.

اليوم م الموافق ‏21/‏جمادى الأولى/‏1446هـ

 
 

 

الأمانـة

1699

الرقاق والأخلاق والآداب

مكارم الأخلاق

مرزوق بن سالم الغامدي

مكة المكرمة

الرحمة

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

ملخص الخطبة

1- خصال النفاق. 2- صور متنوعة لأداء الأمانة. 3- واجبات الحاكم المسلم.

الخطبة الأولى

قال الله تعالى: إنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوماً جهولاً.

وقال تعالى: إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل.

وجاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا إيمان لمن لا أمانة له)).

وحديث آية المنافق ثلاث: ((إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا أؤتمن خان)).

أيها الإخوة: إن شأن الأمانة عظيم، أشفقت منها السموات والأرض والجبال وخافت من تحملها، وتحملتها قلوب بني آدم مخاطرة ليعلو من أداها إلى درجة المؤمنين المتقين، ولينزل من ضيعها إلى أسفل السافلين.

أيها الإخوة: إن الأمانة تكون في العبادات وفي المعاملات، فالأمانة في العبادات أن تقوم أيها المسلم بما أوجب الله عليك بإخلاص لله واتباع لرسوله صلى الله عليه وسلم دون زيادة أو نقص، ممتثلاً للأوامر، مجتنباً للنواهي، تخشى الله في السر والعلن، تخشاه أمام الناس وفي خلوتك فالله يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك، تحقق الشهادتين وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت وتعتمر، وتؤدي ما عليك تجاه ربك ومولاك رغبة في رضـاه ورهبـة من سخطـه ومقته فمن كان كذلك فقد أدى الأمانة تجاه ربه وحظي بالنعيـم المقيم بإذن الله تعالى، وأما الأمانة في المعاملات فمجالاتها كثيرة، منها أن تعامل الناس بما تحب أن يعاملوك به من النصح والبيان، وأن تكون حافظاً لحقوقهم المالية وغير المالية من كل ما استؤمنت عليه لفظاً وعرفاً.

وتكون الأمانة بين الرجل وزوجته، فيجب على كل منهما أن يحفظ الآخر في ماله وسره، فلا يحدث أحداً بذلك، فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((إن من شر الناس منزلة عند الله يوم القيامة الرجل يفضي إلى امرأته وتفضي إليه ثم ينشر أحدهما سر صاحبه)).

وتكون الأمانة بين الرجل وصاحبه يحدثه بحديث سر يعلم أنه لا يحب أن يطلع عليه أحد ثم يخونه ولا يفي بما أؤتمن عليه ويفشي سره ويحدث به الناس.

وتكون الأمانة في البيع والشراء والإجارة والاستئجار فلا يجوز للبائع أن يخون المشتري بنقص في الكيل أو الوزن أو زيادة في الثمن أو كتمان العيب أو تدليس في الصفقة، ولا يجوز للمشتري أن يخون البائع بنقص في الثمن أو إنكار أو مماطلة مع القدرة على الوفاء.

ولا يجوز للمؤجر أن يخون المستأجر بنقص الأجرة أو إنكارها أو تصرف يضر المستأجر من دار أو مكان أو آلة أو مركوب.

وتكون الأمانة في الوكالات والولايات، فيجب على الوكيل أن يتصرف بما هو أحسن ولا يجوز أن يخون موكله فيبيع السلعة الموكل في بيعها بأقل من قيمتها محاباة للمشتري، أو يشتري السلعة الموكل في شرائها بأكثر من قيمتها محاباةً للبائع.

وفي الولايات كل من كان والياً على شيء خاص أو عام فهو أمين عليه يجب أن يؤدي الأمانة فيه، فالقاضي أمين، والأمير أمين، ورؤساء الدوائر ومديروها أمناء، يجب عليهم أن يتصرفوا فيما يتعلق بولايتهم بالتي هي أحسن في ولايتهم وفيما ولوا عليه حسبما يستطيعون، وأولياء اليتامى وناظروا الأوقاف وأوصياء الوصايا كل هؤلاء أمناء يجب عليهم أن يقوموا بالأمانة بالتي هي أحسن.

ألا وإن من الأمانة ما يتصل بالثقافة والإرشاد والتعليم، فعلى القائمين على ذلك من مخططي المناهج ومديري الأقسام والمشرفين عليها أن يراعوا الأمانة في ذلك، باختيار المناهج الصالحة والمدرسين الصالحين المصلحين، وتثقيف الطلبة علمياً وعملياً، ديناً ودنيا، عبادة وخلقاً.

وإن من الأمانة في ذلك حفظ الاختبار من التلاعب والتهاون، حفظه في وضع الأسئلة بحيث تكون في مستوى الطلبة عقلياً وفكرياً وعلمياً، لأنها إن كانت فوق مستواهم أضرت بهم وحطمتهم وأضاعت كل عامهم الدراسي، وإن كانت الأسئلة دون مستواهم أضرت بمستوى الثقافة العـامة في البلاد.

ومن حفظ الاختبار وقت الإجابة على الأسئلة بحيث يكون المراقب فطناً حازماً لا يدع فرصة للتلاعب ولا يحابي ابناً لقريب ولا لصديق لأنهم هنا على درجة واحدة، كلهم في ذمة المراقب وعهدته سواء.

وحفظ الاختبار وقت تصحيح الأجوبة بحيث يكون التصحيح دقيقاً لا يتجاوز فيه ما يسمح به النظـام حتى لا يظلم أحد على حساب الآخر ولا ينزل طالب إلا في المنزلة التي يستحقها.

إننا إذا حافظنا على هذه الأمانة في الاختبار في مواضعــه الثلاثــة فهو من مصلحة الأمة كلها ومن مصلحة العلم، وهو من مصلحة القائمين على الاختبارات بأداء الواجب عليهم وإبراء ذممهم، ومن مصلحة الطلبة حيث يحصلون على مستوى علمي رفيع ولا يكون حظهم من العلم بطاقة يحملونها أو لقباً لا يستحقون معناه، وهو من مصلحة العلم حيث يقوى ويزداد حقيقة ولا يهمنا عند ضبط الاختبار أن يكون الناجحون قليلاً لأن العبرة بالكيفية ولا بالكمية، وإذا كانوا قليلاً في عام كانوا كثيراً في العام الذي يليه حيث يتعودون على الجد ويستعدون له.

وفقني الله وإياكم لأداء الأمانة وإبراء الذمة وحفظنا من إضاعتها والتساهل فيها إنه جواد كريم.


 

الخطبة الثانية

الحمد لله حمداً طيباً كثيراً مباركاً فيه وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله، اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد:

إن كُلاً منّا مسؤول عما تحت يديه من رعية، وكلاً منا قد تحمل أمانة هذه الرعية، فالأبوان راعيان، والأولاد أمانة في أعناقهما من ناحية الغذاء والكساء والتربية والعدل في المعاملة والعطية، يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً. والزوجات أمانة في أعناق أزواجهن ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف والخادم في عنقه أمانة بحفظ المال وأداء العمل، والمدير في عنقه أمانة ((وكلكم راع وكلٌ مسؤول عن رعيته)).

وتكون الأمانة في الإمامة الصغرى والإمامة العظمى، فالإمامة الصغرى وهي إمامة الناس في الصلاة، أمانة عظيمة يجب على من يقوم بها أن يخلص النية لله وأن يتبع السنة ويقتدي بهدي النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام، ويعلم الناس الخير ويدلهم عليه.

وأما الإمامة العظمى وهي الخلافة وولاية أمر المسلمين. فهي أمانة عظيمة سيسأل عنها كل من تولى أمر المسلمين، فنشر الدين والدعوة إليه وتعليم الناس الخير من أهم مسؤوليات الخلفاء والحكام وفي حقه آكد الواجبات والفروض، لأنّ لديه القدرة والسلطة أكثر من غيره من أفراد الأمة، ولا بد من الاستعداد المـادي والعسكري لهـذه الدعوة، فهذا منهج الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، بأن يقوم بالدعوة إلى الله وترغيب الناس إلى الدخول في الإسلام، فإن أبوا دفعوا الجزية عن يد وهم صاغرون، فإن أبوا فالسيف، فالجهاد في سبيل الله، لأن الدين جاء للناس كافة، فهذه من أهم المسؤوليات وأعظمها على الحاكم المسلم، وهي أمانة في عنقه، وسيسأل عنها يوم القيامة إذا ضيعها، وكذلك عليه أن يدافع عن سنة النبي صلى الله عليه وسلم ويحافظ عليها ويرد على أهل البدع والمحدثات والأباطيل، ويحمي الدين والشرع من كل محدثة ويحمي ديار المسلمين من الغزاة سواء كان غزواً فكرياً أو غزواً عسكرياً ويقيم الحدود وينفذ الأحكام على الكبير والصغير دون محاباة ولا مداهنة، فيقطع يد السارق أيا كان مركزه ويقتص في الجروح ويرجم الزاني ويقوم بكل ما أمره الله به بالعدل بين الناس.

ومن الأمانة أن يقوم من تولى أمر المسلمين بحفظ مال المسلمين وجبايته من وجوهه الشرعية سواء عن طريق الغنائم أو الزكاة أو الجزية أو كنوز الأرض الظاهرة والباطنة، وأن يحرص على أن لا يدخل بيت مال المسلمين مالاً حراماً عن طريق المكوس أو الرسوم أو الضرائب، ثم ينفقها في وجوهها الشرعية مبتدئاً بالأهم فالأهم لتحقيق مصالح الإسلام والمسلمين.

ومن الأمانة أن يقوم الإمام باختيار الأكفاء للمناصب القيادية من المشهود لهم بالصلاح والتقوى ورجاحة العقل، وكذلك اختيار المستشارين والبطانة تكون على أساس الدين والخلق القويم، وأما من اختار رجلاً لقرابته أو لغير ذلك وهناك من هو أصلح منه فقد خان الله ورسوله والمؤمنين.

ولقد مدح الله المؤمنين بأنهم لأماناتهم وعهدهم راعون، قال تعالى: يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون.

لقد استمعت قبل أشهر لأحد المسؤولين بإحدى بلاد المسلمين وهو يتكلم عن سيرته الذاتية فيقول عن نفسه أنه حينما سافر إلى الخارج للدراسة مكث أكثر من عشر سنوات حتى حصل على الشهادات العالية ثم عاد لخدمة هذه البلد وهو ما زال يترقى في المناصب حتى وصل إلى ما وصل إليه، فسأله المذيع عن الكتب التي قرأها أو يقرأها فقال: إنه منذ ابتعاثه وحتى الآن لم يقرأ إلا الكتب الإنجليزية فقط وأنه (لا يقرأ الكتب العربية) أي ما يقرب من 30 سنة لا يقرأ أي كتاب عربي، وكنت أتوقع وأنا استمع إليه أن يستثنى القرآن أو شيئاً من السيرة النبوية، ولكن للأسف لم يفعل.

وحينما سئل عن مشاهداته في وسائل الإعلام؟ قال أنه لا يشاهد إلا الأخبار الأمريكية فقط. فقلت: كيف يولى هذا وأمثاله؟ تنكر للغته ولبلده، تنكرا لقرآنه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، بل هو يتعالى حتى على الوسائل الإعلامية التي تتكلم بلغتـه وتطبل له ولأمثاله وتزمر بغير حق، فيستنكف أن يستمع لها؟ فكيف يؤمن مثل هذا على أن يتولى المناصب؟ إن تولية المناصب أمانة وهي تكليف ولا تكون إلا للمتقين. جاء في صحيح الجامع عن النبي صلى الله عليـه وسلم أنه قال: ((ليودن رجل أنه خر من عند الثريا وأنه لم يل من أمر الناس شيئاً)).

إن أساس الولاية العدل، ولا يكون العدل إلا من المتقين الصالحين، وجاء في صحيح الجامع أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن شئتم أنبأتكم عن الإمارة وما هي؟ أولها: ملامة، وثانيها: ندامةٌ، وثالثها: عذابٌ يوم القيامة إلا من عدل)).

ولقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن من علامات الساعة تضييع الأمانة، وأن من ضياع الأمانة أن يوسد الأمر إلى غير أهله.

أيها الإخوة: إن والياً صالحاً من ولاة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال شعراً فيه مدح وتمنٍ بالخمر، فحينما سمع عمر بذلك أحضره إليه ووبخه وعزله قال: يا أمير المؤمنين والله ما شربت الخمر يوماً، وإنما هو شعر قلته فقط، فقال: بما أنك قلته فلن تلي لي ولاية بعد اليوم.

 

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

إلى أعلى

إذا كانت لديك أية ملاحظات حول هذه الخطبة، إضغط هنا لإرسالها لنا.

كما نرجو كتابة رقم هذه الخطبة مع رسالتك ليتسنى لنا التدقيق وتصويب الأخطاء

 
 

 2004© مؤسسة المنبر الخيرية للمواقع الدعوية على شبكة الإنترنت، جميع الحقوق محفوظة

عدد الزوار حالياً