.

اليوم م الموافق ‏22/‏جمادى الأولى/‏1446هـ

 
 

 

حديث بعثت بالسيف

1373

العلم والدعوة والجهاد

أحاديث مشروحة, القتال والجهاد

ناصر بن محمد الأحمد

الخبر

9/10/1415

النور

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

ملخص الخطبة

1- نص حديث : بعثت بالسيف. 2- لا يقوم الدين إلا بالقرآن والسيف. 3- أمر الرسول بقتل وقتال وجهاد ستة أنواع من الناس. 4- غاية وهدف الجهاد الإسلامي. 5- أسباب عزة المسلمين وأسباب ذلتهم. 6- حديث (جئتكم بالذبح). 7- خطر مخالفة أمر النبي صلى الله عليه وسلم. 8- ظاهرة التشبه بالكفار والمغنيين واللاعبين. 9- موقف في عزة المؤمن.

الخطبة الأولى

أما بعد:

روى الإمام أحمد في مسنده بسند صحيح حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((بعثت بالسيف حتى يعبد الله لا شريك له)) وفي رواية : ((بعثت بين يدي الساعة بالسيف حتى يعبد الله وحده لا شريك له ،وجعل رزقي تحت ظل رمحي ،وجعل الذَّلة والصغار على من خالف أمري ،ومن تشبه بقوم فهو منهم)).

لا عجب أيها الأخوة ،إذا قلنا ،بأن كل حديث من أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم يناسب أن يكون موضوع خطبة ،أو محاضرة أو درس يقدم للناس ،لا عجب في ذلك ،لأنه كلام المصطفى صلى الله عليه وسلم وما خرج منه عليه الصلاة والسلام فهو حق ،وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى.

وحديث ابن عمر هذا ،حديث عظيم جداً ،لو أردنا بسط الكلام فيه ،لأخذ منا عدة جمع ،لكن حسبنا بعض الإشارات. يقول عليه الصلاة والسلام: ((بعثت بالسيف)) لماذا؟ ((حتى يعبد الله وحده لا شريك له)).

فالرسول عليه الصلاة والسلام بعث بالسيف ،كما أنه بعث بالوحي ،ولهذا قرن الله جل وتعالى بينهما في كتابه فقال: لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط وأنزلنا الحديد.

فالأمران مجتمعان ،فلا يمكن للدين أن يقوم إلا بالأمران معاً ،ولم تقم قائمة دولة الإسلام الأولى على يد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا بالأمران ،ومن كان يظن بأن الدين سيمكن ،وسوف تستقر دعائمه ،ويثبت أركانه ،بشيء واحد من الأمرين ،فهو مخطئ ،والرسول صلى الله عليه وسلم قد أخذ لكلا الأمرين عدته ،وبذلك الأمران انتشر الدين ،وكانت دولة الإسلام ،ودخل الناس في دين الله أفواجاً ،ودحر أعداء الإسلام ،وأخرست ألسن المنافقين ،وأبطلت حيلهم وكيدهم ،فلا غنى لهذا الدين في كل زمان من الكلمة والبيان ،ومن السيف والسنان.

ولقد بعث النبي صلى الله عليه وسلم بستة أسياف:

السيف الأول: على المشركين قال الله تعالى: وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة.

السيف الثاني: على أهل الكتاب من اليهود والنصارى قال الله تعالى: قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون.

السيف الثالث: على المنافقين قال الله تعالى: يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم ومأواهم جهنم وبئس المصير.

السيف الرابع: على البغاة ،قال الله تعالى: وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما. هذه الأسياف الأربعة جاءت في كتاب الله جل وتعالى.

السيف الخامس: على المرتدين عن الإسلام بعد الدخول فيه ،كما في الصحيح عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من بدل دينه فاقتلوه)).

السيف السادس: على المارقين من أهل البدع كالخوارج ونحوهم ،وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمر بقتالهم وأن الله عز وجل قد ادخر أجراً عظيماً لمن قتلهم.

هذه هي الأسياف التي بعث بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فما غايتها؟ غايتها: حتى يعبد الله وحده لا شريك له.

فرسول الله صلى الله عليه وسلم لم يبعث ولم يحمل السيف لكي يخضع الناس لحكم العرب ،ولم يبعث لجمع الأموال ،ولم يبعث لكي يدير رحى الحروب والمعارك ،إنما بعث صلوات ربي وسلامه عليه ،ليخضعهم لحكم الله عز وجل. وليزيل الفتنة التي قد يتعرض لها المؤمنون كما قال تعالى: وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله.

وبهذا السيف صار المؤمنون أعزة ،وبهذا السيف صار المسلمون أقوياء ،ودانت لهم الشعوب والأمم ،وهذا سبب من أسباب عزتهم، ألا وهو حمل السيف في وجوه أعداء الله ،وإحياء شعيرة الجهاد في سبيل الله ،لتكون كلمة الله هي العليا ،وكلمات ولافتات وشعارات من سواه هي السفلى. قال صلى الله عليه وسلم: ((إذا تبايعتم بالعينة ،وأخذتم أذناب البقر ،ورضيتم بالزرع ،وتركتم الجهاد ،سلط الله عليكم ذلاً لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم)).

فلماذا سلط الذل على المسلمين الآن ،لأنهم تبايعوا بالعينة ،أي بالربا ،واشتغلوا بالدنيا والزرع ،وتركوا الجهاد ،وسيبقى هذا الذل مضروباً على أعناق المسلمين ،مادام ا لربا قد ضرب بأطنابه في بلادهم ،وسيبقوا أذلة مادامت سيوفهم منكسة ،بل لم يملكوا السيوف حتى الآن ،ولم يفكروا في رفعها ،وستبقى عليهم الذلة ماداموا يأخذون بأذناب البقر ،وماداموا منشغلين بزروعهم وتجاراتهم ودنياهم.

فأسباب العزة ،واضحة جلية في هذا الحديث، ومحل شاهدنا منه ترك الجهاد ،وخفض السيوف.

إن أعداء الله ،والمحاربين لهذا الدين لابد أن يخوفوا بالسيف أحياناً ،ولابد أن يعلموا بأن مقاومة الدين ،قد يعرضهم للسيف والذبح، وهذا أحد الوسائل التي استخدمها رسول الله صلى الله عليه وسلم لدرء شر وفتنة وأذى كفار قريش.

روى ابن إسحاق في السيرة بسند حسن عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما ،أنه سئل عن أشد ما لقي النبي صلى الله عليه وسلم من المشركين في مكة ،فقال عبد الله: كنت عندهم يوماً من الأيام ،وقد اجتمعوا في الحجر ،فتذاكروا ما دخل عليهم من أمر النبي صلى الله عليه وسلم وقالوا: ما رأينا مثل ما صبرنا عليه من شأن هذا الرجل ،لقد شتم آلهتنا ،وعاب ديننا ،وسفه أحلامنا ،وفرق جماعتنا ،إذ دخل عليهم النبي صلى الله عليه وسلم فطاف بالبيت ،واستلم الركن ،حتى إذا طاف بهم غمزوه ببعض القول ،قال عبد الله بن عمرو: فعرفت ذلك في وجه النبي صلى الله عليه وسلم فمر ولم يقل شيئاً ،ثم مر بهم الثانية ،فغمزوه ببعض القول ،فمر ولم يقل شيئاً ،ثم مر بهم الثالثة ،فغمزوه ببعض القول ،فالتفت إليهم وقال: ((تسمعون يا معشر قريش ،والله لقد جئتكم بالذبح ،والله لقد جئتكم بالذبح)) قال: فأخذت القوم كلمته ،حتى ما كان منهم أحد إلا وكأنه على رأسه طائر واقع. فأحياناً لابد من تذكير كل من يحارب الدين ،بهذه القضية.

ثم قال عليه الصلاة والسلام: ((وجعل رزقي تحت ظل رمحي)).

سبحان الله ،الرزق الذي يظن كثير من الناس هنا أو هناك ،أو أنه بيد كذا أو بيد فلان ،يحسم القضية عليه الصلاة والسلام بأنه رزقه تحت ظل رمحه ،وهذا ليس خاصاً بالنبي صلى الله عليه وسلم بل هو عام ،والمعنى بأن المسلمين الحقيقيين لا يشتغلون بالدنيا عن الجهاد في سبيل الله ،بل يجاهدون ،ويحاربون ،ويستعدون لهذا الأمر، والله جل وتعالى يرزقهم من عدوهم.

ولهذا لما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم الطائفة المنصورة قال: ((ويزيغ الله قلوب أقوام ويرزقهم منهم)).

ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم وجعل الذلة والصغار على من خالف أمري.

إن مخالفة أمر النبي صلى الله عليه وسلم ذلة وصغار ،ولهذا فإن المسلم عزيز والمخالف ذليل ،أياً كان هذا المخالف وأياً كانت المخالفة ،فبمقدار المخالفة تكون الذلة. وفي هذا إشارة إلى أن المطيع عزيز ،والفاسق والعاصي والمخالف ذليل.

إن أصحاب المعاصي والفسوق والفجور والمخالفات ،لهم من الذلة في الدنيا ،ولهم من الذلة عند الموت، ولهم من الذلة في القبر، ولهم من الذلة في الآخرة بقدر ما معهم وما فيهم من المخالفة والمعصية.

إن المخالفة تقسي القلب ،وتوهن البدن ،وتضعف الحفظ والاستيعاب ،وتذهب الحياء والغيرة ،وتضعف تعظيم ووقار الرب ،وربما والعياذ بالله تنكس القلب ،وتزيفه عن الحق.

إن مخالفة أمر النبي صلى الله عليه وسلم واستخدام الجوارح في ذلك ،تعد خيانة للجوارح التي خلقها الله لتستعمل في طاعته. كم أذلت المخالفة أعناقاً طالما ارتفعت ،وأسكتت ألسناً طالما نطقت وتكلمت ،وأصمت آذاناً طالما استمعت ،وفرقت أسراً ومزقت جموعاً طالما اجتمعت. احذر المخالفة أخي المسلم أياً كانت هذه المخالفة فإن لها حامياً غيوراً يراقب السر وأخفى ،ويعلم خائنة الأعين وما تخفى الصدور.

إن المخالفة أضر على المسلم من ضرر السم في جسده ،يقول ابن عباس رضي الله عنهما: إن للحسنة ضياءً في الوجه، ونوراً في القلب، وسعة في الرزق، وقوة في البدن، ومحبة في قلوب الناس ،وإن للسيئة سواداً في الوجه، وظلمة في القبر والقلب ،ووهناً في البدن، ونقصاناً في الرزق، وبغضاً في قلوب الناس.

قال الله تعالى: ومن يهن الله فما له من مكرم. وقال سبحانه: ومن لم يجعل الله له نوراً فما له من نورٍ كان الإمام أحمد رحمه الله يقول: اللهم أعزنا بالطاعة ولا تذلنا بالمعصية.

وكان الحسن البصري رحمه الله يقول: إنهم وإن هملجت بهم البغال ،وطقطقت بهم البراذين إلا أن ذل المعصية في رقابهم ،أبى الله إلا أن يذل من عصاه.

وجعل الذلة والصغار على من خالف أمري وفي هذا أيضاً إشارة إلى أن عز المسلم بالجهاد وذل غيره بالمخالفة.

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم.

 

الخطبة الثانية

أما بعد:

ختم المصطفى صلى الله عليه وسلم هذا الحديث العظيم بقوله: ((ومن تشبه بقوم فهو منهم)).

الذي يتشبه بقوم فهو منهم، وفي الغالب تجد أن المتشبه يجد في نفسه من التعظيم والتوقير لمن تشبه بهم ،ولذلك تجد أن الغالب لا يقلد المغلوب.والكبير لا يتشبه بالصغير ،والعزيز لا يمكن أن يتشبه بالذليل، والعكس هو الصحيح.

وفي الغالب أن الأقل هو الذي يتشبه بالأرفع والأكمل والأحسن ،على أقل تقدير في نظره. وإلا لما تشبه به. وفي هذا المقطع من الحديث يؤخذ منه تحريم التشبه بالكفار فيما هو من خصائصهم سواءً كان شيئاً من دينهم أو ملابسهم أو أحوالهم وعاداتهم ،فكل ما كان من خصائصهم وعرف أن هذا لهم فقط فإنه يحرم على المسلم أن يتشبه بهم.

وقد ألف شيخ الإسلام في هذا الشأن كتابه الفذ اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم. وقال عن هذا الحديث: ((ومن تشبه بقوم فهو منهم)): إن أقل أحوال هذا الحديث يقتضي تحريم التشبه بالكفار وإن كان ظاهره يقتضي كفر المتشبه بهم ،لأن قال: ((فهو منهم)).

إن الأصل في المسلم أنه عزيز ،ولابد أن يستشعر هذه العزة ،وأن لا يرضى لنفسه أن يتشبه بمن هو أقل منه مكانة وإن كان مسلماً ،وإن حصل شيء من هذا فإنه يدل على ضعف شخصيته ،واهتزاز رجولته ،وعدم الثقة بنفسه ،كما هو شأن بعض شباب المسلمون هداهم الله ،تجد أن هذا يحاول أن يقلد ويتشبه باللاعب الفلاني ،وآخر يقلد المغني الفلاني ،وثالث يقلد ويتشبه بالممثل الفلاني. كل هذا على فرض أنهم مسلمين فإن هذا لا يسوغ ،ويدل على الهزيمة النفسية.

أما التشبه بأعداء الدين فإن هذا أقبح وأقبح لماذا؟ لأن المسلم كما قلنا عزيز وهم أذلة. وإن وقع تقليد الأعداء والكفار والغرب ،فإن هذا يدل بلا شك على ضعف الإيمان في قلب المتشبه، واهتزاز عقيدته ،فتجده ينظر إلى الغرب نظرة إعجاب وإكبار والعياذ بالله، وهذه قضية عقدية خطيرة. وقد تؤدي إلى الردة عن دين الإسلام نعوذ بالله من الخذلان.

تبدأ بالتشبه بهم في لباسهم أو طريقة أكلهم ثم شيء من عاداتهم وتقاليدهم ،ثم أخذ وتقبل بعض أفكارهم وتصوراتهم ،ثم الدخول في دينهم.

إن المسلم عزيز ،وهذه العزة لابد أن تجعله لا ينظر لغير المسلمين نظرة إعجاب وإكبار.

استمع معي أخي المسلم إلى هذا الحديث الذي رواه الحاكم في مستدركه ،وتأمل فيه يتضح لك ما أقول: ذهب حكيم بن حزام إلى السوق يوماً فوجد فيها حُلة تباع ،وكانت حلة نفيسة جميلة ،فقال: حلة من هذه؟ قالوا: هذه حلة ذي يزن ملك اليمن ،فاشتراها حكيم رضي الله عنه بخمسين ديناراً ،ثم ذهب وأهداها لرسول صلى الله عليه وسلم، فلبسها رسول الله وصعد بها المنبر فما رُأي حلة أجمل منها وهي على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنزل عليه الصلاة والسلام وألبسها لأسامة بن زيد رضي الله عنه ،لأنه عليه الصلاة والسلام كان عازفاً عن الدنيا ،فلبسها أسامة وكان آنذاك فتاً صغيراً وكان رضي الله عنه دميم الخلقة ،وكان أبوه مولى ،فلبسها أسامة ونزل بها السوق ،فرآه حكيم ولم يكن قد أسلم بعد ،فقال له: حلة من هذه؟ فقال: حلة ذي يزن ملك اليمن ،فقال له حكيم: أو تلبس أنت حلة ملك اليمن؟ قال: نعم ،أنا خير من ذي يزن ،قال: نعم والله أنا خير من ذي يزن ،وأمي خير من أمه ،وأبي خير من أبيه.

فتأمل يا عبد الله ،شاب صغير من شباب المسلمين لديه الشعور بأنه خير من ملك اليمن ،لماذا؟ لأنه مسلم ،وذاك كان كافراً.

ونحن ومع كل أسف يفتخر الواحد منا لأنه قد قلد أو تشبه بفلان أو فلان من شخصيات تلك الأمم الكافرة.

اللهم أعزنا بطاعتك ولا تذلنا بمعصيتك.

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

إلى أعلى

إذا كانت لديك أية ملاحظات حول هذه الخطبة، إضغط هنا لإرسالها لنا.

كما نرجو كتابة رقم هذه الخطبة مع رسالتك ليتسنى لنا التدقيق وتصويب الأخطاء

 
 

 2004© مؤسسة المنبر الخيرية للمواقع الدعوية على شبكة الإنترنت، جميع الحقوق محفوظة

عدد الزوار حالياً