبينا صلى الله عليه وسلم في سنته.
لكن الخطأ أن بعض المسلمين يريد التقرب إلى الله عز وجل ويريد الأجر والثواب فيذهب للبحث عن ذلك في غير كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. ومن هنا يحدث الانحراف عن المنهج الحق.
ولقد ذم الله تعالى في كتابه الكريم العرب الجاهليين عندما تدخلوا في شرع الله وأخذوا يحرمون ويحللون ويستحبون ما لم يأذن به الله. فمثلاً كان العرب يتلاعبون بالأشهر الحرم ويستطيلون مدة ثلاثة أشهر حرم متتالية، فأخروا واحداً منها وغيروا مكانه، فذمهم الله تعالى في قوله: إِنَّمَا ٱلنَّسِىء زِيَادَةٌ فِى ٱلْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرّمُونَهُ عَامًا [التوبة:37]. قال ابن كثير رحمه الله: "هذا مما ذم الله به المشركين من تصرفهم في شرع الله بآرائهم الفاسدة وتغييرهم أحكام الله بأهوائهم الباردة وتحليلهم ما حرم الله وتحريمهم ما أحل الله".
وكذلك ذم الله المشركين الجاهليين عندما حرموا من الإبل ما لم يأذن به الله فقال تعالى: مَا جَعَلَ ٱللَّهُ مِن بَحِيرَةٍ وَلاَ سَآئِبَةٍ وَلاَ وَصِيلَةٍ وَلاَ حَامٍ وَلَـٰكِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يَفْتَرُونَ عَلَىٰ ٱللَّهِ ٱلْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ [المائدة:103]. وقد كان العرب قد حرموا ذبح أنواع من الإبل وحرموا ركوب أنواع من الإبل بقوانين وضعوها من عند أنفسهم لم يشرعها لهم الله فذمهم بذلك.
ومن هنا أيها الموحد تعلم أن عبادة الله أمر لا يجوز إلا بما شرعه الله لك أو شرعه لك رسوله صلى الله عليه وسلم، ومن أراد أن يتقرب إلى الله وينال ثوابه وحبه ورضاه بغير ذلك فسوف يحصل له عكس مقصوده وخلاف مراده، فإن الله لا يرضى إلا بما شرعه من العبادات.
أيها الأخوة الكرام: وفي هذا الشهر شهر رجب الذي هو أحد الأشهر الحرم يحصل من بعض المسلمين هداهم الله بعض المخالفات حيث يريد هؤلاء التقرب إلى الله ومغفرة الذنوب وحب الله ورضاه بعبادات لم يشرعها الله لهم ولم يأذن بها، هم يريدون الخير طبعاً ولكن...كم من مريد للخير لم يدركه؟
والعبرة عباد الله ليست فقط بالنية الحسنة بل يجب مع النية الحسنة أن يكون العمل مشروعاً، وإلا فإن العمل مردود على صاحبه غير مقبول منه. ولكن من هذا الذي يجرؤ أن يقول: إن العمل غير مقبول عند الله؟ ومن يدريه أن العمل غير مقبول؟ نقول: إن الذي أخبر بهذا هو الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم ففي الحديث: ((من أحدث في أمرنا هذا ما ليس فيه فهو رد)) [متفق عليه]. وفي رواية لمسلم: ((من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد)) فكل عمل ليس بأمر الشارع فهو مردود على صاحبه غير مقبول منه.
ومما يفعل في شهر رجب الذبائح، وقد كانوا في الجاهلية يذبحون ذبيحة يسمونها العتيرة، وقال أهل العلم: إن الإسلام قد أبطلها لحديث أبي هريرة في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا فرع ولا عتيرة)).
|