لقد دعا ربنا عباده إلى بيته الحرام، ليعطيهم ويكرمهم أعظم العطاء والكرم، وحق على المزور أن يكرم زواره وضيوفه.
فأجاب هذا النداء المهتدون السعداء أبى المعتدون الأشقياء، وآثروا القعود والبقاء، لكن لا جناح على أهل الأعذار، بل هم بمنزلة من حج وزار، وإن كانوا حبيسي الديار.
قال الله تعالى: وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالاً وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام.
أمر الله تعالى إبراهيم عليه السلام أن ينادي في الناس بالحج ويدعوهم إليه.
فاستجاب المؤمنون الموحدون المخلصون الراغبون فيما عند الله وأقبلوا إلى بيت الله الحرام معبرين عن استجابتهم وإخلاصهم ولزومهم لطاعة الله بقولهم: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك.
انطلقوا إلى بيت الله مشاةً وراكبين من كل طريق بعيد، من كل الجهات والأقطار، فارقوا الأوطان والديار، وتركوا الشهوات والأوطار، وأنفقوا الدرهم والدينار، رجاء المغفرة والعتق من النار.
واعلموا عباد الله أن من لم يجب هذا النداء مع استطاعته – تهاوناً وتكاسلاً – فقد أتى ذنباً عظيما وأصاب جرماً كبيراً. ناهيك بمن تركه جحوداً وإنكاراً.
قال الله تعالى: ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً ومن كفر فإن الله غني عن العالمين.
وقال عمر : (من أطاق الحج فلم يحج، فسواء عليه مات يهوديا أو نصرانياً).
ولا يجوز لمن استطاع الحج أن يزجّل، بل عليه أن يتعجل، فقد يجيئه بغتة الأجل.
قال النبي : ((من أراد الحج فليتعجل، فإنه قد يمرض المريض، وتضل الضالة، وتحرض الحاجة)).
وقال كذلك: ((تعجّلوا إلى الحج، فإن أحدكم لا يدري ما يعرض له)).
وقال أيضا: ((التؤدة في كل شيء إلا في عمل الآخرة)).
فيا من يسر الله عليه وأمده بالصحة والأموال اعجّل إلى الحج وبادر، واسع في الخير وثابر، قبل زيارة المقابر، فكأني بك قد سبق المجدّون وفازوا وأنت متأخر خاسر.
ولكن لا يتعجل إلى الحج إلا المؤمن الذي يريد مغفرة الله ورضاه، الذي استجاب لله تعالى وللرسول في المنشط والمكره، وفي الشدة والرخاء، ولم يكن عبداً للشهوات والأهواء.
فمن ترك صلاة الجماعة مثلا وهو يعلم وجوبها فإنه قطعاً لا يرغب في الحج.
إنه لم يجب النداء بالصلاة المكتوبة، حي على الصلاة، حي على الفلاح، مع اليسر والسهولة، فكيف يجيب النداء بالحج مع ما فيه من جهدٍ ومشاق، وبذلٍ وإنفاق، وبعد وفراق.
وإذا حج مع ذلك فاعلم أنه لم يرد بحجه وجه الله، وإنما أراد حظوظ النفس من تجارة وجاه، فليس له حينئذ من حجه إلا ما نال من حظوظه، وهذا في كل العبادات فإن الله تعالى لا يقبل من الطاعات إلا ما كان خالصاً له سبحانه.
فكم من واصلٍ إلى بيت الله وقلبه منقطع من رب البيت، فالعبرة بسفر القلب إلى الرب، وأما أن يسافر بالبدن والقلب حبيس الشهوات فهذا بعدٌ وضلال وخسران.
واعلم أخي المسلم أنك إن أجبت هذا النداء والدعاء بالحج فإن الله تعالى يجيب دعاءك ونداءك ويقضي حاجتك ويكشف كربتك.
قال النبي : ((الحجّاج والعمّار وفد الله دعاءهم فأجابوه، وسألوه فأعطاهم)) فاستجب لله إن أردت إن أردت أن يستجيب لك، وإن أعرضت عنه سبحانه وتعالى أعرض عنك، وتخلّى عنك، وتركك فريسة الشيطان والنفس الأمارة بالسوء، وحبيس الشهوات والوساوس، ومصب المصائب والمحن.
قال الله تعالى: وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون.
|