أما بعد:
فأوصي نفسى وإياكم معاشر المسلمين بتقوى الله، فهي وصية الله للأولين والآخرين. قال تعالى: ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وإياكم أن اتقوا الله [النساء:131] .
إخوة الإيمان: وحديثي إليكم عن شئ من أحكام الحج وأخطاء الحجاج.
وأبدأ الحديث مذكراً بأهم أمر ينبغي أن يتذكره المسلم ويتمثله في كل عبادة لله – ومنها الحج – ألا وهو إخلاص العمل لله، والمتابعة لرسوله صلى الله عليه وسلم، وعبادة الله وفق ما شرع الله، فلا رياء ولا سمعة، ولا جهل، ولا إخلال بالسنة، أولئك هم الذين يرجون لقاء ربهم، وأولئك هم الذين يتقبل الله أعمالهم. قال تعال: فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً ولا يشرك بعبادة ربه أحداً [الكهف:110]. إنما يتقبل الله من المتقين [المائدة:27].
وحري بمن عزم على السفر على الحج أن يوصي أهله بتقوى الله، وأن يكتب وصيته، وماله وما عليه، وأن يبادر التوبة النصوح، ورد المظالم وقضاء الديون، لأنه لا يدرى ما يعرض له، كما أن عليه اختيار الرفقة الصالحة، ومعرفة أحكام السفر والحج.
فإذا وصل الميقات سن له أن يغسل ويتنظف، ويأخذ من شعره وأظافره ما يحتاج إلى أخذ، ليس هذا من خصائص الإحرام، ولكنه مطلوب عند الحاجة، وهو سنة، ولذا قال بعض أهل العلم، أما من كانت له أضيحة وعزم على الحج فإنه لا يأخذ من شعره وأظافره إذا أراد الإحرام، لأن هذا سنة، فيرجح جانب الترك المنهي عنه على جانب الأخذ المسنون، وهذا بخلاف التقصير أو الحلق للعمرة أو للحج فإن ذلك نسك فلا بد منه.
فإذا اغتسل، وتنظف، وتطيب في جسده – دون إحرامه – ولبس ثياب الإحرام استحب له أن يحرم عقيب صلاة مفروضة إن كانت، وإلا فيس للإحرام صلاة تخصه كما رجح ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية يرحمه الله.
واستحب له كذلك قبل الدخول في الإحرام أن يحمد الله، ويسبحه، ويكبره، لحديث أنس رضي الله عنه، وفيه: ((ثم ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى استوت به راحلته على البيداء، حمد الله، وسبح، وكبر، ثم أهل بحج وعمرة)).
وهذا من السنن التى قلّ من يتفطن لها، ولذا قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: (وهذا الحكم وهو استحباب التسبيح، وما ذكر معه قبل الإهلال قلّ من تعرض لذكره مع ثبوته).
ثم ينوي بقلبه الدخول في النسك الذي يريد، فإن كان قارناً قال: لبيك عمرة وحجاً، وإن كان متمتعاً قال: لبيك عمرة متمتعا بها إلى الحج، وإن كان مفرداً قال: لبيك حجة .
ومعنى التمتع أن يحرم بالعمرة ثم يفرغ منها، ثم يحرم بالحج في عامه، وعليه هدي كما أن عليه طوافاً وسعياً للعمرة، وطوافاً وسعياً آخر للحج، ولكثرة أعماله وأمر النبي صلى الله عليه وسلم به أصحابه، اعتبره عدد من العلماء أفضل أنواع النسك.
أما القران فمعناه أن يحرم بالحج والعمرة جميعاً، وعليه هدي كالمتمتع، وليس عليه إلا سعي واحد بين الصفا والمروة، فإن سعى مع طواف القدوم كفاه عن سعي الحج مع طواف الحج أيام التشريق، لأن هذا الطواف ركن في الحج لجميع الحجاج لا يبدأ إلا في يوم العيد.
أما الإفراد فهو أن يحرم بالحج وحده، وليس عليه هدي، أما في الطواف والسعي فهو مثل القارن ليس عليه إلا سعي واحد، أما الطواف فيلزمه طواف الحج في أيام التشويق، ولو طاف للقدوم.
ومن الأخطاء التى يقع فيها بعض الحجاح إعلانهم النية، كأن يقول: اللهم إني نويت الإحرام بالحج متمتعاً أو قارناً أو مفرداً، فهذا لا ينبغي لأن النية محلها القلب، والتلفظ بها بدعة، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: تنازع العلماء هل يستحب أن يتكلم بذلك، كما تنازعوا هل يستحب التلفظ بالنية في الصلاة؟ والصواب المقطوع به أنه لا يستحب شيء من ذلك، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يشرع للمسلمين شيئاً من ذلك، ولا كان يتكلم قبل التكبير بشيء من ألفاظ النية، لا هو ولا أصحابه .
وهذا التلفظ بالنية المنهي عنه غير رفع الصوت بالتلبية في النسك الذي يريد – كما تقدم – فهذا مطلوب، فيكتفي الحاج المتمتع بالقول لبيك عمرة متمتعا بها إلى الحج، والقارن: لبيك عمرة وحجاً، والمفرد: لبيك حجاً.
ويسن رفع الصوت بالتلبية للرجال، وتخفيها النساء، وهي من شعائر الحج، يقول النبي صلى الله عليه وسلم ((مامن ملب يلبي إلا لبى ما عن يمينه وعن شماله من شجر وحجر حتى تنقطع الأرض من هنا وهناك)).
قال عليه الصلاة والسلام: ((أمرني جبريل برفع الصوت في الإهلال فإنه من شعائر الحج)) .
فإذا وصل الحاج إلى البيت قدم رجله اليمنى، وقال ما ورد عند دخول المسجد، ثم قصد الحجر إن تيسر له ذلك دون مزاحمة، وإيذاء الآخرين، وقبله وإلا استلمه بيده اليمنى، فإن لم يتيسر له يبدأ الطواف قائلا: ( بسم الله، والله اكبر) اللهم إيمانا بك وتصديقا بكتابك ووفاء بعهدك واتباعا لسنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم.
ويكثر من الدعاء والذكر وتلاوة القرآن بقلب خاشع متأمل، وليس للطواف أدعية مخصوصة بكل شوط.
ومن أخطاء الحجاج أنهم يصطحبون معهم حال الطواف أدعية مكتوبة قد لا يفقهون معناها، بل ولا يحسنون نطقها، ولو أنهم دعوا بما عرفوا ويفقهون لكان أولى لهم وأحرى باستجابة دعائهم.
فإذا وصل إلى الركن اليماني استلمه من غير تقبيل إن تيسر، يقول بين الركنين: (ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار).
وكلما مر بالحجر الأسود كبر مرة واحدة، وأشار إليه بيده اليمنى إن لم يتيسر تقبيله ولا استلامه.
وهنا خطأ يقع فيه كثير من الحجاج وهم يقبلون أو يستلمون أنهم يتمسحون بجوانب من البيت أو المقام، يقول شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله: ولا يستلم من الأركان إلا الركنين اليمانيين دون الشاميين فإن النبي صلى الله عليه وسلم استلمهما لأنهما على قواعد ابراهيم، والآخران هما في داخل البيت .. وأما سائر جوانب البيت ومقام إبراهيم، وسائر ما في الارض من المساجد وحيطانها، ومقابر الأنبياء والصالحين كحجرة نبينا صلى الله عليه وسلم، ومغارة إبراهيم .. وصخرة بيت المقدس فلا تستلم ولا تقبل باتفاق الأئمة.
ويستحب في طواف القدوم الاضبطاع والرمل والاضطباع ان يجعل وسط ردائه تحت ابطه الايمن وطرفه على عاتقه الايسر، فيكون المنكب الايمن مكشوفا اظهارا للجلادة في مقام العبادة، ويظن البعض أن الاضبطاع من حيث يحرم إلى أن يخلع ثياب الإحرام، وإنما محله الطواف فقط، قال ابن عابدين: (والمسنون الاضطباع قبيل الطواف إلى انتهائه لاغير).
أما الرمل فهو إسراع المشي مع تقارب الخطا من غير وثب، وهو في الأشواط الثلاثة الأولى فقط إن تسير، فإذا فرغ من الطواف سوى رداءه وصلى ركعتي الطواف خلف المقام، أو في أي مكان من البيت إن لم يتيسر، يقرأ في الأولى (الكافرون) وفي الثانية (قل هو الله احد) ويرقى عليه، ويستقبل القبلة ويوحد الله ويكبره ويقول: لا اله الا الله وحده لا شريك وله الحمد يحيى ويميت وهو على كل شئ قدير، لا اله الا الله وشريك له، أنجز وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده – يكرر هذا ثلاث مرات، ويدعو بين ذلك رافعا يديه – كما ثبت ذلك من حديث جابر رضي الله عنه في صحيح مسلم رقم (1218).
وهذا الذكر والدعاء قلّ من يتمسك به مع ثبوته، ثم يسعى إلى المروة، ويسرع بين العلمين الأخضرين، ويدعو ويذكر الله بما شاء، أو يتلو القرآن، ومن الأدعية الثابتة في السعي عن ابن عمر وابن عباس رضي الله عنهما، ((رب اغفر وارحم إنك أنت الأعز الأكرم)).
وعلى الحاج أن يتذكر بشكل عام عظمة هذه المشاعر وهو يؤديها، فلا يتحرك جسمه، وقلبه سارح عن الهدف والحكمة منها، وفي السعي مثلا، قال أهل العلم في حكمته:
1 – أن يشعر الساعي بأن حاجته إلى الله وفقره إلى خالقه كحاجة وفقر أم إسماعيل عليه السلام في ذلك الوقت الضيق والكرب العظيم.
2 – وليتذكر أن من كان يطيع الله كإبراهيم عليه السلام، لا يضيعه، ولا يخيب دعاءه، وهذه حكمة بالغة ظاهرة دل عليها حديث صحيح ـ كما قال الشنقيطي رحمه اللهـ
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوف ولا جدال في الحج وما تفعلوا من خير يعلمه الله وتزودوا فإن خير الزاد التقوى واتقون يا أولي الألباب [البقرة:197].
|