أعلن أحد أثرياء أمريكا وهو روكفلر عن تبرعه بمبلغ عشرة ملايين دولار لإنشاء متحف للآثار الفرعونية، يلحق به معهد لتخريج المتخصصين في هذا الفن!!
عشرة ملايين دولار ينفقها هذا الرجل الغربي على إحياء الآثار الفرعونية في بلاد الإسلام ـ في مصر ـ فما السر في ذلك؟ ما السر في الاهتمام الشديد من قبل الغرب بإحياء التراث القديم ـ وخاصة منها ما كان قبل الإسلام ـ!؟
ما السر في إثارة مثل هذه الأمور بين شعوب العالم الإسلامي وإعطاء تلك الأشياء الهالة العظيمة! والصورة الضخمة!؟
هل كان ذلك نابعا عن عفوية وحسن نية؟ أم كان نابعا عن محبة لما ينفع الأمة ويغير مسارها لما ينفعها!؟
بالطبع لا! كيف يكون عن حسن نية والله يقول: وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ [البقرة:120].
كيف يكون عن عفوية والله يقول: كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لَا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً يُرْضُونَكُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ [التوبة:8].
كيف يكون عن محبة والله يقول: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتْ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمْ الْآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ [آل عمران:118].
إن إثارتهم لمثل هذه الاهتمامات بين شعوب العالم الإسلامي كان الهدف منه إقصاء الإسلام من واقع الناس صرف الناس عن موروثهم الحقيقي وتاريخهم المجيد ..تفريغ القلوب من موروث الأنبياء والأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما إنما ورثوا هذا الدين ..إنهم يريدون إشغال الأمة عن دينها الذي خلقت من أجله، ووجدت لتقوم به ،إنهم يريدون سلب الأمة شرفها المجيد الذي شرفها الله به حسدا من عند أنفسهم وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ [البقرة:143].
إنهم يردون تفريغ القضية، أي قضية بوجه عام من المحتوى الإسلامي، وإحلال أفكار أخرى وعقيدة أخرى محل عقيدته، إنهم يريدون من الأمة أن تقطع صلتها بدينها؛ وتنتسب إلى هذه الآثار، فالمصري ينتسب إلى الفراعنة، والتركي يتيه إعجابا بتركيته ويحاول أن يصل نسبه بهولاكو وجنكيز.. وهكذا!
إن الدول الغربية شجعت على ظهور مثل هذا الاهتمام ..لتحقيق مطامعها في الشرق الإسلامي هاهو أحدهم يقول: (من أهم مظاهر فرنجة العالم الإسلامي تنمية الاهتمام ببعث الحضارات القديمة التي ازدهرت في البلاد المختلفة التي يشغلها المسلمون الآن، فمثل هذا الاهتمام موجود في تركيا ومصر وأندنيسيا والعراق وفارس، وقد تكون أهميته محصورة الآن في تقوية شعور العداء لأوربا، ولكن من الممكن أن يلعب في المستقبل دورا مهما في تقوية الوطنية الشعوبية وتدعيم مقوماتها).
ويا حسرة على العباد ،هاهم أبناء جلدتنا وممن يتكلمون بألسنتنا من العلمانيين والحداثيين ومرضى القلوب جعلوا أكبر همهم التعلق بموروثات الآباء والأجداد.. وموروثات الأجداد هل هي الأعمال المجيدة؟ كلا! هل هي الأخلاق الحميدة؟ كلا! هل هو جهادهم الصالح قولا وعملا، ودعوة وصبرا؟ كلا!
بل إن موروث الأجداد الذي يعنونه ويقصدونه هو موروث الجاهلية الأولى، فتراهم يحيون أسواق الجاهلية..وشعراء الجاهلية وأشخاص الجاهلية وهيئات الجاهلية ومعارك الجاهلية، فقد أصبحت على ألسنة الحداثيين أمثال هذه الجاهليات هي الموروثات الشعبية القيمة! وجعلوا من الموروثات الشعبية ما ورثناه قريبا عن أجدادنا وآبائنا الذي هو من قبيل العادات، وتعلقوا بالأشياء كما يحدث الآن من الاهتمام بالمورثات الشعبي، حتى صار عيدا سنويا يضاهي العيد الشرعي أو يكاد يكون!
بم يحتفلون؟ ما المناسبة؟ من شرعه؟
وحتى تعلم أخي المبارك أننا لا نتكلم من فراغ، بل من واقع ملموس فهذا الشاعر أحمد شوقي ـ الذي يحوى ديوانه عددا من القصائد الإسلامية ـ قال قصيدة يمجد فيها الفراعنة وقد أهدى هذه القصيدة إلى المستشرق مرجو ليوث ـ أستاذ اللغة العربية، وقال شوقي في مقدمة الإهداء له: (نظمتها تغنيا بمحاسن الماضي، وتقييدا لآثار الأباء، وقضاء لحق النيل الأسعد الأمجد، ونسبتها إليك عرفانا لفضلك على لغة العرب، وما أنفقت من شباب وكهولة في إحياء علومها ونشر آدابها) وهذا آخر يطالب في جريدة الندوة ويقول: (هذه المدينة المقدسة بها آثار كثيرة تستحق الذكرى، ونحن العرب لم نهتم بهذه الآثار بينما نشاهد معالم باريس، ولندن بها من الآثار ما يجعل شعوبها تخلد هذه الذكرى، فمالنا نحن المسلمين العرب لا نهتم بآثار العصور الماضية).
يردون أن نقدس كل شيء عن الآباء والأجداد إلا السنة والشرع القويم!
يريدون أن نقدس كل شيء عن الآباء والأجداد إلا الدين والحق!
يردون أن نقدس كل شيء عن الآباء والأجداد إلا الجهاد والخير والفضيلة!
قال العلامة ابن باز: (إن تعظيم الآثار لا يكون بالأبنية والكتابات والتأسي بالكفرة، وإنما تعظيم الآثار يكون باتباع أهلها في أعمالهم المجيدة، وأخلاقهم الحميدة، وجهادهم قولا وعملا، ودعوة وصبرا، هكذا كان السلف الصالح يعظمون آثار سلفهم الصالحين، وأما تعظيم الآثار والأبنية والزخارف والكتابة ونحو ذلك فهو خلاف هدي السلف الصالح، وإنما ذلك سنة اليهود والنصارى ومن تشبه بهم، وهو من أعظم وسائل الشرك، وعبادة الأنبياء والأولياء كما يشهد به الواقع)، وقال الشيخ صالح الفوزان: (ومن دسائس هذه المنظمات الكفرية دعوتها إلى إحياء الآثار القديمة والفنون الشعبية المندثرة حتى يُشغلوا المسلمين عن العمل المثمر بإحياء الحضارات القديمة والعودة إلى الوراء وتجاهل حضارة الإسلام.
وإلا فما فائدة المسلمين من البحث عن أطلال الديار البائدة! والرسوم البالية الدارسة! وما فائدة المسلمين من إحياء عادات وتقاليد أو العاب قد فنيت وبادت! في وقت هم في أمس الحاجة إلى العمل الجاد المثمر، وقد أحاط بهم أعداؤهم من كل جانب واحتلوا كثيرا من بلادهم وبعض مقدساتهم! إنهم في مثل هذه الظروف بحاجة إلى العودة إلى دينهم و إحياء سنة نبيهم والاقتداء بسلفهم الصالح حتى يعود لهم عزهم وسلطانهم،وحتى يستطيعوا الوقوف على أقدامهم لرد أعدائهم، وأن يعتزوا برصيدهم العلمي من الكتاب والسنة والفقه، ويستمدوا من ذلك خطة سيرهم في الحياة، ويقرؤوا تاريخ أسلافهم لأخذ القدوة الصالحة من سيرهم، أما أن ينشغلوا بالبحث عن آثار الديار، وإحياء الفنون الشعبية بالأغاني والأسمار، وإقامة مشاهد تحاكي العادات القديمة، فكل ذلك مما لا جدوى فيه، وإنما هو استهلاك للوقت والمال في غير طائل، بل ربما يعود بهم إلى الوثنية، والعوائد الجاهلية ).
فاتقوا الله أيها المسلمون واعملوا ما فيه صلاح لكم ولأمتكم تفلحوا دنيا وأخرى وَقُلْ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ [التوبة:105].
بارك الله لي. . .
|