أما بعد:
أيها المؤمنون:
أوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى في كل وقت وحين، واسألوه العون على الطاعة والاستقامة، والتمسك بالدين، فإنه سبحانه هو المعين.
أيها الأحبة في الله، نعلم جميعاً أن الخلق الكريم هو الهدف الأساسي لرسالة الإسلام، لما يعبر عنه الرسول في حديثه: ((إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق)) [رواه أحمد وغيره].
وكما تؤكده الآيات الكثيرة منها قوله تعالى: ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين وآتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب وأقام الصلاة وأتى الزكاة والموفون بعهدهم إذا عاهدوا والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون.
واعلم أخ الإيمان: إن الخلق الكريم هو دليل الإيمان وثمرته، ولا قيمة للإيمان من غير خلق، وإلى هذا المعنى يشير النبي بقوله: ((ليس الإيمان بالتمني، ولكن ما وقر في القلب وصدقه العمل))؟.
وسئل الرسول ما الدين قال: ((حسن الخلق)) وسئل ما الشؤم قال: ((سوء الخلق)).
وحسن الخلق أثقل ما في ميزان العبد يوم القيامة، فمن فسد خلقه وساء عمله لم يسرع به نسبه قال : ((ما من شيء أثقل في ميزان العبد يوم القيامة من حسن الخلق)).
والخلق الكريم هو محصلة العبادات في الإسلام، وبدونه تبقى طقوس وحركات لا قيمة لها ولا فائدة فقد ورد في الصلاة مثلاً قوله تعالى: إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر وقوله : ((من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر لم يزدد من الله إلا بعداً)).
لذا أخي المؤمن: هذه بعض الصفات الأخلاقية التي ينبغي أن يتمتع بها الإنسان ليكون مسلماً في أخلاقه:
1- التورع من الشبهات: أن يتورع عن الحرام ويحتاط من الشبهات لقوله : ((الحلال بيّن، والحرام بيّن، وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام كالراعي..)) [متفق عليه].
2- غض البصر: إن يغض بصره عن محارم الله، فإن النظر يورث الشهوة، ويستدرج صاحبه للوقوع في الإثم والعصيان.
قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم.
3- صون اللسان: من فضول الكلام وفحشاء الحديث وعن عموم اللغو والغيبة والنميمة. وقد وردت أحاديث كثيرة عن الرسول في هذا الباب منها: ((وهل يكب الناس في النار على وجوههم إلا حصائد ألسنتهم)).
4- الحلم والصبر: إن من أبرز الصفات التي يجب أن تتوفر في المسلم صفة الصبر والحلم، فالعمل للإسلام يمتلئ بالمكاره وطريق الدعوة محفوف بالمصاعب، فالايذاء والاتهام والتعيير والسخرية كلها من العقبات التي تثبط همم المؤمنين.
لهذا وجب على المسلم أن يصبر على العالم، والجاهل، والعاقل، والمنفعل، وهذا بحاجة إلى الصبر والحلم.
ولذا يقول سبحانه: ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور [الشورى:43].
يقول: إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب.
ويقول: وليعفو وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم. وقوله: وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاماً.
وقال : ((إن العبد ليدرك بالحلم درجة الصائم القائم)).
وقال : ((ألا أنبئكم بما يشرّف الله به البنيان ويرفع به الدرجات قالوا: نعم يا رسول الله، قال: تحلم على من جهل عليك، وتعفوا عمن ظلمك، وتعطى من حرمك، وتصل من قطعك)).
قال : ((إذا جمع الله الخلائق نادى مناد أين أهل الفضل. قال: فيقوم ناس وهم يسير فينطلقون سراعاً إلى الجنة، فتتلقاهم الملائكة فيقولون: وما فضلكم؟ فيقولون: كنا إذا ظلمنا صبرنا، وإذا أسيء إلينا حلمنا، فيقال لهم: ادخلوا الجنة فنعم أجر العاملين)).
فاللهم اجعلنا من أهل الفضل يا رب العالمين.
اللهم اجعلنا من اللذين يتحلون بالصبر والحلم.
آمين والحمد لله رب العالمين.
|