فإن من سنة الله القدرية والكونية أن ينجي أولياءه المؤمنين ويهلك ويدمر أعداءه الكافرين، فمنذ أن خلق الله سبحانه وتعالى الخلائق والصراع بين الحق والباطل على أشده فكانت إرادة الله بإهلاك الكافرين وإنجاء المؤمنين في كل صولة وجولة مع الكفر وأهله، فنوح عليه السلام لبث في قومه ألف سنة إلا خمسين عاماً يدعوهم الى الله فكذبوه وكفروا به وبما جاء به من عند ربه وقام من معه يدعونهم الى الله فكذبوه وكفروا به وبما جاء به من عند ربه، وما آمن معه الا قليل، فنجاه الله ومن معه وأهلك قومه الكافرين المكذبين قال تعالى حاكياً عنه في كتابه: قال رب إن قومي كذبون فأفتح بيني وبينهم فتحاً ونجني ومن معي من المؤمنين فأنجيناه ومن معه في الفلك المشحون ثم أغرقنا بعد الباقين [الشعراء: 117-120] وكذلك قوم عاد وثمود دمرهم الله وأهلكهم لما كذبوا الرسل وأشركوا بالله فقال الله تعالى: كذبت ثمود وعاد بالقارعة فأما ثمود فأهلكوا بالطاغية وأما عاد فأهلكوا بريح صرصر عاتية سخرها عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوماً فترى القوم فيها صرعى كأنهم أعجاز نخل خاوية فهل ترى لهم من باقية [الحاقة: 4-8] .
وكذلك قوم لوط أهلكهم الله لما فعلوا الفاحشة وكفروا بالله وكذبوا رسولهم، فأرسل الله سبحانه وتعالى عليهم حجارة من السماء فدمرهم الله بها، قال تعالى: فلما جاء أمرنا جعلنا عاليها سافلها وأمطرنا عليهم حجارة من سجيل منضود، مسومة عند ربك وماهي من الظالمين ببعيد [هود:82-83]، وقوم شعيب لما كذبوا رسولهم أهلكهم الله فقال تعالى: فكذبوه فأخذهم عذاب يوم الظلة إنه كان عذاب يوم عظيم [الشعراء:189] وفرعون الذي عتى وتجبر وطغى وأعلن كفره وتمرد على الله عز وجل دمره الله وأهلكه هو وشيعته فقال تعالى: ودمرنا ما كان يصنع فرعون وقومه وما كانوا يعرشون [الأعراف:137]، فهذه سنة الله القدرية الكونية في إهلاك الكافرين فكل الأمم السابقة تولى الله سبحانه وتعالى فيها إهلاك المشركين والكافرين بنفسه قال تعالى: فكلاً أخذنا بذنبه فمنهم من أرسلنا عليه حاصباً ومنهم من أخذته الصيحة ومنهم من خسفنا به الأرض ومنهم من أغرقنا وما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون [العنكبوت:40]، غير أن الله سبحانه وتعالى فضل أمة محمد على سائر الأمم بأن أقامها مقام عذابه القدري فجعل الله إهلاك الكفار على أيدي المؤمنين وهذا تشريف لمحمد ولأمته قال تعالى: قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم ويخزهم وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين ويذهب غيظ قلوبهم ويتوب الله على من يشاء والله عليم حكيم [التوبة:14-15] .
فمن تكريم الله لهذه الأمة أن أقامها مقام عذابه القدري ولذلك ما فرض الله سبحانه وتعالى الجهاد بنوعيه الدفع والطلب الا على محمد وأمته ولذلك كان الجهاد في هذا الدين ذروة سنام الإسلام وبه أمر النبي القائل: ((أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا اله الا الله وأن محمداً رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة، فاذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم، الا بحق الإسلام، وحسابهم على الله عز وجل))، إن سنة التدافع بين الحق والباطل قائمة ومستمرة الى قيام الساعة، ودين الإسلام مبني على مقاتلة الكافرين والتنكيل بهم وتطهير الأرض منهم ومن أوثانهم وشركياتهم وقاتلوهم حتى لاتكون فتنة ويكون الدين كله لله [الأنفال:39]، وهذا ما أمر الله به رسوله اذ يقول: فإما تثقفنهم في الحرب فشرد بهم من خلفهم لعلهم يذكرون [الأنفال:57\]، يقول العماد ابن كثير في تفسيره (2:423) فإما تثقفنهم في الحرب أي تغلبهم وتظفر بهم في حرب فشرد بهم من خلفهم أي: نكل بهم. قال ابن عباس والحسن البصري والضحاك والسدي وعطاء الخراساني وإبن عيينة ومعناه: غلظ عقوبتهم وأثخنهم قتلاً، ليخاف من سواهم من الأعداء من العرب وغيرهم، ويصيروا لهم عبرة لعلهم يذكرون وقال السدي: يقول: لعلهم يحذرون أن ينكثوا فيصنع بهم مثل ذلك.
واعلموا يا عباد الله أن سنة الله الجارية في عباده هي الدفع والمدافعة فيدفع الله الشر بالخير، والباطل بالحق، والكفر بالإيمان، والكافرين بالمؤمنين قال تعالى: ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض ولكن الله ذو فضل على العالمين [البقرة:251]، وقال تعالى: ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها إسم الله كثيراً ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز [الحج:40]، فاليهود يهود الى قيام الساعة، وكذلك النصارى صليبيون الى قيام الساعة، والكفر كفر حتى يرث الله الأرض ومن عليها، والمؤمنون مؤمنون حتى يدخلوا الجنة، والصراع بين الفريقين قائم، والمدافعة مستمرة الى قيام الساعة بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فاذا هو زاهق ولكم الويل مما تصفون [الأنبياء:18]، فليعلم هؤلاء الذين يدعون الى السلام مع اليهود والتسامح مع الصليبين، والتجاوز ونبذ العداوة مع المرتدين أن هذه الدعوات يروجها اليهود والصليبيون، فمنهج التفسير الغربي للمدافعة تنص على أن يبقى اليهود والنصارى أقوياء ليطبقوا عقيدتهم فينا، لذلك يرجون بيننا دعوات الإنسانية والعالمية ووحدة الأديان، ويؤسسون منظمات العفو الدولي وحقوق الإنسان لتحقيق ما يصبون اليه ويهدفون إليه، ألا وهو إذلال المسلمين وإماتة روح الجهاد في نفوسهم، وإنني لأستغرب من دعاة السلام العربي مع دولة يهود فهؤلاء قد تنصلوا عن دينهم وأهانوا أنفسهم ومن يهن الله فما له من مكرم إن الله يفعل ما يشاء [الحج:18] .
ومن يهُن يسهل الهوان عليه ما لجرح بميت إيلام، لكنني أتعجب من بعض المنتسبين الى الحركات الإسلامية حين يدعونك الى مثل هذه الدعوات، والحقيقة أن أمثال هؤلاء قد اصيبوا بإنهزامية نفسية، فباتوا يروجون لفتاوي عقيمة وكلمات ممجوجة سقيمة الهدف منها: إماتة العزة في نفس المسلم والقضاء على روح الجهاد الإسلامي لإرضاء أعداء الله ورسوله والمؤمنين.
فيا أيها المسلم إن الجهاد في سبيل الله هو عز الإسلام والمسلمين وعلم الجهاد قائم وماض الى قيام الساعة فعن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله قال: ((الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة))، وهذا مما أكده رسول الله فعن سلمة بن نفيل الكندي قال: ((كنت جالساً عند رسول الله فقال رجل: يا رسول الله أذال الناس الخيل - أي أهانوها وإستخفوا بها- ووضعوا السلاح وقالوا: لا جهاد، قد وضعت الحرب أوزارها فأقبل رسول الله بوجهه وقال: كذبوا، الآن جاء القتال ولا يزال من أمتي أمة يقاتلون على الحق ويزيع الله لهم قلوب أقوام ويرزقهم منهم حتى تقوم الساعة وحتى يأتي وعد الله))، هذه هي سنة الله القدرية الكونية في الصراع بين الحق والباطل وهذه هي الحقيقة الناصعة الربانية التي يجب أن نؤمن بها، أما ما يدعوا إليه المنهزمون نفسياً فإنه منهج غريب عن المنهج الإلهي ودعوة خرقاء لاصلة لها بعزة الإسلام، فنحن أقامنا الله مقام عذابه القدري، فجعل هلاك الكفار على ايدينا وهذه كرامة وشرف لنا يجب علينا أن لا نفرط فيها .
أسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه.
|