.

اليوم م الموافق ‏21/‏جمادى الأولى/‏1446هـ

 
 

 

دعاء ختم القرآن في الصلاة

1731

فقه, قضايا في الاعتقاد

البدع والمحدثات, الصلاة

مرزوق بن سالم الغامدي

مكة المكرمة

الرحمة

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

ملخص الخطبة

1- ذم الإحداث في الدين ، والحث على الاتباع. 2- تقليد العلماء يلزمه معرفة أدلتهم. 3- مواسم محدثة يحتفل بها الناس. 4- ما فعله السلف فعلناه وما تركوه تركناه. 5- القنوت في صلاة الوتر في رمضان. 6- دعاء ختم القرآن في صلاة التراويح.

الخطبة الأولى

قال الله تعالى: اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً.

وقال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه كما جــاء في حديث العرباض بن سارية: ((إنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافاً كثيراً فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل بدعة ضلالة)).

وقال صلى الله عليه وسلم: ((من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد)) فما لم يكن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ديناً وقربة، أو مما لم يكن عليه الصحابة رضوان الله عليهم، فليس اليوم ديناً .. فمن ندب إلى شيء يتقرب به إلى الله أو أوجبه بقوله وفعله من غير أن يشرعه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم فقد شرع من الدين ما لم يأذن به الله، ومن اتبعه في ذلك فقد اتخذ شريكاً لله شرع من الدين ما لم يأذن به الله. قال تعالى: أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله.

قال تعالى: اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله أي اتخذوا العلماء والعباد آلهة من دون الله باتباعهم فيما شرعـوا لهم بما يخالف شرع الله فأطاعوهم.

قد يكون أيها الإخوة: الفاعل الأول للعمل المحدث. متأولاً أو مجتهداً فيؤجر على اجتهاده حتى ولو أخطأ، ولكن لا يجوز اتباعه في اجتهاده إذا لم يكن له دليل من القرآن أو السنة.

وهذا ما قال به الأئمة فهـم ينهـون عن تقليدهم إلا إذا عرف الناس دليلهم، وكل منهم يقول: (إذا صح الحديث فهو مذهبي) لأن الأصل هو اتباع النبي صلى الله عليه وسلم، وفي ذلك تحقيق معنى شهادة أن محمداً رسول الله، باتباعه فيما شرع، وطاعته فيما أمر، واجتناب ما نهى عنه وزجر.

ومن الأمور التي نهى النبي صلى الله عليه وسلم عنها الاحتفال وتخصيص مواسم للفرح بأيام غير يومي عيد الفطر والأضحى، فهما العيدان الثابتان للمسلمين .. فلا يصح تخصيص يوم للاحتفال والفرح بالمولد، ولا بليله الإسراء والمعراج، ولا بليلة الهجرة النبوية، ولا بليلة غزوة بدر الكبرى في 17 رمضان ولا بغيرها من ليالي وأيام محدثة كاليوم الوطني، أو أسبوع الشجرة، أو ذكرى العبور أو التحرير... .

فكل هذه الأيام التي يحتفل فيها أو بها إنما هي من البدع المحدثة التي ينبغي للمسلمين تركها.

أيها الإخوة: لقد أسري بالنبي صلى الله عليه وسلم في بداية الدعوة المكية. وكانت غزوة بدر الكبرى في بداية هجرته للمدينة النبوية ومكث النبي صلى الله عليه وسلم ما يقارب ثماني سنوات بعد الغزوة فلم يجتمع بأصحابه ليلـة الإسراء والمعراج ولم يخصص لها يذكر معين أو عبادة معينة ولم ذكر أصحابه بيومها أو ليلتها ولم يأمرهم بالإعلان عن هذه الذكرى المجيدة وإعلانها بين الناس أو الاجتماع ليلتها للذكر وقراءة القرآن وأكل الطعام، بالرغم من أنه ليس هناك مانع من ذلك، فما تـركه النبي صلى الله عليه وسلم نتركه، فالسنة كما تكون في الفعل تكون في الترك، وكما أننا لا نتقرب إلى الله تعالى بترك ما فعل، لا نتقرب إليه بفعل ما ترك، فالفاعل لما ترك النبي صلى الله عليه وسلم كالتارك لما فعله صلى الله عليه وسلم.

ولو استعرضنا حياة الخلفاء الراشدين ومن بعدهم من التابعين لم نجد أحداً منهم فعل هذه الأمور التي يفعلها بعض الناس هذه الأيام من الاحتفالات البدعية بليلة المولد أو ليلة الإسراء أو ليلة النصف من شعبـان أو ليلة غزوة بدر وغيرها. وإنما كان همهم اتباع النبي صلى الله عليه وسلم فيما شرعه للأمة دون زيادة أو نقص في صلاة الليل، والاعتكاف في العشر الأواخر من رمضان وكصيام يوم عاشوراء، ويومي الاثنين والخميس، والأيام البيض من كل شهر وغيرها من الأمور الثابتة والصحيحة.

وقد ذكرنا أيها الإخوة: صفـة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم بالليل وعدد ركعاتها وأن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بالناس في عدة سنوات في رمضان وفي ليالي معدودة منه ثم لم يصلي بالناس التراويح خشية أن تفرض علينا، وبالتأكيـد فإن النبي صلى الله عليه وسلم قد ختم القرآن مراراً وتكراراً، قراءة، وتلاوة أو في قيام الليل، وقد صلى الوتر كل ليلة فلم يثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قنت في الوتر جماعة حينما صلى بالناس في المسجد في عدة رمضانات كما قلنا.

ولكن الصحابة في عهد عمر رضي الله عنهم اجتمعوا وقنتوا في النصف الثاني من رمضان وهذا إجماع منهم على هذا الفعل، ونحن مأمورين باتباعهم، فلذلك يكون القنوت في النصف الثاني من رمضان هو الأولى.

وأما دعاء ختم القـرآن فلم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن الصحابة، لا جماعة ولا منفردين، دعاء لختم القرآن في الصلاة أي أثناء الصلاة كما يفعل الآن بعد أن يقرأ بقل أعوذ برب النـاس يرفــع الإمام يديه ويدعو بدعاء يسمى دعاء ختم القرآن قبل الركـوع.

هذا الأمر أيها الإخوة كما قلت لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، لا في صلاة ولا في غيرها، كذلك الصحابة لم يثبت عنهم هذا الفعل في صلاة التراويح، وقد اجتمعوا في صلاة التراويح في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنهم أجمعين وقنتوا في النصف الثاني من رمضان ونقل لفظ القنوت الذي قنتوا به، وكان الإمام يقرأ بالمئات من الآيات في الركعة الواحدة، حتى قال الصحابة كنا نتكئ على العصي من طول القيام، فربما ختموا القرآن في ثلاثة أيام أو في سبعة أيام، ولم يفعلوا هذا الدعاء المسمى دعاء ختم القرآن وإلا لنقل إلينا ذلك، فشيء تركه النبي صلى الله عليه وسلم ولم يفعله، ولم يفعله الصحابة رضوان الله عنهم أجمعين مع وجود الداعي لذلك مع عــدم وجود المانع، فالأولى تركه وعدم فعله.

وقد نقل عبد الرحمن المقدسي المتوفي سنة 665هـ في كتابه الباعث على إنكار البدع والحــوادث عن الإمام أبو بكر الطرطوشي قوله: وقد أنكر الإمام أبو بكر الطرطوشي على أهل القيروان اجتماعهم ليلة الختم في صلاة التراويح في شهر رمضان ونصب المنابر، وبين أنه بدعة ومنكر وأن مالكاً رحمه الله تعالى كرهه.


 

الخطبة الثانية

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد:

أيها الإخوة: قد يقول قائل إن الحنابلة نقلوا استحباب الإمام أحمد رحمه الله الدعاء عقب الختم فما تقول؟

عليه أبين لأخوتي أن الشيخ بكر أبو زيد عضو هيئة كبار العلماء ألف جزءاً جمع فيه كل المرويات المطبوع منها والمخطوط وأقوال الإمامين أحمد ومالك رحمهما الله، وذكر أنه لم يتحصل الوقوف على شيء من مشروعية ذلك في منصوص الإمامين أبو حنيفة والشافعي رحمهما الله مما يدل على أن الأمر لم يكن مشتهراً والله أعلم.

وسأقرأ من نفس الجزء بعض ما يمكن قراءته حتى لا يطول بنا الوقت للعلم والإحاطة بهذا الموضوع.

بعد ما ذكر الشيخ المرويات في دعاء ختم القرآن قال:

أولاً: إنه ليس فيما تقدم من المروي حرف واحد عن النبي صلى الله عليه وسلم، أو عن أحد من صحابته رضي الله عنهم، يفيد مشروعية الدعاء في الصلاة بعد الختم قبل الركوع أو بعده لإمام أو منفرد.

ثانياً: أن نهاية ما في الباب: هو ما يذكره علماء المذهب من الرواية عن الإمام أحمد رحمه الله تعالى في رواية: حنبل والفضل، والحربي عنه – والتي لم نقف على أسانيدها – من جعل دعاء الختم في صلاة التراويح قبل الركوع. وهذه مع جلالة القائلين بها لم يذكـروا رحمهـم الله تعـالى ما يسنـد المشروعية من نص ثابت في سنده ودلالته عن النبي صلى الله عليه وسلم أو عن صحابته رضي الله عنهم، ومن خلال تتبع المروي في (الفصل الأول) من هذه الرسالة لم نحس له بأثر ولا أثارة؟ وهذه من العبادات الجهرية التي لو وقعت لنقل إلينا وقوعها واشتهر أمرها في كتب الرواية والأثر. بل في رواية حنبل لما قال لأحمد رحمه الله تعالى: إلى أي شيء تذهب في هذا؟ قال: رأيت أهل مكة يفعلونه...: دليل على أنه لو كان عند الإمام أحمد رحمه الله تعالى سنة ماضية مرفوعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم أو متصلة العمل بعصر الصحابة رضي الله عنهم، لاعتمدها في الدلالة، وهو رحمه الله تعالى من أرباب الإحاطة في الرواية.

فلم يبق في الدلالة عنده إلا عمل المصريْن: مكة والبصرة. وكم لأهل مصر من عمل لم يتابعهم عليه أحد. مثل أهل مكة في عدة مسائـل كما في (أخبار مكة) للفاكهي.

وعليه فليعلم أن توارث العمل يكون في موطن الحجة حيث يتصل بعصر التشريع كتوارث مقدار الصاع، والمد النبوي، وأعيان المشاعر، ونحو ذلك. ولهذا فإن مالكاً رحمه الله تعالى وهو عالم المدينة في زمانه كره الدعاء بعد الختم مطلقاً: وقال: ما هو من عمل الناس، وظاهر من هذا أنه من العمل المتأخر عن عصر الصحابة رضي الله عنهم والمتحرر عند علماء الأصول: أن جريان العمـل فيما لا يتصل بعصر الصحابــة رضي الله عنهم لا يعتبر حجة في (التعبد) ولا يلتفت إليه لقاعدة (وقف العبادات على النص ومورده) وظاهر من كلمة الإمام مالك رحمه الله تعالى أنه لم يكن محل اتفاق بعدهم رضي الله عنهم.

ثالثاً: أن أمراً تعبدياً: وهو الدعاء في الصلاة لختم القرآن قبل الركوع، أو بعده، من إمام، أو منفرد – لم يثبت فيه شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم – بـل لم يرو فيه شيء – ولا عـن صحابتـه رضي الله عنهم؟ ثم تعمر به (المحاريب) بدعاء فيه ما هو متكلف مسجوع، غير مأثور. يشغل نحو ساعة من الزمان. يتلى بصوت التلاوة وأدائها، وتحرير النغم فيه. يكون عن ظهر قلب، أو في رسالةٍ ربما وصلت ثمانين صفحةً – أي تعدل تلاوة خمسة أجزاء من كتاب الله تعالى. مع رفع الأيدي، ومسح الوجه بهما بعد الفراغ، ويبكي من شاء الله من مأموم وإمام – أثابهم الله على حسن نيتهم – وقوارع التنزيل، وآيات الذكر الحكيم، تتلى في ليالي الشهر، بل على ممر العام، لا تكاد تسمع ناشجاً ولا نابساً ببكاء من مأموم أو إمام، والله تعالى يقول: لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعاً متصدعاً من خشية الله الآية.

إن أمراً شأنه كذلك لا يتعبد به إلا بنص ثابت في سنده ودلالته، والنص في هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم أو عن أحد من صحابته رضي الله عنهم لم يحصل بعد التتبع البالغ، وعدم وقوف الحفاظ الجامعين على شيء في ذلك كما تقدم يدل على عدم وجوده.

ورحم الله الإمام أحمد، إذ في رواية عبدوس عنه: أن الإمام إن زاد حرفاً في دعاء القنوت على الوارد – فاقطع صلاتك؟ فكيف بدعاء يستغرق نحو ساعة من الزمان لم يرتبه النبي صلى الله عليه وسلم ولا شيئاً منه لختم القرآن. ثم قال حفظه الله: إن دعاء ختم القرآن في الصلاة، من إمام أو منفرد قبل الركوع أو بعده في التراويح أو غيرها لا يعرف ورود شيء فيه أصلاً عن النبي صلى الله عليــه وسلم ولا عن أحد من صحابته مسنداً. وأن قاعدة العبادات: وقفها على المنصوص ومورده. وأن من مقتضيات الشهادة بأن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا يعبد الله إلا بما شرع على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم. قال الله تعالى: وما آتاكم الرسول فخـذوه الآية. وهذا العمل مما لم يعلم وروده عن النبي صلى الله عليه وسلم فلا يشرع إذاً في أصح قولي العلماء رحمهم الله تعالى.

ثم ختم كتابه بكلمة كتبها فضيلة الشيخ محمد الصالح العثيمين حفظه الله:

كلمة عن هذه الرسالة

بسم الله الرحمن الرحيم

"الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد: فقد قرأت الرسالة التي كتبها أخونا الشيخ / بكر أبو زيد، حول الدعاء عند ختم كتاب الله العزيز، فألفيتــه قد أجـاد فيهـا وأفـاد، في بحث علمي رصين. وما ذكره من أنه لا دليل على الدعاء عند ختم القرآن الكريم في الصلاة فإن الأمر عندي كما قال فجزاه الله تعالى خيراً وجعلنا وإياه من الهداة المهتدين الصالحين المصلحين إنه جواد كريم.

قال ذلك كاتبه: محمد بن صالح العثيمين قي 24/1/1408هـ".

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

إلى أعلى

إذا كانت لديك أية ملاحظات حول هذه الخطبة، إضغط هنا لإرسالها لنا.

كما نرجو كتابة رقم هذه الخطبة مع رسالتك ليتسنى لنا التدقيق وتصويب الأخطاء

 
 

 2004© مؤسسة المنبر الخيرية للمواقع الدعوية على شبكة الإنترنت، جميع الحقوق محفوظة

عدد الزوار حالياً