أيها الناس:
إن في المشاهدة والمعاينة لعبرة لمعتبرين، وذكرى للذاكرين، إن مشاهدة ومعاينة آيات الله الكونية العظيمة المخيفة لتغني عن وعظ الواعظين وتذكير المذكرين، ونصح الناصحين، إنها لأكبر زاجر، وأبلغ واعظ، وأفصح ناصح.
إن هذه الآيات الكونية العظيمة المهيلة رسول من رب العالمين، يحذّر الناس من غضب الله تعالى، وينذرهم بسخطه، إنها تنبيء بغضب الرب، وتنادي بسخطه، نسأل الله السلامة والعافية.
إن هذه الزلازل المخيفة التي تصيب بلادنا وديارنا من حين لآخر في هذه السنوات الأخيرة لتدعو كل مؤمن صادق في إيمانه أن يقف وقفة طويلة، يحاسب فيها نفسه، ويراجع فيها أعماله، ويدقق فيها النظر فيما بينه وبين الله تعالى، وفي الذين بينه وبين عباد الله تعالى.
ولا تحسبوا – يا عباد الله – أن هذه الفتن والزلازل، وهذه البلابل والقلاقل، لا تحسبوا أنها تقع سدى، ولا تظنوا أنها ظواهر طبيعية عاديّة كما يقوله المغفّلون المغرورون المخدوعون الذين لُبّس عليهم بظاهر من العلوم وهم عن الآخرة غافلون، الذين أمنوا مكر الله، وزعموا رضاه، ألم يسمعوا إلى قول الجبّار عز وجل: أفأمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا بياتاً وهم نائمون أوأمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا ضحى وهم يلعبون أفأمنوا مكر الله فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون، أولم يسمعوا إلى قوله سبحانه: أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض فإذا هي تمور أم أمنتم من في السماء أن يرسل عليكم حاصباً فستعلمون كيف نذير ولقد كذب الذين من قبلهم فكيف كان نكير .
فلؤلئك الذين لُبّس عليهم وغرّر بهم نقول: اتقوا الله تعالى حق التقوى، اتقوا الله وأسلموا له. ولا تنصبوا العداء والحرب بينكم وبين الله عز وجل.
فإن الله سبحانه عزيز ذو انتقام.
إنه سبحانه قوي عزيز.
إنه سبحانه فعال لما يريد، وهو على كل شيء قدير.
إنه سبحانه شديد المحال.
إنه لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم.
إنه هو الرزاق ذو القوة المتين.
إنه سبحانه وتعالى: أهلك عادا الأولى وثمود فما أبقى وقوم نوح من قبل إنهم كانوا هم أظلم وأطغى والمؤتفكة أهوى فغشاها ما غشّى فبأي آلاء ربك تتمارى.
هذا هو ربكم وإلهكم الذي تريدون أن تناصبوه العداء، وهو سبحانه أرحم بكم من الأم بولدها، فكم من حكمة منه لم تعها قلوبكم؟ وكم من موعظة منه عميت عنها أعينكم وصمّت آذانكم؟ وكم من نعمة منه لم تشكرها ألسنتكم ولا أفئدتكم؟ ألا فاعلموا أن الله لن يؤخّر عنكم العقوبة والعذاب، وقد عجِلتم إليه بالذنوب والمعاصي، أم تظنّون أن لكم براءةً في الزبر.
كيف يرضى الله على قوم جاهروا بالسوء والفجور، وتفاخروا بشرب المسكرات والخمور، وتنافسوا في التبرّج والسفور، والصادق المصدوق يقول: ((إن أمتي يشربون الخمر في آخر الزمان، يسمونها بغير اسمها، يعزف على رؤوسهم بالمعازف، والمغنيات، يخسف الله بهم الأرض، ويجعل منهم القردة والخنازير))، وقال عليه الصلاة والسلام: ((ليكونن في هذه الأمة خسف وقذف ومسخ، وذلك إذا شربوا الخمور، واتخذوا القينات، وضربوا بالمعازف)).
كيف يرضى الله على قوم تركوا سنّة نبيه، وسنة أمهات المؤمنين، واتبعوا سنن أعداء الدين، من اليهود والنصارى والمشركين، اتبعوها ذراعاً بذراع، وشبراً بشبر، وحذو القذة بالقذة، حتى وجد في شباب المسلمين اليوم من يوفّر لحيته على صورة معيّنة، لا لأمر، إلا لأن فلاناً من المغنين أو الممثلين أو اللاعبين ممن لا خلاق لهم في الآخرة وفّرها على ذلك الشكل، فيا للهوان ويا للانهزام.
كيف يرضى الله على قوم إذا ذكرت الخرافات البالية قالوا: هذه ثقافة شعبنا، وإذا ذكرت العادات الفاسدة قالوا: هذه تقاليد مجتمعنا، وإذا ذكرت الأفكار الوافدة قالوا: هذه تحضّر وتقدّم أسيادنا، يعظمون التقاليد وإن كانت شركاً، والعادات وإن كانت فسقاً، وما عليه الكفار وإن كان جهلا وسخفاً.
وأما إذا تعلّق الأمر بالشعائر الدينية الشرعية، والسنن النبوية السنية، سلّوا سيوف الجدال واللجاج، وأطلقوا الألسنة الحداد، فقالوا: دعونا من التشدد والتنطح، وذرونا نساير ركب التقدّم والتحضّر، فإنا لله وإنا إليه راجعون، إنا لله وإنا إليه راجعون، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
|