أما بعد:
يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ [الحشر:18].
عباد الله: إن العبد مبتلى في كل شيء فيما يسره ويحبه وفيما يسؤوه ويكرهه، قال الحق جل وعلا: وَنَبْلُوكُم بِٱلشَّرّ وَٱلْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ [الأنبياء:35].
قال ابن عباس رضي الله عنهما: نبتليكم بالشدة والرخاء والصحة والسقم والغنى والفقر والحلال والحرام والطاعة والمعصية والهدى والضلالة وقال جل ذكره: وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مّنَ ٱلْعَذَابِ ٱلاْدْنَىٰ دُونَ ٱلْعَذَابِ ٱلاْكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ [الممتحنة:21].
قال ابن جرير ـ رحمه الله ـ: "واختبرناهم بالرخاء في العيش والخفض بالدنيا والدعة والسعة في الرزق، وهي الحسنات التي ذكرها جل ثناؤه، ويعني بالسيئات: الشدة في العيش والشظف فيه والمصائب والرزايا في الأموال لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ أي ليرجعوا إلى طاعة ربهم وينيبوا إليه ويتوبوا من معاصيه" اهـ.
فهذا هو قضاء الله تعالى وقدره:
يجري القضاء وفيه الخير نافلة لمؤمن واثق بالله لا لاهـي
إن جاءه فرج أو نابـه تـرح في الحالتين يقول الحمد لله
عباد الله: وإنه ثمة أمور حول المرض والمريض وزيارته نذكرها على سبيل الاختصار، فإن زيارة المريض سنة وحق من حقوق المسلم على أخيه المسلم في الحديث عن البراء بن عازب رضي الله عنهما قال: (أمرنا رسول الله بعيادة المريض واتباع الجنائز وتشميت العاطس وإبرار القسم ونصرة المظلوم وإجابة الداعي وإفشاء السلام) [متفق عليه].
وفوائد زيارة المريض كثيرة منها أنك تدخل إلى نفس المريض البهجة والسرور وتزيل عنه الهم والحزن والتفكير، والزيارة تقوي الروابط والصلات وتذكره بالله وتشعره بالمحبة والأخوة في الله، هذا فضلاً عما يحصل للزائر من الأجر والثواب عند الله تعالى، وإليكم الأدلة معاشر المسلمين: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله : ((إن الله عز وجل يقول يوم القيامة: ابن آدم مرضت فلم تعدني! قال: يا رب كيف أعودك وأنت رب العالمين؟ قال: أما علمت أن عبدي فلانًا مرض فلم تعده؟ أما علمت أنك لو عدته لوجدتني عنده)) [الحديث رواه مسلم].
وعن ثوبان رضي الله عنه عن النبي قال: ((إن المسلم إذا عاد أخاه لم يزل في خرفة الجنة حتى يرجع، قيل: يا رسول الله وما خرفة الجنة؟ قال: جناها، وهو ما يجتنى من الثمر)) [رواه مسلم].
وعن علي رضي الله عنه قال سمعت رسول الله يقول: ((ما من مسلم يعود مسلمًا غدوة إلا صلى عليه سبعون ألف ملك حتى يمسي، وإن عاده عشية إلا صلى عليه سبعون ألف ملك حتى يصبح وكان له خريف -أي الثمر- في الجنة)) [رواه الترمذي].
أما عن فوائد المرض فنعم له فوائد كبرى منها: استخراج عبودية الضراء وهي الصبر: قال سبحانه: وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْء مّنَ ٱلْخَوفْ وَٱلْجُوعِ وَنَقْصٍ مّنَ ٱلاْمَوَالِ وَٱلاْنفُسِ وَٱلثَّمَرٰتِ وَبَشّرِ ٱلصَّـٰبِرِينَ ٱلَّذِينَ إِذَا أَصَـٰبَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رٰجِعونَ أُولَـئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوٰتٌ مّن رَّبْهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَـئِكَ هُمُ ٱلْمُهْتَدُونَ [البقرة:155-157].
قال ابن عمر رضي الله عنه: (كل ما ساءك فهو مصيبة) ومن أعظم فوائد المرض أنه سبب لدخول الجنة، فالجنة سلعة الله الغالية التي لا تنال إلا بما تكرهه النفس، في الحديث عنه عليه الصلاة والسلام: ((إذا ابتليت عبدي بحبيبتيه أي عينيه فصبر عوضته منهما الجنة)) [رواه البخاري]. ويقول عليه السلام: ((قال الله تعالى: ما لعبدي المؤمن عند جزاء إذا قبضت صفيه من أهل الدنيا ثم احتسبه إلا الجنة)) [رواه البخاري فما أعظمها من فائدة].
ومن فوائد المرض أنه سبب في تكفير خطاياك التي اقترفتها بقلبك وسمعك وبصرك ولسانك وسائر جوارحك قال الرسول : ((ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه)) [أخرجه البخاري].
وفي الحديث أيضًا: ((ما من مسلم يصيبه أذى من مرض فما سواه إلا حط الله به سيئاته كما تحط الشجرة ورقها)) [أخرجه البخاري ومسلم].
ومن فوائد المرض وغيره من المصائب أنه يرد العبد الشارد عن ربه إليه ويذكره بمولاه بعد أن كان غافلاً عنه ويكفه عن معصيته بعد أن كان منهمكًا فيها، فإن العبد متى كان صحيحًا معافى انهمك في ملذاته وشهواته وأقبل على دنياه ونسى مولاه قال جل وعلا: وَلَقَدْ أَرْسَلنَا إِلَىٰ أُمَمٍ مّن قَبْلِكَ فَأَخَذْنَـٰهُمْ بِٱلْبَأْسَاء وَٱلضَّرَّاء لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ [الأنعام:42].
قال يزيد بن ميسرة رحمه الله: "إن العبد ليمرض وماله عند الله من عمل خير فيذكره الله سبحانه بعض ما سلف من خطاياه فيخرج من عينه مثل رأس الذباب من الدمع من خشية الله فيبعثه الله مطهرًا أو يقبضه مطهرًا" قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "مصيبة تقبل بها على الله خير لك من نعمة تنسيك ذكر الله".
ومن فوائد المرض طهاره القلب من الأمراض فإن الصحة تدعو إلى الأشر والبطر والإعجاب بالنفس لما يتمتع به المرء من نشاط وقوة وهدوء بال، فإذا قيده المرض وتجاذبته الآلام انكسرت نفسه ورق قلبه وتطهر من الأخلاق الذميمة والصفات القبيحة، قال العلامة ابن القيم رحمه الله: "لولا محن الدنيا ومصائبها لأصاب العبد من أدواء الكبر والعجب والفرعنة وقسوة القلب ما هو سبب هلاكه عاجلاً وآجلاً، فمن رحمة أرحم الراحمين أن يتفقده في الأحيان بأنواع من أدوية المصائب تكون حمية له من هذه الأدواء وكما قيل:
قد ينعم الله بالبلوى وإن عظمت ويبتلى الله بعض القوم بالنعم
إلى آخر كلامه رحمه الله، نفعني الله وإياكم بما سمعنا.
أقول هذا القول واستغفر الله.
|