.

اليوم م الموافق ‏21/‏جمادى الأولى/‏1446هـ

 
 

 

الإخلاص والحديث عن ليلة النصف من شعبان

621

التوحيد

الشرك ووسائله, شروط التوحيد

هشام بن عبد القادر عقدة

دمنهور

خالد بن الوليد

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

ملخص الخطبة

1 – هل يغفر الله الشرك الأصغر أم لا . 2 – من صور الشرك الأصغر الغلو فيما دون العبادة 3 – التخويف من الرياء 4 – أول من تسعر بهم النار المراءون 5- ليلة النصف من شعبان

الخطبة الأولى

أما بعد :

فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد ، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار .

إخوة الإسلام :

يقول الله جل وعلا في كتابه العزيز: إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء فكل ذنب مهما كان قد يتجاوز الله عنه لمن يشاء، لأن الشرك ظلم عظيم وإساءة بالغة في حق الله جل وعلا.

 وإن مما يفزع القلب أن ذلك الشرك الذي لا يغفره الله قد قال بعض العلماء: إنه يشمل الشرك الأصغر كما يشمل الشرك الأكبر، وأشار ابن تيمية رحمه الله إلى ذلك بقوله : قد يقال الشرك لا يغفر منه شيء، لا أكبر ولا أصغر على مقتضى القرآن.

 وإن صاحب الشرك، أي الأصغر، يموت مسلما، لكن شركه لا يغفر له، بل يعاقبه عليه .

ومع ذلك فالآية تحتمل القول الآخر أي شمولها للشرك الأصغر كذلك، ولهذا قال ابن عثيمين حفظه الله : وعلى كل حال فيجب الحذر من الشرك مطلقا، لأن العموم يحتمل أن يكون داخلا فيه الأصغر، لأن قوله: أن يشرك به أن وما بعدها- كما يعلم الذين يفهمون النحو أو قواعد اللغة العربية- في تأويل مصدر تقديره:  إشراكاً به،أي إن الله لا يغفر إشراكا به، والنكرة في سياق النفي فتفيد العموم ([1]). هذا كلام ابن عثيمين حفظه الله.

 أقول إن هذا مما يفزع القلب ويخيف النفس، لأننا لو علمنا المراد بالشرك الأصغر ما ظن واحد منا أن ينجو منه، ومع ذلك فنحن -إلا من رحم الله -غافلون عن التوبة منه والإقلاع عنه .

قال العلامة السعدي في تعريف الشرك الأصغر: هو جميع الأقوال والأفعال التي يتوسل بها، إلى الشرك كالغلو في المخلوق الذي لم يبلغ رتبة العبادة، كالحلف بغير الله ويسير الرياء، ونحو ذلك .

يا للهول، الحلف بغير الله الذي يدور على الألسنة ليل نهار، الحلف بالنبي، والحلف بالأنبياء، والأمانة وبالشرف، والحلف بحياة فلان وعلان .

ويسير الرياء الذي يندر أن يمر يوم ولم نتلبس به إلا من رحمه الله، فاليسير منه أي الخفي والقليل شرك أصغر، فكيف بالكثير الظاهر هو إظهار بعض العبادات أو الأمور الشركية وتحسينها بقصد نيل ثناء الناس أو إعجابهم.

 وعرفت فتاوي اللجنة الدائمة في الشرك الأصغر بأنه كل ما نهى عنه الشرع مما هو ذريعة إلى الأكبر، ووسيلة للوقوع فيه، وجاء في النصوص تسميته شركا .

وعلى رأس القائمة الرياء، فهو على رأس قائمة الشرك الأصغر، ونص عليه النبي فيما رواه أحمد في مسنده من حديث محمود بن لبيد أن رسول الله قال : ((أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر))، فسئل عنه فقال : الرياء [حسن ابن حجر إسناده في بلوغ المرام ] وقال المنذري إسناده جيد وقال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح، وقال عبد الله بن شبيب بن خالد وهو ثقة هامش القول المفيد 1/144.

 وروى الإمام أحمد عن شداد بن أوس قال : كنا نعد الرياء على عهد رسول الله الشرك الأصغر، صححه الألباني في صحيح الترغيب (572فتح المجيد) .

ولأحمد بن أبي سعيد مرفوعا (( ألا أخبركم بما هو أخوف عليكم عندي من المسيح الدجال، قالوا : بلى يا رسول الله، قال: الشرك الخفي، يقوم الرجل فيصلي فيزين صلاته لما يرى من نظر الرجل )) حسنه الألباني في صحيح الترغيب صحيح الجامع، فتح المجيد ص57.

وروى ابن خزيمة في صحيحه عن محمود بن لبيد ([2]) قال : ((خرج علينا رسول الله فقال: أيها الناس إياكم وشرك السرائر، قالوا : يا رسول الله وما شرك السرائر، قال : يقوم الرجل فيصلي فيزين صلاته لما يرى من نظر الرجل إليه، فذلك شرك السرائر)).

وعن شفي بن مانع الأصبحي أنه دخل المدينة فإذا هو برجل قد اجتمع عليه الناس فقال : من هذا، فقالوا : أبو هريرة، قال، فدنوت منه حتى قعدت بين يديه، وهو يحدث الناس، فلما سكت وخلا، قلت، أنشدك بحق وبحق لما حدثتني حديثنا سمعته من رسول الله عقلته وعملته،قال، فقال أبو هريرة : أفعل لأحدثنك حديثا حدثنيه رسول الله في هذا البيت، ما فيه أحد غيري وغيره، ثم نشغ أبو هريرة نشغة، أي شهق حتى كاد يغشى عليه  أسفا وخوفا ثم أفاق، فقال : لأحدثنك حديثا حدثنيه رسول الله في هذا البيت ما فيه أحد غيري وغيره، ثم نشغ أبو هريرة نشغة أخرى، ثم مال خارا على وجهه، واشتد به طويلا، ثم أفاق فقال : حدثني رسول الله : ((إن الله تبارك وتعالى إذا كان يوم القيامة نزل إلى القيامة لقضي بينهم، وكل أمة جاثية، فأول من يدعو به رجل سمع القرآن، ورجل قتل في سبيل الله، ورجل كثير المال، فيقول الله تبارك وتعالى للقارئ : ألم أعلمك ما أنزلت على رسولي؟ قال : بلى يا رب، قال : فماذا عملت فيما علمت؟ قال : كنت أقوم آناء الليل والنهار، فيقول الله له: كذبت، وتقول الملائكة: كذبت، ويقول الله له : بل أردت أن يقال فلان قارئ، فقد قيل ذلك، ويؤتى بصاحب المال، فيقول الله له : ألم أوسع عليك حتى مل أدعك تحتاج إلى أحد؟ قال : بلى يا رب، قال : فما عملت فيما آتيك، قال : كنت أصل الرحم، وأتصدق، فيقول الله له : كذبت وتقول الملائكة كذبت، ويقول الله له : بل أردت أن يقال فلان جواد، فقد قيل ذلك، ويؤتي بالذي قتل في سبيل الله فيقال له : بماذا قتلت فيقول : أمرت بالجهاد في سبيلك فقاتلت حتى قتلت، فيقول الله له : كذبت، وتقول الملائكة كذبت، ويقول الله له : بل أردت أن يقال فلان جري، فقد قيل ذلك، ثم ضرب رسول الله على ركبتي، فقال: يا أبا هريرة، أولئك الثلاثة أول خلق الله تسعر بهم الناس يوم القيامة)). والحديث إسناده صحيح عن الألباني في صحيح الترغيب 1/13-15 وصحيح الجامع كما في ملحق فتح المجيد ص 572-573

 وقد دخل شفي راوي هذا الحديث على معاوية ، وكان سيافا لمعاوية، فدخل عليه فحدثه بهذا الحديث عن أبي هريرة، فقال معاوية : وقد فعل بهؤلاء هذا، فكيف بمن بقي من الناس؟ ثم بكى معاوية بكاء شديد حتى ظننا أنه هلك، وقلنا : قد جاء هذا الرجل بشر، ثم أفاق معاوية عن وجهه فقال : صدق الله ورسوله: من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها وهم فيها لا يبخسون أولئك الذي ليس لهم في الآخرة إلا النار وحبط ما صنعوا فيها وباطل ما كانوا يعملون .

تأملوا إخوة الإسلام تلك الأعمال المذكورة في الحديث، قراءة القرآن وتعلم العلم وتعليمه والتصدق والجهاد، أعمال عظيمة لكنها قد لا تسلم من آفة الرياء.

 وللرياء صور كثيرة أشار إليها أهل العلم مثل التمتمة وتحريك الشفتين بين الناس بدون ذكر فعلي، أو مع الذكر لكن مع تعمد إظهار ذلك لنيل ثناء الناس بخلاف من قصد اقتداء الناس به وتنبيهم لذلك.

 ومن صور الرياء، أن يسأل بعض أهل العلم أسئلة معينة لم تدع إليها حاجة ليرى مكانه ويعرف إطلاعه يذكر إنجازاته إلى غير ذلك من مسالك الرياء.

 وكل إنسان على نفسه بصيرة، فعليه كفها عن ذلك ومحاسبتها وأن يستعيذ بالله أن يشرك به شيئا يعلمه، ويستغفره لما لا يعلمه، أعاذنا الله وإياكم من الرياء، ورزقنا الإنابة إلى الله والإخلاص .

وأقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم . .


 



([1])القول المفيد على كتاب التوحيد 1/141.

([2])وحسنه الألباني في صحيح الترغيب فتح المجيد 572.

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وبعد :

فمن الأمثلة الرائعة التي ضربها لنا سلفنا الصالح في الإخلاص والبعد كل البعد عن الرياء ما قصه علينا محمد بنا المنكدر قال :كانت لي سارية في مسجد رسول الله أجس أصلي إليها بالليل فقحط أهل المدينة سنة فخرجوا يستسقون فلم يسقوا، فتساندت إلي سارتي، فجاء رجل أسود تعلوه صفرة متزر بكساء وعلى رقبته كساء أصفر منه،فتقدم إلى السارية التي بين يدي،وكنت خلفه،فصلى ركعتين ثم جلس فقال : أي رب خرج أهل حرم نبيك يستسقون لم تسقهم فأنا أقسم عليك لمّا سقيتهم .

قال ابن المنكدر: ( مجنون قال : فما وضع يده حتى سمعت الرعد، ثم جاءت السماء بشيء من المطر، أهمني الرجوع إلى أهلي، فلما سمع المطر حمد الله بمحامد لم أسمع بمثلها قط، قال: ثم قال : ومن أنا وما أنا حيث استجبت لي، ولكن عذت بحمدك وعذت بطولك وطول، والسعة والغنى والخير الكثير والمن )

ثم قال : فتوشح بكسائه الذي كان متزرا به وألقى الكساء الآخر الذي كان على ظهره في رجليه، ثم قام فلم يزل قائما يصلي حتى إذا أحس الصبح سجد وأدبر وصلى ركعتي الصبح ثم أقيمت الصلاة فدخل في الصلاة مع الناس ودخلت معه فلما سلم الإمام قام فخرج وخرجت خلفه حتى انتهى إلى باب المسجد، فخرج يرفع ثوبه ويخوض الماء، فخرجت خلف رافعا ثوبي أخوض الماء فلم أدري أين ذهب.

 فلما كانت الليلة الثانية صليت العشاء في مسجد رسول الله ثم جئت إلى ساريتي فتوسدت إليها، وجاء فقام فتوشح بكسائه وألقى الكساء الآخر الذي كان على ظهره في رجليه وقام، يصلي، فلم يزل قائما حتى إذا خشي الصبح سجد ثم أوتر ثم صلى ركعتي الفجر.

 وأقيمت الصلاة، فدخل مع الناس في الصلاة ودخلت معه، فلما سلم الإمام خرج من المسجد وخرجت خلفه فجعل يمشي وأتبعه حتى دخل دارا عرفتها من دور المدينة ورجعت إلى المسجد، فلما طلعت اشمس وصليت خرجت حتى أتيت الدار فإذا أنا به قاعد يخرز- والخرز : خياطة الأدم، وخرز الخف صنعة، الخزار صانع الخف-، وإذا هو سكاف، فلما رآني عرفني وقال : أبا عبد الله مرحبا، ألك حاجة، تريد أن أعمل لك خفا، فجلست فقلت : ألست صاحبي بارحة الأولى ؟ فاسود وجهه وصاح بي، قوال : ابن المنكدر، ما أنت وذاك؟ قال : وغضب، قال: ففرقت والله منه، وقلت : أخرج من عنده الآن.

 فلما كان في الليلة الثالثة، صليت العشاء الآخرة في مسجد رسول الله ثم أتيت ساريتي فتساندت إليها فليم يجيء، قال : قلت: إنا لله، ما صنعت، فلما أصبحت جلست في المسجد حتى طلعت الشمس ثم خرجت حتى أتيت الدار التي كان فيها فإذا باب البيت مفتوح، وإذا  ليس في البيت شيء، فقال لي أهل الدار : يا أبا عبد الله ما كان بينك وبين هذا أمس ؟ قلت : ماله؟  قالوا : لما خرجت من عنده أمس بسط كساءه في وسط البيت ثم لم يدع في بيته جلدا ولا قالبا، -نعل من خشب كالقبقاب أو قالب الخف- إلا وضعه في كسائه ثم حمله ثم خرج فلم ندري أين ذهب !

 قال محمد بن المنكدر : فما تركت في المدينة دارا أعلمها إلا طلبته فيها فلم أجده رحمه الله، صفة الصفوة 2/190-192  وعنها أخذه ، أين نحن من أخلاق السلف.

هكذا كان خوف سلفنا على إخلاصهم وفرارهم من الرياء وكراهيتهم الشهرة، وامتلأت قلوبهم بمحبته وتعلقت به فلم يفتنها حب جاه أو ثناء، نسأل الله جل وعلا أن يصلح فساد قلوبنا، وألا يحبط أعمالنا.

 في الختام أذكر نفسي وإياكم أن رسول الله كان يكثر الصيام في هذا الشهر(شعبان)، وقد أخذ كثير من العلماء من ذلك استحباب الصوم في شعبان لكن من لم يكن له عادة بالصوم فلا ينبغي أن  يصوم إذا انتصف شعبان لقوله : ((إذا انتصف شعبان فلا تصوموا ))

 أما من كان عادة بصيام شعبان فله أن يصوم النصف الثاني، إلى ما قبل رمضان  بيوم أو يومين أي إلى الثامن والعشرين من شعبان، ويكره له وصل آخر شعبان برمضان لقوله : ((لا تقدموا رمضان بصوم يوم أو يومين إلا رجل كان يصوم صوما فليصمه)) رواه البخاري. ولم يورد بتخصيص يوم النصف من شعبان بصيام .

وتخصيص ليلتها بقيام،كما لم يثبت يقينا أن تحويل القبلة يوم النصف من شعبان، وإنما الثابت أن ذلك كان قبل غزوة بدر .

وقولهم أن ليلة النصف من شعبان هي الليلة المباركة التي قال الله تعالى فيها: إنا أنزلناه في ليلة مباركة إنا كنا منذرين فيها يفرق كل أمر حكيم فهذا غير صحيح، لأن المراد بها ليلة القدر التي نزل فيها القرآن، وهي في رمضان، وهذا واضح جدا في الآية، فالخير في الاتباع والشر في الابتداع .

وأقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

إلى أعلى

إذا كانت لديك أية ملاحظات حول هذه الخطبة، إضغط هنا لإرسالها لنا.

كما نرجو كتابة رقم هذه الخطبة مع رسالتك ليتسنى لنا التدقيق وتصويب الأخطاء

 
 

 2004© مؤسسة المنبر الخيرية للمواقع الدعوية على شبكة الإنترنت، جميع الحقوق محفوظة

عدد الزوار حالياً