أيها المؤمنون والمؤمنات وقد سبق الحديث عن مقدمات وروادع فاحشة الزنا، تلك التي يكفي أن الله قال في شأنها: ولا تقربوا الزنى إنه كان فاحشة وساء سبيلاً [الإسراء:32].
وعدها العلماء من أكبر الكبائر الثلاث: الكفر، ثم قتل النفس بغير الحق، ثم الزنا كما رتبها الله في قوله: والذين لا يدعون مع الله إلهاً آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاماًَ [الفرقان:68].
وفي الصحيحين من حديث عبد الله بن مسعود، رضي الله عنه، قال: ((قلت: يا رسول الله، أي الذنب أعظم؟ قال: أن تجعل لله ندا وهو خلقك، قلت: ثم أي؟ قال: أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك، قلت ثم أي؟ قال: أن تزني بحليلة جارك)).
قال شيخ الاسلام ابن تيمية: ولهذا الترتيب وجه معقول، وهو أن قوى الإنسان ثلاثة قوة العقل، وقوة الغضب، وقوة الشهوة.
هذه الفاحشة التي ترفضها الفطر و العقول السليمة يأنف منها غير الادميين من الحيوان والطير، فقد ذكر البخاري في صحيحه عن أبي رجاء العطاردي أنه رأى في الجاهلية قردا يزني بقردة فاجتمعت القرود عليه حتى رجمته.
وقال ابن تيمية: وحدثني بعض الشيوخ الصادقين أنه رأى نوعا من الطير قد باض، فأخذ الناس بيضه وجاؤوا ببيض جنس آخر من الطير، فلما انفقس البيض خرجت الفراخ من غير الجنس، فجعل الذكر يطلب جنسه حتى اجتمع منهن عدد، فما زالوا بالأنثى حتى قتلوها. قال الشيخ: ومثل هذا معروف في عادة البهائم .
أختاه في الله: ولعظم جرم الزنا كان النبي صلى الله عليه وسلم يبايع النساء على عدم مقارفته، كما يبايعهن على عدم الإشراك بالله تعالى: يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك على أن لا يشركن بالله شيئاً و لا يسرقن و لا يزنين [الممتحنة:12].
وكان العرب وهم مشركون يحرمون الفواحش، وربما قتل بعضهم البنات خشية العار، فنهى القران عن قتلهن بغير حق، ورتب العقوبة المناسبة للفاحشة، ولهذا استغربت هند بنت عتبة بن ربيعة، حين بايعها النبي صلى الله عليه وسلم، فكان فيما بايعها، على عدم الزنى.
و قالت: أو تزني الحرة؟ وكان الزنى معروفا عندهم في الإماء.
أيها المسلمون و المسلمات: وليس شئ يقع إلا وله أسباب، ومعرفتنا بالأسباب و العوامل المؤدية لفاحشة الزنى تضع أيدينا على الداء، والوقاية منها وسد الطرق الموصلة إليها يكمن فيها العلاج و الدواء، والعاقل من وعى هذه الأسباب، وأبعد نفسه عن مخاطرها، وتأمل طرق العلاج وألزم نفسه فيها.
وأول الأسباب المؤدية للزنى وأحراها ضعف الإيمان و اليقين، فإذا ضعف هذا العامل نسي المرء أو تناسى الوعد و الوعيد، وأمن العقوبة، وتباعد الفضيحة، وقل في حسه ميزان الرقابة، وانحسر ميزان الرقابة، وانحسر الخوف من الجليل، وقد سبق الحديث: ((لا يزني الزاني حين يزني، وهو مؤمن)) وفي الحديث الاخر ((من زنى خرج منه الإيمان، فإن تاب تاب الله عليه))، ومن صفات المؤمنين ـ كما جاء في القران الكريم ـ أنهم لا يزنون.
السبب الثاني: النظرة المحرمة، إذ هي سهم من سهام الشيطان، تنقل صاحبها إلى موارد الهلكة، وإن لم يقصدها في البداية ولهذا قال تعالى: قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهم ويحفظن فروجهن [النور:30-31].
وتأمل كيف ربط بين غض البصر و حفظ الفرج في الآيات، وكيف بدأ بالغض قبل حفظ الفرج لأن البصر رائد القلب، كما أن الحمى رائد الموت، كما قال الشاعر:
ألم تر أن العين للقلب رائد فما تألف العينان فالقلب إلف
وفي السنة بيان لما أجمله القران في أثر النظرة الحرام، ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة، رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إن الله كتب على ابن ادم حظه من الزنى أدرك ذلك لا محالة، فالعينان تزنيان، وزناهما النظر...الحديث))
فاتقوا زنا العينين، قال أهل العلم: لا يحل للرجل أن ينظر إلى المرأة ـ الأجنبية ـ ولا المرأة إلى الرجل ـ الأجنبي عنها ـ فإن علاقتها به كعلاقته بها، وقصدها منه كقصده منها.
إخوة الإيمان: وكم نظرة محرمة قادت إلى نظرات أخرى، وقادت النظرات إلى همسات، ثم مواعد فلقاء، ومعظم النار من مستصغر الشرر:
كم نظرة فتكت في قلب صاحبها فتـك السـهام بلا قـوس ولا وتر
والمرء مـا دام ذا عـين يقلبها في أعين الغيد موقوف على الخطر
يسـر مـقلته مـا ضر مهجته لا مـرحبا بسـرور جـاء بالضرر
قال الإمام القرطبي رحمه الله: ولقد كره الشعبي أن يديم الرجل النظر إلى ابنته أو أمه أو أخته، وزمانه خير من زماننا هذا، وحرام على الرجل النظر إلى ذات محرمه نظرة شهوة يرددها.
فاذا كان هذا في القرن السابع الهجرى فماذا لو رأى القرطبي زماننا نحن، وماذا عساه يقول عن كلام الشعبي؟ وإذا كان هذا في النظر إلى المحارم فكيف يكون الحال في النظر إلى الأجنبيات او إلى الصور الخليعة او المسلسلات الهابطة التى تختلط فيها النساء بالرجال؟
ومن الأسباب الداعية للزنا أيتها المرأة المسلمة: كثرة خروج المرأة وتبرج النساء، وتكسرهن في المشية، وإلانتهن القول، فهذه وتلك فواتح للشر تطمع الذي في قلبه مرض. وتفتن المستمسك إلا أن يعتصم بالله، وقد نهى الله نساء المؤمنين عن ذلك كله حماية لأعراضهن وصونا لغيرهن عن مواطن الريب، قال تعالى: وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى [الأحزاب:33].
ويقول تعالى مخاطبا نساء النبى صلى الله عليه وسلم - وغيرهن من باب أولى فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض وقلن قولاً معروفاً [الأحزاب:32].
إن مما يؤسف له أن تملأ نساء المسلمين الأسواق العامة، وأن تظهر المرأة بكامل زينتها، وأن ينزع الحياء منها فتخاطب الأجانب وكأنما هم من محارمها، وربما ساءت الأحوال فكانت الممازحة والمداعبة، وتلك وربي من قواصم الظهر ومن أسباب إشاعة الفاحشة في الذين آمنوا.
إذا كانت هذا منطق الإسلام وهدي سيد الأنام فما بال أقوام يتعللون بالثقة أحيانا ويتذرعون بالحاجة أحياناً أخرى، والثقة شئ وسد الذرائع الموصلة إلى الحرام شيء آخر، والمعرفة المجردة بالأحكام شيء، والانصياع والتطبيق والرضا والتسليم لشرع الله شيء آخر: وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لـهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالاً مبيناً [الأحزاب:36].
أمة الإسلام: ومن أعظم دواعي الفاحشة استقدام الخدم والسائقين تلك المصيبة التى عمت وطمت، وامتلأت بها البيوت لحاجة ولغير حاجة، واعتاد الرجال على الدخول مع النساء المستخدمات وكأنهن من ذوات المحارم وربما تطور الأمر عند الآخرين فجعلها تستقبل الزائرين وتقدم الخدمة للآخرين؟
وليس أقل من ذلك إتاحة الفرصة للسائقين الأجانب بدخول البيوت دون رقيب، إن أحداث الزمن وواقع الناس يشهد بكثير من الجرائم والفواحش من وراء استقدام السائقين والخدم، ولكن التقليد الأبله، والثقة العمياء ربما حجبت الرؤية عند قوم وأصمت آذان آخرين.
اتقوا الله معاشر الرجال في قوامتكم ومسؤوليتكم، واتقين الله معاشر النساء في رعايتكن للبيوت ولا تطلبون من الأزواج ما خالف الشرع أو كان سببا للفحش، ومن يتق الله يجعل الله مخرجاً.
|