أما بعد:
معشر المسلمين والمسلمات أوصيكم ونفسي بتقوى الله عز وجل فهي وصية الله للأولين والآخرين كما أخبرنا سبحانه بذلك في كتابه العزيز حيث قال: ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وإياكم أن اتقوا الله وإن تكفروا فإن لله ما في السموات والأرض وكان الله غنياً حميداً.
عباد الله: مازلنا مع حقوق الجار المأخوذة من الأثر المروي عن رسول الله واليوم مع الحق الرابع ((وإذا مرض عدته)).
إن هذا الحق هو للمسلم على أخيه المسلم كما في صحيح الإمام مسلم والترمذي والنسائي ((حق المسلم على المسلم ست، قيل: وما هن يا رسول الله؟ قال: إذا لقيته فسلم عليه، وإذا دعاك فأجبه، وإذا استنصحك فانصح له، وإذا عطس فحمد الله فشمته، وإذا مرض فعده، وإذا مات فاتبعه)).
هنا في حق المسلم على أخيه المسلم فما بالك إذا كان جاراً له، وعيادة المريض سنة مؤكدة كما أخرج الطبراني في الكبير والأوسط عن ابن عباس عن النبي قال: ((عيادة المريض أول يوم سنة وبعد ذلك تطوع)) وهي لا تختص بمرض دون مرض كما جاء في الحديث الصحيح: ((أطعموا الجائع، وعودوا المريض، وفكوا العاني)) (الأسير) وفي هذا الحديث مشروعية العيادة لكل مريض لحديث زيد بن أرقم قال: ((عادني رسول الله من وجع كان بعيني)). وليس المراد من عيادة المريض زيارته وتفقد أحواله والتلطف به، وربما كان ذلك سبباً لنشاطه وانتعاش قوته، وقد رغب فيها الشرع وحث عليها ففي حديث الإمام مسلم في الصحيح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله : ((إن الله عز وجل يقول يوم القيامة يا ابن آدم مرضت فلم تعدني. قال يا رب كيف أعودك وأنت رب العالمين؟ قال: أما علمت أن عبدي فلاناً مرض فلم تعده أما علمت أنك لو عدته لوجدتي عنده. يا ابن آدم استطعمتك فلم تطعمني قال: يا رب كيف أطعمك وأنت رب العالمين؟ قال: أما علمت أنه استطعمك عبدي فلان فلم تطعمه أما علمت أنك لو أطعمته لوجدت ذلك عندي، يا ابن آدم استسقيتك فلم تسقني قال: يا رب كيف اسقيك وأنت رب العالمين؟ قال: استسقاك عبدي فلان فلم تسقه، أما علمت أنك لو سقيته لوجدت ذلك عندي)) في هذا الحديث إضافة المرض لله تعالى والمراد العبد تشريفاً للمريض، ومعنى وجدتني عنده أي وجدت ثوابي وكرامتي.
أيها المسلمون: لقد جاء في ثواب عيادة المريض أحاديث كثيرة منها الحديث السابق، ولكن ما هي آداب عيادة المريض في الشريعة الإسلامية؟ لقد ذكر العلماء رحمهم الله تعالى آداباً لعيادة المريض أخذاً من الأحاديث الشريفة المروية عن رسول الله وها أنذا أذكر لي ولكم شيئاً منها.
يستحب لزائر المريض أن يدعو له بالشفاء ويأمره بالصبر لحديث عائشة بنت سعد بن أبي وقاص إن أباها قال: اشتكيت بمكة وجاءني النبي يعودني ووضع يده على جبهتي ثم مسح صدري وبطني ثم قال: ((اللهم اشف سعداً وأتمم له هجرته)). أخرجه البخاري مطولاً وأبو داود والبيهقي.
وهناك أدعية واردة يحسن بالزائر أن يدعو بها للمريض منها حديث أبي داود والترمذي وقال حديث حسن عن ابن عباس أن النبي قال: ((من عاد مريضاً لم يحضر أجله فقال عنده سبع مرات: أسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يشفيك إلا عافاه الله من ذلك المرض)) وعن ابن عمر أن النبي قال: ((إذا جاء يعود مريضاً فليقل: اللهم اشف عبدك ينكأ لك عدواً أو يمشي لك إلى جنازة)) أخرجه أبو داود والحاكم وابن حبان. وكذلك الحديث المتفق عليه عن عائشة أن النبي كان يعود بعض أهله يمسح بيده اليمنى ويقول: ((اللهم رب الناس أذهب البأس، اشف أنت الشافي، لا شفاء إلا شفاؤك، شفاء لا يغادر سقماً)).
كما يستحب للزائر أن يقول للمريض: لا بأس طهور إن شاء الله لما رواه البخاري عن ابن عباس أن النبي دخل على أعرابي يعوده وكان إذا دخل على من يعوده قال: لا بأس طهور إن شاء الله فقال أي المريض: كلا بل هي حمى تفور على شيخ كبير حتى تزيره القبور فقال النبي : ((فنعم إذاً)).
ويستحب للزائر أن يطيب نفس المريض بإطماعه في الحياة وقرب الشفاء لحديث أبي سعيد الخدري : ((إذا دخلتم على المريض فنفسوا له في الأجل فإن ذلك لا يرد شيئاً وهو يطيب بنفس المريض)) أخرجه ابن ماجة والترمذي.
كما ينبغي على الزائر لزائر أن يضع يده على مكان المرض ويسمى الله تعالى ويدعو للمرض أخرجه أبو يعلى عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت كان رسول الله إذا عاد مريضاً يضع يده على المكان الذي يألم ثم يقول: ((بسم الله)) كما يستحب لزائر المريض أن يطلب منه الدعاء فإن دعاءه مستجاب لحديث أنس أن النبي قال: ((عودوا المرضى ومروهم فليدعوا لكم، فإن دعوة المريض مستجابة وذنبه مغفور)) أخرجه الطبراني في الأوسط، هذا إذا لم يكن مرضه شديداً وإلا فلا. ومن آداب الزيارة للمريض تخفيفها وعدم تكريرها في اليوم إلا إن رغب المريض في ذلك فإن رغب في التطويل وتكرير العيادة من صديق أو أخ يستأنس به، ولا مشقة في ذلك فلا بأس به، وكثير من الناس لا يعرفون هذا الأدب وهو التخفيف، فتجد الناس عندنا زيارتهم للمريض يجلسون الساعات الطوال ويحلو لهم الحديث ويتناولون المشروبات بل المأكولات، وذلك كله مناف لعيادة المريض ومناقض لآداب الزيارة، وتجد المريض يترنح ويريد أن يشتكي لكنه يستحي أن يبوح بما يختلج في قلبه.
فليتق الله أقوام يزورون المريض فيزيدونه مرضاً على مرضه إما بطول جلوس أو بكثرة كلام، ولا تجد واحداً منهم يدعو للمريض بالشفاء وينفس الأجل، وقد يحتاج المريض لقضاء حاجته إذا كان لا يستطيع القيام، وقد يحتاج إلى تخفيف الغطاء عن جسمه لشعوره بالحرارة إلى غير ذلك من الأشياء التي يغفل عنها كثير من الناس. روى الترمذي عن سيدنا علي قال سمعت رسول الله يقول: ((ما من مسلم يعود مسلماً غدوة إلا صلى عليه سبعون ألف ملك حتى يمسي وإن عاده عشية صلى عليه سبعون ألف ملك حتى يصبح وكان له خريف في الجنة)).
نفعني الله وإياكم بالقرآن المبين وبحديث سيد الأولين والآخرين وأجارني وإياكم من عذابه المهين وغفر لي ولكم ولسائر المسلمين آمين وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
|