.

اليوم م الموافق ‏03/‏جمادى الثانية/‏1446هـ

 
 

 

محاسبة بين امتحانين

377

الرقاق والأخلاق والآداب, العلم والدعوة والجهاد

أعمال القلوب, التربية والتزكية

سليمان بن حمد العودة

بريدة

21/7/1417

جامع الراشد

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

ملخص الخطبة

1- حديث عن الحساب الأكبر يوم القيامة 2- ضرورة محاسبة الإنسان لنفسه 3- الغفلة داء واقع في الناس، ودواؤه اليقظة والتفكر 4- أسباب الغفلة 5- وصف علي بن أبي طالب بين يدي معاوية 6- حال السلف في خوفهم من الله

الخطبة الأولى

أما بعد:

فاتقوا الله: معاشر المسلمين، وتذكروا على الدوام ما ينتظركم: يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد [الحج:1-2].

أيها المسلمون: وتظل مساحة الغفلة عند كثير من المسلمين أكبر من مساحة اليقظة، رغم النوازل والنذر، وكفى بالقرآن واعظاً، وكفى بالقرآن على أعمال العباد حكما.

اقترب للناس حسابهم وهم في غفلة معرضون ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث إلا استمعوه وهم يلعبون لاهية قلوبهم وأسروا النجوى الذين ظلموا هل هذا إلا بشر مثلكم أفتأتون السحر وأنتم تبصرون قال ربي يعلم القول في السماء والأرض وهو السميع العليم  [الأنبياء:1-4].

ولئن تحدث القرآن وأزرى بغفلة الكافرين واستهزائهم، فكيف تسوغ الغفلة عند المسلمين، وهم يؤمنون بقوله تعالى: أفحسبتم أنما خلقناكم عبثاً وأنكم إلينا لا ترجعون [المؤمنون:115].

حاسبوا أنفسكم معاشر المسلمين على الدوام قبل أن تحاسبوا، وزنوها قبل أن توزنوا، وتأملوا في تتابع الليل والنهار، وتسارع الأيام والشهور والأعوام، واعلموا أن ذلك من أعماركم، وهي فرص للتأمل والنجوى مع أنفسكم، إن لم تذكر بها الأيام والشهور، فما أقل من ضرورة التذكر في انصرام عام ومجيء عام .. فمن أحسن ووفى فيما مضى فليستمر في الحسنى فيما يستقبل، ومن فرط أو سها فالفرصة لا تزال معه إذا ندم على ما مضى وعقد العزم على الجد فيما بقى، وربك أعلم بالمنتهى.

وإذا كانت الغفلة داءً واقعاً، فدواؤها باليقظة والتذكر، وذلك من علامات التقى: إن الذين اتقـوا إذ مسهـم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون [الأعراف:210].

وإذا كان نزغ الشيطان وارداً فالاستعاذة بالله خير عاصم وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه هو السميع العليم .[فصلت:36].

والانتفاع بالذكرى حين تسيطر الغفلة أو يغلب الهوى - من علامات الخشية، ومجافاتها دليل الشقوة فذكر إن نفعت الذكرى سيذكر من يخشى ويتجنبها الأشقى الذي يصلى النار الكبرى [الأعلى:9-12].

وكذلك ينتفع المؤمنون بالذكرى وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين [الذرايات:55].

أيها المؤمنون: ولئن كانت أسباب الغفلة كثيرة فإن من بينها طول الأمل في هذه الحياة الدنيا، فتلك الآفة التي حذرنا القرآن منها: ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم وكثير منهم فاسقون [الحديد:16].

واتخاذ الدين لهواً ولعباً، وغرور الدنيا .. سبب آخر من أسباب الغفلة في الدنيا، ومورد للهلكة في الأخرى الذين اتخذوا دينهم لهواً ولعباً وغرتهم الحياة الدنيا فاليوم ننساهم كما نسوا لقاء يومهم هذا وما كانوا بآياتنا يجحدون [الأعراف:51].

عباد الله: لماذا نكره لقاء الله؟ لأنا لم نقدره حق قدره .. ولماذا نكره الموت؟ لأننا لم نستعد لما بعده.

رحم الله أقواما خافوا فأدلجوا، فعاشوا للآخرة فلم تفتنهم الدنيا.

 قدم يوما ضرار بن مرة على معاوية، رضي الله عنه، فقال له: صف لي عليا رضي الله عنه، قال: أما إذ لابد، فإنه والله كان بعيد المدى، شديد القوى، يقول فضلا، ويحكم عدلا، يتفجر العلم من جوانبه، وتنطق الحكمة من نواحيه، يستوحش من الدنيا وزهرتها، ويأنس بالليل وظلمته، كان والله غزير الدمعة، طويل الفكر، يقلب كفه، ويخاطب نفسه، يعجبه من اللباس ما خشن، ومن الطعام ما جشب، كان والله كأحدنا، يجيبنا إذا سألناه، ويبتدينا إذا أتيناه، ويأتينا إذا دعوناه، ونحن والله مع تقريبه لنا، وقربه منا، لا نكلمه هيبة، ولا نبتديه لعظمته، فإن تبسم فعن مثل اللؤلؤ المنظوم، يعظم أهل الدين، ويحب المساكين، لا يطمع القوي في باطله، ولا ييأس الضعيف من عدله، فأشهد بالله لرأيته في بعض مواقفه، وقد أرخي الليل سدوله، وغارت نجومه، وقد مثل في محرابه قابضا على لحيته، يتململ  تململ السليم - يعني تململ المريض ويبكي بكاء الحزين، فكأني أسمعه، وهو يقول: يا دنيا يا دنيا، إليّ تعرضت؟ أم لي تشوقت، هيهات هيهات، غري غيري، قد بتتك ثلاثا، لا رجعة لي فيك، فعمرك قصير، وعيشك حقير، وخطرك كبير، آه من قلة الزاد، وبعد  السفر، ووحشة الطريق.

قال: فذرفت دموع معاوية رضي الله عنه فما يملكها، وهو ينشفها بكمه، وقد اختنق القوم بالبكاء.

 ثم قال معاوية: رحم الله أبا الحسن، كان والله كذلك، فكيف حزنك عليه يا ضرار؟ قال: حزن من ذبح ولدها في حجرها فلا ترقأ عبرتها، ولا تسكن حسرتها[1].

ومع استعدادهم وزهدهم وعدلهم فقد كان خوف الله حتى الممات ملازما لهم.

عن سليمان بن يسار أن عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، حين حضرته الوفاة، قال له المغيرة بن شعبة: هنيئا لك يا أمير المؤمنين الجنة، فقال: (يا ابن أم المغيرة‍ وما يدريك؟ والذي نفسي بيده لو كان لي ما بين المشرق إلى المغرب لافتديت به من هول المطلع[2]).

كانوا ينظرون إلى الدنيا وما فيها على أنها فيء زائل، وإلى الآخرة على أنها المستودع الباقي، إن خيرا فخير، وإن شر فشر. واسمعوا إلى أحدهم وهو يصف الدارين، يقول شداد بن أوس رضي الله عنه: (إنكم لن تروا من الخير إلا أسبابه، ولن تروا من الشر إلا أسبابه، الخير كله بحذافيره في الجنة، والشر بحذافيره في النار، وإن الدنيا عرض حاضر، يأكل منها البر والفاجر، والآخرة وعد صادق، يحكم فيها ملك قاهر، ولكل بنون، فكونوا من أبناء الآخرة، ولا تكونوا من أبناء الدنيا[3]).

أيها المسلمون: ومن أعظم الأسباب الجالبة لليقظة والمبعدة للغفلة أن يتخيل المرء مشاهد القيامة، وهو بعد في الدنيا، ويتصور منازل الأبرار، وما أعد الله لهم من الحسنى، ومنازل الفجار، وسوء حالهم، وتلك، وربي لا يتمالك المتقون أنفسهم حيالها من البكاء.

عن سوار أبى عبيدة قال: قالت لي امرأة عطاء السليمي: عاتب عطاء في كثرة البكاء، فعاتبته فقال لي: (يا سوار، كيف تعاتبني في شيء ليس هو إلي؟ إني إذا ذكرت أهل النار، وما ينزل بهم من عذاب الله تمثلت لي نفسي بهم، وكيف بنفس تعذب، ألا تبكي؟ ويحك يا سوار، ما أقل عناء البكاء عن أهله إن لم يرحمهم الله  قال: فسكت عنه[4]).

أيها المسلمون: وفي سبيل الله محاسبة أنفسكم هاكم هذه الوصية فاعقلوها، وأنصفوا  أنفسكم من خلالها، وتناصحوا بينكم. فعن سفيان بن عيينة رحمه الله قال: كان الرجل من السلف يلقى الأخ من إخوانه فيقول: (يا هذا اتق الله، وإن استطعت ألا تسيء إلى من تحب فافعل، فقال له رجل يوماً: وهل يسيء الإنسان إلى من يحب؟ قال: نعم، نفسك أعز الأنفس عليك، فإذا عصيت فقد أسأت إلى نفسك[5]).

اللهم إنا نشهدك على محبة هؤلاء، وإن لم نلحق بهم، اللهم اسلك بنا طريقهم، واحشرنا في زمرتهم.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: إن الذين لا يرجون لقاءنا ورضوا بالحياة الدنيا واطمأنوا بها والذين هم عن آياتنا غافلون أولئك مأواهم النار بما كانوا يكسبون إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات يهديهم ربهم بإيمانهم تجري من تحتهم الأنهار في جنات النعيم دعواهم فيها سبحانك اللهم وتحيتهم فيها سلام وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين [يونس:7-10].

 



[1] الإصابة لابن حجر،  غذاء الألباب للسفاريني  2/ 554،  قل هو نبأ عظيم / 81 .

[2] وصايا العلماء للحافظ الربعي ص 47 عن : قل هو نبأ عظيم،  الجليل / 80 .

[3] سير أعلام النبلاء  2/466 وباختلاف يسير،  وهو في الحلية أوفى من هذا  1/264،  وانظر : قل هو النبأ العظيم .

[4] صفوة الصفوة  3/327 .

[5] محاسبة النفس لابن أبي الدنيا ص 88 عن : قل هو نبأ عظيم ص89 .

الخطبة الثانية

لم يكن.

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

إلى أعلى

إذا كانت لديك أية ملاحظات حول هذه الخطبة، إضغط هنا لإرسالها لنا.

كما نرجو كتابة رقم هذه الخطبة مع رسالتك ليتسنى لنا التدقيق وتصويب الأخطاء

 
 

 2004© مؤسسة المنبر الخيرية للمواقع الدعوية على شبكة الإنترنت، جميع الحقوق محفوظة

عدد الزوار حالياً