الخطبة الأولى
أيها الإخوة: إن الطريق الذي يضمن لنا نعمة الإسلام واحد لا يتعدد، لأن الله كتب الفلاح لحزبٍ واحدٍ فقط فقال: أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون وكتب الغلبة له وحده فقال: ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون.
ومهما بحثت أخي المسلم في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. فلن تجد تفريق الأمة إلى جماعاتٍ وتحزيبها في تكتلات إلا مذموماً. قال تعالى: ولا تكونوا من المشركين من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً كل حزب بما لديهم فرحون وكيف يقر ربنا عز وجل أمة على التشتت بعدما عصمها بحبله، وهو يبرئ نبيه صلى الله عليه وسلم منها فيقول: إن الذين فرقوا دينهم وكانــوا شيعاً لست منهم في شيء إنما أمرهم إلى الله ثم ينبئهم بما كانوا يفعلون.
وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: خط لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطاً ثم قال: ((هذا سبيل الله. ثم خط خطوطاً عن يمينه وعن شماله ثم قال: هذه سبل، وعلى كل سبيل منها شيطان يدعـو إليه)) ثم قرأ: وأن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله. فدل هذا الحديث بنصه على أن الطريق واحد، وهذا لأن الطريق الموصل إلى الله واحد، وهو ما بعث به رسله وأنزل به كتبه، ولا يصل إليه أحد إلا من هذا الطريق، ولو أتى الناس من كل طريق واستفتحوا من كل باب فالطرق عليهم مسدودة والأبـواب عليهم مغلقة إلا من هذا الطريق الواحد فإنه متصل بالله موصل إلى الله.
أيها الإخوة: إن الذي لا يختلف فيه المسلمون قديماً وحديثاً هو أن الطريق الذي ارتضاه لنا ربنا هو طريق الكتاب والسنة. فإليه يردون ومنه يصدرون، ذلك لأن الله ضمن الاستقامة لمتبع الكتاب فقال على لسان مؤمن الجن: يا قومنا إنا سمعنا كتاباً أنزل من بعد موسى مصدقاً لما بين يديه يهدي إلى الحق وإلى طريق مستقيم كما ضمنها لمتبع الرسول صلى الله عليه وسلم الذي قال له ربه: وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم. لكن الذي جعل الأمة الإسلامية تنحرف عن الطريق هو إغفالها ركناً ثالثاً جاء التنويه به في الوحيين جميعاً ألا وهو فهم السلف الصالح للكتاب والسنة.
وقد اشتملت سورة الفاتحة على هذه الأركان الثلاثـة في أكمل بيان فقوله تعالى: اهدنا الصراط المستقيم اشتمل على ركني الكتاب والسنة، وقوله: صراط الذين أنعمت عليهم اشتمل على فهم السلف لهذا الصراط مع أنه لا يشك أحد في أن من التزم بالكتاب والسنة فقد اهتدى إلى الصراط المستقيم. إلا أنه لما كان فهم الناس للكتاب والسنة منه الصحيح ومنه السقيم اقتضى الأمر ركناً ثالثاً لرفع الخلاف. ألا وهو تقييد فهم الأخلاف بفهم الأسلاف. وقال ابن القيم رحمه الله في تفسير هذه الآية: وتأمل سراً بديعاً في ذكر السبب والجزاء للطوائف الثلاثة بأوجز لفظ وأخصره. فإن الإنعام عليهم يتضمن إنعامه بالهداية التي هي العلم النافع والعمل الصالح.
وقال أيضاً: فكل من كان أعرف للحق وأتبع له كان أولى بالصراط المستقيم. ولا ريب أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهم هم أولى بهذه الصفة من الروافض. ولهذا فسر السلف الصراط المستقيم وأهله بأبي بكر وعمر وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.ا.هـ. كلامه. وفي هذا تنصيص منه رحمه الله على أن أفضل من أنعم الله عليهم بالعلم والعمل هم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنهم شهدوا التنـزيل وشاهدوا من هدي الرسول ما فهموا به التأويل. كما قال ابن مسعود رضي الله عنه: (من كان منكم مستناً فليستن بمن قد مات فإن الحي لا يؤمن عليه الفتنة.أولئك أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم كانوا أفضل هذه الأمة وأبرها قلوباً وأعمقها علماً وأقلها تكلفاً، قوم اختارهم الله لصحبة نبيه وإقامة دينه، فاعرفوا لهم الفضل واتبعوهم في آثارهم وتمسكوا بما استطعتم من أخلاقهم ودينهم فإنهم كانوا على الصراط المستقيم).
قال الإمام أحمد رحمه الله: أصول السنة عندنا التمسك بما كان عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والاقتداء بهم، ومن حظي برضى الله من بعدهم فللاقتداء بهديهم قال تعالى: والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه.
فيا أيها الإخوة : ألا تحبون أن تكونوا من الذين رضي الله عنهم ورضوا عنه .. بلى كلنا نحب ذلك فإذاً علينا اتباع الصحابة في فهمهم للكتاب والسنة ونهتــدي بهــم فيما فعلوا أو قالوا، ونترك ما تركوا، والله الهادي إلى سواء السبيل.
|