إخوة الإسلام: يقول الحق جل وعلا في محكم كتابه: ومن أحسن قولاً ممن دعا إلى الله وعمل صالحاً وقال إنني من المسلمين .
إن هذه الآية الكريمة بما فيها من تنويه في الدعاة وثناء عليهم وأنه لا أحد أحسن قولا منهم لتهيج هذه الأمة بل ولتحمس كل ذكر فيها وللقيام برسالة هذه الأمة ومهمتها في عزة وسعادة، فإن الله جل وعلا قد حمّل هذه الأمة مسؤولية الدعوة وهداية البشرية .
فإنه من المعلوم أن من رحمة الله تعالى بالبشرية أنه كلما انحرفت البشرية يرسل الله إليهم نبيا يجدد لهم أمر دينهم ويردهم إلى الجادة القوية: ثم أرسلنا رسلنا تترا كلما جاء أمة رسولها كذبوه فأتبعنا بعضهم بعضاً وجعلناهم أحاديث فبعداً لقوم لا يؤمنون .
وبعد طي سجل الرسل بمحمد وانقطاع الوحي من السماء جعل الله هذه المهمة إلى أتباعه عليه الصلاة والسلام: وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيداً .
وعلى هذا فإن هذه الأمة مسؤولة عن هداية البشر هداية إعلام وإرشاد وإظهار للحجة، ومستشهدة وموقوفة لتحاسب عن تبليغ الرسالة إلى البشرية .
إنه لمن المفيد النافع في هذا العصرالذي فترت فيه الهمم ومحقت فيه العزائم وأصيبت قلوب كثيرة باليأس، إنه لمن المفيد النافع في مثل هذا العصر أن ينطلق الداعية في دعوته من شعوره بمسؤولية الدعوة وأمانتها التي جعلها الله في عنقه لا من منطلق كسب الاتباع والحصول على النتائج، بل عليه أن يفكر في مسؤولية الدعوة أولا قبل أن يفكر في قبول المدعو لدعوته .
فإن كثيرا ممن يبدأون الطريق بالتفكير في النتائج قبل التفكير بالمسؤولية والملقاة على عواتقهم ينتهون نهاية خاطئة، فإن الناس إذا بدأوا بالتفكير في النتائج فلم يحصل لهم يقين بالنتيجة ولم يروا شيئا واضحا في الأفق يغريهم بالتقدم أحجموا عن السير في الطريق وعفوا أنفسهم من القيام بالدعوة ظنا أن معهم المبررات التي تسمح لهم القعود .
كلا إن أمر القيام بالدعوة ليس كأمر القيام بالمشاريع والصفقات الدنيوية التي إن لم يظهر نجاحها تركها الإنسان دون حرج، وإنما القيام بالدعوة مسؤولية لا يملك المسلم التنصل منها، شأنه في ذلك شأن أنبياء الله الذين كلفوا بحمل الرسالة، فإن منهم من يأتي يوم القيامة ومعه الرجلان ومنهم من يأتي ومعه الرجل الواحد، ومنهم من يأتي وليس معه أحد، ولو أن الله تعالى أراد من الأنبياء والدعاة القيام بالدعوة لمجرد الحصول على النتيجة ما بعث مثل هؤلاء الأنبياء ولا كلفهم كل هذا العناء إذا كانوا سيأتون وليس معهم أحد وهو عليهم بذلك جل وعلا، ولكنه جل وعلا أراد منهم القيام بمسؤوليتهم وحسابهم إنما هو على ذلك، وإن إبلاغهم الدين لهذه البشرة وإقامتهم الحجة عليها، حتى لا يكون للضال حجة على الله، وليظهر عدله تعالى وإعذارا للخلق، إن هذا كاف لقيام الرسل وأتباعهم بمهمة الرسالة .
رسلاً مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل .
وأنت أيها المسلم عليك أن تنطلق اليوم في دعوتك بهذا المفهوم، لئلا يكون للناس على الله حجة يوم القيامة، فإن الله يحب ذلك ويريده، والمحب الصادق يسعى في تحقيق مراد محبوبه، وسواء استجاب الناس وتغير المجتمع أم لم تحدث استجابة، فإن مراد الله من عمل المرسلين والدعاة يتحقق بقطع حجة الخلق على الله حتى لا يكون لهم عذر في ضلالهم، وإن هذا ليفتح بابا واسعا أمام الداعية فلا يقلق، وينطلق من خلاله في دعوته دون أن يصبه اليأس أو الوهن مهما ضعفت النتائج أو انعدمت ، نحسبه أن يسعى في تحقيق مراد الله من الإعذار إلى الخلق حتى لا يكون لهم حجة حين يحاسبهم .
فلو لم يكن إلا هذا الباب الذي يلج من خلاله الداعية ليقوم بدعوته لكفى، فكيف وهناك أبواب كثيرة تقول للمسلم هلم إلى القيام بالدعوة، و هلم إلى القيام برسالتك، فمنها احتياج الخلق إلى الدعوة انتظار كثير من الناس من يعلمهم ويأخذ بأيديهم ويربيهم.
ومنها رؤية الاستجابة لدعوة فعلا في كثير من البيئات والأشخاص رغم الظروف الحالكة والعوانق المتعددة.
ومنها أن القيام بالدعوة يطهر الداعي نفسه ويزكيه، ويجعل له قيمة و يجعل له ولحياته معنى هو المنتفع قبل غيره بقيامه بدعوته ورسالته .
فأين أنت أيها المسلم من هذه المعاني، وكيف تتراخي وتتشاغل أو تمل وتسأم وتنسى هذه المعاني العظيمة الكفيلة بحث المسلم على القيام بالدعوة.
وكرة أخرى أذكرك بأنه لو لم يكن في قيامك بالدعوة إلى دين الله إلا تحقيق مراد الله بقيام حجته البالغة على خلقه وانقطاع حجة الخلق عليه لكفى بذلك محمسا ومهيجا لك على القيام برسالتك، وإن في القرآن من النصوص ما يلقي ضوءا ساطعا على نوعية مسؤولية الداعي ويحدد موقفه تحديدا واضحا كما في قول المولى جل وعلا: وإذ قالت أمة منهم لم تعظون قوما الله مهلكهم أو معذبهم عذاباً شديداً قالوا معذرة إلى ربكم ولعلهم يتقون
اللهم انفعنا بالقران العظيم وثبتنا على الالتزام بالدين والدعوة إليه إلى أن نلقاك، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم . . .
|