.

اليوم م الموافق ‏11/‏رجب/‏1446هـ

 
 

 

وصايا العام الدراسي الجديد

1324

العلم والدعوة والجهاد

العلم الشرعي

محمد بن محمد المختار الشنقيطي

المدينة المنورة

قباء

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

ملخص الخطبة

1-تذكير المعلمين والمعلمات بعظم الأمانة الملقاة على عواتقهم. 2-قدوة المعلمين . 3-توجيه أولياء أمور الطلاب لاحترام المعلمين. 4-دعوة الطلاب للإخلاص والتقوى.

الخطبة الأولى

أما بعد:

فيا عباد الله أوصيكم ونفسي بتقوى الله عز وجل.

عباد الله: في الغد القريب تفتح مدارس العلم أبوابها، ويقبل عليها طلابها وطالباتها فنسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يجعل هذا العام عاماً مباركاً، وأن يجعله عام عزة ونصرة للإسلام والمسلمين .

يا معشر المعلمين والمعلمات: والمربين والمربيات الفاضلات: يا من جعلكم الله مشاعل للنور والرحمة هاهم أبناء المسلمين وبناتهم قد أقبلوا عليكم محبين مجلين أقبلوا عليكم بكل شوق وحنين ينتظرون منكم علوماً نافعة، ينتظرون منكم الوصايا الجامعة لخيري الدنيا والآخرة، فخذوا بمجامع تلك القلوب إلى الله، ودلوها على محبة الله ومرضاة الله، واغرسوا فيها الإيمان والإحسان والعبودية لله ومن أحسن قولاً ممن دعا إلى الله وعمل صالحاً وقال إنني من المسلمين [فصلت:33].

يا مشاعل النور والرحمة: ما كان لله دام، وما كان لغير الله انقطع وانفصل، فأخلصوا -رحمكم الله- لله القول والعمل.

 قال الحسن البصري رحمه الله: لايزال الرجل بخير إذا قال: قال لله، واذا عمل: عمل لله، الإخلاص هو الهدى والنور، عاقبته الرضا والسرور، وجنات الفردوس والحبور، ما كان في قليل إلا كثره، ولا يسير إلا باركه، قال بعض السلف رحمهم الله: كم من عمل قليل كثرته النية .

فيا مشاعل النور والرحمة: أخلصوا لله ذي العزة والجلال، أخلصوا له في القول والفعال تنالوا رحمة في الدنيا وفي المال.

يا مشاعل النور والرحمة: رسالة العلم رسالة التعليم إئتساء واقتداء بأشرف الخلق سيدنا محمد ، كان خير المعلمين إمام المربيين والموجهين، كان خير المعلمين، قال معاوية وأرضاه: ((فبأبي وأمي ما رأيت معلماً كرسول الله ما كهرني ولا ضربني ولاشتمني))2، وقال أنس بن مالك وأرضاه: (ما لمست حريراً ولا ديباجاً ألين من كف رسول الله ، ولقد صحبته عشر سنين ما قال لي يوماً أف)3.

كان خير المعلمين، كان خير المربين، حينما كان حليماً رحيماً رفيقاً رقيقاً، ييسر ولايعسر، ويبشر ولا ينفر، كان خير المعلمين حينما كان طليق الوجه دائم البشر والسرور، قال جرير وأرضاه: (ما لقيت النبي إلا تبسم في وجهي)4.

أقبل أبناء المسلمين على المعلمين، وأقبلت البنات على المعلمات، حقوق وواجبات، أمانات ومسئوليات برأت من حملها الأرض والسموات، وأشفقت من عبئها الجبال الشم الشامخات الراسيات، حمل هذه الأمانات المعلم، حملتها المعلمة، حملها كل واحد منهما أمانة على ظهره ووضعها في رقبته وعنقه، لكي يرهن بها بين يدي الله ربه، فطوبى ثم طوبى للمخلصين والمجدين والمجتهدين والمثابرين الناصحين، ثم ويل وويل للمستهزئين والمستخفين والمضيعين وليحملن أثقالهم وأثقالاً مع أثقالهم وليُسألن يوم القيامة عما كانوا يفترون [العنكبوت:13].

يا معشر المعلمين والمعلمات والمربين والمربيات: انعقدت عليكم الآمال بعد الله ذي العزة والجلال، انعقدت عليكم في هداية الناس من الضلال، في تعليم الجاهل وتربية السفيه، سيأتيكم أقوام وفئام، يأتيكم الجاهل بجهله، والسفيه بسفهه، فاصبروا رحمكم الله وصابروا واغرسوا بأيديكم بذوراً قريباً يكون ثمارها، وقريباً يكون حصادها، اغرسوا بأيديكم العلوم النافعة، واغرسوا بأيديكم الأخلاق الجامعة لخيري الدنيا والآخرة.

التعليم رسالة عظيمة تقلدها الأنبياء، وورثها العلماء، وقام بها الأخيار والصلحاء، فطوبى لمن عرف حقها، وأدى حقها على الوجه المطلوب الذي يرضي الله جل جلاله.

يا معشر الآباء والآمهات: الله الله في حقوق المعلمين والمعلمات وحقوق الأبناء والبنات، اغرسوا في قلوب أبنائكم وبناتكم حب العلم والعلماء، اغرسوا في قلوب أبنائكم وبناتكم إجلال المعلمين والمعلمات وتوقيرهم وإحترامهم طلباً لمرضات الله سبحانه وتعالى، علموهم الأدب قبل أن يجلسوا في مجالس العلم والطلب.

هذه أم النبراس والقبس الإمام مالك بن أنس رحمة الله عليه وعليها، لما أرد أن يطلب العلم ألبسته أحسن الثياب ثم أدنته إليها، أدنته تلك المرأة الصالحة، ومسحت على رأسه، وقالت: يا بنيّ أذهب إلى مجالس ربيعة، وأجلس في مجلسه، وخذ من أدبه ووقاره وحشمته قبل أن تأخذ من علمه.

علمته قبل أن يجلس في مجلس الدرس والطلب.

وهذا رب العزة والجلال يخاطب حبيبه وكليمه موسى صلوات الله وسلامه عليه فيقول: اخلع نعليك إنك بالواد المقدس طوى وأنا اخترتك فاستمع لما يوحى إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني [طه:13-14].

علمه سبحانه الأدب: اخلع نعليك علمه أدب الحديث: فاستمع لما يوحى ثم أوحى إليه بالتوحيد والشريعة: إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني وأقم الصلاة لذكري.

الأدب ثم الأدب قبل أن يجلس الإنسان في مجالس العلم والطلب، يتعلم للعلم الوقار، يتعلم له الحشمة والقرار.

وينطلق الأبناء والبنات وقد غرس الآباء والأمهات في نفوسهم المعاني السامية معاني الإسلام الكريمة التي تدعوهم إلى احترام الكبير، وتوقير كل من أمر الله له بالتوقير .

يا معشر الآباء والأمهات: تضيع رسالة العلم إذا ضاعت حقوق المعلمين والمعلمات، إذا أصبح الآباء ولأمهات لايتابعون الأبناء والبنات، ولا يسألون عن أحوالهم، ولا يتفقدون حالهم.

تضيع رسالة العلم بضياع هذه الأمانة العظيمة فاشحذوا هممكم رحمكم الله واحتسبوا الأجر عند الله بالمتابعة والملاحظة والتوجيه للأبناء والبنات.

يا معشر الآباء والأمهات: أعينوا الأبناء والبنات على ماللعلم من مشاق ومتاعب.

 هذه أم سفيان الثوري رحمة الله عليه وعليها، يا لها من أم صالحة، توفي أبوه وكان صغير السن حدثا، فنشأ يتيماً لا أب له، ولكن الله رزقه أماً صالحة كانت عوضاً له عن أبيه، أم وأي أم هذه الأم الصالحة، لما توفي زوجها تفكر سفيان رحمه الله في حاله وحال إخوانه وحال أمه فأراد أن يطلب العيش والرزق، وينصرف عن طلب العلم، فقالت له تلك الأم الصالحة مقالة عظيمة مباركة قالت له: أي بني اطلب العلم أكفك بمغزلي، فانطلقت الأم تغزل صوفها وتكافح في حياتها حتى أصبح سفيان علماً من أعلام المسلمين، إماماً من أئمة الشريعة والدين.

وكل ذلك في ميزان حسنات هذه المرأة الصالحة أعظم الله ثوابها عن المسلمين.

يا معشر الآباء والأمهات: في الآباء آباء وأي آباء، وفي الأمهات أمهات وأي أمهات، فاحتسبوا الأجر عند الله عز وجل في القيام بحقوق الأبناء والبنات، وإسداء الخير إليهم.

تضيع رسالة العلم، وتقتل المعنويات، وتضيع الأمانات إذا استخف الآباء والأمهات بحقوق المعلمين والمعلمات، حينما ينطلق الأبناء والبنات إلى مقاعد الدراسة دون توجيه ولا إرشاد ولا تربية، يعبث هنا وهناك، ويلغوا كيف يشاء حتى تضيع طاقات وإمكانات بعبث العابثين وسخرية المستهزئين حتى إذا أوذي ابنه وقوم على السبيل أقام الدنيا وأقعدها، فانطلق ذلك الآب لكي يسب هذا ويشتم هذا ويستخف بالمعلمين ويهينهم أمام المدرسين، فأي معنوية ننتظرها إذا أهين المعلم أمام إخوانه من السفلة والرعاع، أصبح كثير من المعلمين لايستطيعون القيام بكثير من الواجبات والحقوق بسبب تفريط الآباء، كذلك المعلمات أضعن كثيراً من الأمانات والواجبات بسبب تدخل الأمهات وكثرة الشكاية هنا وهناك.

ألا فاتقوا الله رحمكم الله اتقوا الله في حقوق المعلمين عليكم، واتقوا الله في حقوق المعلمات عليكم فما جزاء الإحسان إلا الإحسان.

من منا الكامل؟ وأنت بين أبنائك وبناتك كم تظلم، وكم تؤذي، وكم تضرب، وكم تجاوز من حدود الله جل وعلا؟ ولكنك تنسى الإساءة في عظيم إحسانك إلى أبنائك، فكيف بهذا المعلم الذي أقام لابنك وعلمه وأدبه، ويريد الخير له، فاحتسبوا رحمكم الله في إكرام المعلمين والمعلمات:

                إن المعلم والطبيب كلاهما          لاينصحان إذا هما لم يكرما

                فاقنع بدائك إن جفوت طبيبها         واقنع بجهلك إن جفوت معلماً

 

أكرموا المعلمين والمعلمات، واغرسوا في قلوب الآبناء والبنات حبهم وتوقيرهم وإجلالهم والصبر على أذيتهم يكن لكم في ذلك خير كثير.

عباد الله تضيع رسالة التعليم إذا ضاعت حقوقه وواجباته، تضيع رسالة التعليم من المعلمين والمعلمات بالسهر إلى ساعات متأخرة بالليل مع الأصحاب والأحباب، فتضيع حقوق الطالبات والطلاب، ويأتي المعلم إلى درسه وقد خارت قواه.

وتأتي المعلمة وهي في غاية الكسل والخمول، الناس في ذرى العلياء وهم يجدون ويجتهدون، فكونوا عباد الله خيراً منهم، وارتقوا عن هذه الأمور التي تضيع بها الحقوق والواجبات.

اللهم إنا نسألك السداد والرشاد، ونسألك صلاح الحال في الدنيا والآخرة.



2  - أخرجه مسلم في كتاب المساجد/باب تحريم الكلام في الصلاة ( 5/20) بشرح النووي .

3  - أخرجه البخاري في كتاب المناقب/ باب صفة النبي صلى الله عليه وسلم (6/654) فتح، ومسلم في كتاب الفضائل باب رقم 51.

4  - أخرجه البخاري في كتاب مناقب الأنصار /باب ذكر جرير بن عبدالله البجلي (7/164) الفتح، ومسلم في كتاب فضائل الصحابة/ باب فضائل جرير بن عبدالله ( 16/35) بشرح النووي ، عن جرير .

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له، إله الأولين والآخرين، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله المصطفى الأمين، صلى الله عليه وسلم، وعلى آل بيته الطيبين والطاهرين، وعلى جميع أصحابه الغر الميامين، وعلى جميع من سار على نهجهم وسلك سبيلهم إلى يوم الدين.

أما بعد:

فأوصيكم ونفسي بتقوى الله عز وجل.

يا معشر الطلاب والطالبات: هاهي أيام العلم قد أقبلت فأقبلوا عليها بجد وإخلاص.

خير الوصية وأجمعها وأعظمها على الإطلاق وأشرفها: الوصية بتقوى الله عز وجل، وصى الله بها الأولين والآخرين، وذكّر بها الأنبياء والمرسلين، وحث عليها الأخيار والصالحين فقال في كتابه المبين: ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وإياكم أن اتقوا الله

اتقوا الله فإن الله يهدي بالتقوى من الضلالة، ويعلم بتقواه من الجهالة، ومن يتق الله يجعل له فرقاناً: ومن يتق الله يجعل له من أمره يسراً .

يا معشر الطلاب والطالبات: تذكروا حديث رسول الله : ((من تعلم العلم ليماري به السفهاء أو يجادل به العلماء فليتبوأ مقعده من النار)).

يا معشر الطلاب والطالبات: إذا سلكتم سبيل العلم فاذكروا قول رسول الله : ((من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة)).

أشرف العلوم وأزكاها وأحبها إلى الله جل وعلا علوم الدين، وأشرفها علم العقيدة والإيمان ثم علم الشرائع والأحكام، فجدوا واحتسبوا، ننتظر منكم خيراً كثيراً، وما ذلك على الله بعزيز: ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم.

إذا علم الله في قلبك أنك تريد أن تكون من أهل العلم الصلحاء، ومن الأخيار العلماء الأتقياء وفقك وسددك وألهمك ويسر لك الخير حيثما كنت.

كما نريد العلماء ونريد من يقوم بثغور الدين، فإننا كذلك نريد من يقوم بسد ثغور الدنيا، ننتظر العلوم على اختلافها مالم تعارض شريعة ربنا، ننتظر الطبيب بطبه، والمهندس بهندسته، وكل عالم ينفع الأمة بعلمه، ننتظر الخير الكثير، وهذه ثغور الإسلام نتنظركم يا شباب الإسلام فجدوا واجتهدوا، واعلموا أن الغايات والأهداف النبيلة لاتدرك بالمنام، ولا تطلب في الأحلام، ولكن تريد الجد والإجتهاد والكفاح والصبر والصلاح والإصلاح، فإذا أخذ الله بيد عبده وفقه وفتح له أبواب الخير ويسرها له.

أتقنوا يا معشر الطلاب والطالبات العلم ولا ترضوا بالقليل، واسموا إلى المعالي، وتخلقوا بالأخلاق الكريمة والفضائل، واجتنبوا سفاسف الأمور والرذائل.

إضاعة الحصص والمحاضرات في الضحك واللهو والفكاهات دمار لك أخي الشاب وإن كان يصنعه غيرك فاردعه، فإنه يؤذيك في مستقبلك، ويضيع عليك في تحصيلك، فتعاون رحمك الله للبلوغ إلى المصالح العظيمة، ودرء المفاسد الكثيرة.

ألا وصلوا وسلموا على خير خلق الله الرحمة المهداة والنعمة المسداة، فقد أمركم الله بذلك حيث يقول جل في علاه: إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((من صلى عليّ مرة صلى الله عليه بها عشراً)).

عباد الله إن الله يأمركم بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظم لعلكم تذكرون.

فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه وآلائه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

إلى أعلى

إذا كانت لديك أية ملاحظات حول هذه الخطبة، إضغط هنا لإرسالها لنا.

كما نرجو كتابة رقم هذه الخطبة مع رسالتك ليتسنى لنا التدقيق وتصويب الأخطاء

 
 

 2004© مؤسسة المنبر الخيرية للمواقع الدعوية على شبكة الإنترنت، جميع الحقوق محفوظة

عدد الزوار حالياً