قال الله تعالى: اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه كما جــاء في حديث العرباض بن سارية: ((إنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافاً كثيراً فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل بدعة ضلالة)).
وقال صلى الله عليه وسلم: ((من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد)) فما لم يكن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ديناً وقربة، أو مما لم يكن عليه الصحابة رضوان الله عليهم، فليس اليوم ديناً .. فمن ندب إلى شيء يتقرب به إلى الله أو أوجبه بقوله وفعله من غير أن يشرعه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم فقد شرع من الدين ما لم يأذن به الله، ومن اتبعه في ذلك فقد اتخذ شريكاً لله شرع من الدين ما لم يأذن به الله. قال تعالى: أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله.
قال تعالى: اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله أي اتخذوا العلماء والعباد آلهة من دون الله باتباعهم فيما شرعـوا لهم بما يخالف شرع الله فأطاعوهم.
قد يكون أيها الإخوة: الفاعل الأول للعمل المحدث. متأولاً أو مجتهداً فيؤجر على اجتهاده حتى ولو أخطأ، ولكن لا يجوز اتباعه في اجتهاده إذا لم يكن له دليل من القرآن أو السنة.
وهذا ما قال به الأئمة فهـم ينهـون عن تقليدهم إلا إذا عرف الناس دليلهم، وكل منهم يقول: (إذا صح الحديث فهو مذهبي) لأن الأصل هو اتباع النبي صلى الله عليه وسلم، وفي ذلك تحقيق معنى شهادة أن محمداً رسول الله، باتباعه فيما شرع، وطاعته فيما أمر، واجتناب ما نهى عنه وزجر.
ومن الأمور التي نهى النبي صلى الله عليه وسلم عنها الاحتفال وتخصيص مواسم للفرح بأيام غير يومي عيد الفطر والأضحى، فهما العيدان الثابتان للمسلمين .. فلا يصح تخصيص يوم للاحتفال والفرح بالمولد، ولا بليله الإسراء والمعراج، ولا بليلة الهجرة النبوية، ولا بليلة غزوة بدر الكبرى في 17 رمضان ولا بغيرها من ليالي وأيام محدثة كاليوم الوطني، أو أسبوع الشجرة، أو ذكرى العبور أو التحرير... .
فكل هذه الأيام التي يحتفل فيها أو بها إنما هي من البدع المحدثة التي ينبغي للمسلمين تركها.
أيها الإخوة: لقد أسري بالنبي صلى الله عليه وسلم في بداية الدعوة المكية. وكانت غزوة بدر الكبرى في بداية هجرته للمدينة النبوية ومكث النبي صلى الله عليه وسلم ما يقارب ثماني سنوات بعد الغزوة فلم يجتمع بأصحابه ليلـة الإسراء والمعراج ولم يخصص لها يذكر معين أو عبادة معينة ولم ذكر أصحابه بيومها أو ليلتها ولم يأمرهم بالإعلان عن هذه الذكرى المجيدة وإعلانها بين الناس أو الاجتماع ليلتها للذكر وقراءة القرآن وأكل الطعام، بالرغم من أنه ليس هناك مانع من ذلك، فما تـركه النبي صلى الله عليه وسلم نتركه، فالسنة كما تكون في الفعل تكون في الترك، وكما أننا لا نتقرب إلى الله تعالى بترك ما فعل، لا نتقرب إليه بفعل ما ترك، فالفاعل لما ترك النبي صلى الله عليه وسلم كالتارك لما فعله صلى الله عليه وسلم.
ولو استعرضنا حياة الخلفاء الراشدين ومن بعدهم من التابعين لم نجد أحداً منهم فعل هذه الأمور التي يفعلها بعض الناس هذه الأيام من الاحتفالات البدعية بليلة المولد أو ليلة الإسراء أو ليلة النصف من شعبـان أو ليلة غزوة بدر وغيرها. وإنما كان همهم اتباع النبي صلى الله عليه وسلم فيما شرعه للأمة دون زيادة أو نقص في صلاة الليل، والاعتكاف في العشر الأواخر من رمضان وكصيام يوم عاشوراء، ويومي الاثنين والخميس، والأيام البيض من كل شهر وغيرها من الأمور الثابتة والصحيحة.
وقد ذكرنا أيها الإخوة: صفـة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم بالليل وعدد ركعاتها وأن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بالناس في عدة سنوات في رمضان وفي ليالي معدودة منه ثم لم يصلي بالناس التراويح خشية أن تفرض علينا، وبالتأكيـد فإن النبي صلى الله عليه وسلم قد ختم القرآن مراراً وتكراراً، قراءة، وتلاوة أو في قيام الليل، وقد صلى الوتر كل ليلة فلم يثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قنت في الوتر جماعة حينما صلى بالناس في المسجد في عدة رمضانات كما قلنا.
ولكن الصحابة في عهد عمر رضي الله عنهم اجتمعوا وقنتوا في النصف الثاني من رمضان وهذا إجماع منهم على هذا الفعل، ونحن مأمورين باتباعهم، فلذلك يكون القنوت في النصف الثاني من رمضان هو الأولى.
وأما دعاء ختم القـرآن فلم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن الصحابة، لا جماعة ولا منفردين، دعاء لختم القرآن في الصلاة أي أثناء الصلاة كما يفعل الآن بعد أن يقرأ بقل أعوذ برب النـاس يرفــع الإمام يديه ويدعو بدعاء يسمى دعاء ختم القرآن قبل الركـوع.
هذا الأمر أيها الإخوة كما قلت لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، لا في صلاة ولا في غيرها، كذلك الصحابة لم يثبت عنهم هذا الفعل في صلاة التراويح، وقد اجتمعوا في صلاة التراويح في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنهم أجمعين وقنتوا في النصف الثاني من رمضان ونقل لفظ القنوت الذي قنتوا به، وكان الإمام يقرأ بالمئات من الآيات في الركعة الواحدة، حتى قال الصحابة كنا نتكئ على العصي من طول القيام، فربما ختموا القرآن في ثلاثة أيام أو في سبعة أيام، ولم يفعلوا هذا الدعاء المسمى دعاء ختم القرآن وإلا لنقل إلينا ذلك، فشيء تركه النبي صلى الله عليه وسلم ولم يفعله، ولم يفعله الصحابة رضوان الله عنهم أجمعين مع وجود الداعي لذلك مع عــدم وجود المانع، فالأولى تركه وعدم فعله.
وقد نقل عبد الرحمن المقدسي المتوفي سنة 665هـ في كتابه الباعث على إنكار البدع والحــوادث عن الإمام أبو بكر الطرطوشي قوله: وقد أنكر الإمام أبو بكر الطرطوشي على أهل القيروان اجتماعهم ليلة الختم في صلاة التراويح في شهر رمضان ونصب المنابر، وبين أنه بدعة ومنكر وأن مالكاً رحمه الله تعالى كرهه.
|