أما بعد:
أيها الناس: اتقوا الله تعالى وتمسكوا بكتاب ربكم وسنة نبيكم... يقول الله تعالى في كتابه الكريم: واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله ويتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم ولقد علموا لمن اشتراه ماله في الآخرة من خلاق ولبئس ما شروا به أنفسهم لو كانوا يعلمون [البقرة:102].
إخوة الإيمان: لكثرة الملحين على تناول هذا الموضوع وطرحه ولتعلقه الكبير بإيمان الناس وعقيدتهم، رأيت لزاما علي أن نتحدث اليوم عن موضوع السحر.
ولست أزعم إخوة الإيمان: أنني سأغوص في تفاصيل هذا الموضوع وطرقه ودروسه وتاريخه، فهذا ما لا أراه مجديا ولا الوقت كافيا، وللأسف أننا نرى الآن انتشار بعض الكتب التي يتداولها عامة الناس من صغار وكبار ورجال ونساء في هذا الأمر وهم لا يعلمون شرها وضررها، أما لماذا نطرح هذا الموضوع، فلأنه موضوع مهم وقضية هامة من قضايا المجتمع كل فرد ينتمي إلى هذا المجتمع ولهذه الأمة هو من المعنيين بحديثنا هذا اليوم عن السحر، إن حديثنا عن السحر، حديث القرآن عن السحر، ذلك الحديث الذي ذكر الله سبحانه وتعالى فيه أن السحر ضلالة وكفر وذكر فيه المولى جل وعلا أن السحر ينتج عنه التفريق بين المرء وزوجه، وقِسْ على ذلك ما تشاء من التفريق بين الأم وأبنائها وبين الوالد وأولاده وبين الجار وجيرانه والقريب وأقربائه.
إننا نعرف أنا هناك من يرى أن طرح هذا الموضوع لا أهمية له بجانب قضايا كبيرة أهم منه ولكن هؤلاء ربما لم يقدروا الآثار العظيمة التي دعتنا للحديث عنه:
أولها: تنبيه الأمة على خطر السحر والشعوذة في المجتمع، فلقد شاع وذاع وراج في مجتمعنا من قضايا السحر والشعوذة الكثيرة، فهو الجزاء الرادع الذي ينتظر الزوج من زوجته أو العكس، وهو كذلك الترجمة الحقيقة لما يحيك في النفس الشريرة من مؤامرات، ومن تدبير لتفريق الأسر، وهدم المجتمع وضياع الأفراد ،ويصاحب ذلك من الهوى المتبع ومن الشيطان المريد ومن ضعف الإيمان ما يجعله تجارة سائغة موجودة في المجتمع يجب التنبه إليها.
ثاني هذه الأسباب: التي دعتنا لطرح هذا الموضوع هو قلة زواج أو لتحقيق نجاح يعتقده الإنسان، ويكون في أكثر الأحيان للتخلص من عدو يراه الإنسان وإنني أقول أن من يسلك هذا المسلك هو من الذين فقدوا المعنى الحقيقي لـ لا إله إلا الله تلك الكلمة التي حملها بين جنبيه ورددها بلسانه وأشهرها وأعلنها مبدأ من مبادئه ولكنه يفقد معنى هذه الكلمة حينما يسلم نفسه إلى الساحر أو الكاهن ليفعل به ما يريد، يقول جل وعلا: أفتأتون السحر وأنتم تبصرون ، أما الأسباب التي أدت بالإنسان إلى ذهابه إلى السحرة فهي:
أولها: ضعف الإيمان : هو سبب لكثير من القضايا حيث يقل توكل الإنسان على ربه فتضعف نفسه لدواعي الشيطان ومهلكاته بالسحر وغيرها.
ثاني هذه الأسباب: الجهل بالدين وقلة العمل فإن كثيرا من الذين يذهبون إلى السحرة لا يعلمون أنه منكر وكفر بل قد يظن الرجل أحيانا أن السحرة مثل القراء الذين يقرؤن الرقى الشرعية، بل يظن البعض أنها قربة له في أن يفرج عن المريض أو المصاب كربته، أو كخدمة لقريب له أو صديق يقول : ((من أتى ساحرا أو عرافا فسأله فصدقه فقد كفر بما أنزل على محمد)) رواه أحمد، وقال : ((من أتى كاهنا أو عرافا فسأله لم تقبل له صلاة أربعين يوما))، وعد شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب من نواقض الإسلام:
الإعراض عن دين الله لا يعلمه المرء ولا يتعلمه، وأيضا من الأسباب التي تدعو إلى هذا العمل كثرة الفراغ لدى الشباب والشابات وغيرهم وهو منبع كل شر.
أما السبب الذي لا نستطيع أن نخفي أثره في نشر السحر وتهوين أمره فهي تعرض لنا مثل هذه البائقة التي عدها رسول الله من الموبقات من خلال البرامج المطروحة، فنرى أطفالنا يتلقون الأفلام الكرتونية التي تبين السحر والسحرة وكيف أثرهم حتى أن الساحر منهم بعصاه ذي النجمة يستطيع تحويل كل شيء لما يحب، من تحويل الجو وبناء القصور في لحظة والمدافعة عن المظلومين لكي يحبه هذا الطفل الصغير بل وقد يقلده وكل ذلك يعرض ونحن في غفلة، كذلك ما يعرض في الأفلام والمسلسلات من استعانة بالسحرة واللجوء إليهم عند الشدائد ألا ترون إخوة الإيمان أن لذلك كبير الأثر على الأسرة المسلمة الموحدة.
هذا فضلا عن الجرائد والمجلات التي تجلب لنفسها الإثارة والمتعة بالتشويق مثل هذه الأمور حتى أن جريدة عربية واحدة منها على سبيل المثال استمرت في عرض حلقات مطولة وعبر ثلاث صفحات على الأقل بعنوان كيف تتعلم السحر؟! وغيرها من المجلات والجرائد التي تغفل عنها وهي تعرض المقابلات مع السحرة والكهنة وكيف يتعلمون السحر وما هي طرقكم في السحر إلى أخر ذلك من الأسئلة التعليمية، وانظر مثالا للإيمان بالشعوذة والكتابة والأبراج والحظ فأنت إن ولدت في يوم كذا ستكون مشئوما وفي يوم كذا ستكون سعيدا أو حظك اليوم سعيد أو حظك اليوم شقاء وغير ذلك من ترهات نشتريها بأموالنا ونغذي بها عقول أولادنا ونسائنا.
ومن الأسباب كذلك لإنتشار السحر: سوء بعض العمالة الوافدة، وأكثرها غير مسلم من الخادمات على وجه الخصوص اللاتي يختلطن في البيوت وكذلك السائقين والعمال من الديانات الهندوسية والبوذية والنصرانية وغيرها، وإنني على يقين من أن بعضكم يعرف قصصا تثبت ما أقول.
عباد الله إن أحوال السحرة وعاداتهم وطبائعهم غريبة كل الغرابة، بل وشاذة أنزه أسماعكم وهذا المنبر من ذكر بعضها أو كلها، ولا يفلح الساحر حيت أتى ويكفي هذا الأمر لكي نعلم مدى السوء الذي يصلون إليه حينما يكونوا من السحرة أو الكهنة ولذلك فقد كان حد الساحر ضربة بالسيف كما ورد ذلك عن النبي ، قال الإمام مالك رحمه الله في الموطأ : " الساحر الذي يعمل السحر ولم يعمل ذلك له غيره هو مثل الذي قال الله تبارك وتعالى في كتابه: ولقد علموا لمن اشتراه ما له في الآخرة من خلق فأرى أن يقتل إذا عمله بنفسه .." وقال مثل ذلك الإمام الشافعي رحمه الله . وإن مما يساعد السحرة ويجعل سوقهم رائجة الوهم الذي يصيب الكثير منا لأي هاجس يصاب به الإنسان أو حالة نفسية طبيعية تصيبه أو مرض غير معروف للوهلة الأولى وخصوصا لدى النساء اللاتي يسارعن إلى الشك بأن هذا الوهم عمل من السحر، بل ونسارع إلى علاجه قبل كل شيء بالذهاب إلى السحرة وتصديقهم فيما يقولون ودفع المبالغ الطائلة لهم بل والإشراك بالله في بعض الأحيان إما بقول فيه شرك أو بالذبح لغير الله وغير ذلك وهذا من أعظم الطوام، وعلى فرض أن السحر وقع حقيقة لا تجد أننا نسعى لكتاب الله نطلب فيه الشفاء الذي يقول الله تعالى عنه : وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين [سورة الفلق]. ولا شك أن القرآن أثبت أن فيه العلاج لكثير من الأمراض والأسقام وهناك مع ذلك الطرق المشروعة التي قال بها الفقهاء عند الإصابة بالسحر أو قبل الإصابة به كقراءة الأوراد والأذكار الحافظة للإنسان من كل شر وكذلك الرقى الشرعية أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم قل أعوذ برب الفلق من شر ما خلق ومن شر غاسق إذا وقب ومن شر النفاثات في العقد ومن شر حاسد إذا حسد ، بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو الغفور الرحيم. |