أما بعد:
فيا عباد الله: داء خطير وبلاء مستطير وشر خطير متى دب في أمة أماتها وأهلكها ما لم يتداركها الله برحمته ذلكم هو داء النفاق الذي قال الله في المتصفين به: إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ولن تجد لهم نصيراً ، وقال تعالى: إن الله جامع المنافقين والكافرين في جهنم جميعاً , وإنما عظم خطره وكبر شره بسبب عظيم نكايته في الأمة المسلمة فهو عليها أشد من عدوها الخارجي لأن العدو الخارجي من الكفار صرحاء لا تنطلي حيلهم على السذج من الناس، بينما المنافقون يغتر بكلامهم الكثير من العامة بل وبعض الخاصة، قال تعالى في صحابة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: وفيكم سماعون لهم أي قد يصدق بعض ما يقولون وينخدع به، بل إن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يقبل منهم ظواهرهم ويكل سرائرهم إلى الله فاستغلوا ذلك في أذيته والوقيعة به وبدينه صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ويقولون هو أذن أي يصدق كل ما يقال له ولذلك نفعل ما نشاء ثم نقول له من الكلام الذي يرضيه وينتهي الأمر ولم يغيروا من أمرهم شيئاً، فأنزل الله فيهم: ومنهم الذين يؤذون النبي ويقولون هو أذن ، ولذلك فالعاصم من الوقوع في حبائل المنافقين هو الصلة القوية بكتاب الله الذي هتك أستارهم: ذلك بأنهم قالوا للذين كرهوا ما نزل الله سنطيعكم في بعض الأمر والله يعلم إسرارهم فقد كانوا يقولون لأعداء الله سنطيعكم في بعض الأمر أي ليس في كل الأمر وإلا لكانوا كفاراً صرحاء فهم يطيعون رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم في بعض الأمر ويطيعون الذين كرهوا ما أنزل الله في بعض الأمر، قال تعالى: والله يعلم إسرارهم ، كما قال في الآية الأخرى عنهم: ويقولون طاعة أي يظهرون طاعتهم لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ماداموا عنده: فإذا برزوا من عندك (أي خرجوا والتقوا بالذين كرهوا ما أنزل الله) بيت طائفة منهم غير الذي تقول أي يضمرون تنفيذ غير ما قالوه لك وغير ما التزموا لك به من الطاعة, قال تعالى: والله يكتب ما يبيتون أي يعلم إسرارهم حيث لا تخفى عليه منهم خافية, فأعرض عنهم وتوكل على الله وكفى بالله وكيلاً أي لا تنخدع بكلامهم ووعودهم وكن مفوضاً أمرك إلى ربك وسيكفيك أمرك كله. ثم هددهم جل وعلا بقوله: أم حسب الذين في قلوبهم مرض أن لن يخرج الله أضغانهم ولو نشاء لأريناكهم فلعرفتهم بسيماهم ولتعرفنهم في لحن القول والله يعلم أعمالكم ولنبلونكم حتى نعلم الصابرين منكم والمجاهدين ونبلوا أخباركم , قال ابن كثير رحمة الله عليه في تفسير هذه الآيات يقول تعالى: أم حسب الذين في قلوبهم مرض أن لن يخرج الله أضغانهم أي أيعتقد المنافقون أن الله لا يكشف أمرهم لعباده المؤمنين بل سيوضح أمرهم حتى يفهمهم ذوو البصائر وقد أنزل الله في ذلك سورة براءة فبين فيها فضائحهم وما يعتمدونه من الأفعال الدالة على نفاقهم ولذلك كانت تسمى الفاضحة، قال والأضغان جمع ضغن وهو ما في النفس من الحسد والحقد للإسلام والقائمين على نصره, وقوله تعالى: ولو نشاء لأريناكهم فلعرفتهم بسيماهم يقول تعالى ولو نشاء يا محمد لأريناك أشخاصهم فعرفتهم عياناً، ولكن لم يرضَ يفعل تعالى ذلك في جميع المنافقين ستراً منه على خلقه وحملاً للأمور على ظاهر السلامة ورداً للسرائر إلى عالمها, ولتعرفنهم في لحن القول أي فيما يبدو من كلامهم الدال على مقاصدهم يفهم المتكلم من أي الحزبين هو بمعاني كلامه وفحواه وهو المراد من لحن القول كما قال أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه: (ما أسر أحد سريرة إلا أبداها الله على صفحات وجهه وفلتات لسانه)، وفي الحديث: ((ما أسر أحد سريرة إلا كساه الله جلبابها إن خير فخيراً وإن شراً فشر)), انتهى كلام ابن كثير.
اللهم استرنا ولا تفضحنا. اللهم إنا نعوذ بك من النفاق كله جميعه وقليله. اللهم إنا نسألك العلم النافع والعمل الصالح.
اللهم إنا نسألك علماً نافعاً وقلباً خاشعاً ولساناً ذاكراً. اللهم إنا نعوذ بك من علم لا ينفع ومن قلب لا يخشع ومن عين لا تدمع ومن دعوة لا تسمع.
أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
|