إن الله بعث إلينا نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم لينقذنا من عبادة العباد إلى عبادة الله الواحد الأحد. لينقلنا من ذل المعصية إلى عز الطاعة فلله العزة ولرسوله وللمؤمنين .. ليخرجنا من ظلمات الأهواء والابتداع إلى نور الحق المبين الذي جاء به سيد المرسلين وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا وقال تعالى: ثم جعلناك على شريعةٍ من الأمر فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون إنهم لن يغنوا عنك من الله شيئاً وإن الظالمين بعضهم أولياء بعض والله ولي المتقين.
أيها الإخوة: كلنا خطاءون، وخير الخطائين التوابون، والله يحب من عبده أن يتذلل له ويستغفره ويتوب إليه مما وقع فيه من شهوة أو شبهة خالف فيها أمر الله وأمر نبيه صلى الله عليه وسلم.
هذه الشهوات والشبهات التي انتشرت في أيامنا هذه على جميع المستويات دون خوف أو وجل إلى حد المجاهرة بها والعياذ بالله .. يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((كل أمتي معافى إلا المجاهرين)) أي أن كل مذنب يرجى له التوبة والمغفرة إلا المجاهر الذي يعلن بالمعصية والمنكر، أو البدعة والإحداث في الدين.
فالمعاصي والشهوات والبدع والشبهات لها آثار على الفرد والمجتمع سأتكلم عنها باختصار.
أيها الإخوة: إن للمعاصي آثاراً على الفرد والمجتمع، فمرتكب المعاصي والمنكرات محروم من نور العلم الشرعي فإن العلم نور ونور الله لا يؤتى لعاصي ومحروم من الطمأنينة والراحة النفسية، وإن كثر ماله وزاد سلطانه، فهو في وحشة يجدها في قلبه ويعيش في قلق نفسي وفي اضطراب مستمر وفي جو مشحون بالانفعالات مع أقاربه ومع أهل الخير.
أيها الإخوة: إن كل معصية من المعاصي ميراث عن أمة من الأمم السابقة، ففعل الفاحشة والمجاهرة بها ميراث قوم لوط، والتسلط والتجبر على الناس والفساد في الأرض ميراث فرعون، وأكل أموال الناس بالباطل وبخسهم في أموالهم ميراث أصحاب الأيكة قوم شعيب عليه السلام .. والإسراف والتبذير في الأموال وإنفاقه في غير وجهه الشرعي والبطش والظلم ميراث عاد وثمود .. فمن وقع في شيء من هذه الذنوب فإنه سيناله شيء من العذاب مما جاء الأمم السابقة عاجلاً أم آجلاً في الدنيا وفي الآخرة إلا أن يشاء الله أو أن يتوب ويعود إلى الله، وإن لم يتب فإنه سيناله الإهانة ومن يهن الله فما له من مكرم.
أيها الإخوة: وإن من آثار الذنوب على الفرد أنها تورث الذل فإن العز كل العز في طاعة الله من كان يريد العزة فلله العزة جميعاً أي فليطلبها بطاعة الله. قال الحسن البصري رحمه الله: "إنهم وإن طقطقت بهم البغال وهملجت بهم البراذين فإن ذل المعصية لا يفارق قلوبهم، أبى الله إلا أن يذل من عصاه".
وإن الذنوب أيها الإخوة إذا تكاثرت طبع على قلب صاحبها فكان من الغافلين فلا يعرف معروفاً ولا ينكر منكراً كلاّ بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون. هذا من ناحية آثار المعاصي على الفرد ذكرنا بعضاً منها على سبيل المثال لا الحصر. أما آثارها على المجتمع أو على الأمة كلها.
فأقول أيها الإخوة: إن انتشار المعاصي والذنوب له أضرار على المجتمعات الإنسانية، بل يتعدى الضرر إلى البهائم والزروع والجمادات. قال النبي صلى الله عليه وسلم عن الحجر الأسود: ((إنه من حجار الجنة كان أبيض من الثلج حتى سودته خطايا بني آدم)). فلا يظن ظان أن المعصية ضررها على نفسه فقط أو على من حوله فقط، بل تتعدى أضرارها إلى الأمة كلها صالحهم وفاسقهم، فهؤلاء بعض أفراد من الصحابة رضي الله عن الجميع خالفوا أمر النبي صلى الله عليه وسلم الصريح بعدم مغادرة الجبل في غزوة أحد، فنزلوا من الجبل مخالفين أمر الرسول صلى الله عليه وسلم، فماذا كانت العاقبة؟ لحق النبي صلى الله عليه وسلم أذى، وجرح وجهه الشريف وسال دمه الطاهر وقتل من الصحابة سيد الشهداء ومعه أكثر من ستين صحابياً.
لذلك، يا أيها الإخوة علينا أن لا نرضى بالمعاصي والمنكرات وننكرها بالقلب واللسان، واليد إذا كان لنا سلطة، ونبغضها ونبغض أهلها ومن يدعو إليها ويسكت عنها، فالسكوت والرضا بالمعصية كفعلها .... وما هذا الذي تعيشه الأمة من الجور والقحط والذل والهوان إلا بسبب المعاصي ... فحينما انتشرت الفواحش ابتلينا بالأمراض التي لم تكن في أسلافنا، وحينما ظهر الغش في البيع والنقص في المكيال والأوزان، ابتلينا بالقحط وجور السلطان، وحينما تحايلت الأمة عل الزكاة وإخراجها قلّ المطر، ولولا البهائم لم تمطر السماء .. وحينما ركنّا إلى الدنيا ورضينا بالزرع وتبايعنا بالعينة سلط الله علينا ذلاً فأصبحنا شذر مذر بين الأمم، تداعوا علينا وقطعوا أوصالنا ونهبوا ثرواتنا، وأصبحت سفينتنا على شفا جرف هار .. فإن لم نأخـذ على يد السفيه ونعيده إلى الحق ونعيد الأمة كلها إلى الجادة ونغرس في أنفسهم الإيمان والعمل الصالح والاستعداد للجهاد، فإن النكبات ستتوالى وستغرق السفينة إن لم يتداركها الله برحمة منه وفضل، وعندها نعض على الأنامل ولا ساعة ندم يوم يعض الظالم على يديه يقول يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلاً يا ويلتى ليتني لم أتخذ فلاناً خليلاً لقد أضلني عن الذكر بعد إذ جاءني وكان الشيطان للإنسان خذولاً وقال الرسول يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجوراً وكذلك جعلنا لكل نبي عدواً من المجرمين وكفى بربك هادياً ونصيراً.
|