.

اليوم م الموافق ‏21/‏جمادى الأولى/‏1446هـ

 
 

 

سنة التدافع والمدافعة

1244

العلم والدعوة والجهاد

القتال والجهاد

حسين بن شعيب بن محفوظ

صنعاء

2/5/1420

غير محدد

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

ملخص الخطبة

1- قدم الصراع بين الحق والباطل. 2- إهلاك الله لأعداء الرسل. 3- تفضيل الله لهذه الأمة. 4- الجهاد من خصائص هذه الأمة. 5- الصراع بين الحق والباطل مستمر إلى قيام الساعة. 6- الدعوات الباطلة : الإنسانية ، العالمية ، وحدة الأديان ، حقوق الإنسان. 7- انهزامية دعاة السلام العالمي. 8- نصرة الله للمؤمنين إذا جاهدوا في سبيله. 9- الحكم من مشروعية الجهاد.

الخطبة الأولى

فإن من سنة الله القدرية والكونية أن ينجي أولياءه المؤمنين ويهلك ويدمر أعداءه الكافرين، فمنذ أن خلق الله سبحانه وتعالى الخلائق والصراع بين الحق والباطل على أشده فكانت إرادة الله بإهلاك الكافرين وإنجاء المؤمنين في كل صولة وجولة مع الكفر وأهله، فنوح عليه السلام لبث في قومه ألف سنة إلا خمسين عاماً يدعوهم الى الله فكذبوه وكفروا به وبما جاء به من عند ربه وقام من معه يدعونهم الى الله فكذبوه وكفروا به وبما جاء به من عند ربه، وما آمن معه الا قليل، فنجاه الله ومن معه وأهلك قومه الكافرين المكذبين قال تعالى حاكياً عنه في كتابه: قال رب إن قومي كذبون فأفتح بيني وبينهم فتحاً ونجني ومن معي من المؤمنين فأنجيناه ومن معه في الفلك المشحون ثم أغرقنا بعد الباقين [الشعراء: 117-120] وكذلك قوم عاد وثمود دمرهم الله وأهلكهم لما كذبوا الرسل وأشركوا بالله فقال الله تعالى: كذبت ثمود وعاد بالقارعة فأما ثمود فأهلكوا بالطاغية وأما عاد فأهلكوا بريح صرصر عاتية سخرها عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوماً فترى القوم فيها صرعى كأنهم أعجاز نخل خاوية فهل ترى لهم من باقية [الحاقة: 4-8] .

وكذلك قوم لوط أهلكهم الله لما فعلوا الفاحشة وكفروا بالله وكذبوا رسولهم، فأرسل الله سبحانه وتعالى عليهم حجارة من السماء فدمرهم الله بها، قال تعالى: فلما جاء أمرنا جعلنا عاليها سافلها وأمطرنا عليهم حجارة من سجيل منضود، مسومة عند ربك وماهي من الظالمين ببعيد [هود:82-83]، وقوم شعيب لما كذبوا رسولهم أهلكهم الله فقال تعالى: فكذبوه فأخذهم عذاب يوم الظلة إنه كان عذاب يوم عظيم [الشعراء:189] وفرعون الذي عتى وتجبر وطغى وأعلن كفره وتمرد على الله عز وجل دمره الله وأهلكه هو وشيعته فقال تعالى: ودمرنا ما كان يصنع فرعون وقومه وما كانوا يعرشون [الأعراف:137]، فهذه سنة الله القدرية الكونية في إهلاك الكافرين فكل الأمم السابقة تولى الله سبحانه وتعالى فيها إهلاك المشركين والكافرين بنفسه قال تعالى: فكلاً أخذنا بذنبه فمنهم من أرسلنا عليه حاصباً ومنهم من أخذته الصيحة ومنهم من خسفنا به الأرض ومنهم من أغرقنا وما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون [العنكبوت:40]، غير أن الله سبحانه وتعالى فضل أمة محمد على سائر الأمم بأن أقامها مقام عذابه القدري فجعل الله إهلاك الكفار على أيدي المؤمنين وهذا تشريف لمحمد ولأمته قال تعالى: قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم ويخزهم وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين ويذهب غيظ قلوبهم ويتوب الله على من يشاء والله عليم حكيم [التوبة:14-15] .

فمن تكريم الله لهذه الأمة أن أقامها مقام عذابه القدري ولذلك ما فرض الله سبحانه وتعالى الجهاد بنوعيه الدفع والطلب الا على محمد وأمته ولذلك كان الجهاد في هذا الدين ذروة سنام الإسلام وبه أمر النبي القائل: ((أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا اله الا الله وأن محمداً رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة، فاذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم، الا بحق الإسلام، وحسابهم على الله عز وجل))1، إن سنة التدافع بين الحق والباطل قائمة ومستمرة الى قيام الساعة، ودين الإسلام مبني على مقاتلة الكافرين والتنكيل بهم وتطهير الأرض منهم ومن أوثانهم وشركياتهم وقاتلوهم حتى لاتكون فتنة ويكون الدين كله لله [الأنفال:39]، وهذا ما أمر الله به رسوله اذ يقول: فإما تثقفنهم في الحرب فشرد بهم من خلفهم لعلهم يذكرون [الأنفال:57\]، يقول العماد ابن كثير في تفسيره (2:423) فإما تثقفنهم في الحرب أي تغلبهم وتظفر بهم في حرب فشرد بهم من خلفهم أي: نكل بهم. قال ابن عباس والحسن البصري والضحاك والسدي وعطاء الخراساني وإبن عيينة ومعناه: غلظ عقوبتهم وأثخنهم قتلاً، ليخاف من سواهم من الأعداء من العرب وغيرهم، ويصيروا لهم عبرة لعلهم يذكرون وقال السدي: يقول: لعلهم يحذرون أن ينكثوا فيصنع بهم مثل ذلك.

واعلموا يا عباد الله أن سنة الله الجارية في عباده هي الدفع والمدافعة فيدفع الله الشر بالخير، والباطل بالحق، والكفر بالإيمان، والكافرين بالمؤمنين قال تعالى: ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض ولكن الله ذو فضل على العالمين [البقرة:251]، وقال تعالى: ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها إسم الله كثيراً ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز [الحج:40]، فاليهود يهود الى قيام الساعة، وكذلك النصارى صليبيون الى قيام الساعة، والكفر كفر حتى يرث الله الأرض ومن عليها، والمؤمنون مؤمنون حتى يدخلوا الجنة، والصراع بين الفريقين قائم، والمدافعة مستمرة الى قيام الساعة بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فاذا هو زاهق ولكم الويل مما تصفون [الأنبياء:18]، فليعلم هؤلاء الذين يدعون الى السلام مع اليهود والتسامح مع الصليبين، والتجاوز ونبذ العداوة مع المرتدين أن هذه الدعوات يروجها اليهود والصليبيون، فمنهج التفسير الغربي للمدافعة تنص على أن يبقى اليهود والنصارى أقوياء ليطبقوا عقيدتهم فينا، لذلك يرجون بيننا دعوات الإنسانية والعالمية ووحدة الأديان، ويؤسسون منظمات العفو الدولي وحقوق الإنسان لتحقيق ما يصبون اليه ويهدفون إليه، ألا وهو إذلال المسلمين وإماتة روح الجهاد في نفوسهم، وإنني لأستغرب من دعاة السلام العربي مع دولة يهود فهؤلاء قد تنصلوا عن دينهم وأهانوا أنفسهم ومن يهن الله فما له من مكرم إن الله يفعل ما يشاء [الحج:18] .

ومن يهُن يسهل الهوان عليه ما لجرح بميت إيلام، لكنني أتعجب من بعض المنتسبين الى الحركات الإسلامية حين يدعونك الى مثل هذه الدعوات، والحقيقة أن أمثال هؤلاء قد اصيبوا بإنهزامية نفسية، فباتوا يروجون لفتاوي عقيمة وكلمات ممجوجة سقيمة الهدف منها: إماتة العزة في نفس المسلم والقضاء على روح الجهاد الإسلامي لإرضاء أعداء الله ورسوله والمؤمنين.

فيا أيها المسلم إن الجهاد في سبيل الله هو عز الإسلام والمسلمين وعلم الجهاد قائم وماض الى قيام الساعة فعن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله قال: ((الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة))2، وهذا مما أكده رسول الله فعن سلمة بن نفيل الكندي قال: ((كنت جالساً عند رسول الله فقال رجل: يا رسول الله أذال الناس الخيل - أي أهانوها وإستخفوا بها- ووضعوا السلاح وقالوا: لا جهاد، قد وضعت الحرب أوزارها فأقبل رسول الله بوجهه وقال: كذبوا، الآن جاء القتال ولا يزال من أمتي أمة يقاتلون على الحق ويزيع الله لهم قلوب أقوام ويرزقهم منهم حتى تقوم الساعة وحتى يأتي وعد الله))3، هذه هي سنة الله القدرية الكونية في الصراع بين الحق والباطل وهذه هي الحقيقة الناصعة الربانية التي يجب أن نؤمن بها، أما ما يدعوا إليه المنهزمون نفسياً فإنه منهج غريب عن المنهج الإلهي ودعوة خرقاء لاصلة لها بعزة الإسلام، فنحن أقامنا الله مقام عذابه القدري، فجعل هلاك الكفار على ايدينا وهذه كرامة وشرف لنا يجب علينا أن لا نفرط فيها .

أسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه.



1 -  متفق عليه من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما .

2 – متفق عليه .

3  - أخرجه النسائي (6:214) بإسناد صحيح.

الخطبة الثانية

لقد أعطى الله سبحانه وتعالى المؤمنين ضمانات أكيدة عند جهادهم في سبيل الله، فمنها أنه يدافع عنهم، وأنه ناصرهم ما داموا ينصرون دينه، وأنه ممكنهم الأرض ومستخلفهم فيما إذا أقاموا علم الجهاد وأعترفوا بدينهم لا بغيره، قال تعالى: إن الله يدافع عن الذين آمنوا إن الله لا يحب كل خوان كفور أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق الا أن يقولوا ربنا الله ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيراً ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور [الحج:38-41]، وقد يتساءل المرء إذا كان الله قد تولى الدفاع عن المؤمنين فلماذا فرض عليهم الجهاد؟ ولماذا لم يهلك الله الكافرين كما أهلك الأمم السابقة؟ ممن كذّبوا الله ورسله وبذلك يعفي المسلمين عن تكاليف الجهاد وتبعاته؟

        وللإجابة عن هذا التساؤل نقول: إن الله سبحانه وتعالى فرض علينا الجهاد بنوعيه: الدفع والطلب، لحكمة يعلمها هو سبحانه وتعالى، وقد يظهر لنا بعض تلك الحكم فمنها:

أولاً: أنه سبحانه وتعالى شرفنا وكرمنا بأن أقامنا مقام عذابه القدري فأي كرامة وتشريف أعظم من هذا.

ثانياً: أنه سبحانه وتعالى فرض الجهاد على هذه الأمة للإبتلاء، ليميز الله الخبيث من الطيب ويجعل الخبيث بعضه على بعض فيركمه جميعاً فيجعله في جهنم أولئك هم الخاسرون [الأنفال:37]، ويبتلي الله عباده ليعلم الصادق في إيمانه من الكاذب والمؤمن من المنافق ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلو أخباركم [محمد:31] فالله قادر أن ينتصر منهم من غير قتال ولكن جعل الجهاد والدافع والمدافعة ليبلوا المؤمنين بالكافرين قال تعالى: ولو شاء الله لانتصر منهم ولكن ليبلو بعضكم ببعض [محمد:4]، وقال تعالى: وليمحص الله الذين آمنوا ويمحق الكافرين [آل عمران:141]

ثالثاً: إن من الحكم التي لأجلها فرض الله الجهاد وعلى المؤمنين أن يبين أنه لا يريد من عباده مجرد صلاة وصيام وقيام وذكر وتلاوة قرآن فقط، نعم هذه العبادات مطلوبة ولكن أن يقتصر الإنسان عليها، ثم ينكفئ على نفسه فيحشرها في زاوية من زوايا العبادة كفعل الدراويش والمتصوفة، تاركاً الأرض يعبث فيها الأعداء فلا يدفعهم ولا يجاهدهم ولا يأطرهم على الحق أطراً ولا يقصرهم عليها قصراً، فهذا الصنيع مما يأباه الله لعباده المؤمنين ولا يرضاه لهم أبداً.

 

(والذي ندركه نحن البشر من تلك الحكمة وليظهر لعقولنا ومداركنا من تجاربنا ومعارفنا أن الله سبحانه لم يرد أن يكون جملة دعوته وحماتها من التنابلة الكسالى، الذي يجلسون في إسترخاء ثم يتنزل عليهم نصره سهلاً هيناً بلا عناء، لمجرد أنهم يقيمون الصلاة ويرتلون القرآن ويتوجهون الى الله بالدعاء، كلما مسهم الأذى ووقع عليهم الإعتداء، نعم يجب أن يقيموا الصلاة وأن يرتلوا القرآن وأن يتوجهوا الى الله بالدعاء في السراء والضراء، ولكن هذه العبادة وحدها لا تؤهلهم لحمل دعوة الله وحمايتها إنما هي الزاد الذي يتزودونه للمعركة والذخيرة التي يدخرونها للموقعة والسلام الذي يطمئنون اليه وهم يواجهون الباطل بمثل سلاحه ويزيدون عنه سلاح التقوى والإيمان والإتصال بالله)3، إن المنهزمين نفسياً والراكضين اللاهثين خلف السلام المزعوم مع دولة اليهود غافلون عن سنة التدافع والمدافعة، فالإنهزامية التي تملأ نفوسهم سببها الذل الذي منيوا به نتيجة تركهم الجهاد في سبيل الله وما ترك قوم الجهاد الا ذلوا، وصدق رسول الله القائل: ((اذا تبايعتم بالعينة ورضيتم بالزرع وأخذتم أذناب البقر وتركتم الجهاد سلط الله عليكم ذلاً لا ينزعه من قلوبكم حتى تراجعوا دينكم))4، فنحن قوم عزنا بالإسلام وبإقامة على الجهاد، شرف لنا وفخر لنا وكرامة لنا أن أقامنا الله مقام عذابه القدري ليكون هلاك الكافرين على أيدينا، فالمنهزمون نفسياً من باتوا يخافون حتى من ظلهم، فلا مقام لهم بيننا، فإن سنة الله الجارية في هذا الكون هي الإثخان بالكافرين وإظهار العداوة لهم وبغضهم ومقاتلتهم وذلك من أوثق عرى الإيمان يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم [المائدة:54] هذه هي سنة الله الجارية في عباده ولن تجد لسنة الله تبديلاً ولن تجد لسنة الله تحويلاً [فاطر:43].

 

 



3  - في ظلال القرآن 4:2425 -  سيتعطب .

4  - أخرجه أبو داود بإسناد حسن عن عبدالله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما .

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

إلى أعلى

إذا كانت لديك أية ملاحظات حول هذه الخطبة، إضغط هنا لإرسالها لنا.

كما نرجو كتابة رقم هذه الخطبة مع رسالتك ليتسنى لنا التدقيق وتصويب الأخطاء

 
 

 2004© مؤسسة المنبر الخيرية للمواقع الدعوية على شبكة الإنترنت، جميع الحقوق محفوظة

عدد الزوار حالياً