جاء في سنن الترمذي عن أنس بن مالك أنه قال سألت النبي صلى الله عليه وسلم أن يشفع لي يوم القيامة فقال: ((أنا فاعل، فقلت: يا رسول الله فأين أطلبك؟ قال: اطلبني أول ما تطلبني عند الصراط، قلت: فإن لم ألقك على الصراط؟ قال: فاطلبني عند الميزان، قلت: فإن لم ألقك عند الميزان؟ قال: فاطلبني عند الحوض، فإني لا أُخطئ هذه الثلاث المواطن)).
عباد الله: إن من عقيدة أهل السنة والجماعة الإيمان بالصراط والميزان والحوض، يقول القرطبي: وإذا انقضى الحساب كان بعده وزن الأعمال، لأن الوزن للجزاء، فينبغي أن يكون بعد المحاسبة، فإن المحاسبة لتقدير الأعمال، والوزن لإظهار مقاديرها ليكون الجزاء بحسبها، يقول الله تعالى: وَنَضَعُ ٱلْمَوٰزِينَ ٱلْقِسْطَ لِيَوْمِ ٱلْقِيَـٰمَةِ فَلاَ تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَىٰ بِنَا حَـٰسِبِينَ [الأنبياء:47].
ولقد دلت النصوص على أن الميزان ميزان حقيقي دقيق لا يزيد ولا يُنقص، له كِفتان ولسان، لا يقدُر قدره إلا الله، روى الحاكم في مستدركه عن سلمان الفارسي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((يُوضع الميزان يوم القيامة، فلو وُزن فيه السموات والأرض لوسعت، فتقول الملائكة: يا رب لمن يزن هذا؟ فيقول تعالى:لمن شئت من خلقي، فتقول الملائكة:سبحانك ما عبدناك حق عبادتك)).
وقد اختلف أهل العلم في الموزون الذي يوضع في الميزان، فمنهم من قال هي الأعمال، حيث أن الأعمال يوم القيامة تجسم ويكون لها عَرَض، واستدلوا بجملة من الأحاديث كحديث أبي الدرداء عند ابن حبان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ما يوضع في الميزان يوم القيامة شيء أثقل من حسن خلق)).
ومن أهل العلم من قال: إن الذي يُوزن هو العامل نفسه، فقد دلت النصوص على أن العباد يوزنون يوم القيامة، فيثقلون أو يخفون بمقدار إيمانهم، لا بضخامة أجسامهم وكثرة ما عليهم من لحم وشحم، جاء في صحيح البخاري عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إنه لَيأتي الرجل العظيم السمين يوم القيامة لا يزن عند الله جناح بعوضة)) وقال اقرؤوا: فَلاَ نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ وَزْناً [الكهف:105]. وجاء في مسند أحمد أن عبد الله بن مسعود كان رجلاً رقيق الساقين، فجعلت الريح تُلقيه، فضحك القوم منه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مم تضحكون؟ فقالوا: يا نبي الله من رقة ساقيه، فقال: والذي نفسي بيده لهما أثقل في الميزان من أُحد)).
وأما القول الثالث فهو أن الموزون هو صحائف الأعمال، روى الترمذي في سننه عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن اللّه عزَّ وجلَّ يستخلص رجلاً من أمتي على رؤوس الخلائق يوم القيامة فينشر عليه تسعة وتسعين سجلاً كل سجل مد البصر، ثم يقول: أتنكر من هذا شيئاً؟ أظلمك كتبتي الحافظون؟ قال: لا يا رب، قال: أفلك عذر أو حسنة؟ قال: فبهت الرجل، فيقول: لا يا رب، فيقول: بلى، إن لك عندنا حسنة واحدة لا ظلم عليك اليوم، فيخرج له بطاقة فيها: أشهد أن لا إله إلا اللّه وأشهد أن محمداً رسول اللّه، فيقول: أحضروه، فيقول: يا رب ما هذه البطاقة مع هذه السجلات؟ فيقول: إنك لا تظلم، قال: فتوضع السجلات في كفة والبطاقة في كفة، قال: فطاشت السجلات وثقلت البطاقة، قال: ولا يثقل مع اسم الله شيء)).
والذي رجحه أهل العلم كالحافظ الحكمي رحمه الله أن الموزون هو الأعمال والصحائف والعامل نفسُه، كلهم يُوضعون على الميزان ويوزنون، أقول قولي واستغفر الله لي ولكم فاستغفروه.
|