أيها الإخوة والأخوات في الإسلام: أوصيكم ونفسي بتقوى الله وطاعته والعمل على مرضاته, واعلموا رحمني الله وإياكم أن الله سبحانه وتعالى فرض على المسلمين أن يحملوا مواريث النبوة وأن يضطلعوا بأعباء الرسالة ويقودوا الناس إلى الله، ويوجهوهم وجهة الحق والخير, فتعلوا بذلك إنسانيتهم وتسموا مواهبهم ويحققوا معاني الهدى والرشاد وبهذا كانت هذه الأمة خير الأمم كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله.
إن أمة هذا شأنها وحالها تنال من رحمة الله ما يجمع شملها ويصلح ذات بينها ويقيها السوء ويدفع عنها المفاسد والشرور والمصائب, ويظلها في ظله الذي لايشقى من استظل به، والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله.
أيها المسلمون: إن الأمة إذا قامت بهذا الأمر الجليل تسلم من النقص والخسران, وتسير إلى غايتها الكبرى من العلم النافع والعمل الصالح والتوجيه الحق والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر ومن ثم يكون لها النصر والتمكين في الأرض وتقوم بالخلافة فوق هذه الأرض بالإصلاح على أحسن وجه وكما أراد الله سبحانه وتعالى: ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور.
أيها الأحبة في الله: إذا كان لفريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الآثار البعيدة في حياة الأمة فإن لإهمالها وتركها والاستهانة بها آثار عكسية في حياة الأمة من الاستخفاف بالدين والتنكر للعقيدة والاستهتار بالأخلاق والخروج عن الصراط المستقيم وانتشار الفساد والشر ثم التخلص من كل القيود الأدبية والأخلاقية التي ترقى بالمجتمع وتنهض به الشيء الذي يعرض الأمة للعقاب الصارم من الله تعالى لتفريطها في دينها وقيمها, ولقد حذرنا رسول الله من أن نتعرض لما تعرض لها غيرنا من الأمم السابقة من اللعن وضرب القلوب بعضها ببعض لما تركوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, فقد روى أبو داود والترمذي عن عبدالله بن مسعود أن رسول الله قال: ((إن أول ما دخل النقص على بني إسرائيل كان الرجل يلقى الرجل فيقول: ياهذا اتق الله ودع ما تصنع فإنه لايحل لك، ثم يلقاه من الغد فلا يمنعه ذلك أن يكون أكيله وشريبه وقعيده, فلما فعلوا ذلك ضرب الله قلوبهم بعضهم ببعض ثم قال: لُعن الذين كفروا من بني اسرائيل على لسان داود وعيسى بن مريم ذلك بماعصوا وكانوا يعتدون كانوا لايتناهون عن منكر فعلوه لبئس ماكانوا يفعلون، ثم قال: كلا والله لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر ولتأخذن على يد الظالم ولتأطرنه على الحق أطراً أو لتقصرنه على الحق قصراً أو ليضربن الله بقلوب بعضكم على بعض ثم ليلعننكم كما لعنهم)).
وروى الإمام أحمد بمسنده عن عدي بن عمير قال: سمعت رسول الله يقول: ((إن الله لايعذب العامة بعمل الخاصة حتى يروا المنكر بين ظهرانيهم وهم قادرون على أن ينكروه فلا ينكرونه، فاذا فعلوا عذب الله العامة والخاصة)).
ولقد ضرب رسول الله مثلاً للأمة التي تقوم بهذه الفريضة فتنجوا, والأمة التي تُهملها فتهلك وذاك في حديث السفينة، فعن النعمان بن بشير عن النبي قال: ((مثل القائم على حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة فأصاب بعضهم أعلاها وأصاب بعضهم أسفلها, فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مرّوا على من فوقهم وآذوهم فقالوا: لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقاً ولم نؤذ من فوقنا، فإن تركوهم وما أرادوا هلكوا جميعاً، وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعاً)).
|