أما بعد:
تحدثنا في الأسبوعين الماضيين عن السحر وضرره وأنواعه، ثم عن طرق الوقاية منه قبل وقوعه وبعد وقوعه. وتحدثنا عن الفرق بين الساحر، وبين المعالج بالطرق الشرعية.
أما اليوم فسنختم كلامنا عن السحر بإذن الله بالحديث عن أنواع من السحر تسمى الكهانة والعرافة والتنجيم وهي أنواع منتشرة عند بعض الناس. ولابد من معرفتها والتحذير منها.
والعراف أو الكاهن هو: الذي يدعي معرفة الغيب بمقدمات يستدل بها. قال ابن تيمية: "إن العراف اسم للكاهن والمنجم والرمال ونحوهم ممن يتكلم في معرفة الأمور بهذه الطرق كالحازر الذي يدعي علم الغيب ويدعي الكشف، والمنجم أيضاً يدخل في اسم العراف وفي اسم الكاهن أيضاً وادعاء معرفة الغيب تكون بأمور، منها: استخدام الشياطين والزجر والطين، والضرب في الأرض والخط في الحصى، والتنجيم والكهانة والسحر، وقراءة الكف والاستسقام بالأزلام وقراءة الحروف الأبجدية للاستدلال بها على الغيب وقراءة الفنجان، فتدعي قارئة الفنجان أنها تعلم الغيب وماذا سيحصل للإنسان. وقبل أن نبيّن هذه الأمور: نريد أن نوضح أمراً هاماً جداً بالنسبة لعلم الغيب. وهو أن المتدبر لآيات القرآن الكريم يجد أنه لا جدوى من محاولة معرفة الغيب، إذ هذا العلم من اختصاص الله علام الغيوب، ولا سبيل إلى معرفته بأي طريقة كانت يقول سبحانه: إِنَّ ٱللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ ٱلسَّاعَةِ وَيُنَزّلُ ٱلْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِى ٱلاْرْحَامِ وَمَا تَدْرِى نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِى نَفْسٌ بِأَىّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَيمٌ خَبِيرٌ [لقمان:34]. ويقول سبحانه وتعالى أيضاً: أَفَرَأَيْتَ ٱلَّذِى كَفَرَ بِـئَايَـٰتِنَا وَقَالَ لاَوتَيَنَّ مَالاً وَوَلَداً أَطَّلَعَ ٱلْغَيْبَ أَمِ ٱتَّخَذَ عِندَ ٱلرَّحْمَـٰنِ عَهْداً [مريم:77-78]. وفي هاتين الآيتين الكريمتين دليل قاطع على عدم إمكانية الإنسان الاطلاع. لكن الله لحكمة يعلمها سبحانه قد يطلع بعض الرسل على بعض الغيب كما قال تعالى: عَـٰلِمُ ٱلْغَيْبِ فَلاَ يُظْهِرُ عَلَىٰ غَيْبِهِ أَحَداً إِلاَّ مَنِ ٱرْتَضَىٰ مِن رَّسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً لّيَعْلَمَ أَن قَدْ أَبْلَغُواْ رِسَـٰلَـٰتِ رَبّهِمْ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَىٰ كُلَّ شَىْء عَدَداً [الجن:26-28].
واطلاع الله بعض الغيب لبعض رسله لحكمة معيّنة وإلا فالرسل أنفسهم لا يعلمون ما يحدث لهم.
فهناك أمر من الله سبحانه إلى رسوله أن يعلم الناس بأنه لا حول ولا قوة إلا بمشيئة الله سبحانه وتعالى وأنه لا يعلمُ الغيبَ: قُل لا أَمْلِكُ لِنَفْسِى نَفْعًا وَلاَ ضَرّا إِلاَّ مَا شَاء ٱللَّهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ ٱلْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ ٱلْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِىَ ٱلسُّوء إِنْ أَنَاْ إِلاَّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ [الأعراف: 188].
فإذا كان خير البشر محمد لا يعلم الغيب، فكيف بمن هم دونه مرتبة وشرفاً ومكانة؟
ومع ذلك كله إلا أننا نسمع البعض وهم يقولون: كيف يقول الله: وَيُنَزّلُ ٱلْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِى ٱلاْرْحَامِ [لقمان:34]. وقد تمكن العلم من تحديد وقت نزول المطر، وتمكن الطب من تحديد نوعية الجنين أذكر هو أم أنثى. وصدق الله: ومِنَ ٱلنَّاسِ مَن يُجَـٰدِلُ فِى ٱللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلاَ هُدًى وَلاَ كِتَـٰبٍ مُّنِيرٍ [الحج:8].
لنرجع إلى الآية السابقة وهي قوله تعالى: إِنَّ ٱللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ ٱلسَّاعَةِ وَيُنَزّلُ ٱلْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِى ٱلاْرْحَامِ وَمَا تَدْرِى نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِى نَفْسٌ بِأَىّ أَرْضٍ تَمُوتُ [لقمان:34].
إِنَّ ٱللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ ٱلسَّاعَةِ: أي أن علم وقت الساعة مختص بالله سبحانه فلا يعلم أحد بوقته سواه لا ملك مقرب ولا نبي مرسل، كما قال: يَسْـئَلُكَ ٱلنَّاسُ عَنِ ٱلسَّاعَةِ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ ٱللَّهِ [الأحزاب:63]. ويقول: لاَ يُجَلّيهَا لِوَقْتِهَا إِلاَّ هُوَ [الأعراف:187]. ونحن نعلم أن الله تبارك وتعالى بعد خلقه للسموات والأرض، خلق الصور فأعطاه إسرافيل فهو واضعه على فمه شاخص ببصره إلى العرش ينتظر متى يؤمر بالنفخ بالصور: فإذا كان إسرافيل الملك المكلف بالنفخ بالصور إيذاناً ببدء القيامة لا يعرف موعدها، إذا كان هذا هو حاله فكيف بأي منجم أو دجال يقول: إن الساعة ستقوم في يوم كذا أو في عام كذا. طبعاً لكنها أكاذيب.
وَيُنَزّلُ ٱلْغَيْثَ ويختصّ الله تعالى بمعرفة وقت إنزال المطر ومكانه المعين. أما نشرة الأرصاد الجوية في أيامنا فتعتمد على بعض الحسابات والأمارات. وما ترصده بعض الأجهزة المخصصة لمعرفة نسبة الرطوبة وسرعة الرياح فليس ذلك غيباً. وإنما هو تخمين وظن. وقد يحدث نقيضه كما أن معرفته تكون قبل مدة قريبة، يلاحظ فيها اتجاهات الرياح والمنخفضات الآتية من الشمال أو الغرب مثلاً. ورغم هذا فنحن نسمع دائماً. . يتوقع الفلكيون نزول الأمطار، ويقولون إن الفرصة مهيأة لنزول الأمطار. وتتجمع الغيوم في السماء، وتنذر الحالة بأن المطر سينزل ولكن في اللحظات الأخيرة، يأمر الله الرياح كيف يشاء فتذهب بهذه الغيوم القاتمة دون أن تنزل منها قطرة واحدة. وعلى كل فنزول المطر عملية دقيقة جداً لا يستطيع البشر أن يقوم بها مهما بلغ علمه. بل لو اجتمعت البشرية كلها على أن تنزل مطراً في مكان ما أو تمنع المطر من النزول في مكان ما فهي لا تستطيع ولن تستطيع.
وَيَعْلَمُ مَا فِى ٱلاْرْحَامِ: وبعض الناس يقولون الطب توصل إلى تحديد نوع الجنين ذكراً كان أو أنثى، ومن قال إن هذا هو المقصود بالآية؟ علماء المسلمين من المفسرين لم يقولوا بهذا، بل الإمام القرطبي ومنذ مئات السنين قال: وقد يعرف بطول التجارب أشياء من ذكورة الحمل وأنوثته إلى غير ذلك. إذن فمعنى ما في الأرحام ليس المقصود منه هل المولود ذكرٌ أم أنثى بل معناه أوسع من ذلك بكثير، لأن الله يعلم من هو أبو المولود ومن هي أمه قبل أن يتزوجا أَوْ يُزَوّجُهُمْ ذُكْرَاناً وَإِنَـٰثاً وَيَجْعَلُ مَن يَشَاء عَقِيماً إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ [الشورى:50].
إن معنى كلمة ما في الأرحام هنا: تعني حياة المولود من لحظة ولادته إلى لحظة وفاته هل هو شقي أم سعيد طويل أم قصير، ما هو لونه، هل هو صحيح أم مريض؟ ما هو عمره، وماذا سيفعل، ما هي الأحداث التي ستقع له، وماذا سيعمل؟ وأي مهنة س؟ وأي البلاد سيسافر إليها؟وبمن سيتزوج وما هو رزقه وهل سيرزق بأولاد أم لا. وهكذا فمن يعلم مثل هذه الأمور غير الله، هل يستطيع أحد من البشر أن يدعي هذا العلم، لا يستطيع ولكن الله يستطيع ذلك؟ وقد فعل فالله كتب مقادير الخلق وأرزاقهم وآجالهم قبل أن يخلق السموات والأرض بألفي عام وهو موجود عنده سبحانه فوق العرش إِنَّ ذٰلِكَ فِى كِتَـٰبٍ إِنَّ ذٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيرٌ [الحج:70].
وَمَا تَدْرِى نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَداً [لقمان:34]. أي لا تعلم نفس ماذا تكسب في الغد من خير أو شر في دنياها وأخراها. وَمَا تَدْرِى نَفْسٌ بِأَىّ أَرْضٍ تَمُوتُ [لقمان:34]. من يعلم عن ساعة موته، وأين ستكون؟ لا علم لأحد بذلك. روي أن ملك الموت مر على سليمان فجعل ينظر إلى رجل من جلسائه يديم النظر إليه. فقال الرجل: من هذا؟ قال: ملك الموت، فقال: كأنه يريدني، وسأل سليمان أن يحمله على الريح ويلقيه ببلاد الهند ففعل. ثم قال ملك الموت لسليمان: كان دوام نظري إليه تعجباً منه، لأني أمرت أن أقبض روحه بالهند، وهو عندك.
لهذا يقول : ((إذا أراد الله قبض عبد بأرض، جعل له إليها حاجة)).
ورغم هذه الآيات الصريحة في أن علم الغيب مختص بعلم الله سبحانه وتعالى إلا أن هذه الآيات تتعرض لمصادمات صريحة من الكهان والعرافين والدجالين ومن يصدقهم بادعائهم الغيب وخذوا أمثلة على ذلك.
التنجيم ومطالعة الأبراج: والتنجيم هو التنبؤ بواسطة النظر إلى الكواكب والنجوم ورصد حركاتها ومنازلها المقسمة على مدار الأشهر والسنة وأن لها تأثيراً على مصائر الناس. وهذا موجود ومنتشر وللأسف الشديد. وكثير من الناس يتابعون وبكل شغف. يتابعون ما يوجد في بعض الصحف والمجلات من قراءة الأبراج والنجوم، ومنهم من يصدقها. ويعتقد بأن لها علامة بسعده أو نحسه. قال العلماء: واعتقاد المعتقد أن نجماً من النجوم السبعة هو المتولي لسعده ونحسه، اعتقاد فاسد، وإذا اعتقد أن هذا النجم هو الذي يدير له أموره فهو كافر.
وهذا موجود الآن في الأبراج التي يتابعها البعض في بعض المجلات والصحف وهي مكتوبة بعدة طرق: فمنها ما يكتب على طريقة الأبراج: لبرج الحمل، الثور، الجوزاء، السرطان، أو العذراء وغير ذلك ومنها ما يكتب بطريقة السنوات: إذا كنت من مواليد السنة الفلانية فسنتك الجديدة سنة كذا وكذا.
وقد تكتب بطريقة الأشهر، أشهر يوجد بها السعد، وأخرى أشهر نحس.
والذين يكتبونها يستخدمون لها عناوين جذابة، أنت والحظ، ماذا تخبئ لك سنة كذا وكذا. ومن الملاحظ أن هؤلاء الكذبة من الدجالين يأتون في كلامهم بأشياء تقع دائماً:
خبر سار يصلك من إنسان تحبه: ومن الذي يوصل إليك الأخبار السارة إلا الذي يحبك.
لهذا يقول : ((من اقتبس علماً من النجوم اقتبس شعبة من السحر، زاد ما زاد)).
وفي مرة أخرى يقولون: تواجهك بعض المشاكل المادية: ومن هو الذي لا يواجه المشاكل المادية في هذا العصر. وهكذا ترى ماذا يقصدون من وراء هذا الكلام: إنهم يقصدون إيهام العوام والجهال أن كلامهم قد تحقق. لقد حدث هذا علي، إذن لقد صدقوا.
وقد يخاطبون الناس بأسلوب الناصحين: كأن يقول أحدهم: انتبه وكن حذراً، فصحتك أغلى ما تملكه أو يقولون واحذر من أصدقاء السوء. وهكذا.
وبالطبع يزينون كتاباتهم هذه بقولهم بعدها: المفكر العالمي فلان، أو البرفسور فلان. بدلاً من أن يقول: المشعوذ فلان أو الدجال فلان. والملاحظ: أنهم يسرقون من بعضهم البعض. فما تجده في مجلة قد تجده بالنص بعد أسابيع في مجلة أخرى: لكن المشكلة هي في المتخلفين عقلياً الذين يصدقونهم، بل إن بعض الناس يتخذون القرارات في قضايا هامة في حياتهم كالزواج والطلاق أو السفر أو التجارة بناء على ما كتبه المنجم في تلك الأبراج. وهناك من يتقدم للزواج فتسأله الخطيبة ما هو برجك، فإذا كان برجه لا يوافق برجها كما قال العراف فيها فإنها ترفض الزواج منه، بل إن هناك من يحدد مواعيد الزواج باليوم والشهر بعد التشاور مع المنجم أو العراف. ولعلكم قرأتم أن الممثلة الفلانية تزوجت بعد أن حدد لها العراف يوم كذا وكذا وأنه يوم السعد، وهكذا وكل هذا من الكهانة والسحر ومن الكهانة التطير. وهو التشاؤم، وكان أهل الجاهلية يعتمدون على الطير فإذا خرج أحدهم لأمر، ورأى الطير طار يمنة تيمن به واستمر، وإن رآه طار يسرة تشاءم به ورجع.
وكانوا يتشاءمون بالحيوانات أيضاً فإذا رأوا الهامة مثلاً وقعت على بيت أحدهم يظن أنه سيصيبه مكروه أو أحد من أهله، وكانوا يتساءلون أيضاً عن شهر صفر ويظنون أنه شهر مشؤوم، فأبطل ذلك الرسول وقال: ((لا عدوى ولا طيرة ولا هامة ولا صفر)). والطيرة أمرها عظيم بل هي من الشرك لأنها تنسب الأفعال إلى غير الله. والمسلم الحقيقي هو الذي لا يبالي بالحوادث أو الوقائع التي تحدث لغيره ولا يربطها به ولا يتطير منها، لأنه يعلم أن شيء من الله وأن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه، وبدلاً من التطير وربط ذلك بالنفع أو الضر فإن على العبد أن يتوكل على الله، وأن يعلم أن كل شيء يسير بقدر الله، وعليه بالاستخارة الشرعية في كل أموره.
وأن يكون متفائلاً دائماً لأن النبي : ((لا عدوى ولا طيرة، ويعجبني الفأل الصالح والكلمة الحسنة)) [رواه البخاري].
وحتى ننبه إلى مثل هذه الأمور فأقسام التشاؤم والتطير والنحس عند الناس هي على التالي:
من أناس يتشاءمون بالأيام والشهر: كشهر صفر.
أو بالحيوانات: كالغراب، البومة، أو القط الأسود، أو بالأشخاص: كالأعور، أو القبيح أو المجذوم. أو بالأرقام: كرقم 13 عند النصارى: أو رقم 7 عند أهل البادية.
أو بالأصوات: كصوت الغراب، صوت الإسعاف والمطافئ، أو عند انكسار الكأس فيقولون: انكسر العقد، أو عند الضحك الكثير، أو عند رفة العين فيقولون: سيصيبنا مكروه، وعند حكة اليد يقولون: خير، وعند حكة الرجل يقولون: شر، وكذلك عند رفة العين اليمنى يقولون: خير، وعند رنة العين اليسرى يقولون: شر، أو يقولون عن أحدهم: إنه رجل منحوس، أو قولهم: خير يا طير، وغير ذلك من البدع والشركيات والمحرمات التي ما أنزل الله بها من سلطان.
قال معاوية بن الحكم: قال قلت: يا رسول الله أموراً كنا نصنعها في الجاهلية، كنا نأتي الكهان، قال: ((فلا تأتوا الكهان))، قال: كنا نتطير، قال: ((ذاك شيء يجده أحدكم في نفسه فلا يصدنكم)).
أي أخبره بأن تأذيه وتشاؤمه بالتطير إنما هو في نفسه وعقيدته لا في المتطير به وخوفه وإشراكه هو الذي يطيره ويصده، لا ما رآه وسمعه.
وقال : ((ليس منا من تطير، ولا من تطير له، أو تكهن أو تكهن له، أو سحر أو سُحر له)).
وقانا الله جميعاً شر السحرة والكهانة والعرافة والتنجيم.
رغم أن هذا العصر يسمى عصر الحضارة والتقدم العلمي. إلا أن الناس قد تفشت فيهم هذه الأوبئة المنافية للعقيدة، وهذا يدل على أن الشعوذة والدجل لا تحارب بالتقدم العلمي والتكنولوجي بل إنها تحارب بالعقيدة.
وهي سلاح المسلم الفعال الذي يواجه به الشرور والإفساد في الأرض لذلك نحن نرى أن المجتمعات الكافرة ورغم تقدمها الكبير إلا أن الشعوذة والدجل والتنجيم والعرافة متفشية بينهم: فقد ترى أستاذاً في الجامعة يتردد على الكهنة. بل وحتى من المسؤولين بل وحتى من رؤساء الدول. وبعضكم ربما قد قرأ كتاباً يتكلم عن رئيس دولة كبرى كانت توضع له البرامج التي تتعلق بحياته الشخصية والعلمية بعد استشارة العرافين والكهنة.
إذا فالمصدر الوحيد الذي تستطيع من خلاله أن نقاوم هذه الهجمات الشرسة على الإسلام هو القرآن والسنة.
لكن المشكلة الكبرى أن كثيراً من الناس يتساهلون في إتيان الكهنة والعرافين بل إن بعضهم يسافرون إليهم ليفكوا لهم السحر، أو ليعرف مستقبله المالي، أو الحياتي أو يطلب منهم قراءة الكف أو الفنجان أو الودع والرمل وغير ذلك: طبعاً هو يفعل ذلك لأنه فقد الثقة بالله، وكثيرون هم الذين فقدوا الثقة بالله فما أن يصيبهم سحر أو مرض، أو عين، أو لم يرزق بأولاد، ما أن يصيبهم هذا حتى يفزعون إلى غير الله، سبحان الله، أين الله، أين الذي قال: أَمَّن يُجِيبُ ٱلْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ ٱلسُّوء وَيَجْعَلُكُمْ حُلَفَاء ٱلأرْضِ أَءلَـٰهٌ مَّعَ ٱللَّهِ قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ [النمل:62].
الجؤوا إلى الله يا عباد الله، حققوا التوحيد، ثقوا بالله، وثقوا بأنه على كل شيء قدير، وإنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون.
وبعض الناس قد يقولون: بعض الكلام الذي يقوله الكاهن قد يحصل لي فعلاً، فكيف يكون دجالاً ومشعوذاً؟ والجواب: أن الكلام الذي أخبرك به الدجال إما أن يكون كلاماً عاماً من الممكن أن يحصل لأي إنسان كأن يقول: ترى غائباً من سفر بعيد: ومن الممكن جداً أن ترى غائباً من سفر بعيد.
وإما أن يخبرك بشيء خاص بك وهذا ممكن ولكن كيف؟ يشرح هذا النبي فيقول: ((إن الشياطين يركب بعضهم على بعض حتى يصلوا إلى السماء فيسمعون الخبر الذي تتناقله الملائكة)). الله عز وجل يوحي للملائكة: افعلوا كذا وكذا، وانزلوا كذا وكذا، وافعلوا لفلان كذا وكذا. فيسمع بعض الشياطين من الجن الخبر فينقلونه إلى الدجالين والكهنة الذين يخبرون به الإنس، ويكذبون على هذا الخبر الصحيح تسعة وتسعين كذبة. يأتي الكاهن فيخبر الإنسان بمائة خبر ليس منها إلا خبر واحد صادق، لكن الناس لا يتذكرون من الكلام الكاهن إلا المرة التي صدق فيها.
ويقولون: فعلاً لقد وقع ما قاله ولا يدرون أن هذا بسبب استراق السمع.
وبعضهم يقول: بمجرد أن ذهبت إلى الكاهن فإنه أخبرني باسمي واسم أبي وأمي وأخوالي وأعمامي ومهنتي ومهنتهم وهكذا. و لا يعرف أن الجواب هو في قوله الله: إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ [الأعراف:27]. فالشياطين يروننا ويرون أحوالنا، ويسمعون كلامنا دون أن نراهم وينقلون ذلك إلى الشياطين التي تعمل مع الكاهن الذي ذهبت إليه، ويعطونه كل المعلومات الضرورية عنك وهذا الأمر ثابت فقد أخبرنا بقوله: ((ما منكم من أحد إلا وقد وكل به قرينه من الجن وقرينه من الملائكة))، وبالطبع فالشيطان الملازم للإنسان يعرف عنه كل شيء خاصة إذا كان هذا الإنسان لا يعرف ذكر الله وقراءة القرآن.
فالحذر الحذر من أهل الكهانة والدجل. ومن الذهاب إليهم وإلا فالنتيجة ستكون وبالاً على الإنسان في الدنيا والآخرة قال : ((من أتى عرافاً فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين ليلة)).
وقال : ((من أتى كاهناً أو عرافاً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد )).
وقال : ((من أتى كاهناً، أو امرأة في دبرها، أو كاهناً فصدقه. فقد برئ مما أنزل على محمد )).
لهذا فالواجب الحذر والتحذير من الكهانة والشعوذة وأهلها. والواجب علينا جميعاً أن نبلغ ولاة الأمور عن هؤلاء المشعوذين والدجالين لتأديبهم والأخذ على أيديهم.
ألا واتقوا الله يا عباد الله وحافظوا على عقيدتكم من الفساد أكثر مما تحافظون على صحة أبدانكم من الأمراض. فماذا يستفيد الإنسان إذا عاش سليم الجسم مريض العقيدة. فإن صحة البدن مع فساد العقيدة خسارة في الدنيا والآخرة.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذٰلِكَ لِمَن يَشَاء وَمَن يُشْرِكْ بِٱللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَـٰلاً بَعِيداً [النساء:115]. وفقنا الله جميعاً لما يحبه ويرضاه. |