أيها الإخوة: إن في الوحيين كفاية لنا عن غيرهما إذا ما التزمنا بما فيهما وفهمناهما على فهم سلفنا الصالح، وإن لذلك الالتزام ثمار، فما هي هذه الثمار؟ وما هو واجبنا تجاه المخالفين؟ إن من ثمار التمسك بالكتاب والسنة الهداية للحق والاعتصام من الكفر، والحماية والوقاية من الأعداء. قال تعالى: يا أيها الذين أمنوا إن تطيعوا فريقاً من الذين أوتوا الكتاب يردوكم بعد إيمانكم كافرين وكيف تكفرون وأنتم تتلى عليكم آيات الله وفيكم رسوله ومن يعتصم بالله فقد هدي إلى صراط مستقيم.
وهنا فائدتان:
الأولى: عصمة أتباع الوحيين من الكفر. قال ابن كثير رحمه الله: يعني أن الكفر بعيد منكم، وحاشاكم منه، فإن آيات الله تنـزل على رسوله ليلاً ونهاراً وهو يتلوها عليكم ويبلغها إليكم. ا.هـ.
الثانية: أن الله تعالى اقتصر على ذكر أعظم كيد يدبره الكفار للمسلمين، وهو تكفيرهم. كما قـال سبحانه في الآيـة الأخـرى: ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفاراً حسداً من عند أنفسهم من بعـد مـا تبين لـهم الحق. فكأن الله يقول: مهما كان مكرهم الكبار الذي تزول منه الجبال فإن إيمانكم لا يزول ما أقمتم على تلاوة الوحي كتاباً وسنة.
وليس هذا غريباً على من أيقن بقلبه أن الله جعل معين الحياة في الوحي فقـال: يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم.
وأعظم الحياتين حياة القلب. وأحيا الناس أتبعهم للوحي وهو آمنهم من الضلال وبهذا يدق فهمك لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ((تركت فيكم شيئين لن تضلوا بعدهما: كتاب الله وسنتي، ولن يتفرقا حتى يردا علي الحوض)).
وقال أبو بكر الصديق رضي الله عنه: لست تاركاً شيئاً كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعمل به إلا عملت به، فإني أخشى إن تركت شيئاً من أمره أن أزيغ.
فهذا الصديق يخشى على نفسه الانحراف عن الصراط المستقيم إن هو فرط في شئ من هدي النبي صلى الله عليه وسلم فكيف قرت أعين المبتدعين وهدأت نفوس المخالفين؟.
أيها الإخوة: ولما كان الرسل عليهم الصلاة والسلام أتبع الخلق للوحي اقترن بهم من تأييد الله أكمله. كما قال تعالى: كتب الله لأغلبن أنا ورسلي.
وقال تعالى: ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين إنهم لهم المنصورون وإن جندنا لهم الغالبون.
ومن كان لهم متبعاً كان لهم مثل ما لهم من التأييد والنصرة قال الله تعالى لموسى وهارون - عليهما وعلى جميع الأنبياء الصلاة والسلام – ولأتباعهما: أنتما ومن اتبعكما الغالبون. وقال تعالى: إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد. قال شيخ الإسلام: ولهذا كل من كان متبعاً للرسول كان الله معه بحسب هذا الإتباع. قال الله تعالى: يا أيها النبي حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين أي حسبك وحسب من اتبعك، فكل من اتبع الرسول من جميع المؤمنين فالله حسبه، وهذا معنى كون الله معه. والكفاية المطلقة مع الاتباع المطلق، والناقصة مع النقص، وإذا كان بعض المؤمنين به المتبعين له قد حصل له من يعاديه على ذلك، فالله حسبه وهو معه. ثم قال رحمه الله: ولو أنفرد الرجل في بعض الأمصار والأعصار بحقٍ جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم ولم تنصره الناس عليه فإن الله معه وله نصيب من قوله تعالى: إلا تنصروه فقد نصره الله إذا أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا فإن نصر الرسول هو نصر دينه الذي جاء به حيث كان ومتى كان.1.هـ.
أيها الإخوة: لقد خرج النبي صلى الله عليه وسلم في بداية الدعوة المكية إلى بطحاء مكة ومعه عبد الله بن مسعود رضي الله عنه فأجلسه النبي صلى الله عليه وسلم ثم خط عليه خطاً ثم قال: ((لا تبرحن خطك، فإنه سينتهي إليك رجـال فلا تكلمهم فإنهم لا يكلمونك)) قال ابن مسعود رضي الله عنه ثم مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث أراد، فبينا أنا جالس في خطي إذ أتاني رجال كأنهم الزط (اسم قبيلة من الحبشة أو السودان) أشعارهم وأجسامهم وينتهون إلي لا يجاوزون الخط ... وقد سمع ابن مسعود أصواتاً وخشي على النبي صلى الله عليه وسلم. وذلك كان حين دعوة الجن للإسلام والقصة مشهورة ومعروفة. ولا حظوا كيف سلم أبن مسعود من الأذى حينما وقف عند الخط الذي خطه النبي صلى الله عليه وسلم ولم يتجاوزه إنه خط النبوة إنه خط السنة والاتباع الذي فيه السلامة في الدنيا والآخرة.
أيها الإخوة: لقد كتب الله لاتباع نبيه صلى الله عليه وسلم الثبات على الدين وجعل مخالفيه على خطر من دينهم بأن يدخل النفاق في قلوبهم أو الشرك قال تعالى: وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول رأيت المنافقين يصدون عنك صدوداً فكيف إذا أصابتهم مصيبة بما قدمت أيديهم ثم جاءوك يحلفون بالله إن أردنا إلا إحساناً وتوفيقاً.
قال ابن القيم رحمه الله: توعدهم بأنهم إذا أصابتهم مصيبة في عقولهم وأديانهم وبصائرهم وأبدانهم وأموالهم بسبب إعراضهم عما جاء به الرسول، وتحكيم غيره والتحاكم إليه. كما قال تعالى: فإن تولوا فاعلم أنما يريد الله أن يصيبهم ببعض ذنوبهم وقد تكون هذه المصيبة في الدين فيكفر المرء والعياذ بالله...
قال ابن تيمية رحمه الله عند قول الله عز وجل: فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم من خالف أمره أن يحذر الفتنة، والفتنة الردة والكفر. قال سبحانه: وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة قال الإمام أحمد في رواية الفضل بن زياد: نظرت في المصحف فوجدت طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم في ثلاثةٍ وثلاثين موضعاً ثم جعل يتلو فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم وجعل يكررها ويقول: وما الفتنة؟ الشرك لعله إذا رد بعض قوله أن يقع في قلبه شيء من الزيغ فيزيغ قلبه فيهلك وجعل يتلو هذه الآية: فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهما.هـ كلامه رحمه الله.
|