أما بعد:
معشر المسلمين: إن المصائب لا تقع إلا بإذن الله تعالى قال الله عز وجل: ما أصاب من مصيبة إلا بإذن الله ومن يؤمن بالله يهد قلبه والله بكل شيء عليم. وإن المصائب بمثابة الإشارات والتنبيهات من الله تعالى لعباده المخالفين ،وهي آيات للتخويف أيضاً ،قال تعالى: وما نرسل بالآيات إلا تخويفاً.
لذا يجب على العباد الرجوع والامتثال والاستقامة قبل فوات الأوان قال تعالى: ولنذيقنهم من العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر لعلهم يرجعون.
أيها المسلمون: إن الله تعالى قد جعل لكل شيء سبباً يجلبه ،وآفة تذهبه ،فطاعة الله تعالى وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم سبب لجلب النعم المفقودة ،وحفظ النعم الموجودة ،أما المعاصي فهي سبب لذهاب النعم ،وحلول النقم ،إذ هي تزيل النعم الحاصلة ،وتقطع النعم الواصلة.
أيها المسلمون: احذروا المعاصي والذنوب ،واتقوا خطرها على الأبدان والقلوب ،وانظروا وتفكروا في ظهور أثرها على الأوطان والشعوب ،فإنها سلاّبة للنعم جلاّبة للنقم ،تورث أنواعاً عظيمة من الفساد ،وتحل أنواعاً من الشرور والفتن والمصائب في البلاد. إن ضررها على الأفراد والمجتمعات، أشد وأنكى من ضرر السموم على الأجسام ،إنها لتخلق في نفوس أهلها التباغض والعداء ،وتنزل في قلوبهم وحشة وقلقا ،لا يجتمع معها أنس ولا راحة.
قال الله: فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم.
أيها المسلمون: إن المعاصي والذنوب هي أصل كل بلاء ،ومصدر كل شقاء ،ومنبع كل غضب وانتقام ،فما نفرت النعم ولا حلت النقم ،ولا تسلط الخصوم والأعداء ،ولا حلت الأدواء، ولا هجمت المصائب والنكبات إلا بشؤم الرذائل والمنكرات.
عباد الله: ليس في الدنيا ولا في الآخرة شر ،ولا داء ،ولا بلاء ،إلا وسببه الذنوب والمعاصي ،وما عذبت أمة من الأمم إلا بذنوبها ،ففي كل آية عبرة ،وفي كل مثل من الأمم السابقة بلاغ وذكرى ،لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد ،وقال تعالى مبيناً سبب أخذ المهلكين وعقابهم: فكلا أخذنا بذنبه فمنهم من أرسلنا عليه حاصباً ومنهم من أخذته الصيحة ومنهم من خسفنا به الأرض ومنهم من أغرقنا وما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون.
كل هذا كان فيمن قبلنا لكن الذنوب هي التي تهلك الأمم اللاحقة أيضاً ،فقال تعالى: ألم نُهلك الأولين ثم نتبعهم الآخرين كذلك نفعل بالمجرمين. ما ظهرت المعاصي في ديار إلا أهلكتها ولا تمكنت من قلوب إلا أعمتها ،ولا فشت في أمة إلا أذلتها، بها تزول النعم، وتحل النقم، وتتحول العافية، ويستجلب سخط الله.
أيها المسلمون: ما نزل بالأمم والشعوب من ذل وهوان ،وآلام وعقوبات وفتن وزلازل ،وما سُلط الأشرار ،وسيطر الفجار وغلت الأسعار وشحت الوظائف ،وكثرت الجرائم ،إلا بسبب الذنوب والمعاصي ،والمجاهرة بذلك من الداني والقاصي وترك الأوامر والنواهي ،فاعتبروا يا أولي الأبصار. قال تعالى: ألم يروا كم أهلكنا من قبلهم من قرن مكناهم في الأرض ما لم نمكن لكم وأرسلنا السماء عليهم مدراراً وجعلنا الأنهار تجري من تحتهم فأهلكناهم بذنوبهم وأنشأنا من بعدهم قرناً آخرين. فما الذي سبب إخراج الأبوين عليهما الصلاة والسلام من الجنة ،دار اللذة والنعيم إلى هذه الدنيا دار الآلام والأحزان؟ وما الذي سبب إخراج إبليس من ملكوت السماء ،وصيره طريداً لعيناً مصدراً لكل بلاء في الإنسانية؟ لماذا عم الغرق قوم نوح حتى على الماء رؤوس الجبال؟ ولماذا سُلط الريح على قوم عاد حتى ألقتهم كأنهم أعجاز نجل خاوية؟ وما السبب في إرسال الصيحة على ثمود حتى قطعت قلوبهم في أجوافهم؟ ولماذا قلب قرى قوم لوط بهم فجعل عاليها سافلها وأتبعهم بحجارة من سجيل؟
وما الذي أغرق فرعون وقومه ،وخسف بقارون الأرض ،وما الذي هد عروشاً في ماضي هذه الأمة وحاضرها طالما حُميت.إنه الذنوب والمعاصي.
أيها المسلمون :اعتبروا بالمصائب التي تحصل في معظم الأوطان من الفيضانات والطوفان ،والأعاصير التي تهلك الحرث والنسل في بعض الجهات ،والجدب والجفاف وكثرة المجاعات وانتشار الأوبئة والأمراض في كثير من المجتمعات ،وحوادث السيارات والقطارات المهلكة والبواخر المغرقة والطائرات المحرقة ،والزلازل المروعة التي تأتي على البنيان من القواعد. فخر عليهم السقف من فوقهم. كل ذلك يا عباد الله بسبب كفر النعم والظلم وكسب السيئات قال تعالى: فأصابهم سيئات ما كسبوا والذين ظلموا من هؤلاء سيصيبهم سيئات ما كسبوا وما هم بمعجزين. وقال تعالى: أفأمن الذين مكروا السيئات أن يخسف الله بهم الأرض أو يأتيهم العذاب من حيث لا يشعرون أو يأخذهم في تقلبهم فما هم بمعجزين أو يأخذهم على تخوف فإن ربكم لرؤوف رحيم.
وقال سبحانه مبيناً عاقبة الظالمين الذين يكفرون نعم الله ولا يشكرونها قال تعالى: وظلموا أنفسهم فجعلناهم أحاديث ومزقناهم كل ممزق إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور. وقال تعالى مبيناً للذين شاهدوا المصائب أن يأخذوا العبرة من ذلك قال تعالى: ولقد تركنا منها آية بينة لقوم يعقلون.
أيها المسلمون: إن المصائب سببها ما تكسبه أيدي الناس من الذنوب ،قال تعالى: وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير. فمن رحمة الله تعالى أنه لا يؤاخذ العبد بكل ذنب يكسبه، ولكنه يعفو عن كثير ،وكما قال سبحانه: فاعلم أنما يريد الله أن يصيبهم ببعض ذنوبهم.
أيها المسلمون: إن معصية الله تعالى والمجاهرة بذلك كفر بالنعم، وإن الكفر بالنعم سبب للعذاب والعقاب ،قال الله عز وجل: ولئن كفرتم إن عذابي لشديد.
وقال سبحانه: وضرب الله مثلاً قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغداً من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون. وقال تعالى: ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذين عملوا لعلهم يرجعون.
أيها المسلمون: إن المصائب والأحداث ما هي إلا نذر للمسلمين لكي يعودوا ويرجعوا إلى تصحيح أعمالهم ورفع المظالم وإقامة العدل في بلادهم ،فالظلم والبعد عن شرع الله تعالى سبب للهلاك ،قال تعالى: وما كنا مهلكي القرى إلا وأهلها ظالمون.
فاتقوا الله أيها المسلمون وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له من قبل أن يأتيكم العذاب ثم لا تنصرون ،واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم من قبل أن يأتيكم العذاب بغتة وأنتم لا تشعرون ،واستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
وقد وعد سبحانه ووعده الحق أن لا يعذب المستغفرين ،قال تعالى: وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون.
اللهم اغفر لنا ذنوبنا وقنا عذاب النار ،واجعلنا من الصابرين والصادقين والقانتين والمستغفرين بالأسحار ،والحمد لله رب العالمين.
|