إخوة الاسلام: ويعجب المرء حين يلحظ فئاماً من المسلمين كلفوا أنفسهم مالم يأذن به الله. واتبعوا شرائع وطرائق لم يعملها صفوة الخلق محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم ولا صحابته الأخيار، فابتدعوا في الدين، ولو كلفوا أنفسهم السؤال عن أصلها والهدف منها وما فيها من المغرم والمأثم لما عادوا إليها مرة أخرى، فليس الدين _ معاشر الآخوة – شهوة جامحة ولا تقليدا أبلها .. إنما هو الشرع الموحى والسنة الموروثة عن أولي البصائر والأخلاق والنهى: ((عليكم بسنتى وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، عضوا عليها بالنواجذ، إاياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار)).
نعم إن الاسلام – أيها الأخوة – دين الله، والله تعالى أعلم بما يصلح للبشر ويقيم سلوكهم ويطهر قلوبهم ، ولم يمت محمد صلى الله عليه وسلم إلا وقد أكمل الله دينه وأتم شريعته.
وكان من أواخر ما خوطب به النبي صلى الله عليه وسلم قوله تعالى: اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً [المائدة:2].
وشرائع الإسلام وسننه كافية شافية، وليس يسوغ للمسلم كلما سمع صيحة هنا أو دعوة هناك تشبث بها حتى وإن كانت بدعة محدثة في الدين .. وحتى وإن كانت قصورا عما صح وأمر به وفعل رسوله صلى الله عليه وسلم له.
فلا بد للمسلم إذاً أن يستسلم لشرع وأمر رسوله ويسأل هل فعله الذي يفعل موجود في سنته أم عمل به سلف الأمة وخيارها؟
فإن لم يجد من ذلك شيئا فلا يغتر بكثرة الهالكين ، ولا يكن دليله أنه وجد الناس يعملون هذا العمل،فهو لهم تبع، فالله تعالى يقول: وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله وقال تعالى: وأن هذا صرطي مستقيماً فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق عن سبيله وينعي القرآن على الذين قالوا إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون.
إخوة الايمان: شأن البدعة عظيم ، وأمر العبادة لا يسوغ من مجرد التقليد، ولزوم السنة والاتباع فضل من الله عظيم.
ولخطورة البدع وما ظهر منها وما بطن اسمعوا ما قاله الأئمة الأعلام لتحذير الأمة من ضلالات الشيطان.
يقول الإمام مالك رحمة الله: من أحدث في هذه الأمة شيئاً لم يكن عليه سلفها فقد زعم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خان الدين، لأن الله تعالى يقول اليوم أكملت لكم دينكم فما لم يكن يومئذ دينً لا يكون اليوم ديناً.
ويقول سفيان الثوري رحمه الله: البدعة أحب إلى إبليس من المعصية ، المعصية يتاب منها، والبدعة لا يتاب منها
وذلك أن المبتدع يتخذ ديناً لم يشرعه الله ورسوله، قد زين له سوء عمله فرآه حسناً، فهو لا يتوب مادام يراه حسناً, لأن أول التوبة العلم بأن فعله سيء ليتوب منه، فالتوبة ممكنة لمن وفقه الله وهداه كما هدى الله الكفار وأصحاب الباطل الذين أبصروا ما هم عليه من الباطل ورغبوا في الحق.
إخوة الإسلام : وقد يسأل سائل ويقول: ما هي الظروف والأزمان التى تنتشر فيها البدع؟ ولماذا تعلق بعض النفوس بالبدع؟
و الجواب: إذا انتشرت الجهالة بدين الرسل عليهم السلام بين الناس ونما زرع الجاهلية في نفوسهم وكثر الدعاة المبطلون واختفى أو قلّ دور الدعاة المصلحين سارعت الطباع إلى الانحلال من ربقة الاتباع ، لأن النفس فيها نوع من الكبر فهي تحب أن تخرج من العبودية بحسب الامكان وكما قال أحد السلف: ما ترك أحد سنة إلا تكبراً في نفسه.
فهى تصير إلى البدعة كمخرج من تكاليف الشرع إلى ضروب البدعة والأعمال للنفس لديمومتها على ذلك حتى تلقى الله وهو راض عنها ..
أما البدع فهي عبادات مؤقتة وهي لقاءات موسمية. وهي أحيانا اجتماعات عامة قد تطرب لها بعض النفوس المريضة وتظنها نوعاً من القربة والمغنم، وهي في واقع الحال معصية ومأثم.
و البدع معاشر المسلمين كثيرة ومتنوعة.
فمنها مالا يتكرر في العام إلا مرة واحدة كبدعة المولد التى أحدثها العبيديون في مصر، والمسمون ظلماً بالفاطميين ، وهؤلاء العبيديون كانوا يظهرون الرفض أي ينتسبون إلى الرافضة – ويبطنون الكفر المحض ، يقول عنهم شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله: واتفق طوائف المسلمين علماؤهم وملوكهم وعامتهم من الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة وغيرهم على أنهم كانوا خارجين عن شريعة الإسلام وأن قتالهم كان جائزا .. والذين يوجدون في بلاد الاسلام من الإسماعيلية والنصيرية والدرزية وأمثالهم من أتباعهم.
ويقول عنهم ابن كثير رحمه الله: وقد كان الفاطميون من أغنى الخلفاء وأجبرهم وأظلمهم. وأنجس الملوك سيرة وأخبثهم سريرة، ظهرت في دولتهم البدع والمنكرات وكثر أهل الفساد وقلّ عندهم الصالحون من العلماء والعباد، وكثر بأرض الشام النصرانية والدرزية والحشيشية وتغلب الافرنج على سواحل الشام بكامله حتى أخذوا القدس وغيرها.. وقتلوا من المسلمين خلقا وأمما لا يحصيهم إلا الله .
فإذا كانت بدعة المولد وأمثالها من البدع من ترويج هؤلاء الضالين المضلين فأي خير يرتجى في هذه البدع .. وكيف ساغ للمسلمين أن يتشبثوا بها إلى زماننا هذا ، زمان العلم والمعرفة والوعي بتاريخ الأمة سلفاً وخلفاً.
ومن هذه البدع بدعة القيام ليلة النصف من شعبان وتخصيصها بعبادات وأذكار وأدعية لم ترى في الشرع المطهر ولم تؤثر عن النبي ولا صحابته الغر.
ومن هذه البدع بدعة الرجبية الذين يعظمون أياماً أو ليالي من شهر رجب. ولاسيما ليلة السابع والعشرين منه إذ يزعمون أن ليلة الاسراء وقعت فيه ولم يثبت ذلك بالنقل الصحيح، ولو ثبت لكم يكن مسوغاً لتعظيم الليلة أو غيرها من ليالي رجب ، وهناك من يعتقد أفضلية بعضهم على شهر رمضان..و هكذا تفعل البدع أصحابها.
وكذلك يصرف الشيطان الجهلة عن الفاضل إلى المفضول ، وصدق من قال: لا تعمل بدعة إلا أبطلت سنة.
ومن البدع ما يتكرر في اليوم أكثر من مرة كبدعة النية في الصلاة حيث أراد الدخول فيها فيقول: اللهم إني نويت أن أصلي كذا وكذا من الركعات لصلاة كذا، فيسميها.
أين؟ ومن قال ذلك من الصالحين والائمة المهدين؟ هذا من ناحية النقل.
أما العقل فيسوغ أن تعلم أن الذي يعلم السر وأخفى يعلم أنك تصلي له كذا وكذا؟ إنها بدع متوارثة حري بالمسلم أن يسأل عن أصلها وحكمها .. وقمن به أن يقلع عنها إذا تيقن له الخطأ في فعلها.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم فإن لم يستجيبوا لك فاعلم أنما يتبعون أهواءهم ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله إن الله لا يهدي القوم الظالمين [القصص:50].
نفعني الله وإياكم بهدي كتابه...
|