قال الله تعالى: إنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوماً جهولاً.
وقال تعالى: إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل.
وجاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا إيمان لمن لا أمانة له)).
وحديث آية المنافق ثلاث: ((إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا أؤتمن خان)).
أيها الإخوة: إن شأن الأمانة عظيم، أشفقت منها السموات والأرض والجبال وخافت من تحملها، وتحملتها قلوب بني آدم مخاطرة ليعلو من أداها إلى درجة المؤمنين المتقين، ولينزل من ضيعها إلى أسفل السافلين.
أيها الإخوة: إن الأمانة تكون في العبادات وفي المعاملات، فالأمانة في العبادات أن تقوم أيها المسلم بما أوجب الله عليك بإخلاص لله واتباع لرسوله صلى الله عليه وسلم دون زيادة أو نقص، ممتثلاً للأوامر، مجتنباً للنواهي، تخشى الله في السر والعلن، تخشاه أمام الناس وفي خلوتك فالله يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك، تحقق الشهادتين وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت وتعتمر، وتؤدي ما عليك تجاه ربك ومولاك رغبة في رضـاه ورهبـة من سخطـه ومقته فمن كان كذلك فقد أدى الأمانة تجاه ربه وحظي بالنعيـم المقيم بإذن الله تعالى، وأما الأمانة في المعاملات فمجالاتها كثيرة، منها أن تعامل الناس بما تحب أن يعاملوك به من النصح والبيان، وأن تكون حافظاً لحقوقهم المالية وغير المالية من كل ما استؤمنت عليه لفظاً وعرفاً.
وتكون الأمانة بين الرجل وزوجته، فيجب على كل منهما أن يحفظ الآخر في ماله وسره، فلا يحدث أحداً بذلك، فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((إن من شر الناس منزلة عند الله يوم القيامة الرجل يفضي إلى امرأته وتفضي إليه ثم ينشر أحدهما سر صاحبه)).
وتكون الأمانة بين الرجل وصاحبه يحدثه بحديث سر يعلم أنه لا يحب أن يطلع عليه أحد ثم يخونه ولا يفي بما أؤتمن عليه ويفشي سره ويحدث به الناس.
وتكون الأمانة في البيع والشراء والإجارة والاستئجار فلا يجوز للبائع أن يخون المشتري بنقص في الكيل أو الوزن أو زيادة في الثمن أو كتمان العيب أو تدليس في الصفقة، ولا يجوز للمشتري أن يخون البائع بنقص في الثمن أو إنكار أو مماطلة مع القدرة على الوفاء.
ولا يجوز للمؤجر أن يخون المستأجر بنقص الأجرة أو إنكارها أو تصرف يضر المستأجر من دار أو مكان أو آلة أو مركوب.
وتكون الأمانة في الوكالات والولايات، فيجب على الوكيل أن يتصرف بما هو أحسن ولا يجوز أن يخون موكله فيبيع السلعة الموكل في بيعها بأقل من قيمتها محاباة للمشتري، أو يشتري السلعة الموكل في شرائها بأكثر من قيمتها محاباةً للبائع.
وفي الولايات كل من كان والياً على شيء خاص أو عام فهو أمين عليه يجب أن يؤدي الأمانة فيه، فالقاضي أمين، والأمير أمين، ورؤساء الدوائر ومديروها أمناء، يجب عليهم أن يتصرفوا فيما يتعلق بولايتهم بالتي هي أحسن في ولايتهم وفيما ولوا عليه حسبما يستطيعون، وأولياء اليتامى وناظروا الأوقاف وأوصياء الوصايا كل هؤلاء أمناء يجب عليهم أن يقوموا بالأمانة بالتي هي أحسن.
ألا وإن من الأمانة ما يتصل بالثقافة والإرشاد والتعليم، فعلى القائمين على ذلك من مخططي المناهج ومديري الأقسام والمشرفين عليها أن يراعوا الأمانة في ذلك، باختيار المناهج الصالحة والمدرسين الصالحين المصلحين، وتثقيف الطلبة علمياً وعملياً، ديناً ودنيا، عبادة وخلقاً.
وإن من الأمانة في ذلك حفظ الاختبار من التلاعب والتهاون، حفظه في وضع الأسئلة بحيث تكون في مستوى الطلبة عقلياً وفكرياً وعلمياً، لأنها إن كانت فوق مستواهم أضرت بهم وحطمتهم وأضاعت كل عامهم الدراسي، وإن كانت الأسئلة دون مستواهم أضرت بمستوى الثقافة العـامة في البلاد.
ومن حفظ الاختبار وقت الإجابة على الأسئلة بحيث يكون المراقب فطناً حازماً لا يدع فرصة للتلاعب ولا يحابي ابناً لقريب ولا لصديق لأنهم هنا على درجة واحدة، كلهم في ذمة المراقب وعهدته سواء.
وحفظ الاختبار وقت تصحيح الأجوبة بحيث يكون التصحيح دقيقاً لا يتجاوز فيه ما يسمح به النظـام حتى لا يظلم أحد على حساب الآخر ولا ينزل طالب إلا في المنزلة التي يستحقها.
إننا إذا حافظنا على هذه الأمانة في الاختبار في مواضعــه الثلاثــة فهو من مصلحة الأمة كلها ومن مصلحة العلم، وهو من مصلحة القائمين على الاختبارات بأداء الواجب عليهم وإبراء ذممهم، ومن مصلحة الطلبة حيث يحصلون على مستوى علمي رفيع ولا يكون حظهم من العلم بطاقة يحملونها أو لقباً لا يستحقون معناه، وهو من مصلحة العلم حيث يقوى ويزداد حقيقة ولا يهمنا عند ضبط الاختبار أن يكون الناجحون قليلاً لأن العبرة بالكيفية ولا بالكمية، وإذا كانوا قليلاً في عام كانوا كثيراً في العام الذي يليه حيث يتعودون على الجد ويستعدون له.
وفقني الله وإياكم لأداء الأمانة وإبراء الذمة وحفظنا من إضاعتها والتساهل فيها إنه جواد كريم.
|