أما بعد:
فيقول الله سبحانه وتعالى: حَـٰفِظُواْ عَلَى ٱلصَّلَوٰتِ وٱلصَّلَوٰةِ ٱلْوُسْطَىٰ وَقُومُواْ لِلَّهِ قَـٰنِتِينَ [البقرة:238]. الصلاة عمود الدين، ومفتاح الجنة وخير الأعمال، وقد ذكرت في نحو مائة آية في القرآن وفي السنة عشرات الأحاديث النبوية التي تأمر بالصلاة وتحث عليها وتحذر أشد التحذير من تركها أو التهاون بها. وهي وصية الله وأمره للنبيين والمرسلين وأتباعهم إلى يوم الدين، قال إبراهيم عليه السلام: رَبّ ٱجْعَلْنِى مُقِيمَ ٱلصَّلوٰةِ وَمِن ذُرّيَتِى [إبراهيم:40]. وكان إسماعيل عليه السلام يأمر أهله بالصلاة والزكاة وكان عند ربه مرضيا، وقال عيسى عليه السلام: وَأَوْصَانِى بِٱلصَّلَوٰةِ وَٱلزَّكَوٰةِ مَا دُمْتُ حَيّاً [مريم:31]. وأمر الله محمداً بقوله: أَقِمِ ٱلصَّلَوٰةَ لِدُلُوكِ ٱلشَّمْسِ إِلَىٰ غَسَقِ ٱلَّيْلِ وَقُرْءانَ ٱلْفَجْرِ إِنَّ قُرْءانَ ٱلْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا وَمِنَ ٱلَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَىٰ أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَّحْمُودًا [الإسراء:78-79].
وقال له: وَأَقِمِ ٱلصَّلَوٰةَ طَرَفَىِ ٱلنَّهَارِ وَزُلَفاً مِّنَ ٱلَّيْلِ إِنَّ ٱلْحَسَنَـٰتِ يُذْهِبْنَ ٱلسَّـيّئَـٰتِ [هود:114]. إلى غير ذلك من الآيات التي تبين أهمية الصلاة.
وهي أول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة قال رسول الله : ((أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة الصلاة، فإن صلحت صلح له سائر عمله وإن فسدت فسد سائر عمله)) [صحيح الجامع].
وهي صلة بين العبد وربه، ينقطع فيها الإنسان عن مشاغل الدنيا، ويتجه بها إلى ربه، يطلب منه الهداية والعون والرشاد.
وقد جعل الله لها أوقاتاً مكتوبة فقال: إِنَّ ٱلصَّلَوٰةَ كَانَتْ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ كِتَـٰباً مَّوْقُوتاً [النساء:103].
فأمرهم بإقامتها حين يمسون وحين يصبحون وحين يُظهرون وقدرها خمس مرات في اليوم والليلة لتكون فرصة للمسلم يتطهر بها من غفلات قلبه وكثرة خطاياه وقد مثَّل هذا المعنى في قوله: ((مثل الصلوات المكتوبات كمثل نهر جار على باب أحدكم يغتسل منه كل يوم خمس مرات)) [الإحسان: 1725].
لهذا في الصلوات الخمس فرصة عظيمة كي يثوب فيها المخطئ إلى رشده، ويرجع الإنسان إلى ربه، ويطفئ هذا اللهيب الذي يشتعل فيه نتيجة لانغماسه في الشهوات والملذات، وقد قال رسول الله في ذلك: ((إن لله ملكاً ينادي عند كل صلاة فيقول: يا بني آدم قوموا إلى نيرانكم التي أوقدتموها فأطفئوها)).
وفعلاً فالشهوات والملذات والمعاصي نار موقدة تشعل القلوب والعقول، والصلاة بالنسبة لها هي مضخة الإطفاء التي تخمد هذه النار وتطفئها، وهذا واضح تماماً في قوله : ((تحترقون تحترقون فإذا صليتم الصبح غسلتها، ثم تحترقون تحترقون فإذا صليتم الظهر غسلتها، ثم تحترقون تحترقون فإذا صليتم العصر غسلتها، ثم تحترقون تحترقون فإذا صليتم المغرب غسلتها ثم تحترقون تحترقون فإذا صليتم العشاء غسلتها، ثم تنامون فلا يكتب عليكم حتى تستيقظوا، بل إن أمر الصلاة أعظم))، يقول: : ((إن العبد إذا قام يصلي أُتي بذنوبه كلها فوضعت على رأسه وعاتقيه فكلما ركع أو سجد تساقطت عنه)).
والصلاة سبب في رفع منزلة المسلم في الجنة لقوله لأحد الصحابة أكثر من السجود فإنه ليس من مسلم يسجد لله تعالى سجدة إلا رفعه الله بها درجة في الجنة، وحط بها خطيئة، والصلاة هي الباب الذي تبث فيه شكواك وهمك إذا أحاطت بك الخطوب، فخانك الصديق وانقلب الحبيب عدواً، وعقك الولد، وأنكرتْ جميلَك الزوجةُ، فمَالِك الأمر هو الله، فإذا ضاقت عليك الدنيا فقل:يا الله، وإذا ادلهمت الخطوب فقل يا الله وإذا مرضت فقل يا الله، لذا كان رسول الله إذا حزبه أمر لجأ إلى الصلاة وقال، أقم الصلاة يا بلال لكي نرتاح.
وهي أمانة عندك إذا حفظتها حفظك الله وإذا ضيعتها ضيعك الله، ورد أن أعرابياً جاء المدينة وهو يركب ناقته فلما وصل المسجد ربط الناقة ودخل المسجد وصلى بالسكينة والوقار والتعظيم لله سبحانه فلما خرج لم يجد ناقته فرفع يده وقال: اللهم إني أديت إليك أمانتك فاردد إلي أمانتي فجاءته الناقة تسعى إليه.
وللأهمية العظمى للصلاة، أنه عندما أراد الله فرضها لم يرسل ذلك مع جبريل عليه السلام ككل الفرائض الأخرى، ولكنه أخذ محمداً إلى السموات العلى وخاطبه سبحانه، وفرض عليه الصلوات هناك، كما في الإسراء والمعراج.
لذا لا تستغرب أبداً العقاب الشديد الذي توعد الله به تارك الصلاة أو المتهاون فيها كقوله عن أهل النار أنهم يُسئلون ما سلكم في سقر فيجيبون: لَمْ نَكُ مِنَ ٱلْمُصَلّينَ [المزمل:43]. وقال سبحانه: فَوَيْلٌ لّلْمُصَلّينَ الَّذِينَ هُمْ عَن صَلاتِهِمْ سَاهُونَ [الماعون: 4، 5]. وهم الذين يؤخرون الصلاة عن وقتها. وقال رسول الله : ((من حافظ عليها كانت له نوراً وبرهاناً ونجاة إلى يوم القيامة ومن لم يحافظ عليها لم تكن له نوراً ولا برهاناً ولا نجاة وكان يوم القيامة مع قارون وفرعون وهامان وأبي بن خلف)). يقول ابن القيم معلقاً على هذا الحديث: إن في هذا الحديث معجزة نبوية تدل على كرامة رسولنا محمد، فتارك الصلاة إما يشغله عنها ماله، أو ملكه أو رياسته أو تجارته، فمن شغله عنها ماله فهو مع قارون، ومن شغله عنها ملكه فهو مع فرعون، ومن شغله عنها رياسته فهو مع هامان، ومن شغله عنها تجارته فهو مع أبي بن خلف، بل إن النبي قال: ((لا تترك الصلاة متعمداً فإنه من ترك الصلاة متعمداً فقد برئت منه ذمة الله ورسوله)) [الترغيب/813].
وقال: ((من ترك الصلاة لقي الله وهو عليه غضبان)) [الترغيب/803].
وإذا غضب الله على إنسان فمن ذا الذي يرضى عنه بعد ذلك.
لذا كان نبينا يهتم بالصلاة وإقامتها والحث عليها اهتماماً عظيماً حتى أن آخر كلمة قالها قبل الانتقال إلى الرفيق الأعلى آخر كلمة أنه أوصى المسلمين بالصلاة وقال : ((الصلاة الصلاة)). وكذلكم كان صحابته رضوان الله عليهم مع أنفسهم ومع أهليهم فقد كان أمير المؤمنين عمر بن الخطاب إذا صلى من الليل ما شاء الله له، أيقظ أهله آخر الليل، يقول لهم: (الصلاة الصلاة، ثم يتلو هذه الآية: وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِٱلصَّلوٰةِ وَٱصْطَبِرْ عَلَيْهَا لاَ نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَٱلْعَـٰقِبَةُ لِلتَّقْوَىٰ [طه:132]. بل إنه عندما طعنه أبو لؤلؤة المجوسي - لعنه الله - وأغمي عليه وأراد الصحابة أن يوقظوه قال أحدهم: أيقظوه بالصلاة فإنكم لن توقظوه بشيء إلا الصلاة فقالوا الصلاة الصلاة يا أمير المؤمنين: فإذا به يستيقظ ويقول: الصلاة الصلاة لاحظ للإسلام لمن ترك الصلاة، فصلى وإن جرحه لينزف دماً.
أيها الأخوة: مع كل هذا الاهتمام بالصلاة في الإسلام إلا أن نظرة إلى الواقع تكشف لنا الحال الذي لا يبشر بالخير أبداً، فمن الناس من يترك الصلاة إهمالاً لها، وقد يكون احتقاراً لها، وبخاصة بين صغار السن والشباب من الجنسين، وبعضهم صارت الصلاة لديه ألعوبة يؤديها وقتما يشاء ويتركها متى يشاء، فلا يصلي إلا من جمعة إلى جمعة، وهناك من الكبار من لا يصلي فهل تصدقون ذلك، هناك من الشباب والأولاد من يلعبون الكرة حتى في أوقات الصلاة.
ومنهم من يتجول في سيارته حتى انتهاء الصلاة، أو يقضي الوقت عند هواتف العملة، ومنهم من إذا سمع الأذان دخل بيته أو دكانه وأقفل على نفسه وهو لا يدري أن الله قادر على أن يهدم عليه الجدران والأسقف التي يختبئ فيها، إنهم يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله وهو معهم.
ومنهم من تصل بهم الجرأة إلى أن يجلس على الأرصفة في الشوارع جهاراً نهاراً في أوقات الصلاة وكأنه ليس بمسلم، وكأنه ليس في بلد إسلامي - سبحان الله - الله أكبر تجلجل في الآذان وهم في اللعب لاهون، وفي الطرقات يتسكعون وفي المنازل نائمون أو مختبئون، ترى لمن يقول المؤذن حي على الصلاة؟ لمن يقول المؤذن حي على الفلاح؟ لمن؟
يا ناس ماذا في الصلاة يجعلكم لا تلبون النداء؟ ماذا في الصلاة من ضرر؟ ماذا في الصلاة من مشقة؟ كم تأخذ هذه الصلاة من أوقاتهم الطويلة جداً، إنها لا تأخذ أكثر من ساعة في الأوقات الخمس.
أثقيلة عليهم هذه الساعة - سبحان الله – يٰأَيُّهَا ٱلإِنسَـٰنُ مَا غَرَّكَ بِرَبّكَ ٱلْكَرِيمِ ٱلَّذِى خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ [الانفطار:6-7]. الحقيقة أن طبائع بعض الناس دناءة غريبة لأنهم يستسهلون أخذ النعمة؟ ثم يستثقلون تقديم الشكر، يدبرون من الله أن ينعم عليهم بالمال والصحة والأمن ولكنهم ليسوا مستعدين لأن يشكروه على هذه النعم بأداء الصلاة والمحافظة عليها، لذا يقول سبحانه في هؤلاء وأمثالهم: فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُواْ ٱلصَّلَـوٰةَ وَٱتَّبَعُواْ ٱلشَّهَوٰتِ فَسَوْفَ يَلْقُونَ غَيّاً [مريم:59]. قال سعيد بن المسيب عن غي هو واد في جهنم بعيد قعره، خبيث طعمه، شديد عقابه، لمن؟ للذين تركوا الصلاة وتهاونوا بها. فاتقوا الله عباد الله في أمور دينكم عامة وفي صلاتكم خاصة بأن من تركها ترك الدين.
|