أما بعد:
فإنه من الطبيعي أن الإنسان إذا أصابته مصيبة تألم واهتم واغتم وتنغصت عليه حياته وتكدرت عليه معيشته وأخذ يتأمل ويتألم ..نعم عباد الله هذا حال كثير من الناس، لكنه ليس حال المؤمن الكيس الفطن المطمئن بقضاء الله وقدره. يقول صلى الله عليه وسلم كما يروي الإمام مسلم في صحيحه: ((عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله خير له، وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له)) هذا هو حال المؤمن كما يصفه لنا الصادق المصدوق عليه أفضل الصلوات والتسليم.
بل وإن المؤمن ليصل إلى درجة أعلى من ذلك حيث ليس يرى أن ما كتبه الله عليه شر أبداً. و يؤمن بأن كل ما يكتبه الله لعبده خير، والله لا يقدر شراً أبداً، وقد علمنا ذلك نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، فقد ورد في صحيح مسلم كذلك أنه كان إذا قام للصلاة قال في دعاء الاستفتاح: ((لبيك وسعديك والخير كله في يديك، والشر ليس إليك)) فنفى النبي صلى الله عليه وسلم نسبة الشر إلى الله جل وعلا. لذلك فإن المؤمن يعلم أن كل ما يصيبه بقدر الله فهو خير.
وإننا عباد الله نعيش اليوم أحداثاً مؤلمة من تسلط اليهود على إخواننا وأبنائنا في فلسطين -فك الله أسرها من قيد اليهود- جعلت كثيراً من المؤمنين يتألمون ويحزنون ويشكون إلى الله هذا البلاء ويسألونه رفعه، فنسأل الله أن يرفع البلاء عن جميع المسلمين.
لكننا نريد إخوة الإيمان أن نتأمل في هذه الأحداث لنرى ما فيها من الخير والجوانب الإيجابية التي قد يغفل عنها كثير من المسلمين اليوم في خضم هذه المعركة الدائرة بين الإسلام والكفر.
وإننا نعلم يقينا أن الله قد أراد لنا وبنا خيراً حين قضى ذلك وقدره على هذه الأمة، فكم من منحة كانت في طي محنة، وكم من نقمة كانت حقيقتها نعمة، لكن الأمر يحتاج إلى تأمل النصوص الشرعية والواقع الذي نعيشه ليظهر لنا ما أراده الله من خير لهذه الأمة بهذا البلاء.
فمن الجوانب الإيجابية لهذا البلاء:
أولاً: الإيمان بالقضاء والقدر وتصديق ما أخبر به ربنا تبارك وتعالى: وَقَضَيْنَا إِلَىٰ بَنِى إِسْرٰءيلَ فِى ٱلْكِتَـٰبِ لَتُفْسِدُنَّ فِى ٱلأرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوّاً كَبِيراً [الإسراء:4]. الله أكبر.. هذا هو الخبر القرآني، وهاهو الواقع يشهد بذلك ويصدقه، وهاأنتم ترون اليهود كيف علو علواً كبيراً، وكيف أفسدوا في الأرض. فلا إله إلا الله ما أعظم هذا الكتاب وما أصدق أخباره، ولكن..أين المتأملون وأين المتدبرون؟؟
ويقول تعالى مخاطباً بني إسرائيل وَأَمْدَدْنَـٰكُم بِأَمْوٰلٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَـٰكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا [الإسراء:6]. هكذا يخبرنا الله ويخبر بني إسرائيل أنهم سيتمكنون في فترة من الفترات وزمن من الأزمنة ويتسلطون على عباد الله وعلى المسجد الأقصى لكنه تعالى يقول: فَإِذَا جَاء وَعْدُ ٱلآخِرَةِ لِيَسُوءواْ وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُواْ ٱلْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبّرُواْ مَا عَلَوْاْ تَتْبِيرًا [الإسراء:7]. نعم.. هذا خبر الله وكما تحققت الأولى وتمكن اليهود وتسلطوا على المؤمنين وآذوهم، ستتحقق الثانية وندخل المسجد كما دخلناه أول مرة. إن إيماننا بالقضاء والقدر يجعلنا نصبر ونؤمن بأنه سيأتي الفرج وأن ما قدره الله وكتبه لابد صائر وكائن، وأنه لا ينجي حذر من قدر.
ثانياً: ومما يظهر لنا من الجوانب الإيجابية الناتجة عن الأحداث ظهور الأخوة الإسلامية بين المسلمين وإن اختلفت ألوانهم وأشكالهم وبلادهم وإن أبناء هذا الدين وهذه العقيدة يغار بعضهم على بعض ويتألم بعضهم لبعض، وفوق ذلك كله يهب بعضهم لنجدة بعض بكل ما يملك من الوسائل المتاحة له. تحقيقاً لقوله تعالى: إِنَّمَا ٱلْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ [الحجرات:10]. ولقوله صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين من حديث النعمان بن بشير رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى))، وقوله صلى الله عليه وسلم في الصحيحين أيضاً من حديث عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه)).
ولقد ظهر هذا ولله الحمد واضحاً جلياً في تعاطف المسلمين في كل بلاد الإسلام مع إخوانهم في فلسطين وفي بلادنا هذه خاصة حيث جمعت التبرعات لإخواننا وسخت النفوس المؤمنة لإخوانها في تلك البلاد، ليعلم أعداء ديننا أننا كما قال الله: إِنَّ هَـٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَاْ رَبُّكُمْ فَٱعْبُدُونِ [الأنبياء:92].
نعم ..أمة واحدة ذات دين واحد تعبد رباً واحداً لا إله إلا هو.
وليعلم أعداء الإسلام أن أخوة الدين تجمعنا وتربطنا مهما أثاروا بيننا الفتن وحاولوا زرع الحقد في النفوس، سنبقى إخوة متحابين في الله ينصر بعضنا بعضاَ.
ثالثاً: من فوائد ومنافع هذا البلاء ظهور حقيقة اليهود، وأنهم شعب مجرم فاجر أهل غدر وخيانة، قتلة الأنبياء ليس لهم عهد ولا ذمة، إن ضعفوا ذلوا وقبلوا الأيادين وإن تمكنوا تجبروا وطغوا، شعب متكبر يرى أنه أفضل خلق الله، وأن بقية الشعوب إنما خلقت لخدمته.
قد أخبرنا الله في كتابه عن خسة أمة اليهود، واستمع لما يقوله تبارك وتعالى عنهم: ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ ٱلذّلَّةُ وَٱلْمَسْكَنَةُ وَبَاءوا بِغَضَبٍ مّنَ ٱللَّهِ ذٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بِآيَـٰتِ ٱللَّهِ وَيَقْتُلُونَ ٱلنَّبِيّينَ بِغَيْرِ ٱلْحَقّ ذٰلِكَ بِمَا عَصَواْ وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ [البقرة:61]. ويظهر كذلك عباد الله ما يخفيه بنو يهود في صدورهم من الحقد والبغض لمسلمين يقول تعالى: لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّواْ مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ ٱلْبَغْضَاء مِنْ أَفْوٰهِهِمْ وَمَا تُخْفِى صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الاْيَـٰتِ إِنْ كُنتُمْ تَعْقِلُونَ [آل عمران:118].
ولتعلم إجرامهم حينما يتمكنون من المسلمين اقرأ قوله تعالى: لاَ يَرْقُبُونَ فِى مُؤْمِنٍ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً [التوبة:10]. ولتعلم شدة عداوتهم للمؤمنين إليك قوله تعالى: لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ ٱلنَّاسِ عَدَاوَةً لّلَّذِينَ ءامَنُواْ ٱلْيَهُودَ وَٱلَّذِينَ أَشْرَكُواْ [المائدة:82]. إنهم قتلة الأنبياء كما أخبر الله بأنهم كَانُواْ يَكْفُرُونَ بِـئَايَـٰتِ ٱللَّهِ وَيَقْتُلُونَ ٱلاْنْبِيَاء بِغَيْرِ حَقّ [آل عمران:112]. ولقد حاولوا قتل نبينا محمد صلى الله عليه وسلم أكثر من مرة. حيث أرادوا أن يرموا حجراً من فوق جدار على النبي صلى الله عليه وسلم، وحاولوا قتله بإطعامه شاة مسمومة، وفي كل مرة ينجيه الله من غدرهم.
فماذا نريد بعد ذلك عباد الله؟ لقد بين لنا ربنا تبارك وتعالى في كتابه عداوة اليهود في آيات كثيرة وأخبرنا بالحل الوحيد الذي يريدونه منا لتنتهي هذه العداوة هي كفرنا ودخولنا في ملتهم، فقال تعالى: وَلَن تَرْضَىٰ عَنكَ ٱلْيَهُودُ وَلاَ ٱلنَّصَـٰرَىٰ حَتَّىٰ تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ [البقرة:120]. وقال جل وعلا: وَدُّواْ لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُواْ فَتَكُونُونَ سَوَاء [النساء:89]. نعم هذا ما يريده منا اليهود، إنهم لا يريدون أرضاً ولا مالاً، وإنما يريدون أن نصبح كفاراً مثلهم حتى يرضوا عنا.
أيها المؤمنون: هذه حقيقة يهود، وهي في كتاب الله منذ أربعة عشر قرناً، وتأتي هذه الأحداث لتظهرها لنا واضحة جلية.
|