عباد الله: إننا في هذه الأيام نتقلب في نعم الله وافرة، وخيرات عامرة، سماؤنا تمطر، وشجرنا يثمر، وأرضنا تخضر، فما لنا لا نشكر، وبحسن صنع ربنا بنا لا نعتبر.
إن في قصة المطر لعبراً. وآياتٍ ذكرها ربنا في كتابه فلنعتبر بها ولنتعظ ولنشكر ربنا، ولنعي قوله ولنمتثل أمره، ولنحذر زجره ولنصدق خبره، فما دلّنا إلا على خير، ولا أمرنا إلا بخير، ولا نهانا إلا على ضير، ولننسب الفضل له، فما مطرنا إلا بفضل الله ورحمته ولا نقول ما قال الأبعد حين سمع قول الله تعالى: قل أرأيتم إن أصبح ماؤكم غوراً فمن يأتيكم بماء معين.
قال تأتي به الفؤوس والمعاول، بل نقول: لا يأتي به إلا الله، فهو القائل: وأسقيناكم ماءً فراتاً والقائل: فلينظر الإنسان إلى طعامه أنا صببنا الماء صباً ثم شققنا الأرض شقاً فأنبتنا فيها حباً وعنباً وقضباً وزيتوناً ونخلاً وحدائق غلباً وفاكهة وأباً متاعاً لكم ولأنعامكم
فوالله لولا الله ما سقينا ولا تنعّمنا بما أوتينا أفرأيتم ما تحرثون أأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون لو نشاء لجعلناه حطاماً فظلتم تفكهون إنا لمغرمون بل نحن محرومون أفرأيتم الماء الذي تشربون أأنتم أنزلتموه من المزن أم نحن المنزلون لو نشاء جعلناه أجاجاً فولا تشكرون.
للهم لك الشكر على آلائك التي لا تعد ولا تحصى، اللهم لو شئت لجعلت ماءنا أجاجاً، ولكن رحمتك أدركتنا فجعلته عذباً زلالاً، فلك الشكر لا نحصي ثناءً عليك، فما بنا من نعمة فمنك وحدك لا شريك لك ألم تر أن الله أنزل من السماء ماءً فأخرجنا به ثمرات مختلفاً ألوانها ومن الجبال جدد بيض وحمر مختلف ألوانها وغرابيب سود ومن الناس والدواب والأنعام مختلف ألوانه كذلك إنما يخشى اللهَ من عباده العلماءُ إن الله عزيز غفور.
اللهم فارزقنا الخشية منك. اللهم اجعلنا من العلماء أهل الخشية منك. فمنك ماؤنا، ومنك طعامنا، فلك الشكر ولك الحمد حتى ترضى، ولك الحمد إذا رضيت أولم يروا أنا نسوق الماء إلى الأرض الجُرُُُز فنخرج به زرعاً تأكل منه أنعامهم وأنفسهم أفلا يبصرون.
إن في قصة المطر لعبراً وآيات ومن آياته أن يرسل الرياح مبشرات (تبشر بالخير بعدها) وليذيقكم من رحمته ولتجري الفلك بأمره ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون، الله الذي يرسل الرياح فتثير سحاباً فيبسطه في السماء كيف يشاء ويجعله كسفاً فترى الودق (المطر) يخرج من خلاله فإذا أصاب به من يشاء من عباده إذا هم يستبشرون وإن كانوا من قبل أن ينزل عليهم من قبله لمبلسين فانظر إلى آثار رحمة الله كيف يحيي الأرض بعد موتها إن ذلك لمحيي الموتى وهو على كل شيء قدير.
نعم إن إحياء الله الأرض بعد موتها لدليل واضح على قدرته سبحانه على إحياء الموتى، فبينما الأرض جرداء قاحلة إذا بها تهتز خضراء رابية، فما يعرض عن هذا إلا أعمى البصيرة ومن آياته أنك ترى الأرض خاشعة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت إن الذي أحياها لمحيي الموتى إنه على كل شيء قدير، ونزلنا من السماء ماءً مباركاً فأنبتنا به جنات وحب الحصيد والنخل باسقات لها طلع نضيد رزقاً للعباد وأحيينا به بلدة ميتاً كذلك الخروج. أي كذلك خروجكم من قبوركم بعد موتكم. فالذي أحيا الأرض بعد موتها قادر على بعثكم بعد موتكم ألم تر أن الله أنزل من السماء ماءً فسلكه ينابيع في الأرض ثم يخرج به زرعاً مختلفاً ألوانه ثم يهيج فتراه مصفراً ثم يجعله حطاماً إن في ذلك لذكرى لأولي الألباب.
ومن آياته يريكم البرق خوفاً وطمعاً وينزل من السماء ماءً فيحيي به الأرض بعد موتها إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون، وهو الذي أرسل الرياح بشراً بين يدي رحمته وأنزلنا من السماء ماء طهوراً لنحيي به بلدة ميتاً ونسقيه مما خلقنا أنعاماً وأناسيّ كثيراً ولقد صرفناه بينهم ليذكروا فأبى أكثر الناس إلا كفوراً، وهو الذي يرسل الرياح بشراً بين يدي رحمته حتى إذا أقلّت سحاباً ثقالاً سقناه لبلد ميت فأنزلنا به الماء فأخرجنا من كل الثمرات كذلك نخرج الموتى لعلكم تذكرون والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه والذي خبث لا يخرج إلا نكداً كذلك نصرف الآيات لقوم يشكرون.
نفعني الله وإياكم. . |