.

اليوم م الموافق ‏24/‏جمادى الأولى/‏1446هـ

 
 

 

أثر الذنوب والبدع على الفرد والمجتمع

1691

الرقاق والأخلاق والآداب

آثار الذنوب والمعاصي

مرزوق بن سالم الغامدي

مكة المكرمة

الرحمة

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

ملخص الخطبة

1- التحذير من ذنوب الشهوات والشبهات. 2- الفرق بين ذنب الشهوة والشبهة. 3- المعاصي ميراثنا عن الأمم السابقة. 4- أثر المعاصي على القلب. 5- أثر المعاصي على المجتمع. 6- أثر البدع في تفرقة الأمة.

الخطبة الأولى

إن الله بعث إلينا نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم لينقذنا من عبادة العباد إلى عبادة الله الواحد الأحد. لينقلنا من ذل المعصية إلى عز الطاعة فلله العزة ولرسوله وللمؤمنين .. ليخرجنا من ظلمات الأهواء والابتداع إلى نور الحق المبين الذي جاء به سيد المرسلين وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا وقال تعالى: ثم جعلناك على شريعةٍ من الأمر فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون إنهم لن يغنوا عنك من الله شيئاً وإن الظالمين بعضهم أولياء بعض والله ولي المتقين.

أيها الإخوة: كلنا خطاءون، وخير الخطائين التوابون، والله يحب من عبده أن يتذلل له ويستغفره ويتوب إليه مما وقع فيه من شهوة أو شبهة خالف فيها أمر الله وأمر نبيه صلى الله عليه وسلم.

هذه الشهوات والشبهات التي انتشرت في أيامنا هذه على جميع المستويات دون خوف أو وجل إلى حد المجاهرة بها والعياذ بالله .. يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((كل أمتي معافى إلا المجاهرين)) أي أن كل مذنب يرجى له التوبة والمغفرة إلا المجاهر الذي يعلن بالمعصية والمنكر، أو البدعة والإحداث في الدين.

فالمعاصي والشهوات والبدع والشبهات لها آثار على الفرد والمجتمع سأتكلم عنها باختصار.

أيها الإخوة: إن للمعاصي آثاراً على الفرد والمجتمع، فمرتكب المعاصي والمنكرات محروم من نور العلم الشرعي فإن العلم نور ونور الله لا يؤتى لعاصي ومحروم من الطمأنينة والراحة النفسية، وإن كثر ماله وزاد سلطانه، فهو في وحشة يجدها في قلبه ويعيش في قلق نفسي وفي اضطراب مستمر وفي جو مشحون بالانفعالات مع أقاربه ومع أهل الخير.

أيها الإخوة: إن كل معصية من المعاصي ميراث عن أمة من الأمم السابقة، ففعل الفاحشة والمجاهرة بها ميراث قوم لوط، والتسلط والتجبر على الناس والفساد في الأرض ميراث فرعون، وأكل أموال الناس بالباطل وبخسهم في أموالهم ميراث أصحاب الأيكة قوم شعيب عليه السلام .. والإسراف والتبذير في الأموال وإنفاقه في غير وجهه الشرعي والبطش والظلم ميراث عاد وثمود .. فمن وقع في شيء من هذه الذنوب فإنه سيناله شيء من العذاب مما جاء الأمم السابقة عاجلاً أم آجلاً في الدنيا وفي الآخرة إلا أن يشاء الله أو أن يتوب ويعود إلى الله، وإن لم يتب فإنه سيناله الإهانة ومن يهن الله فما له من مكرم.

أيها الإخوة: وإن من آثار الذنوب على الفرد أنها تورث الذل فإن العز كل العز في طاعة الله من كان يريد العزة فلله العزة جميعاً أي فليطلبها بطاعة الله. قال الحسن البصري رحمه الله: "إنهم وإن طقطقت بهم البغال وهملجت بهم البراذين فإن ذل المعصية لا يفارق قلوبهم، أبى الله إلا أن يذل من عصاه".

وإن الذنوب أيها الإخوة إذا تكاثرت طبع على قلب صاحبها فكان من الغافلين فلا يعرف معروفاً ولا ينكر منكراً كلاّ بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون. هذا من ناحية آثار المعاصي على الفرد ذكرنا بعضاً منها على سبيل المثال لا الحصر. أما آثارها على المجتمع أو على الأمة كلها.

فأقول أيها الإخوة: إن انتشار المعاصي والذنوب له أضرار على المجتمعات الإنسانية، بل يتعدى الضرر إلى البهائم والزروع والجمادات. قال النبي صلى الله عليه وسلم عن الحجر الأسود: ((إنه من حجار الجنة كان أبيض من الثلج حتى سودته خطايا بني آدم)). فلا يظن ظان أن المعصية ضررها على نفسه فقط أو على من حوله فقط، بل تتعدى أضرارها إلى الأمة كلها صالحهم وفاسقهم، فهؤلاء بعض أفراد من الصحابة رضي الله عن الجميع خالفوا أمر النبي صلى الله عليه وسلم الصريح بعدم مغادرة الجبل في غزوة أحد، فنزلوا من الجبل مخالفين أمر الرسول صلى الله عليه وسلم، فماذا كانت العاقبة؟ لحق النبي صلى الله عليه وسلم أذى، وجرح وجهه الشريف وسال دمه الطاهر وقتل من الصحابة سيد الشهداء ومعه أكثر من ستين صحابياً.

لذلك، يا أيها الإخوة علينا أن لا نرضى بالمعاصي والمنكرات وننكرها بالقلب واللسان، واليد إذا كان لنا سلطة، ونبغضها ونبغض أهلها ومن يدعو إليها ويسكت عنها، فالسكوت والرضا بالمعصية كفعلها .... وما هذا الذي تعيشه الأمة من الجور والقحط والذل والهوان إلا بسبب المعاصي ... فحينما انتشرت الفواحش ابتلينا بالأمراض التي لم تكن في أسلافنا، وحينما ظهر الغش في البيع والنقص في المكيال والأوزان، ابتلينا بالقحط وجور السلطان، وحينما تحايلت الأمة عل الزكاة وإخراجها قلّ المطر، ولولا البهائم لم تمطر السماء .. وحينما ركنّا إلى الدنيا ورضينا بالزرع وتبايعنا بالعينة سلط الله علينا ذلاً فأصبحنا شذر مذر بين الأمم، تداعوا علينا وقطعوا أوصالنا ونهبوا ثرواتنا، وأصبحت سفينتنا على شفا جرف هار .. فإن لم نأخـذ على يد السفيه ونعيده إلى الحق ونعيد الأمة كلها إلى الجادة ونغرس في أنفسهم الإيمان والعمل الصالح والاستعداد للجهاد، فإن النكبات ستتوالى وستغرق السفينة إن لم يتداركها الله برحمة منه وفضل، وعندها نعض على الأنامل ولا ساعة ندم يوم يعض الظالم على يديه يقول يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلاً يا ويلتى ليتني لم أتخذ فلاناً خليلاً لقد أضلني عن الذكر بعد إذ جاءني وكان الشيطان للإنسان خذولاً وقال الرسول يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجوراً وكذلك جعلنا لكل نبي عدواً من المجرمين وكفى بربك هادياً ونصيراً.


 

الخطبة الثانية

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وعلى آله وصحبه أجمعين.

وبعد أن عرفنا أيها الإخوة بعضاً من أضرار المعاصي على الفرد والمجتمع وأثر الشهوات على الأمة نلقي شيئاً من الضوء على أثر الشبهات والأهواء على الأمة الإسلامية.

وهذه الشبهات والبدع أخطر على الأمة من الشهوات والمعاصي .. لأن صاحب المعصية حتى وإن جاهر بها مكابراً فهو في قرارة نفسه يشعر بأنه مرتكب لذنب وأنه مقصر، أما صاحب البدعة فإنه يرى نفسه بأنه عابد يتقرب إلى الله بالطاعة التي قصر عنها غيره من العاجزين والمتكاسلين حسب زعمه.

فما هو أثر هذه البدع والأهواء؟ ما هو أثر هذه الشبهات بين الأمة؟ إن أثر ذلك أيها الإخوة هو التفرق والتناحر والتباغض .. وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من هذا التفرق، وبيّن أن كل فرقة هي في النار إلا فرقة واحدة، هي التي سارت على ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، حيث جـاء في الحديث قوله صلى الله عليه وسلم: ((ستفترق هذه الأمة إلى ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة)) قالوا: من هي يا رسول الله؟ قال: ((ما أنا عليه اليوم وأصحابي)).

فلماذا هذه الدعوات والاحتفالات والابتداعات التي ليست مما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه؟ ألا يكفينا من العبادات والقربات ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه؟ هل قمنا بكل العبادات التي قام بها النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه من طلب للعلم وذكر في كل الأوقات وصلاة وتسبيح وصدقة وجهاد في سبيله وصلة للأرحام وتواد وتراحم وتناصر وفعل للخيرات وترك للمنكرات؟ هل هؤلاء المبتدعون أهدى سبيلاً من النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه حتى يخترعوا قربات وعبـادات لم يفعلها النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه؟ ألا يريد الناس أن يكونوا من الفرقة الناجية التي شهد لها النبي صلى الله عليه وسلم بأنها في الجنة من بين الفرق الأخرى فيسلكوا طريق النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه .. ويسلكوا طريق الأئمة الأربعة وغيرهم من التابعين والعلماء كالإمام البخاري والترمذي وأبي داود والإمام مسلم والنسائي وابن ماجه وغيرهم وغيرهم ممن عاشوا في القرون الثلاثة المفضلة.

لماذا يتعصب بعض الناس لإمام من الأئمة كالشافعي أو أبي حنيفة أو مالك أو أحمد بن حنبل رحمهم الله جميعاً .. في مسألة فرعية؟ ولا يتبعوهم في الأصول ومسائل الإتباع وعدم الابتداع؟ هل هؤلاء المبتدعة يرون أنهم أحسن من الأئمة في هذه المسائل؟

أيها الإخوة: لقد أمر الأنبياء باتباع ما أنزل عليهم وحذروا من اتباع أهل الأهواء، والأمر للجميع والتحذير للجميع. قال الله تعالى: شرع لكم من الدين ما وصى به نوحاً والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه كبر على المشركين ما تدعوهم إليه الله يجتبي إليه من يشاء ويهدي إليه من ينيب وما تفرقوا إلا من بعد ما جاءهم العلم بغياً بينهم ولولا كلمة سبقت من ربك إلى أجل مسمى لقضي بينهم وإن الذين أورثوا الكتاب من بعدهم لفي شك منه مريب فلذلك فادع واستقم كما أمرت ولا تتبع أهواءهم وقل آمنت بما أنزل الله من كتاب وأمرت لأعدل بينكم الله ربنا وربكم لنا أعمالنا ولكم أعمالكم لا حجة بيننا وبينكم الله يجمع بيننا وإليه المصير [الشورى:13-15].

وقال سبحانه وتعالى: لقد أنزلنا آيات مبينات والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم ويقولون آمنا بالله وبالرسول وأطعنا ثم يتولى فريق منهم من بعد ذلك وما أولئك بالمؤمنين وإذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم إذا فريق منهم معرضون وإن يكن لهم الحق يأتوا إليه مذعنين أفي قلوبهم مرض أم ارتابوا أم يخافون أن يحيف الله عليهم ورسوله بل أولئك هم الظالمون إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا وأولئك هم المفلحون ومن يطع الله ورسوله ويخش الله ويتقه فأولئك هم الفائزون.

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

إلى أعلى

إذا كانت لديك أية ملاحظات حول هذه الخطبة، إضغط هنا لإرسالها لنا.

كما نرجو كتابة رقم هذه الخطبة مع رسالتك ليتسنى لنا التدقيق وتصويب الأخطاء

 
 

 2004© مؤسسة المنبر الخيرية للمواقع الدعوية على شبكة الإنترنت، جميع الحقوق محفوظة

عدد الزوار حالياً