دخل رسول الله ذات يوم على عائشة رضي الله عنها وقد تغير وجهه، فعرفت عائشة أنه قد حضره أمر قد أهمه، قالت: فقام رسول فتوضأ ولم يكلم أحدا حتى صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه وقال: ((أيها الناس إن الله يقول مروا بالمعروف وانهوا عن المنكر قبل أن تدعوا فلا أجيب لكم، وتسألوني فلا أعطيكم، وتستنصروني فلا أنصركم)) فما زاد عليهن حتى نزل. [أخرجه ابن ماجه].
يالله، ويا للعجب أو حقا يدعو الناس فلا يستجيب الله لهم، وهو القائل: ورحمتي وسعت كل شيء وهو القائل: وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداعي إذا دعان.
نعم، إذا تركوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر !؟ إنها ورب الكعبة حقيقة ترتجف لها النفوس فرقا، وتقشعر الوجدان منها رعبا.
ماذا يبقى للناس إذن ؟؟ ماذا يبقى لهم إذا أوصدت من دونهم رحمات الله؟ ولمن يلجئون وقد أوصد الباب الأكبر الذي توصد بعده جميع الأبواب، فهل كتب الله ذلك الأمر المهول على عباده المسلمين؟
نعم، حين يكفون عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولو بأضعف الإيمان ..حين ينام الناس عن هذا الواجب المقدس، وحينما يتواكلون، فالشر يغري، والشر يهيج، والشر يسيطر على الحياة، وقد جرت سنة الله بذلك، فالمـتأمل في تاريخ الأمة يجد أن أي أمة حية متيقظة، ترقب شئونها بنفسها، وتحرص على أداء الواجب، وتنفر من التقصير فهي الأمة الناجحة، وهي التي تملك السلطان. وهذا مصداق لقول الله تعالى: ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز الذين إن مكنهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور.
وأيما أمة تراخت وأهملت، وتركت الباطل يسيطر على شئون الناس فلم تغير عليه، وتركت الحق يذوي ويستذل ،فلم تنصره فهي الأمة الفاشلة، وهي الأمة التي حل بها الدمار. قال : ((والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر، أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقابا منه، فتدعونه فلا يستجيب لكم)).
وقوة المجتمع وضعفه رهين بهذا وذاك .قال سفيان رحمه الله: (إذا أمرت بالمعروف شددت ظهر المؤمن، إذا نهيت عن المنكر أرغمت أنف المنافق).
فالمجتمع الذي يتناصح الناس فيه بالخير ويتناهون عن المنكر هو المجتمع المترابط المتساند القوي، الذي يتقدم إلى الأمام حثيثا، وينتقل من خير إلى خير، بحكم تضافر الطاقات ويوجهها إلى الإصلاح، ولو سألنا التاريخ وقلبنا صفحاته لوجدنا أن الجيل الفريد قاموا بهذا الأمر خير قيام، فقد كانت الأمة في عهد استقامتها وتمسكها بالسنن، لا تطيق أن ترى بين أظهرها عاصيا ولا معصية، فإذا رأت شيئا من ذلك ثارت عليه ثورة الأسد، ولا تهدأ إلا إذا أذاقت المجرم ما يليق به وما يستحق على قدر جريمته، تفعل ذلك غَيرة على دينها، وطلبا لمرضاة ربها، فالمجرمون إذا رأوا ذلك كفوا إجرامهم، وبالغوا في التستر إذا أرادوا تلويث أنفسهم بما يرتكبون، وإذا لم تستقم الأمة، ولم تراع سنن دينها ضعفت غيرتها، أو انعدمت كلياً في نفوسها، إذ لو شاهدت ما شاهدت من المعاصي والمنكرات إما أن يتحرك بعض أفرادها حركة ضعيفة على استحياء لا يخاف معها العاصي ولا ينـزجر عن معصيته، أو أن الجميع يتفقون على الإغماض عن ذلك العاصي، فيفعل ما يشاء بدون خوف ولا وجل.
أيها الأخوة: إن المجتمع الذي يأتي المنكر فيه كل إنسان على مزاجه،ويتركه الآخرون لما يفعل هو المجتمع المفكك المنحل الذي يمضي إلى الوراء حتما،وينتقل من ضعف إلى ضعف بحكم تبدد الطاقات وانصرافها إلى الشر.
ولا يضعف هذا الركن العظيم إلا حين تستولي على القلوب مداهنة الخلق وتضعف مراقبة الخالق، وتسترسل الناس في الهوى، وينقادون للشهوات، قال عليه الصلاة والسلام: ((ما من قوم يعمل فيهم بالمعاصي ثم يقدرون على أن يغيروا ثم لا يغيروا إلا يوشك أن يعمهم الله منه بعقاب)).
أيها المسلمون: إن الحصن الحصين والسياج المنيع للأمة هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، به تحفظ معالم الدين وتصان حرمات المسلمين، إنه مجاهدة دائمة يقوم بها كل مسلم، يستفرغ وسعه وجهده في ذلك، لا أن يكون السعي جهودا مبعثرة في ساعات متفرقة حسب هوى النفس ورغبتها، ولكنه مجاهدة دائمة من أجل بقاء أعلام الدين ظاهرة، والمنكرات مدحورة.
قال الإمام الغزالي رحمه الله: (إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو القطب الأعظم في الدين، وهو المهمة الذي ابتعث الله له النبيين أجمعين)، وقال ابن حزم: (اتفقت الأمة كلها على وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بلا خلاف من أحد منها)، وقد اعتبره فاروق هذه الأمة شرطاً رئيسياً في الانتماء إلى صفوف هذه الأمة، فقد قرأ قوله تعالى: كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ثم قال: (أيها الناس من سره أن يكون من تلك الأمة فليؤد شرط الله فيها).
بارك الله لي ولكم. . .
|