الحمد لله قاهر المتجبرين وناصر المستضعفين وقيوم السماوات والأرضين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك الحق المبين ذل لكبريائه جبابرة السلاطين وبطل أمام قدرته كيد الكائدين قضى قضاءه كما شاءه على الخاطئين وسبق اختياره من اختاره من العالمين فهؤلاء أهل الشمال وهؤلاء أهل اليمين ولولا ذلك ما امتلأت النار من المجرمين ولو شئنا لآتينا كل نفس هداها ولكن حق القول مني لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين [السجدة:13]. تلك حكمته سبحانه وهو حكم الحاكين وأشهد أن محمدا عبده ورسوله العبد الصادق الوعد الأمين صلى الله عليه وسلم وصحبه الغر الميامين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
فمن الاستعداد ليوم الرحيل بعد إصلاح القلب إصلاح اللسان ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه ونحن أقرب إليه من حبل الوريد إذ يتلقى المتلقيان عن اليمين وعن الشمال قعيد ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد [ق:16-18]. فإن الرجل ليتكلم الكلمة لا يلقي لها بالا يزل بها أبعد مما بين المشرق والمغرب، وهل يكب الناس في النار على وجوههم أو على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم. فمن حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه ومن تكلم فيما لا يعنيه حرم الصدق وعاد بالهم والبؤس وأكثر الناس ذنوبا يوم القيامة أكثرهم كلاما فيما لا يعنيهم قال الحسن رحمه الله: من علامة إعراض الله تعالى عن العبد أن يجعل شغله فيما لا يعنيه خذلانا من الله عز وجل والعناية المرادة لا يحددها هوى النفس والقلب وإنما الذي يحددها هو حكم الشرع.
فلا تطلق لسـانك في كـلام يجـر عليك أحقابا وحوبا
ولا يبرح لـسانك كـل وقت بذكر الله ريـانا رطيبـا
جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إن شرائع الإيمان قد كثرت علي فأخبرني بشيء أتشبث به قال: ((لا يزال لسانك رطبا بذكر الله تعالى)) ففي ذكر الله شغل لك يكفيك عن الكلام فيما لا ينفعك ويكفيك من الغيبة والنميمة ومن الفحش والسباب ومن اللغو والكذب قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون والذين هم عن اللغو معرضون والذين هم للزكاة فاعلون والذين هم لفروجهم حافظون [المؤمنون:1-5]. فمصدر الخطر العظيم على الإنسان فرجه ولسانه فهما أكثر ما يدخل الناس النار ووالله كم عاقل لبيب قل عقله بسبب الشهوة وكم من عابد افتتن وسقط وخاب سعيه بسبب الشهوة فكلنا يحتاج إلى وقاية من هذه المهالك العظيمة فلسنا ملائكة بل كلنا بشر فينا الشهوة وفينا الضعف وما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي إن ربي غفور رحيم. نسأل الله السلام والعافية.
فغض عن المحارم منك طرفا طموحـا يفتن الرجل الأريبا
فخائنة العيون كأسـد غـاب إذا مـا أهملت وثبت وثوبـا
ومن يغضض فضول الطرف عنها يجد في قلبه روحا وطيبا
ثم لا بد من إصلاح البطن وصيانتها عن أي لقمة حرام أو أكلة حرام ولا يتم ذلك إلا بالأكل من الطيبات وتطهير المال من الحرام والشبهات ولا تقع في الحمق والغفلة كالذي يمد يديه إلى السماء يا رب يا رب ومطعمه حرام وملبسه حرام ومأكله حرام وغذي بالحرام فأنى يستجاب لذلك أنى يستجاب له وقد أعمته الدنيا فاكتسب في تحصيلها الذنوب والآثام ولم يرع حق من أنعم عليه ورعاه
نحن ندعو الإله في كل كرب ثـم ننساه عند كشف الكروب
كيف نرجـو إجابـة لدعـاء قد سـددنا طريقها بالذنـوب
فالدنيا لا تستحق من الاهتمام ذلك القدر الذي يوقع الإنسان في المعاصي والمحرمات.
وما هـي إلا جيفة مستحيلـة عليها كلاب همهن اجتذابها
فإن تجتنبها كنت سلما لأهلها وإن تجتذبها نازعتك كلابها
فازهد في الدنيا يحبك الله وازهد فيما عند الناس يحبك الناس وكن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل وعد نفسك من أهل القبور وإذا أمسيت فلا تنتظر الصباح وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء وخذ من صحتك لمرضك ومن حياتك لموتك فإن لكم أيها المسلمون بيوتا تتوجهون إليها غير هذه الدار فاعبروها ولا تعمروها يا قوم إنما هذه الحياة الدنيا متاع وإن الآخرة هي دار القرار [غافر:39]. فمن ذا الذي يبني على موج البحر نارا تلكم الدنيا فلا تتخذوها قرارا فإن الدنيا قد ارتحلت مدبرة وإن الآخرة قد ارتحلت مقبلة ولكل منها بنون فكونوا من أبناء الآخرة ولا تكونوا من أبناء الدنيا فإن اليوم عمل ولا حساب وغدا حساب ولا عمل ولا تنسوا أن الدنيا حرامها عقاب وحلالها حساب وهي والله ليست بدار قراركم كتب الله عليها الفناء وكتب الله على أهلها منها الظعن فكم من عامر موثق عما قليل يخرب وكم من قليل مغتبط عما قليل يظعن فاحسنوا رحمكم الله منها الرحلة بأحسن ما بحضرتكم من النقلة وتزودوا فإن خير الزاد التقوى فالعجب كل العجب ممن الدنيا مولية عنه والآخرة مقبلة عليه يشتغل بالمدبرة ويعرض عن المقبلة فوالذي نفسي بيده إن أحدكم لا يدري لعله أن يبيت في أهل الدنيا ويصبح في أهل الآخرة فكم من مستقبل ليوم لا يستكمله وكم من مؤمل لغد لا يدركه.
وما أدري وإن أملت عمرا لعلي حين أصبح لست أمسي
ألم تر أن كل صباح يـوم وعمرك فيه أقصر منه أمس
فلا يدعوك ما انت فيه من زهرة الدنيا وزينتها إلى الابتهاج بها والغفلة عم بعدها وفرحوا بالحياة الدنيا وما الحياة الدنيا في الآخرة إلا متاع [الرعد:26].
فيا من مد في كسب الخطايـا خطاه أما آن لك أن تتوبا
ألا فـاقلع وتب واجهـد فإنـا رأينا كل مجتهد مصيبـا
وأقبل صادقا في العزم واقصد جنابا للمنيب لـه رحيبـا
وكـن للصـالحين أخـا وخلا وكن في هـذه الدنيا غريبا
وكن عن كل فاحشـة جبـانـا وكن في الخير مقداما نجيبا
ولاحـظ زينـة الدنيـا ببغض تكن عبدا إلى المولى حبيبا
فمن يخبر زخـارفها يجـدها مخالبـة لطالبهـا خلوبـا
وغض عن المحارم منك طرفا طموحا يفتن الرجل الأريبا
فخائنة العيـون كأسـد غـاب إذا ما أهملت وثبت وثوبـا
ومن يغضض فضول الطرف عنها يجده في قلبه روحا وطيبـا
ولا تطلق لسانك فـي كـلام يجر عليك أحقابـا وحوبـا
ولا يبرح لسـانك كـل وقت بذكـر الله ريانـا رطيـبـا
وصل إذا الدجى أرخى سدولا ولا تضجر به وتكـن هيوبا
تجد أنسـا إذا أودعت قبـرا وفـارقت المعاشر والنسيبا
وصم ما تستطيع تجـده ريا إذا قمـت ظمآنـا سـغيبـا
وكن متصدقا سـرا وجهرا ولا تبخل به وكن سمحا رهوبا
تجد مـا قدمت يـداك ظـلا إذا ما اشـتد بالناس الكروبـا
و كن حسن السجايا وذا حياء طليق الوجـه لا شكسا غضوبا
اللهم لا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا ولا تسلط علينا بذنوبنا من لا يخافك ولا يرحمنا اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة امرنا وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا وأصلح لنا آخرتنا التي إليها معادنا واجعل الحياة زيادة لنا في كل خير واجعل الموت راحة لنا من كل شر ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم.
|