.

اليوم م الموافق ‏22/‏جمادى الأولى/‏1446هـ

 
 

 

حقيقة العدل

532

الرقاق والأخلاق والآداب

مكارم الأخلاق

هشام بن محمد برغش

دمنهور

خالد بن الوليد

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

ملخص الخطبة

1- العدل حل لكثير من مشاكل مجتمعاتنا. 2- النصوص تأمر بالعدل حتى مع العدو. 3- عدل المسلمين مع أعدائهم. 4- العدل مع الله عز وجل في توحيده وتنزيهه عن الشريك. 5- العدل مع العباد. 6- لوازم ومقتضيات للعدل مع الناس.

الخطبة الأولى

أما بعد:

حديثنا بمشيئة الله تعالى حول موضوع من الموضوعات الهامة التي بها صلاح العباد والبلاد وعليها قامت السماوات والأرض، وبها صلاح القلوب وتألفها، ألا وهو العدل

إذ إنه من أقوى أسباب الاختلاف والفرقة بين العباد هو الظلم والاعتداء وفقدان العدل والإنصاف، ولو جاهد المسلم نفسه لتحقيق صفة العدل مع نفسه ومع الناس فإن كثيرا من المشاكل التي تحصل بين المسلمين سواء منها الفردية أو الجماعية ستزول وتحل بإذن الله، وذلك لأن سبب الانحراف عن الحق والإصرار على الخطاء إما الجهل وإما الظلم، والجهل علاجه العلم، والظلم علاجه العدل والإنصاف والقسط.

والإنسان بطبعه ظلوم جهول كما قال تعالى: إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوماً جهولاً فالأصل فيه عدم العلم والميل إلى ما يهواه من الشر، فيحتاج دائما إلى فقه وعلم مفصل يزول به جهله، وعدل في محبته وبغضه ورضاه وغضبه وفعله وتركه وإعطائه ومنعه وأكله وشربه ونومه ويقظته وكل ما يقوله ويعمله يحتاج فيه إلى علم ينافي جهله وعدل ينافي ظلمه.

وأصل العدل هو الاعتدال، والاعتدال هو صلاح القلب كما أن الظلم فساده، ومن أمارة العدل الحياء والسخاء والهين واللين، وأما تباشيره فالرحمة، وأما بابه فالاعتبار وهو ذكر الموت بتذكر الأموات والاستعداد له بتقديم الأعمال، وأما مفتاحه فالزهد وهو اخذ الحق من كل حد قَبل الحق، وتأدية الحق إلى كل أحد له حق من غير مصانعة أحد.

وقد أمر الله به عباده في آيات كثيرة من كتابه العزيز وبين محبته لأهله فقال عز وجل: إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون وقال سبحانه: إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل إن الله نعما يعظكم به إن الله كان سميعاً بصيراً وقال سبحانه مبينا وجوب العدل في كافة الأحوال دون مراعاة لقرابة أو عرف أو غير ذلك من الاعتبارات الأرضية الجاهلية: يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين إن يكن غنياً أو فقيراً فالله أولى بهما فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا وإن تلووا أو تعرضوا فإن الله كانت بما تعملون خبيرا يقول الإمام ابن كثير رحمه الله في تفسير هذه الآية: يأمر الله تعالى عباده المؤمنين أن يكونوا قوامين بالقسط أي بالعدل دون أن تأخذهم في الله لومة لائم شهداء لله أي أدوها ابتغاء وجه الله فحينئذ تكون صحيحة عادلة حقا ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين أي اشهد بالحق ولو عاد ضررها عليك أو على الوالدين والأقربين لا تراعهم فيا إن يكن غنيا أو فقيرا فالله أولى بهما أي لا ترعاه لغناه ولا تشفق عليه لفقر فالله يتولاهما، بل هو أولى بهما منك وأعلم بما فيه صلاحهما فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا أي لا يحملنكم الهوى والمعصية وبغض الناس إليكم على ترك العدل في أموركم وشؤونكم كما قال تعالى: يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنآن قوم على أن لا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون .

نعم، إنها أمانة القيام بالقسط على إطلاقه في كل حال وفي كل مجال، والذي يكفل العدل بين الناس والذي يعطي كل ذي حق حقه من المسلمين وغير المسلمين، وفي هذا الحق يتساوى عند الله عز وجل المؤمنون وغير المؤمنين، ويتساوى الأقارب والأباعد، ويتساوى الأعداء والأصدقاء والأغنياء والفقراء، وليس الأمر مجرد مثاليات نظرية لا تجد سبيلها في التطبيق العملي .. كلا .. وكلنا يعرف موقف عمر رضي الله عنه من القبطي الذي ضربه عبد الله بن عمرو بن العاص.

وفي مسند الإمام أحمد وسنن أبي داود لما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن رواحة على أهل خيبر يخرص عليهم ثمارهم وزروعهم فأرادوا أن يرشوه ليرفق بهم فقال: والله لقد جئتكم من أحب الخلق إلي ولأنتم أبغض إلي من أعدادكم من القردة والخنازير، وما يحملني حبي إياه وبغضي لكم على ألا اعدل فيكم. فقالوا: بهذا قامت السماوات والأرض.

ويبين الله عز وجل محبته لأهل القسط والعدل في آيات كثيرة من كتابه الكريم فقال: وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين وقال: وإن حكمت فأحكم بينهم بالقسط إن الله يحب المقسطين وروى الإمام مسلم في صحيحه عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن المقسطين عند الله على منابر من نور على يمين الرحمن، وكلتا يديه يمين، الذين يعدلون في حكمهم وأهلهم وما ولوا)) وروى مسلم كذلك عن عياض بن حمار رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((أهل الجنة ثلاثة: ذو سلطان مقسط موفق ورجل رحيم رقيق القلب لكل ذي قربى ومسلم وعفيف متعفف ذو عيال)) وفي الصحيحين عن أبي هريرة مرفوعا: ((سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله)) وذكر أولهم ((إمام عادل)).

ولكن هل للعدل أقسام ولوازم لا يتحقق إلا بها؟ والجواب .. نعم، وحتى تتضح لنا صورة العدل كاملة فإننا نذكر أقسامه ولوازمه، فأقسامه ثلاثة: عدل مع الله، وعدل مع النفس، وعدل مع الخلق ولكل واحد منها لوازمه.

فأما العدل مع الله:

فهو أعظم العدل وهو توحيد الله عز وجل لا شريك له وهو الحق الذي قامت به السماوات والأرض ومن أجله خلق الله الخلق كما قال سبحانه وتعالى: ما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما إلا بالحق وأجل مسمى والذين كفروا عما أنذروا معرضون ويقابل هذا القسم من العدل أعظم الظلم وهو الإشراك بالله عز وجل والكفر به والتحاكم إلى غير شرعه ومنهجه القويم مصداق قوله تعالى: وإذ قال لقمان لابنه وهو يعظه يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم ومثل قوله سبحانه: الذين آمنوا ولم يلبثوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون وقوله عز وجل: والكافرون هم الظالمون .

وأما القسم الثاني من أقسام العدل فهو:

العدل مع النفس:

ويدخل في هذا العدل قيام الإنسان بالأمانة التي كلفه الله عز وجل بها والعمل على خلاصها ونجاتها مما لا تطيقه من عذاب الله وغضبه مصداق قوله عز وجل: يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون ويقابل هذا النوع من العدل ظلم الإنسان لنفسه بترك ما أمر الله به أو بفعل ما حرم الله عز وجل عليه مما هو دون الشرك وما لا يتعدى ضرره إلى غيره إن الله لا يظلم الناس شيئاً ولكن الناس أنفسهم يظلمون وأما القسم الثالث من أقسام العدل فهو:

العدل مع العباد:

وهذا القسم من الأهمية بمكان وهو ثمرة القسمين السابقين، ولا يمكن أن يتحقق هذا القسم أو غيره من الأقسام إلا بتطبيق شرع الله عز وجل واتباع منهجه جل وعلا الذي أمرنا به وبينه في كتابه وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم وإلا فلا عدل ولا قسط ولا استقامة وإنما كفر وظلم وفسوق كما قال سبحانه: ومن لم يحكم بما انزل الله فأولئك هم الكافرون ،  ومن لم يحكم بما انزل الله فأولئك هم الظالمون ، ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون .

فحيث حكم في حياة الناس منهج آخر من وضع البشر لازمه جهل البشر وقصور البشر كما لازمه الظلم والتناقض، ظلم الفرد للجماعة أو ظلم الجماعة للفرد أو ظلم طبقة لطبقة أو ظلم أمة لأمة أو ظلم جيل لجيل، وعدل الله عز وجل وحده هو المبرأ من الجهل الهوى والميل لأي من هؤلاء.

شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم قائما بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم إن الدين عند الله الإسلام .

وكما قال تعالى: لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط .

وهذا القسم الأخير من أقسام العدل له لوازم ومقتضيات كثيرة لا يتحقق إلا بها منها:

1-  التثبت من الأمر قبل الحكم عليه:

فمن العدل والإنصاف أن يتثبت المسلم من كل خبر أو ظاهرة قبل الحكم عليها وإن من الظلم والاعتداء الحكم على أمر بمجرد الظنون والأوهام والله عز وجل يقول: ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا فالإنسان مسئول عن سمعه وبصره وفؤاده أمام الله عز وجل، وهي أمانة عظيمة يرتعش لها الوجدان لدقتها وجسامتها كلما نطق الإنسان بكلمة، وكلما روى رواية أو أصدر حكما على شخص أو أمر أو حادثة .. ولا تقف ما ليس لك به علم .. لا تتبع ما لم تعلمه علم اليقين وما لم تتثبت من صحته من قول يقال أو رواية تروى أو غير ذلك والله عز وجل يقول: اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم ويقول عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: ((إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث)).

وفي الصحيحين عن المغيرة بن شعبة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن قيل وقال أي الذي يكثر من الحديث عما يقول الناس من غير تثبت ولا تبين ويقول تعالى مستنكرا على أمثال هؤلاء: وإذا جاءهم أمر من الخوف أو الأمن أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى ألي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم ولولا فضل الله عليكم ورحمته لاتبعتم الشيطان إلا قليلاً فرب كلمة عابرة وفلتة لسان تجر على الشخص ذاته وعلى جماعته كلها ما لا يخطر ببال، وقد يحدث بسببها من الشقاق والبغضاء ما تزول دونه الجبال الرواسي. ومن لوازم هذا القسم من العدل أيضا:

2-   العدل في النقد ومعالجة الخطأ:

وهذا الجانب من جوانب العدل يحتاج إليه في كل حال من أحوالنا الفردية والجماعية وذلك في حل مشاكلنا ومعالجة أخطائنا معالجة شرعية تسيطر عليها روح المحبة والإخلاص ويجدر بنا أن نذكر هذا المنهج العادل والطريقة المثالية لمعالجة الخطأ من خلال سيرته عليه الصلاة والسلام، ونختار منها موقفه صلى اله عليه وسلم من صنيع حاطب بن أبي بلتعة رضي الله عنه في فتح مكة ومعالجته صلى الله عليه وسلم لهذا الخطأ رغم شناعته وخطورته.

والقصة في صحيح البخاري عن علي رضي الله عنه قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا مرثد والزبير وكلنا فارس قال: ((انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ فإن بها امرأة من المشركين معها كتاب من حاطب بن أبي بلتعة إلى المشركين)) فأدركناها تسير على بعير لها حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلنا: الكتاب فقالت: ما معنا من كتاب، فأنخناها فالتمسنا فلم نر كتابا فقلنا: ما كذب رسول الله صلى الله عليه وسلم، لتخرجن الكتاب أو لنجردنك فلما رأت الجد أهوت إلى حجزتها وهي محتجزة بكساء فأخرجته، فانطلقنا بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال عمر: يا رسول الله قد خان الله ورسوله والمؤمنين فدعني فلأضرب عنقه فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((ما حملك على ما صنعت؟ قال حاطب: والله ما بي أن لا أكون مؤمنا بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم أردت أن تكون لي عند القوم يد يدفع الله بها عن أهلي ومالي، وليس أحد من أصحابك إلا له هناك من عشيرته من يدفع الله بها عن أهله وماله فقال صلى الله عليه وسلم: صدق ولا تقولوا إلا خيرا فقال عمر: إنه قد خان الله والمؤمنين فدعني فلأضرب عنقه فقال: (أليس من أهل بدر؟ لعل الله اطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد وجبت لكم الجنة أو فقد غفرت لكم))، فدمعت عينا عمر وقال: الله ورسوله أعلم. فهذه ثلاث مراحل لمعالجة العادلة للخطأ مهما كانت ضخامته.

المرحلة الأولى: في التثبت من وقوع الخطأ، وفي هذه الحادثة قد تم التثبت عن طريق أوثق المصادر ألا وهو الوحي، حيث أوحى الله عز وجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بخبر الكتاب الذي أرسله حاطب مع المرأة وأين؟

المرحلة الثانية :و هي مرحلة التثبت وتبين الأسباب التي دفعت إلى ارتكاب الخطأ، وهذا الأمر متمثل في قوله صلى الله عليه وسلم لحاطب: ما حملك على ما صنعت؟ وهذه المرحلة مهمة إذ قد يتبين بعد طرح هذا السؤال أن هناك عذرا شرعيا في ارتكاب الخطأ وتنتهي القضية عند هذا الحد مثل ما ظهر في قضية حاطب، ولم يكن العذر مقنعا، ولكنه طمأن الرسول صلى الله عليه وسلم إلى صدق حاطب وأنه لازال مسلما نقول: إذا لم يكن العذر مقنعا من الناحية الشرعية فإنه يصار إلى:

المرحلة الثالثة: وفيها يتم جمع الحسنات والأعمال الخيرة لمرتكب الخطأ وحشدها إلى جانب خطئه، فقد ينغمر هذا الخطأ أو هذه السيئة في بحر حسناته، وهذا هو الذي سلكه الرسول صلى الله عليه وسلم مع حاطب رضي الله عنه حيث قال صلى الله عليه وسلم لعمر حينما استأذن في قتل حاطب: ((أليس من أهل بدر؟)) فقال: ((لعل الله اطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد وجبت لكم الجنة أو فقد غفرت لكم)) فدل على أن مقتضى عقوبته قائم لكن منع من ترتيب أثره عليه ما له من المشهد العظيم، وهذا أمر معلوم عند الناس مستقر في فطرهم أنه من له ألوف من الحسنات فإنه يسامح بالسيئة والسيئتين ونحوها وكما قيل:

        وإذا الحبيب أتى بذنب واحد             جاءت محاسنه بألف شفيع

وقال آخر:     

فإن يكن الفعل الذي ساء واحد           فأفعاله الذي سررن كثير

والله سبحانه يوازن يوم القيامة بين حسنات العبد وسيئاته فأيهما غلب كان التأثير له.

وخلاصة هذا اللازم أن العدل في القول والفعل ومعالجة الأخطاء لو سلكنا فيها ذلك المسلك النبوي السابق تفصيله لما وقع كثير من المسلمين فيما وقعوا فيه اليوم من كيل التهم والتشهير وتتبع العثرات والذي لا يستفيد منه إلا الشيطان وحزبه، ولا يفرح الشيطان بشيء فرحه بالفرقة والاختلاف بين المسلمين. روى الإمام مسلم في صحيحه عن جابر رضي الله عنه مرفوعا: (إن إبليس يضع عرشه على الماء ثم يبعث سراياه فأدناهم منه منزلة أعظمهم فتنة فيجيء أحدهم فيقول: فعلت كذا وكذا فيقول: ما صنعت شيئا قال: ثم يجيء أحدهم فيقول: ما تركته حتى فرقت بينه وبين امرأته قال: فيدنيه منه ويقول: نعم أنت) قال الأعمش: أراه قال: يلتزمه.

فإذا كان فرح الشيطان بالفرقة بين الزوجين بهذه الدرجة فكيف يكون فرحه بالفرقة بين دعاة المسلمين .. فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم وأطيعوا الله ورسوله إن كنتم مؤمنين يقول عمر رضي الله عنه: ضع أمر أخيك على أحسنه حتى يأتيك منه ما يغلبك ولا تظن بكلمة خرجت من أخيك المسلم شرا وأنت تجد لها في الخير محملا وما كافأت من عصى الله فيك بمثل أن تطيع الله فيه.

ومن لوازم هذا القسم من العدل أيضا:

3-   الفرح بإصابة الغير للحق والحزن على مجانبتهم له:

ولعل هذا اللازم من أصعب لوازم الحق تحقيقا لأنه يمثل قمة العدل والتقوى والورع حيث نرى الكثير من دعاة المسلمين اليوم فضلا عن عامتهم إذا رأوا غيرهم قد أخطأ فإنهم يفرحون بذلك حتى يحسبونه غلبة، في الوقت الذي لو وجدوا خلاف ذلك من إصابة غيرهم للحق فإنهم يحزنون لهذه الإصابة وهذا والعياذ بالله هو الظلم والحقد والحسد الذي لا يلتقي مع العدل وحب الخير للناس.

ومن لوازمه كذلك:

4-   الشهادة للمحسن بإحسانه وللمسيء بإساءته:

فإننا نرى اليوم كثيرا من الناس يفرطون في محبتهم أو كرههم فإذا أحبوا شخصا أو طائفة ما فإنهم يفرطون في هذا الحب ولا يعدلون فيه، فلا يرون إلا الحسنات، ويتجاوزون عن الأخطاء والسيئات ويبررونها ويؤولونها، وكأن من أحبوه لا يجوز عليه الخطأ، وهذا غلو واعتداء في الحب قد يؤدي إلى الغلو في الرجال وتقديسهم، وفرق شاسع بين التقدير والتقديس، وفي مقابل ذلك إذا أبغضوا شخصا أو هيئة ما فإن هذا الكره ينسيهم كل الحسنات والإيجابيات أو يشككون في نوايا فاعليها في الوقت الذي لا يذكرون إلا الأخطاء مع التضخيم والتهويل لها، وهذا عين الظلم والاعتداء ومجانبة العدل والإنصاف الذي يقتضي الشهادة للمحسن بإحسانه بتجرد وإنصاف، وللمسيء بإساءته مع النصح له وتلمس الأعذار إن كان هناك ثمة عذر شرعي، والانتباه إلى أن كل ابن آدم خطاء، وكل يؤخذ من قوله ويرد إلا المعصوم صلى الله عليه وسلم .. فالاعتدال في الحب والكره من لوازم قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين وهكذا كانت سيرة سلفنا الصالح رضي الله عنهم ومواقفهم مع المخالفين لهم.

ومن لوازم هذا العدل كذلك:

5-   الابتعاد عن النجوى:

فمما يفرضه العدل على المسلم أن يبتعد عن النجوى التي من شأنها إحزان المسلمين وإثارة العداوة والبغضاء بينهم، وهي عامل مهم في ترويج الإشاعات يقول عز وجل: إنما النجوى من الشيطان ليحزن الذين آمنوا وليس بضارهم شيئا إلا بإذن الله وعلى الله فليتوكل المؤمنون  والنجوى لا تأتي بخير إلا في أحوال ثلاثة ذكرها الله عز وجل في قوله: لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس ولكن للأسف الشديد فإن الكثير من هذه اللوازم إن لم تكن جميعها لم تزل في الطور السلبي النظري دون أن تجد طريقها إلى التطبيق العملي الواقعي، ولعل السبب في ذلك يرجع إلى مرض القلوب لأن صاحب القلب السليم لا يؤذي المسلمين وإن آذوه، لا يشغل قلبه وسره بما ناله من الأذى وطلب الوصول إلى درك ثأره وشفاء نفسه، بل يفرغ قلبه من ذلك، بل لسان حاله يقول:  ولنصبرن على ما آذيتمونا وعلى الله فليتوكل المتوكلون ويقول: وأفوض أمري إلى الله إن الله بصير بالعباد ويقول: إنما أشكو بثي وحزني إلى الله وأعلم من الله ما لا تعلمون ويلوذ بالله عز وجل مستعينا به على نفسه سائله أن يطهر قلبه من الغل لإخوانه المسلمين بل ويدعو لهم: ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم ويعمل على طهارته من الظلم والغل والحقد والحسد مستشعرا معنى قوله عز وجل: يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم .

وكذا كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم هينين لينين، أشداء على الكفار، رحماء بينهم.

ولو تأمل كل واحد منا قوله عز وجل: ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم لو جعلنا هذه الآية منهجا لنا في تعاملنا لزالت كثير من أسباب الفرقة والشقاق والخلاف التي حذرنا الله منها وعاقبتها فقال: ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين .

كذلك فإن من أسباب حصول العدل ولوازمه في الوقت ذاته.

6-   الصدق والوضوح:

فالصدق يؤدي إلى العدل كما أن العدل يستلزم الصدق والوضوح في الأقوال والأفعال بعكس ما يحدث في زماننا من الأساليب الغامضة في تعامل المسلمين مع بعضهم البعض، وهذا الغموض وعدم الوضوح وسوء الظن بالمسلمين من الأمراض الخطيرة التي تؤدي إلى إذكاء العداوة والفرقة بين المسلمين وعدم إطمئنان بعضهم إلى بعض، والأصل أن يفترض الصدق في المسلم وألا يساء الظن به ورأينا كيف قال صلى الله عليه وسلم عندما سمع من حاطب عذره قال: ((صدق ولا تقولوا إلا خيرا)) ولم يذهب إلى سوء الظن به واتهامه بالكذب أو باللف والدوران كما يقولون.

وفي الصحيحين عن حكم بن حزام رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((البيعان بالخيار ما لم يتفرقا أو قال حتى يتفرقا فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما، وإن كتما وكذبا محقت بركة بيعهما)). فإن كان الصدق والوضوح سببا لحصول البركة للمتبايعين على سلعة، والكذب والكتمان يمحق بركة بيعهما، إذا كان الأمر كذلك في أمر من أمور الدنيا فكيف يكون الحال إذا كان الصدق أو الكذب على أمر من أمور الآخرة لأن الدعوة عبادة يراد بها الدار الآخرة، فالصدق والوضوح بين أصحاب الدعوة وحسن الظن فيما بينهم ينتج عنه نتائج طيبة ويبارك الله عز وجل في جهودهم وتعاونهم، والعكس بالعكس، فإن الكذب والأساليب الملتوية لم ينتج عنها إلا الفرقة وسوء الظن وتشتيت الشمل.

وهنا يجب إيضاح أنه لا تعارض بين وجود الصدق والوضوح وبين الكتمان فإن كان لابد متحدثا فليكن صادقا واضحا وإلا فليصمت، هذا بين المسلمين بعضهم البعض، أما الكافرون والمنافقون الذين يصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجا وينكلون بالدعاة والعلماء الصادقين المخلصين فإن التعامل معهم يجب أن يكون بحذر وتقدير ما ينبغي أن يقال وأن لا يطلعوا على أسرار المسلمين بحجة الصدق والوضوح.

أيها المسلمون: اتقوا الله عز وجل وأصلحوا ذات بينكم وألزموا أنفسكم بالعدل في القول والعمل، واحذروا من نزعات الشيطان وحزبه إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدواً فوتوا عليه مكره وكيده إن الشيطان آيس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب ولكن رضي بالتحرش بينهم .

فاتقوا الله عز وجل فهي مفتاح كل خير، وهي مفتاح العدل يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو اقرب للتقوى واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون .

أيها المسلمون: إن أعداءكم أعداء الله قد وحدوا صفوفهم وجمعوا كلمتهم ليصدوكم عن دينكم وإن الواجبات الملقاة على المسلمين الصادقين أكبر وأضخم مما تستطيعه طائفة واحدة منهم فإن لم يصلحوا ذات بينهم ويوحدوا صفوفهم وكلمتهم فإن فسادا كبيرا لاشك نازل إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير .

اللهم إنا نسألك كلمة الحق والعدل في الغضب والرضا، ونسألك القصد في الفقر والغنى اللهم ألف بين قلوبنا وأصلح ذات بيننا، وزينا بزينة الإيمان واجعلنا هداة مهتدين وصلّ اللهم وسلم وبارك على نبينا محمد، والحمد لله رب العالمين.

الخطبة الثانية

لم ترد.

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

إلى أعلى

إذا كانت لديك أية ملاحظات حول هذه الخطبة، إضغط هنا لإرسالها لنا.

كما نرجو كتابة رقم هذه الخطبة مع رسالتك ليتسنى لنا التدقيق وتصويب الأخطاء

 
 

 2004© مؤسسة المنبر الخيرية للمواقع الدعوية على شبكة الإنترنت، جميع الحقوق محفوظة

عدد الزوار حالياً