أما بعد:
فإن الناس بجهلهم وخضوعهم إلى عادات وتقاليد ما أنزل الله بها من سلطان وضعوا العوائق والحواجز في طريق الزواج حتى غدا صعباً وشاقاً على الكثيرين.
ومن هذه العادات: عدم أخذ رأي البنت عند الزواج إما لأن الوالد مستبد ظالم، وإما لأنه قد أُغْرِيَ بمبلغ كثير من المال قد يجعله يزوج ابنته رغماً عنها، بغرض حصوله على هذا المال.
وهذا الأمر بالطبع مخالف لأوامر الشرع ولأن الرسول قال: ((لا تنكح الأيم حتى تستأمر. ولا تنكح البكر حتى تُستأذن، قالوا: يا رسول الله وكيف إذنها قال: أن تسكت)).
وعن خنساء بنت خذام: أنّ أباها زوَّجها بدون إذنها - وهي ثيب - فأتت رسول الله فرد نكاحها. [أخرجه الجماعة].
هذا ليس من حق الأب أو المولى أن يزوج ابنته إلا برضاها، والشرع معها في ذلك.
ومن العادات القبيحة: عدم تزويج الأخت الصغرى إلا بعد أن تتزوج البنت الكبرى. ولا ندري من أين أتى الناس بهذه الأفكار العقيمة. ولنفرض أن الكبرى لم يأتها نصيبها بُعد، فما ذنب الصغرى، لكن بعض الناس يريد أن يعطل زواج الصغرى حتى تتزوج الكبرى. ثم نفاجأ بعد فترة بأن الاثنتين قد كبرتا معاً عن سن الزواج، ولو سُهِّل الأمر ويُسِّر لزُوِّجت الصغيرة والكبيرة، ولكنه الجهل وإلا فإننا نرى عندما عرض الشيخ الصالح على موسى عليه السلام الزواج بإحدى بنتيه لم يقل له: أزوجك الكبرى؟ ولم يشترط موسى الصغرى. وبهذا تحدث القرآن: قَالَ إِنّى أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ٱبْنَتَىَّ هَاتَيْنِ [القصص:26]. (إحدى ابنتي هاتين)، (إحدى ابنتي هاتين) فانظروا إلى الفهم العميق السليم.
ومن العادات والتقاليد المنكرة بل من البدع الشنيعة: تركُ بعض الناس لصلاة الاستخارة الشرعية واستبدالها بأخرى منكرة لاتمت إلى الدين والشرع بصلة؟ والغريب أن هذه العادة قد تسببت في تأخير زواج كثير من البنات. فما هذه التقاليد التي يتمسك بها بعض الناس؟
لكنها طقوس فرعونية جهنمية لهدم الأسرة وعرقلة زواج الشباب.فمتى يصحو البعض من هذه التقاليد الجاهلية؟
من يريد أن يستمر في أمر الزواج بل في كل أمر من الأمور فعليه أن يلتزم بصلاة الاستخارة الشرعية كما علَّمنا إيِّاها رسول الله .
فعن جابر بن عبد الله قال: كان رسول الله يعلمنا الاستخارة في الأمور كلها كما يعلمنا السورة من القرآن يقول: ((إذا هم أحدكم بالأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة، ثم ليقل: اللهم إني أستخيرك بعلمك، وأستقدرك بقدرتك،وأسألك من فضلك العظيم:فإنك تقدر ولا أقدر وتعلم ولا أعلم، وأنت علام الغيوب. اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر خير لي في ديني ومعاشي، وعاقبة أمري. أو قال: عاجل أمري وآجله فاقدره لي، ويسره لي ثم بارك لي فيه، وإن كنت تعلم أن هذا الأمر شر لي في ديني، ومعاشي، وعاقبة أمري، أو قال: عاجل أمري وآجله. فاصرفه عنه، واصرفني عنه، واقدر لي الخير حيث كان ثم رضني به)) [رواه البخاري وأبو داود والترمذي].
هذه هي الاستخارة الشرعية، وغيرها إنما هو شعوذة ودجل.
ومن العادات القبيحة: الامتناع عن الزواج بالأرامل والمطلقات: وهذا شيء جدير بالاهتمام. فهناك من المسلمات ومنهن شابات. بعضهن توفي أزواجهن، وبعضهن انفصلن عن أزواجهن لأسباب مختلفة فإذا حصل لهن ذلك. هل يكتب عليهن أن يجلسن في بيوتهن حتى الموت؟ مع أنهن لديهن الاستعداد للزواج وبأقل تكاليف ممكنة. فلماذا لا يفكر الشباب بالزواج من أمثال هؤلاء البنات تنفيذاً لأمر الله – سبحانه وتعالى- القائل: وَأَنْكِحُواْ ٱلايَـٰمَىٰ مِنْكُمْ وَٱلصَّـٰلِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمائِكُمْ [النور:32].
ويكفي أن نعلم أن سيد الخلق نبينا محمداً قد تزوج وهو في عنفوان شبابه، وفي سن الخامسة والعشرين قد تزوج بأم المؤمنين خديجة رضي الله عنها وهي أرملة، بل وهي تكبره بعشر سنوات على الأقل؟ وقد كان زواجاً ناجحاً بكل المقاييس كما يعلم الجميع.
لهذا فما الذي يمنع الشباب من اتباع هذا المنهج العظيم.
ومن هذه العادات الفاسدة تأخير بعض الشباب للزواج بدعوى عدم وقوع الحب وحصوله حتى الآن.
وهذا خطأ كبير، وساهمت في نشره بين الشباب الأفلام والمسلسلات الخبيثة التي تعلم الناس بأنه لابد من وقوع الحب بين الطرفين قبل الزواج، وأن هذا مهم جداً. وهذا خطأ كبير لأن الحب الحقيقي لا يأتي إلا بعد الزواج والواقع يشهد على هذا:فقد يحدث أن يحصل الزواج نتيجة حب عاطفي جارف، لا يلبث أن يفقد بعد الزواج بأشهر قليلة، وما يلبث أن يكتشف الزوجان أن بينهما فرقاً كبيراً في الأخلاق أو المزاج،أو الثقافة أو الميول من أجل هذا يقول سبحانه وتعالى: وَمِنْ ءايَـٰتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوٰجاً لّتَسْكُنُواْ إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِى ذَلِكَ لايَـٰتٍ لّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ [الروم:21].
ويتضح لنا هنا أن الله جعل حصول الحب والمودة بعد الزواج وليس قبله فقال: وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً لهذا فليحذر الشباب ذكوراً كانوا أو إناثاً من التورط والانخداع بهذه الأفكار الهدامة.
ومن العادات التي تعوق حصول الزواج:أن بعض الناس قد يخفض من مهر البنت، وقد يجعله إلى أدنى مستوى لكن هناك مهر آخر يقدم للزوجة، وهو نفقات كثيرة يعجز عن حملها الخاطب المسكين.
ولو كان الأمر يقتصر على الأشياء الضرورية لقلنا حسن.ولكن المشكلة هي في الأمور التافهة ومنها هدايا الخطبة والشبكة، وهدايا المواسم والمناسبات: وحفلة العرس. وما فيها من لهو محرم. وهدايا الصبحية، ونفقات الحفلات والمهنئين والإسراف في شراء الأقمشة والذهب والجواهر، والمبالغة في تأثيث بيت الزوجية، وغير ذلك. فلا يجد الخاطب من أهل الزوجة إلا كلمة هات حتى يصل معهم الأمر إلى الاشتراط عليه لإحضار بعض الأشياء التي ما أنزل الله بها من سلطان مثل: لابد من أن يكون فستان الزواج أبيضاً ومثل عربة المِلْكَة، وعلب الحلوى، وغير ذلك ثم يختمونها بإقامة الحفلات في أرقى الأماكن مثل الفنادق الكبرى وغيرها. وقد يصاحبها ارتكاب المعاصي، من اختلاط وبلاوي وغيرها.
والسؤال هو: لماذا كل هذه التكاليف وما المقصود منها؟ هل المقصود هو إرضاء الناس؟
أولاً: العمل من أجل الناس هو رياء، والرياء تعرفون حكمه في الإسلام.
ثانياً: الناس لن يرضوا مهما حصل، ولابد من أن يبحثوا عن العيوب، بل وقد يختلقونها لأنه ثبت أن الناس لا يعجبهم شيء أبداً. أما إذا كان القصد هو إرضاء الله، فالله يكره هذا الإسراف وهذا البذخ، لأنه يقول: وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلْمُسْرِفِينَ [الأنعام:141]. ويقول: وَلاَ تُبَذّرْ تَبْذِيرًا إِنَّ ٱلْمُبَذِّرِينَ كَانُواْ إِخْوٰنَ ٱلشَّيَـٰطِينِ وَكَانَ ٱلشَّيْطَـٰنُ لِرَبّهِ كَفُورًا [الإسراء:26-27]. لهذا نقول اتقوا الله أيها الناس. ولم هذا كله؟ وماذا يفعل الشاب المسكين صاحب الدخل المحدود؟ والراتب المقطوع؟ ماذا يفعل؟ إذا لم نسهل له الحلال فماذا سيفعل؟ هل يتجه إلى الحرام؟ فنكون قد ساهمنا في إفساده وإفساد بنات المسلمين.
إن الإسلام لم يشرع في نفقات العقد والزفاف، سوى المهر للمرأة والوليمة لحفلة العرس، وإكرام الضيف بما يناسب الحال.أما ما عداها من الهدايا والنفقات فهي ليست فرضاً واجباً وليست من شروط العقد والنكاح في شيء أبداً.
ومن العادات التي تعيق الزواج: هو ترك المجال للنساء في التصرف بأمور الخطبة والزواج. ولا شك أن المرأة بما جبلت عليه من الفعال وعاطفة، وبما تحبه من المظاهر والمفاخرة والرياء وحب الظهور أمام الناس، لا يمكن أن يتحقق على يديها خطبة أو زواج إلا إذا كانت رشيدة عاقلة مؤمنة تزن الأمور بميزان الشرع والدين.لهذا كم سمعنا عن أمهات يؤخرن زواج أبنائهن سنوات طويلة بدعوى عدم وجود الفتاة المناسبة حتى الآن، وبعضهن قد يفسدن زواج بناتهن لأن الواحدة منهن تدعي أن ابنتها ليست أقل من بنت فلان أو أن حفل زواج ابنتها يجب أن يكون أفضل حفل زواج في البلد، مما سبب إفساد الكثير من حالات الزواج.
لهذا على الرجل إذا رأى مثل هذا الانحراف عليه أن يتدخل ويحسم الأمور، لأن الله أعطاه حق القوامة كما قال: ٱلرّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى ٱلنّسَاء بِمَا فَضَّلَ ٱللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوٰلِهِمْ [النساء:34].
أخيرا: من العادات التي تعرقل الزواج: رفض البعض للخاطب أن يرى خطيبته، والعجيب أن هذه الفتاة قد تخرج متبرجة ويراها القاصي والداني. فإن أراد الخاطب أن يراها الرؤية الشرعية التي أمر بها الرسول قائلاً: ((إذا خطب أحدكم المرأة فإن استطاع أن ينظر إلى ما يدعو إلى نكاحها فليفعل)) [رواه أبو داود].
فإن أراد الخاطب أن يراها الرؤية الشرعية التي أمر بها رفض أباها عليه ومنعها منه، وللعلم فمن ظنّ أن في هذه الرؤية الشرعية عاراً، أو أن فيها عيباً أو عملاً لا يليق، فقد قبَّح ما استحسنه رسول الله ورفض ما أمر به، وظن أنه أغير منه على الشرف والأخلاق، ومن فعل ذلك فربما خرج من دين الإسلام.
فَلاَ وَرَبّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِى أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلّمُواْ تَسْلِيماً [النساء:65].
والغريب أن هناك من الناس من هو عكس ذلك تماماً:صنف تأثر بأخلاق الغرب وبأفكار الأفلام والمسلسلات. وظن بأن المخطوبة لا تعرف أخلاق الخاطب ولا تتعرف عليه، إلا إذا خرجت معه، وتنزهت معه، وربما سافرتِ معه، وبالطبع شابان وفي سن الشباب ويخليان ببعضهما البعض، فماذا ستكون النتيجة، النتيجة هي الزنا، وهذه هي نتيجة الخلوة المحرمة. لهذا يقول : ((لا يخلون رجل بامرأة إلا مع ذي محرم)).
ويقول: ((لا يخول رجل بامرأة إلا وكان ثالثهما الشيطان)).
|