أيها الإخوة: من المعلوم أن الله خلقنا لعبادته، قال تعالى: وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ولكنه سبحانه وتعالى حدد لنا كيف نعبده، فلم يتركنا للآراء ولا للأهواء ولا للأذواق، بل أرسل لنا رسولاً وأمرنا باتباعه، بل إن النبي صلى الله عليه وسلم أُمر باتباع ما يوحى إليه والالتزام به، كما ورد ذلك في آيات كثيرة منها قول الله تعالى: اتبع ما أوحي إليك من ربك لا إله إلا هو وأعرض عن المشركين وقال تعالى: ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها وقال تعالى: فاستمسك بالذي أوحي إليك إنك على صراط مستقيم وإنه لذكر لك ولقومك وسوف تسألون.
وأمرنا الله باتباع نبيه وطاعته في آيات كثيرة منها قول الله تعالى: قل أطيعوا الله والرسول فإن تولوا فإن الله لا يحب الكافرين وقال تعالى: وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا، وقال سبحانه: ومن يطع الله ورسوله يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار ومن يتول يعذبه عذاباً أليماً.
وقال تعالى محذراً الأمة من مخالفة أمر النبي صلى الله عليه وسلم: فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم وقال تعالى: ومن يطع الله ورسوله ويخش الله ويتقه فأولئك هم الفائزون وقال سبحانه: وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وأطيعوا الرسول لعلكم ترحمون.
وقد أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم بتوحيد الله، وحمى جناب التوحيد من كل شائبة، حتى ولــو كانت لفظية، فحينما قيـل لـه ما شاء الله وشئت، لم يرض النبي صلى الله عليه وسلم بهــذا اللفظ الذي يحتمل التسوية بينه وبين الخالق سبحانه وتعالى، فغضب وقال صلى الله عليـه وسلـم لصـاحب ذلك القـول: ((بل ما شاء الله وحده)) وقال لــه: ((أجعلتني لله نداً)).
وكذلك حينما جاءه وفد من وفود العرب فقال خطيبهم: أنت سيدنا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((السيد الله))، فقال الخطيب: وأفضلنا فضلاً وأعظمنا طولاً، فلم يرض النبي صلى الله عليه وسلم هذا القول وقال للوفد: ((قولوا بقولكم أو بعض قولكم ولا يستجرينكم الشيطان)). وكذلك حينما نذر رجل أن يذبح قرباناً ببوانة، وهو اسم مكان معروف في ذلك الوقت، فاستأذن النبي صلى الله عليه وسلم أن يفي بنذره في ذلك المكان، فسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك المكان: ((هل كان به وثناً يعبد؟ أو كان فيه عيد من أعياد الجاهلية؟)) فقيل له: لا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم للرجل: ((أوف بنذرك)).
لاحظوا أيها الإخوة سؤال النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة ذلك السؤالين، وما فيهما من دلالة مهمة على وجوب عدم مشابهة الكفار في أي أمر، حتى ولو كان في ذلك العمل قربة إلى الله عز وجل، ففي هذا الأمر حماية لجناب التوحيد والبعد عن كل ما يخدشه، فلننتبه لذلك، ولنلتزم به.
يا أيها الإخوة: كان النبي صلى الله عليه وسلم يؤكد مسألة المتابعة له لأن كل عبادة أو قربة لا تقبل إلا بتحقيق شرطين: هما الإخلاص والمتابعة .. قال الله تعالى: فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً ولا يشرك بعبادة ربه أحـداً فالعمل الصالح هو الموافق لسنة النبي صلى الله عليه وسلم، قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((من عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد)) أي مردود عليه، وغير مقبول.
أيها الإخوة: ويظهر تأكيد النبي صلى الله عليه وسلم على متابعته، عندما أخـذ الحصى لرمي جمرة العقبـة، والتي كانت الواحدة منها في حجم حبة الحمص أو حبة الفول .. فيقول للناس: ((إياكم والغلو)) يحذرهم من أن يرموا بأكبر من تلك الحصيات أو بأشياء أخرى لم يشرعها النبي صلى الله عليه وسلم، فلا يقبل منهم العمل. ويظهر ذلك أيضاً في تعليمه للصحــابي البراء بن عازب رضي الله عنه دعاء النوم الذي هو: ((اللهم أسلمت وجهي إليك وفوضت أمري إليك وألجأت ظهري إليك رهبة ورغبة إليك، لا ملجأ ولا منجا منك إلا إليك، آمنت بكتابك الذي أنـزلت، وبنبيك الذي أرسلت)). فأخذ الصحابي يردد الدعاء ليحفظه فحينما وصل إلى قوله: ((وبنبيك الذي أرسلت)) قال: وبرسولك الذي أرسلت فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا .. وبنبيك الذي أرسلت)) فلاحظوا أيها الإخوة في إلزام النبي صلى الله عليه وسلم للبراء بأن يقول نفس الكلمة ولا يغيرها، بالرغم من أن الكلمة التي قالها البراء لا تغير المعنى، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرض منه تغييرها، وفي هذا إشارة إلى أهمية المتابعة الحرفية لسنة النبي صلى الله عليه وسلم.
ويتأكد ذلك أيضاً أيها الإخوة في قصة الرهط الذين جاءوا إلى بيوت النبي صلى الله عليه وسلم وسألوا عن عبادته فتقالّوها وقالوا: هذا النبي قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، فقرروا أن يقوموا بأعمال ليتقربوا بها إلى الله، قاصدين زيادة الحسنات ومغفرة السيئات، فقال أحدهم: أما أنا فأقوم الليل أبداً، وقال الثاني: أصوم الدهر أبداً، وقال الثالث: لا أتزوج النساء، فغضب النبي صلى الله عليه وسلم وخطب في الناس وقال: ((ما بال أقوام يقولون كذا وكذا، أما إني أخشاكم لله وأتقاكم له، ولكنني أصلي وأنام وأصوم وأفطر وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني))، وهذا فيه وعيد شديد ولكل من يريـد أن يفعل قربة يتقرب بها إلى الله متبعاً في ذلك هواه، فإنه سيحرم من انتمائه إلى أمة محمد صلى الله عليه وسلم.
والأصل في العبادات أيها الإخوة المنع حتى يثبت الدليل الصحيح الصريح بالفعل، والأصل في العادات الإباحة حتى يثبت الدليل بالمنع، فعلينا فهم هاتين القاعدتين مع ما سبق من ذكـره عن شرطي قبول العمل كما فهم أسلافنا ذلك.
قال الزهري رحمه الله: "من الله الرسالة، وعلى الرسول البلاغ، وعلينا التسليم". وقال الإمام ابن القيم رحمه الله: "كل عمل بلا اقتداء فإنه لا يزيد عامله من الله إلا بعدا، فإن الله تعالى إنما يعبد بأمره لا بالآراء ولا بالأهواء". وهذا هو صراط سلفنا الصالح المستقيم الذين ساروا عليه بأمر من النبي صلى الله عليه وسلم حيث أمرهم بذلك، ففهموا مراده، واتبعوه في هديه وسنته، وقد أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم بالسير على نهجهم والتزام طريقهم حيث قال: ((أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة وإن كان عبداً حبشياً، فإنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافاً كثيراً، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة)).
1- حينما أمر الله الذين آمنوا بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً جاء الصحابة إلى النبي وسألوه عن كيفية الصلاة عليه وهم العرب الفصحاء الذين يستطيعون تنفيذ قول الله تعالى ... ولكن لحبهم للنبي صلى الله عليه وسلم وحب الالتزام بما يقوله لم يتجاسروا على تأليف صلوات من عندهم بل حضروا إلى النبي وسألوه كي يعلمهم الصلاة عليه – فكيف يتجاسر أهل البدع بتأليف صلوات مخترعة ويتركون ما خرج من بين شفتي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم؟
2- حينما أرسل النبي صلى الله عليه وسلم الشاب جليبيب إلى أهل بيت من الأنصار ليخطب ابنتهم ويتزوجها. تردد الأب قليلاً لأن جليبيب كان دميم الخلقة. ودخل يشاور زوجته أم الفتاة المخطوبة، فقالت باشمئزاز: جليبيب ابْنَهْ جليبيب ابْنَهْ ، فسمعت البنت المخطوبة من والديها ترددهما .. فقالت أتردان رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ إني أقبل ما اختاره لي رسول الله صلى الله عليه وسلم ... إني سمعت الله يقول: فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً وقوله تعالى: وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالاً مبيناً فهل نحن اليوم في مستوى إيمان هذه الفتاة والتزامها بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم دون تردد؟
3- حينما نزل قول الله تعالى: لله ما في السموات وما في الأرض وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله جاء الصحابة وبركوا على الركب وقالوا: يا رسولّ الله هذه لا نطيقها .. فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: قولوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير.
فحينما استسلموا لأمر الله وأمر رسوله واستجابوا وأخذوا يكررونها في شوارع المدينة نزل التخفيف .. حيث نزلت الآيتين الأخيرتين من سورة البقرة: آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون... أليس من الأولى والأجدر أن يكون هؤلاء هم قدوتنا حيث هم فهموا التنزيل واستجابوا لأمر ربهم وحققوا مراده واستجابوا لنبيهم وحققوا سنته وهديه؟!!
4- وهذا معاوية رضي الله عنه حينما كان خليفة للمسلمين وجاء إلى مكة للحج فطاف بالبيت .. فأخذ يستلم جميع الأركان الأربعة فقال له ابن عباس رضي الله عنهما إن الاستلام لا يكون إلا باستلام الركنين فقط .. فرد معاوية وقال: لا أرى شيئاً من البيت مهجوراً .. فقال ابن عباس: (ولكم في رسول الله أسوة حسنة). قال: صدقت يا ابن عباس، وترك استلام شيء من البيت إلا الركنين .. تأسياً بالنبي صلى الله عليه وسلم في الفعل والترك .. واستجابة لأمر الله تعالى الذي أمرنا أن نقتدي بالنبي صلى الله عليه وسلم ونجعله أسوة حسنة في عبادته وأفعاله.
5- حينما نزل قول الله تعالى: يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون. كيف استجاب الصحابة لهذا الأمر؟. لدرجة أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قـال بأنه يسر بصوتـه حينما يريد أن يحدث النبي صلى الله عليه وسلم لدرجـة أن النبي لا يسمعه فيقول: هاه. هاه .. خشية من أن يرفع صوته فوق صوت النبي فيحبط عمله، وإن من يرفع صوته بدعوة الناس إلى عمل أو قربة لم يأمر بها النبي صلى الله عليه وسلم إنما هو يرفع صوته فوق صوت النبي ويتحدى سنته صلى الله عليه وسلم.
هذه بعض مواقف الصحابة التي تبين مدى التزامهم بما يقوله ويفعله حبيبهم المصطفى صلى الله عليه وسلم .. هؤلاء هم سلفنا وقدوتنا الذين وصفهم الله بالصدق وأنهم المؤمنون حقاً. وقد رضي الله عنهم .. ونحن نقتدي بهم أسأل الله العلي العظيم أن يجمعنا بهم في مستقر رحمته إنه سميع مجيب.
فلننظر أيها الإخوة إلى ما يدل على التزام السلف بمفهوم الإتباع وتطبيقه في حياتهم، لنستمع إلى ابن أم عبد، عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، ماذا قال لأولئك النفر الذين اجتمعوا في مسجد ليذكروا الله حيث تحلقوا .. فقال أحدهم لهم: سبحوا الله مائة، هللوه مائة. وأخذوا يعـدون تسبيحهم بالحصى التي جمعوها من حصباء المسجد .. فجاءهم أبو عبد الرحمن، عبد الله بن مسعود، وضرب الحصى برجله وقال لهم: (عدوا سيئاتكم، فأنا ضامن أن لا يضيع من حسناتكم شيء، ويحكم يا أمة محمد ما أسرع هلكتكم، هؤلاء صحابة نبيكم متوافرون، وهذه ثيابه لم تبل، وآنيته لم تكسر، والذي نفسي بيده إنكم لعلى ملة هي أهدى من ملة محمد أو مفتتحوا باب ضلالة). قالوا: يا أبا عبد الرحمن ما أردنا إلا الخير .. قال: (وكم من مريد للخير لن يصيبه، أو لن يدركه) فهؤلاء القوم خالفوا السنة في الكيفية وفي الكمية، وأتوا أمراً هو في ظاهره خير وبركة، ولكنهم فعلوا ما لم يشرعه النبي صلى الله عليه وسلم، فبذلك كان عملهم مردوداً عليهم، ولذلك نهاهم الصحابي الجليـل رضي الله عنه، ولا ننسى قول النبي صلى الله عليه وسلم عنه: ((رضيت لأمتي ما رضى لها ابن أم عبد)) أي عبد الله بن مسعود رضي الله عنه وأرضاه.
وهذا أحد أئمة الأعلام سعيد بن المسيب رحمه الله، رأى رجلاً يصلي بعد طلوع الفجر أكثر من ركعتين أي يصلي بعد السنة الراتبة للفجر عدة ركعات يكثر فيها الركعات والسجود فنهاه سعيد بن المسيب .. فقال الرجل: يا أبا محمد يعذبني الله على الصلاة؟ قال: لا ولكن يعذبك على خلاف السنة.
وهذا الإمام مالك رحمه الله حينما جاءه رجل فقال له: إني أريد أن أحرم من المسجد من عند القبر ... فقال له الإمام: لا تفعل، أحرم من حيث أحرم رسول الله، من ذي الحليفة، إني أخشى عليك الفتنة، فقال الرجل: وأي فتنة هذه؟ إنما هي أميال أزيدها، فقال مالك رحمه الله: وأي فتنة أعظم من أن ترى أنك سبقت إلى فضيلة قصر عنها الرسول صلى الله عليه وسلم، إني سمعت الله يقول: فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم وكان الإمام مالك يحذر الأمة من الإحداث في الدين ويقول: من أحدث في هذه الأمة شيئاً لم يكن عليه سلفها فقد زعم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خان الدين، لأن الله يقول: اليوم أكملت لكم دينكم فما لم يكن يومئذ ديناً لا يكون اليوم ديناً.
قال ابن مسعود رضي الله عنه: (اتبعـوا ولا تبتدعوا فقد كفيتم) وقال أيضاً: (ستجدون قوماً يدعونكم إلى كتاب الله وقد نبذوه وراء ظهورهم، فعليكم بالعلم وإياكم والتبدع والتنطع والتعمق وعليكم بالعتيق) أي القديم – أي الأصل. وقال رضي الله عنه: (من كان منكم مستناً فليستن بمن قد مات فإن الحي لا تؤمن عليه الفتنة).
قال أبو العالية رحمه الله: تعلموا الإسلام فإذا علمتموه فلا ترغبوا عنه وعليكم بالصراط المستقيم، فإن الصراط المستقيم: الإسلام، ولا تحرفوه يميناً أو شمالاً، وعليكم بسنة نبيكم وأصحابه.
وكان بعض السلف يقول: لا تجالسوا أصحاب الأهواء، أو أصحاب الخصومات، فإني لا آمن أن يغمسوكم في ضلالتهم ويلبسوا عليكم بعض ما تعرفوه.
أيها الإخوة: لقد حذرنا النبي صلى الله عليه وسلم من الانحراف عن هديه وسنته وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعده، والوقوع أو الانجراف إلى إحدى الفرق الضالة المخالفة لهديه وسنته والتي تبلغ اثنتين وسبعين فرقة كلها في النار وذلك في الحديث العظيم الــذي قال فيـه صلى الله عليه وسلم: ((ستفترق هذه الأمة إلى ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة)) قيل ومن هي يا رسول الله قال: ((هي ما أنا عليه اليوم وأصحابي)) فهذه الفرقة الناجية الوحيدة هي التي تكون على ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، لذلك من أراد منا النجاة فليلتزم غرزهم، ويسير على نهجهم.
فالحمد لله الذي هدانا لهذا، وهيئ لنا من أمرنا رشداً، وسهل لنا سبيل الرشاد، ولم يكلفنا بتقليد أحد من المخلوقين من الفقهاء أو العلماء أو اتباعه استقلالاً، قال الإمام ابن القيم رحمه الله: "إن من رحمة الله سبحانه وتعالى بنا ورأفته، أنه لم يكلفنا بالتقليد، فلو كلفنا به لضاعت أمورنا وفسدت مصالحنا لأنا لم نكن ندري من نقلد من المفتين والفقهاء وهم عدد فوق المئتين ولا يدري عددهم في الحقيقة إلا الله، فإن المسلمين قد ملأوا الأرض شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً وانتشر الإسلام بحمد الله وفضله وبلغ ما بلغ الليل والنهار، ولو كلفنا بالتقليد لوقعنا في أعظم العنت والفساد، ولكلفنا بتحليل الشيء وتحريمه، وإيجاب الشيء وإسقاطه معاً، أن كلفنا بتقليد كل عالم، وإن كلفنا بتقليد الأعلم فالأعلم، فمعرفة ما دل عليه القرآن والسنة من الأحكام أسهل بكثير كثير من معرفة الأعلم الذي اجتمعت فيه شروط التقليد، ومعرفة ذلك مشقة على العالم الراسخ فضلاً عن المقلد الذي هو كالأعمى، وإن كلفنا بتقليد البعض، وكان جعل ذلك إلى تشهينا واختيارنا صار دين الله تبعاً لإرادتنا واختيارنا وشهواتنا، وهو عين المحال، فلا بد أن يكون ذلك راجعاً إلى من أمر الله باتباع قوله وتلقي الدين من بين شفتيه، وذلك محمد بن عبد الله، رسول الله وأمينه على وحيه، وحجته على خلقه، ولم يجعل الله هذا المنصب لسواه بعده أبداً" ا.هـ كلامه رحمه الله.
فاللهم وفقنا لما تحب وترضى من الأقوال والأعمال، اللهم هيئ لنا من أمرنا رشداً واجعلنا هداة مهتدين يا رب العالمين. اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
وسبحانك اللهم وبحمدك أشهد ألا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك.
|