أما بعد:
عقيدة الولاء والبراء، من أهم قضايا المعتقد يراد تمييعه في ظل الاحتفالات بمناسبة الألفية القادمة. ولابد أن يكون لنا وقفة مع هذا الموضوع المهم، توضيحاً وتجليةً وإيراداً لبعض جوانبه التي قد تخفى على البعض منا وقد يغلف بعضها ببعض الأغلفة الإعلامية التي قد تنطلي على البعض خصوصاً ممن لا يرون بأساً بأن يقيم أمة اليهود أو أمة النصارى مناسباتهم كما يقيم المسلمون مناسباتهم.
الولاء والبراء والموالاة والمعاداة من العقائد الأساسية في هذا الدين ومما تميزت به هذه الأمة، وأما الأمم الكافرة فلها شأن آخر تختلف عن الأمة الإسلامية لكونها فسقت عن أمر الله وتولت الشيطان. عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((أوثق عرى الإيمان الموالاة في الله والمعاداة في الله والحب في الله والبغض في الله)) [رواه الطبراني بسند حسن].
بل إن الإيمان لايستكمل إلا بهما كما قال صلى الله عليه وسلم: ((من أحب لله وأبغض لله وأعطى لله ومنع لله فقد استكمل الإيمان)) [رواه الإمام أحمد].
بقي النبي صلى الله عليه وسلم فترة بعد البعثة في مكة مقيماً بين أظهر المشركين من كفار قريش، وبعدها أمره الله تعالى بالهجرة إلى المدينة فهاجر وأقام بالمدينة دولة الإسلام وبعدها انعزل أولياء الرحمن عن أولياء الشيطان واستقل المسلمون استقلالاً كاملاً فانقسم الناس بعدها في تلك الفترة إلى ستة أقسام :
القسم الأول: المؤمنون الصادقون من المهاجرين والأنصار الذين كانت تظلهم راية رسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة.
القسم الثاني: الذين آمنوا ولم يهاجروا وبقوا في ديارهم خارج دولة المدينة. القسم الثالث: المنافقون الذين كانوا في المدينة وما حولها.
القسم الرابع: اليهود وكانوا مقيمين في المدينة.
القسم الخامس: النصارى وكانوا بعيدين عن المدينة مثل من كان منهم في نجران وفي الحبشة وفي الشام.
القسم السادس: المشركون من العرب وغيرهم.
فجاء القرآن الكريم يبين طبيعة العلاقة مع كل من هؤلاء ومن له الولاية ومن له العداوة ومن يحب ومن يبغض.
فأما القسم الأول: وهم المؤمنون الذين هاجروا مع النبي صلى الله عليه وسلم أو ممن كان من أهل المدينة لكنه بذل من ماله في نصرة الإسلام في أول أمره فقد قال الله تعالى عنهم: إن الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله والذين آووا ونصروا أولئك بعضهم أولياء بعض فجعل الله بينهم الولاية التامة.
وأما القسم الثاني: وهم المؤمنون الذين لم يهاجروا فقد قال الله في حقهم: والذين آمنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شيء حتى يهاجروا وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر إلا على قوم بينكم وبينهم ميثاق والله بما تعملون بصير. فهؤلاء ليس لهم نصيب في مغانم الغزوات ولا في خمسها إلا إذا حضروا القتال، فهذه الفئة لها ولاية لكن ولايتها ناقصة فلو حصل بينهم وبين الكفار نزاع لوجبت نصرتها.
وأما القسم الثالث: وهم المنافقون: فإنهم يعاملون بحسب الظاهر منهم لكن ينبغي الحذر منهم، فلهم من الموالاة بقدر ما يظهرون من الدين، ولهم من البراءة بقدر ما يظهر منهم من خبث.
ولهذا لما اعترض رجل على قسمة رسول الله صلى الله عليه وسلم واستؤذِن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ضرب عنقه قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا لعله أن يكون يصلي، فقال خالد بن الوليد: وكم من مصلٍّ يقول بلسانه ما ليس في قلبه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني لم أؤمر أن أنقّب قلوب الناس ولا أشق بطونهم)) [متفق عليه].
فأما من أظهر كفره من هؤلاء المنافقين كما هو حال بعض المنافقين المعاصرين من خلال أقلامهم التي يكتبون أو مقالاتهم التي ينشرون أو دخولهم في أحزاب علمانية أو مذاهب كفرية وظهر للمسلم شيء من ذلك وثبت عنده فالواجب عندئذٍ أن يجاهدوا وأن يضيق عليهم ولا يتركون يعيثون ويعبثون قال الله تعالى: يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم ومأواهم جهنم وبئس المصير.
ولو حصل جهاد شرعي وقتال للكفار فإن هؤلاء المنافقين لا يمكنون من الخروج مع المسلمين كما قال سبحانه: فإن رجعك الله إلى طائفة منهم فاستأذنوك للخروج فقل لن تخرجوا معي أبداً ولن تقاتلوا معي عدواً ويقاس على الجهاد كل أمر مهم فيه مصالح للمسلمين فلا يجوز أن تعطى هذه المناصب لهؤلاء المنافقين ولا أن يتولوا ما فيه مصلحة للمسلمين لأنهم خونة والأصل أن لا يؤتمنوا.
ومن مات منهم فإنه لا يصلى عليه ولا يشهد جنازته قال الله تعالى: ولا تصل على أحد منهم مات أبداً ولا تقم على قبره إنهم كفروا بالله ورسوله وماتوا وهم فاسقون.
الموالاة إذن منقطعة عن أمثال هؤلاء، والمعاداة واجبة في حقهم.
وأما القسم الرابع والخامس: وهما اليهود والنصارى: فقد أكثر القرآن الكريم من ذكرهم وبين كثيراً من عقائدهم المنحرفة وسلوكهم المعوج وما تنطوي عليه ضمائرهم من الأحقاد تجاه المسلمين ولا سيما اليهود الذين عايشهم المسلمون في الجاهلية والإسلام في المدينة، وقد سالمهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وعاهدهم، ولكنهم نكثوا العهود لأنهم خونة، وقد بين الله تعالى في كتابه الكريم العلاقة معهم قال الله تعالى: يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين وقال سبحانه: قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئاً ولا يتخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون وقال جل وعز: ( ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم وقولوا آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم وإلهنا وإلهكم واحدٌ ونحن له مسلمون.
فالأصل في اليهود والنصارى المعاداة وأنهم أهل حرب ولا مودة بيننا وبينهم حتى يسلموا، ولو ماتوا وهم على عقائدهم الحالية فهم كفار حطب جهنم خالدين مخلدين فيها أبداً.
فلا سلام معهم ولا استسلام لهم، وبناءً عليه يُعلم خطورة مشاركتهم في أعيادهم واحتفالاتهم ومشابهتهم في بعض شئونهم، وأن هذا خدش في معتقد الشخص المشارك، وأنه على خطر عظيم هذا إن سلم من الكفر قال رسول صلى الله عليه وسلم: ((من تشبه بقوم فهو منهم)) قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى " وهذا الحديث أقل أحواله أن يقتضي تحريم التشبه بهم وإن كان ظاهره يقتضي كفر المتشبه بهم كما في قوله تعالى: ومن يتولهم منكم فإنه منهم".
وأما القسم السادس: وهم المشركون: فهؤلاء يدخل فيهم جميع الكفار عدا اليهود والنصارى، وهؤلاء قد شدد الإسلام في جانبهم وضيق عليهم حتى ذهب كثير من العلماء إلى أنه لا تقبل منهم جزية بل إما الإسلام أو القتال.
ومن ثم أصبحت العلاقة مع هؤلاء مبتورة فلا موادة بيننا وبينهم ولا صداقة ولا مناصرة قال الله تعالى: لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء إلا أن تتقوا منهم تقاه ويحذركم الله نفسه وقال سبحانه: لا تجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آبائهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم.
وبناءً على ما تقدم ينبغي أن يعلم الآتي:
أولاً: وجوب محبة الله واتباع مراده: وهذا أصل عظيم من أصول العقيدة قال الله تعالى: ومن الناس من يتخذ من دون الله أنداداً يحبونهم كحب الله والذين آمنوا أشد حباً لله.
ثانياً: المرء مع من أحب: فمن أحب شيئاً تعلق به وانساق وراءه ووالاه. فمن أحب أهل العلم وأعجب بهم فإنه يحاول محاكاتهم وتتبع آثارهم.
ومن أحب الأثرياء والزعماء فإنه يتشبه بهم ويتمنى أن يلتحق بهم.
ومن أحب اليهود والنصار والكفار والمشركين تأثر بهم وتعلق بهم وفعل مثل أفعالهم وجاملهم وشاركهم وهنئهم، ولو هلك أحدهم عزّاهم وربما مشى في جنائزهم والعياذ بالله وكل هذا على حساب دينه.
ثالثاً: الحق والباطل ضدان: فلا يمكن أن يجتمع أتباع الحق وأتباع الباطل أو أولياء الرحمن وأولياء الشيطان، بل هما عدوان متنافران، لا لقاء بينهما ولا مصالحة ولا تنازلات بل هو الصراع الدائم إلى يوم القيامة وهذه سنة الله بل شرعه الذي شرعه قال الله تعالى: ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم.
رابعاً: محبة الرحمن تقتضي بغض أتباع الشيطان: ومجاملة أو مشاركة أتباع الشيطان يكون على حساب محبة الرحمن: ولا خلاف بأن اليهود والنصارى من أتباع الشيطان، واجتماع المحبتين محال، فكما لا يصح أن يدين المسلم بدين غير الإسلام فكذلك لا يصح أن يعطي ولاءه لغير أهل الإسلام قال الله تعالى: إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا.
وما أجمل تلك العبارة التي سطرها أبو الوفاء بن عقيل رحمه الله قائلاً: "إذا أردت أن تعلم محل الإسلام من أهل الزمان فلا تنظر إلى زحامهم في أبواب الجوامع ولا ضجيجهم في الموقف بلبيك وإنما انظر إلى مواطأتهم أعداء الشريعة".
نسأل الله تعالى العصمة ونعوذ به من الخذلان.
بارك الله لي ولكم. .
|