أيها المسلمون: إنّ الإيمان بالله عز وجل والدعوة إليه والنصح والتعاون على البر والتقوى والتواصي بالحق والصبر وإشاعة الخير والفضيلة بين الناس ومحاربة الشر والرذيلة والفساد واستئصاله من المجتمع من أبرز سمات هذه الأمة أمة محمد ، يقول الله جل وعلا: كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ [آل عمران: 110]؛ لذا كان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر القطب الأعظم في هذا الدين، والمهمة الكبرى للأنبياء والمرسلين والصالحين، وذلك لما يشتمل عليه من الفضل العظيم، والخير العميم، والفوائد والمصالح العاجلة والآجلة، ولما يترتب على تركه من استشراء الباطل، وانتشار الفساد وتفاقم المحرمات، لذلك كان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر القطب الأعظم في هذا الدين، والمهمة الكبرى للأنبياء والمرسلين والصالحين.
والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أمارة الإيمان، وتركهما علامة النفاق. قال الله تعالى في حق المنافقين في سورة التوبة في الآية السابعة والستين ٱلْمُنَـٰفِقُونَ وَٱلْمُنَـٰفِقَاتُ بَعْضُهُمْ مّن بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِٱلْمُنكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمَعْرُوفِ [التوبة: 67] وقال في حق المؤمنين بعد ذلك بأربع آيات: وَٱلْمُؤْمِنُونَ وَٱلْمُؤْمِنَـٰتِ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ [التوبة: 71] وهما كذلك من أعظم أسباب النصر على الأعداء والتمكين في الأرض، قال الله تعالى في سورة الحج: وَلَيَنصُرَنَّ ٱللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ ٱللَّهَ لَقَوِىٌّ عَزِيزٌ ٱلَّذِينَ إِنْ مَّكَّنَّـٰهُمْ فِى ٱلاْرْضِ أَقَامُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَآتَوُاْ ٱلزَّكَـوٰةَ وَأَمَرُواْ بِٱلْمَعْرُوفِ وَنَهَوْاْ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ .
وهما طوق النجاة قال الله تعالى في سورة الأعراف: فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكّرُواْ بِهِ أَنجَيْنَا ٱلَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ ٱلسُّوء وَأَخَذْنَا ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ [الأعراف: 165].
وبالجملة فهما من أفضل الأعمال وآكد الفرائض وأوجب الواجبات وألزم الحقوق. وقد جاء كتاب الله تبارك وتعالى وسنة رسوله بما يؤيد ذلك.
قال الله عز وجل في سورة آل عمران: وَلْتَكُن مّنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى ٱلْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ [آل عمران: 104].
وقال في سورة المائدة مبينًا تقصير أحبار بني إسرائيل في القيام بهذا الواجب قال: لَوْلاَ يَنْهَـٰهُمُ ٱلرَّبَّـٰنِيُّونَ وَٱلأَحْبَارُ عَن قَوْلِهِمُ ٱلإثْمَ وَأَكْلِهِمُ ٱلسُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ [المائدة: 62] يعني هلا قام علماء بني إسرائيل وأحبارهم بما أوجبه الله تعالى عليهم من أمر بني إسرائيل بالمعروف ونهيهم عن المنكر. لماذا لم يفعلوا ذلك وقد أوجب الله عليهم القيام بهذا الأمر. وقال مبينًا استحقاق بني إسرائيل للعنة قال هذا في نفس السورة لُعِنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِى إِسْرٰءيلَ عَلَىٰ لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ٱبْنِ مَرْيَمَ ذٰلِكَ بِمَا عَصَوْا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ كَانُواْ لاَ يَتَنَـٰهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ [المائدة: 78].
استحقوا اللعنة لأنهم لم يأمروا بالمعروف ولم يتناهوا عن المنكر، فلعنهم الله تبارك وتعالى، وذكر الله عز وجل أن من وصايا لقمان لابنه في سورة لقمان في الآية السابعة عشرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، قال: يٰبُنَىَّ أَقِمِ ٱلصَّلَوٰةَ وَأْمُرْ بِٱلْمَعْرُوفِ وَٱنْهَ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ وَٱصْبِرْ عَلَىٰ مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ ٱلأُمُورِ [لقمان: 17] وأما سنة رسول الله فقد أيدت هذا الأمر وأكدته:
ففي صحيح مسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله يقول: ((من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان))، وفي رواية أخرى في صحيح مسلم عن ابن مسعود رضي الله عنه عقب حديث أبي سعيد قال: ((وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل)) وليس بعد الإنكار بالقلب وعدم الرضى. ليس بعد ذلك من الإيمان حبة خردل. ماذا يمكن أن يكون بعد مجرد الإنكار بالقلب إذا حدث العجز عن الإنكار باليد واللسان، إذا رضى العبد بوقوع الفاحشة أو المنكر وتفاقم المحرمات شارك الفاعلين برضاه عن ذلك الأمر.
ويؤيد ذلك حديث الأربعة الذي أخرجه الترمذي عن أبي كبشة الأنماري الذي قال فيه النبي : ((إنما الدنيا لأربعة نفر)) فبيَّن أن من الناس من يكون على علم يعمل به، ويتمنى آخر ليس عنده ذلك العلم لو كان عالمًا حتى يعمل مثلما عمل فلان بعلمه فهما في الأجر سواء، وآخر له مال ينفقه في سبيل الله عز وجل وفيما يرضيه، وهناك من ليس له ذلك المال يتمنى لو كان له مثل مال فلان حتى يفعل ما يفعل هو من الإنفاق في مراضي الله عز وجل فهما في الأجر سواء. وهناك من ليس على علم ولا على مال ويتمنى أن يكون له مثل مال فلان من المال الذين ينفقه فيما يغضب الله عز وجل ويسخطه، وليس عنده ما يطغي به كما يطغي صاحب المال لكنه شاركه بالتمني فيقول النبي : ((فهما في الوزر سواء))، ثم روى الإمام أحمد والترمذي ـ والحديث صحيح ـ عن حذيفة رضي الله عنه عن النبي قال: ((والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقابًا منه ثم تدعونه فلا يستجاب لكم)).
وروى أبو داود والترمذي وحسَّن الحديث الترمذي عن أبي مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله : ((إن أول ما دخل المقت على بني إسرائيل أنه كان الرجل يلقى الرجل فيقول له يا هذا، اتق الله ودع ما تصنع فإنه لا يحل لك ثم يلقاه من الغد وهو على حاله فلا يمنعه ذلك أن يكون أكيله وشريبه وقعيده. فلما فعلوا ذلك ضرب الله قلوب بعضهم ببعض)) ثم قال ـ أي النبي عليه الصلاة والسلام ـ: كَانُواْ لاَ يَتَنَـٰهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ [المائدة: 79].
ثم قال: ((كلا والله لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر ولتأخذونَّ على يد الظالم ولتأطرنه على الحق أطرًا ولتقصرنه على الحق قصرًا، أو ليضربن الله بقلوب بعضكم على بعض ثم ليلعنكم كما لعنهم)).
والمعروف أيها الأخوة الكرام: اسم جامع لكل ما أمر الله به ورسوله من الإيمان وشرائع الإسلام الظاهرة والباطنة والأعمال الصالحة والأخلاق الفاضلة ونحوها.
والمنكر: كل ما أنكره الله ورسوله ، وأعظم ذلك منكرات العقائد والأمور المبتدعة في الدين وكبائر الذنوب وسائر المعاصي، ولقد ضرب الرسول مثالاً مثاليًا لما يترتب عليه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولما يمكن أن يتسبب فيه تركها، فقال فيما رواه عنه النعمان ابن بشير رضي الله عنهما أو أخرجه الإمام البخاري رحمه الله قال : ((مثل القائم في حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة، فأصاب بعضهم أعلاها وأصاب بعضهم أسفلها، فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مرّوا على من فوقهم، فقالوا: لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقًا ولم نؤذ من فوقنا فإن تركوهم وما أرادوا هلكوا جميعًا، وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعًا)).
والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ليس حكرًا ولا مقصورًا على هيئة، بل هو واجب على المسلمين جميعًا كلٌ بحسب منزلته ومكانته واستطاعته.
فالأب مسؤول عن أسرته وأهل بيته. والمعلم في مجاله، والموظف في دائرته، والتاجر في سوقه، كلٌ على حسب منزلته ومكانته واستطاعته، والمسلم الحق أينما وقع أفاد ونفع. يؤلمه ما يؤلم إخوانه المسلمين، ويسره ما يسر إخوانه من المسلمين، وإن ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تنذر بعذاب يعم الصالح والطالح.
اتفق البخاري ومسلم رحمهما الله على حديث صحيح عن زينب رضي الله عنها أم المؤمنين أنها قالت: يا رسول الله، أنهلك وفينا الصالحون؟! قال: ((نعم، إذا كثر الخبث)).
وإن الناظر إلى أحوال المجتمعات المعاصرة يرى ما ألم بها من انتشار الفواحش والأفكار الهدامة والمبادئ المنحرفة، ويرى أن ذلك ليس له سبب إلا أن الناس في هذه البلاد تركوا التواصي بالحق والصبر والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فعم العذاب في تلك البلاد الصالح والطالح.
وهذا الأمر أيها الإخوة الكرام إذا أُفلت زمامه، وطُوىِ بساطه، وقل أنصاره، وأخفقت رايته، وأهمل علمه وعمله، هلك العباد وفسدت البلاد وانتشرت الفواحش والمنكرات، فلابد أن يتعاون الجميع على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والقيام بهذا الأمر. رائدنا جميعًا في ذلك الإخلاص والحكمة والشفقة والرفق والأناة والرحمة. تلك أبرز صفات القائم بهذا الأمر، أمر الأمر رحيمًا رفيقًا.
أيها الإخوة الكرامَ ومع ذلك فلا نيأس من رحمة الله تعالى فلا زال في أرض الله من هو قائم بحجته صادع بدعوته، لكن الأمر بحاجة إلى المزيد من الجهود الإسلامية المتضافرة ليعُم الخير وينتشر ويتوارى الباطل ويندحر، وما ذلك على الله بعزيز.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.
|