أما بعد:
فقد أخرج الإمام ابن ماجه في سننه والبزار والبيهقي من حديث عبد الله بن عمر ما قال: وعظنا رسول الله فقال: ((يا معشر المهاجرين خمس خصال إذا ابتليتم بهن، وأعوذ بالله أن تدركوهن، لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا، ولم ينقصوا المكيال والميزان إلا أخذوا بالسنين وشدة المؤونة وجور السلطان عليهم، ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء ولولا البهائم لم يمطروا، ولم ينقضوا عهد الله وعهد رسوله إلا سلط الله عليهم عدوا من غيرهم فيأخذ بعض ما في أيديهم وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله إلا جعل الله بأسهم بينهم)) [إسناده حسن].
خمس خصال كلها لو تأملناها، موجودة فينا، ومنطبقة علينا تمام الانطباق، تعالوا نتأمل: ((لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون)). يقول الدكتور محمد علي البار في كتاب الأمراض الجنسية: إن الطاعون اسم لمسمى الفيروسات الفاتكة التي تفتك بالبشرية، إذا شاع فيها الفاحشة والفاحشة، مسماها في أمرين: في الزنا وفي فعل قوم لوط، والعياذ بالله، هذه الفاحشة اليوم منتشرة بين المسلمين، فتحت لها دور البغايا في كثير من البلدان ومن الدول، من قننت وأعطت للباغيات والمومسات صكوكاً كترخيص السيارة تمارس هذه الدعارة التي وصفها الله بالفاحشة في قوله تعالى: وَلاَ تَقْرَبُواْ ٱلزّنَىٰ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً [الإسراء:32]. تعطى هذه التراخيص للمومسات ليزنين تحت حماية القانون، وما من فندق أو كازينو أو كابريهات إلا وتجد طابوراً من الداعرات اللواتي يمارسن هذه الفاحشة على مرأى ومسمع من المسلمين جميعاً، وبحماية القانون، ثم بعد ذلك إذا ظهر في البشرية الأمراض الفتاكة كالإيدز والهربس والزهري والسيلان ومرض الشبك الجنسي، وآخر تلك الأمراض التي الآن البشرية تعاني منها إنه قد اكتشف في الآونة الأخيرة، مرض جديد مرض الشوك الجلدي هذا المرض ما هو؟ الذين يفعلون الفاحشة سواء يأتون الفروج الحرام بالزنا أو بفعل قوم لوط يبتليهم الله سبحانه وتعالى بعظام تخرج من جلودهم كالشوك ثم بعد ذلك يموت، بعد أن يتعذب عذاباً إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً [الإسراء:32]. سيئ السبيل سيئ الطريق وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِى فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ ٱلْقِيـٰمَةِ أَعْمَىٰ قَالَ رَبّ لِمَ حَشَرْتَنِى أَعْمَىٰ وَقَدْ كُنتُ بَصِيراً قَالَ كَذٰلِكَ أَتَتْكَ ايَـٰتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذٰلِكَ ٱلْيَوْمَ تُنْسَىٰ [طه:124-126].
((ولم ينقصوا المكيال والميزان إلا أخذوا بالسنين والقحط والجفاف)) أما نعاني اليوم من قحط وجفاف؟ استسقينا فلم نسق، دعونا فلم يستجب لنا، لأن للدعاء شروطاً، ومن شروط الدعاء العودة والاستجابة لله، الله سبحانه وتعالى ضمن لنا الإجابة إذا دعوناه بشروط فقال تعالى: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنّي فَإِنّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ ٱلدَّاعِ إِذَا دَعَانِ [البقرة:186]. من ذا الذي يستجيب الله له إذا دعاه فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِى وَلْيُؤْمِنُواْ بِى لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ [البقرة:186]. هل استجبنا لله؟ هل آمنا بالله؟ حتى الإيمان سلوا أنفسكم كم من المتحاكمين بالباطل ونحن نصفق لهم ونزمجل لهم ونطبل لهم ونزمر لهم، وكم من إنسان يريد أن يقيم العدالة في الأرض ونحن نسبه ونتهمه بالخيانة فبعد ذلك الله سبحانه وتعالى يغير من أحوالنا.
تحاكموا فاستطالو في تحكمهم وإما قليـل كأنمـا الأمـر لم يكـن
لو أنصفوا أنصفوا ولكن بغوا فبغى عليهم الدهر بالأحزان والمحن
وأصبحوا ولسان الحال ينشدهم هذا بذاك ولا عتب على الزمـن
إنما العتب علينا أيها المسلمون:
((إلا أخذوا بالسنين وشدة المؤونة)) أي الفقر من غير تعليق، وجور السلطان عليهم والحكاية تغني عن المقال.
((ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء)) في عهد عمر بن عبد العزيز الخليفة الخامس الذي سماه الإمام الشافعي بخامس الخلفاء الراشدين، حكم سنتين بل أٌقل من السنتين أقل من السنتين ببضعة أشهر، حكم ما يقارب السنتين فرد المظالم إلى أهلها، وأقام الحدود والقصاص في الأرض، وطبق شرع الله وكان يأخذ المال، فبارك الله في المال أموال الزكاة حتى إنه كان يحثوه حثوا فقسمه على الفقراء والمساكين، ففي السنة الثانية لم يجدوا في دولة الإسلام فقيراً.
حالنا انظروا إليه، كم من فقراء اليوم يتضورون جوعاً، لا يجدون لقمة، وكم من الأغنياء والمسؤولين يتعالجون من مرض التخمة في أوربا من كثرة الأكل، يصابون بالتخمة وفقراؤنا لا يجدون اللقمة.
أحياءنا لا يرزقون بدرهم وبألف ألفاً ترزق الأموات
أيرحمنا الله بعد ذلك، والرسول يقول: ((الراحمون يرحمهم الرحمن.ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء)).
((ولولا البهائم لم يمطروا)) لكن رحمة الله سبحانه وتعالى أن يرحم البهائم والأطفال الرضع والشيوخ الركع فبرحمة الله. لهؤلاء المستضعفين قد ينزل المطر، وإذا حبس عنهم فذالك جزاء من الله سبحانه وتعالى بسبب العقوبة التي نستحقها، وإن الله حكيم لا يصدر شيئاً إلا بحكمة، وهو العزيز الحكيم، ((إذا تبايعتم بالعينة ورضيتم بالزرع، وأخذتم أذناب البقر، وتركتم الجهاد، سلط الله عليكم ذلاً لا ينزعه من قلوبكم حتى تراجعوا دينكم)).
((وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله إلا جعل الله بأسهم بينهم)) نعم بأسنا بيننا على مستوى الأفراد والشعوب، ما من بقعة إلا وينعدم فيها الأمان اليوم، فتسمع من قبيلة فلانية 16 قتيلاً وكذلك كذا جريحاً لماذا؟ على أتفه الأسباب، ليتهم قاتلوا في سبيل الله، إنما يقاتلون في سبيل الطاغوت فَقَـٰتِلُواْ أَوْلِيَاء ٱلشَّيْطَـٰنِ إِنَّ كَيْدَ ٱلشَّيْطَـٰنِ كَانَ ضَعِيفاًً [النساء:76].
إننا والله يا معشر المسلمين على شفتي هلكة من أمرنا، فلنتدارك أنفسنا قبل أن يرسل الله سبحانه وتعالى علينا صاعقة من السماء، فإنكم كما تعلمون وفي ناحية من نواحي إب حصل قبل أسابيع قليلة حصل أن أنزل الله سبحانه وتعالى عليهم صاعقة، فأهلك ستة عشر نفراً وكذا وكذا من الجرحى، حتى تشققت بعض البيوت من الصاعقة، هذا كله إنذار من الله سبحانه وتعالى بالعودة الصادقة إلى الله، العودة الصادقة إلى الله، توبوا إلى الله جميعاً أيها المؤمنون لعلكم تفلحون، وارجعوا إلى الله لعل الله سبحانه وتعالى يحول أحوالنا إلى أحسن حال.
أسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه. اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. |