أما بعد:
يقول ربنا عز وجل وتعالى: ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا ذلك الفضل من الله وكفى بالله عليماً ويقول جل وعز: يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات.
أيها الأحبة في الله: إن المؤمن له قيمة خاصة عند الله عز وجل، إن المؤمن ذا قيمة ومكانة وتقدير واعتبار واحترام لا في عالم الدنيا فحسب، ولكن في عالم الدنيا والآخرة، لا في عالم الجنس البشري فحسب، ولكن في عالم الغيبيات في عالم الجن، حتى الجن تميز وتقدر المؤمن من غيره، لذا تجد أن أغلب تلبس الجن يكون بمن ضعف إيمانه، وكثرت آثامه.
إن المؤمن له ميزان ومعيار خاص عند الله، يقوم عليها هو سبحانه وتعالى بنفسه، علام الغيوب، عالم الغيب والشهادة، لا إله إلا هو بيده الخير وهو على كل شيء قدير.
أيها الأخ المؤمن: ويا أيها الأخ المسلم: هل تريد أن تدرك شيئاً من قيمتك ومكانتك ومنزلتك، فأرعني سمعك واستمع إلى هذه الآيات الكريمات، يقول الله تعالى: هو الذي يصلي عليكم وملائكته ليخرجكم من الظلمات إلى النور وكان بالمؤمنين رحيماً تحيتهم يوم يلقونه سلام وأعد لهم أجراً كريماً.
الله جل وتعالى هو الذي يصلي عليك أيها المؤمن وملائكته ليخرجكم من الظلمات إلى النور.
ويقول عز وجل: الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به ويستغفرون للذين آمنوا ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلماً فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم ربنا وأدخلهم جنات عدن التي وعدتهم ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم إنك أنت العزيز الحكيم وقهم السيئات
ما أجمله من دعاء، وممن؟ من الملائكة وهم يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به ويستغفرن لمن؟ ويستغفرون للذين آمنوا.
فماذا يقولون في دعائهم واستغفارهم؟ ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلماً فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم ربنا وأدخلهم جنات عدن التي وعدتهم ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم إنك أنت العزيز الحكيم وقهم السيئات.
هذا هو قيمتك أيها المؤمن، وهذه منزلتك ومكانتك، فلا ترض بأقل منها، ليختلط الإيمان بلحمك وعظمك، وليجرِ في عروقك مع الدم، وليصبح الإيمان سمعك الذي تسمع به وبصرك الذي تبصر به، ولسانك الذي تنطق به، ويدك التي تبطش بها، ورجلك التي تمشي بها. قل إن صلاتي وتسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين.
وحذار ثم حذار أيها المؤمن أن تمد يدك أو عينك إلى شيء ينقصك أو ينزلك عن هذه المرتبة، وعن هذه الدرجة، مما يتمتع به أحد من أهل هذه الحياة الدنيا وما عند الله خير وابقى للذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون. قال الله تعالى: ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجاً منهم زهرة الحياة الدنيا لنفتنهم فيه ورزق ربك خير وأبقى.
فقيمة المؤمن وآماله وروحه وتطلعاته أجلُّ وأكبر وأعظم من أن نتطلع إلى الأرض دون السماء، أو أن يتعلق المؤمن بما وصف بالفناء دون ما وصف بالبقاء.
إن قيمة المؤمن أجل وأكبر وأعظم من أن يرتبط بجوانب مادية وقيم فانية.
إن قيمة المؤمن ليست عند من يمنحون ما يسمى بالأوسمة والدروع والنياشين التي لا تسمن ولا تغني من جوع. وليست قيمة المؤمن عندما يُعطى منصباً أو مالاً أو جاهاً، ولكن قيمته الحقيقية عند من عنده الدنيا كلها، وعنده الآخرة الممدودة الباقية.
إن قيمة المؤمن لا فيما يلبس ولا فيما يأكل ولا فيما يركب، لكن قيمته بما يحمله في قلبه من حب الله ورسوله، قيمته في موالاة أولياء الله ومعاداة أعداء الله.
إن قيمة المؤمن الحقيقية بمقدار ما يبذله ويعطيه ويمنحه خدمة لهذا الدين، وعملاً بهذه الشريعة، وتبليغاً ودعوة لهذا الإسلام ولهذا الإيمان الذي يحمله.
فيا أيها المؤمنون: شباباً وشيوخاً، نساءً ورجالاً، اعتمدوا على الله، وارتبطوا بالله، وتعاملوا مع الله، وتوكلوا على الله، واصبروا وصابروا ورابطوا، واتقوا الله لعلكم تفلحون.
فهل عرفت قيمتك أخي المؤمن؟إنك أغلى جوهرة في هذا الوجود، وأثمن كنز في هذا الكون، بما تحمل في قلبك من إيمان.
دع الدنيا لأهل الدنيا، ليلعبوا ما شاء لهم أن يلعبوا، وليجمعوا ما طاب لهم أن يجمعوا، أما أنت أيها المؤمن، فشعارك أن تردد قول الله جل وتعالى: يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون.
فهنيئاً لمن اتصف بصفات الإيمان، وهنيئاً لمن لبس حلة الإيمان، وهنيئاً لمن تزين بزينة الإيمان.
وإنه لمن نعم الله الكبرى على هذه الأمة، ونعمه سبحانه لا تعد ولا تحصى، أن هناك عدداً كبيراً من شباب هذه الأمة، ذكوراً وإناثاً، بدءوا يتجهون للإسلام الذي أنزله الله.
فما تكاد تمد عينيك في أفراد جمعية من بعض جمعيات العالم الإسلامي، أو تنظر في مصلين في مسجد من مساجد المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها وشماليها وجنوبيها، إلا وترى شباباً يمثلون هذه الصحوة المباركة، وترى كثيراً من تعاليم الإسلام ظاهراً في محياهم، وكثيراً من محاسن وفضائل الشرع بادياً في وجوههم، فالكثير منهم ولله الحمد والمنة صدورهم أوعية لكتاب الله، وعقولهم مليئة بتصورات الإسلام الصحيحة وعبادتهم ترجمة عملية لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولقاءاتهم معمورة بما يزيد في إيمانهم ويرسخ يقينهم، يحبون ما أحب الله، ويبغضون ما أبغض الله، ويرضون ما رضيه الله، ويُسخطون ما يسخطه الله، مما يشعر في الجملة، بتأهيلهم لولاية الله لهم.
أيها المؤمنون: إن فيما سمعتم من جمل في قيمة المؤمن، وفيما بشرتم به من انتشار هذه الأوصاف الإيمانية، في صفوف كثير من شباب وشابات المسلمين، أقول: إن هذا وغيره ليدعو كل أب وكل أم، وكل من في قلبه شعلة من مشاعل الإيمان، حاكماً أو محكوماً، أميراً أو مأموراً، وجيهاً أو وضيعاً، ما دام أنه يشهد أن لا إله إلا الله، فإن هذه الشهادة تدعوه، وتدعو كل فرد من أفراد المسلمين أن يُسّر ويستبشر بهذا النوع.
لابد أن نفرح أيها الأحبة، لو كثر هذا الشباب المؤمن بيننا، بل ينبغي لكل أب أن يتمنى أن يكون أولاده مشاعل إيمان، يحملون كتاب الله، ويعبدونه حق عبادته ويدعون لعبادة الله حق عبادته، وحذاري ثم حذاري من إغضاب هؤلاء المؤمنين، أو إيذاء هؤلاء المؤمنين. فمن آذاهم فقد آذى الله ، ومن أغضبهم فقد أغضب الله، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول الله تعالى: ((من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب)) وفي صحيح مسلم عن أبي هبيرة عائذ بن عمر المزني رضي الله عنه أن أبا سفيان أتى على سلمان وصهيب وبلال في نفر فقالوا: ما أخذت سيوف الله من عدو الله مأخذها، فقال أبو بكر رضي الله عنه أتقولون هذا لشيخ قريش وسيدهم، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره فقال: ((يا أبا بكر لعلك أغضبتهم، لئن كنت أغضبتهم لقد أغضبت ربك))، فآتاهم فقال: يا إخوتاه أأغضبتكم؟ قالوا: لا يغفر الله لك يا أخي.
وإنه لمن العجب، بل إنه لمن السفه وعدم إدراك عواقب الأمور أن بعض الآباء وبعض أولياء الأمور لا يريدون من أولادهم أن يظهروا بمظاهر الإيمان، يرضون لهم الفساد، ولا يرضون لهم الصلاح، يزعجهم أن يروا بوادر الخير على الناشئة من أولادهم. بل قد يتعرضون لهم ويؤذونهم، ويقاومون الخير والاستقامة الذي يحملونه.
فيا أيها الآباء، ويا أولياء الأمور إن نذر الله واضحة معلومة من التعرض لهم يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب)) ويقول: ((إن من عباد الله من لو أقسم على الله لأبره)).
فلنتق الله أيها المسلمون المؤمنون.
نوالي من والى الله، ونعادي من عادى الله، بل ونحرص ونجتهد أن نكون نحن من أهل ولايته الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون.
وأن يدرك كل مؤمن قيمة نفسه، والقيمة الحقيقية للإيمان الذي يحمله، وبذلك يستطيع المؤمن أن يقدم الدور، ويؤدي الدور الذي يريده منه رب العالمين.
|