عباد الله: في مثل هذا اليوم الثاني عشر من ربيع الأول قبل ألف وأربعمائة وأربع سنين انتقل رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم سيد الخلق وإمام المتقين وقائد الغر المحجلين إلى الرفيق الأعلى بعد أن بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين، وإن العقل البصير ليعتبر بهذا الحادث العظيم كل اعتبار، فمن عبره أنه لن يفلت من الموت أحد مهما كان شرفه وعلا قدره وذاع أمره فما مشى على ظهر الأرض أبر ولا أطهر منه صلى الله عليه وعلى آله وسلم ومع ذلك مات، قال تعالى: وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإين مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئاً وسيجزي الله الشاكرين ، وقال سبحانه مخاطباً نبيه: إنك ميت وإنهم ميتون .
فليتقى الله السادرون في غيهم المنهمكون في معاصيهم وليستعدوا للموت وليأخذوا له أهبته فإنهم ميتون. ومن عبره أن البلاء العظيم في الدنيا رفعة لدرجات المؤمن عند ربه، قال ابن مسعود رضي الله عنه: ((دخلت على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهو يوعك فمسسته فقلت يا رسول الله: إنك توعك وعكاً شديداً. قال: أجل إني أوعك كما يوعك الرجلان منكم. قلت: إن لك أجرين. قال: نعم والذي نفسي بيده ما على الأرض مسلم يصيبه أذى من مرض فما سواه إلا حط الله عنه خطاياه كما تحط الشجرة ورقها)) رواه البخاري ومسلم.
وفي البخاري ومسلم أيضاً عن عائشة رضي الله عنها قالت: ((ما رأيت الوجع على أحد أشد منه على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم)). وفي المتفق عليه عنها رضي الله عنها قالت: ((مات رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم بين حاقنتي وذاقنتي فلا أكره شدة الموت لأحد بعده صلى الله عليه وعلى آله وسلم)).
وفي البخاري عنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الصالحون ثم الأمثل فالأمثل يبتلى الرجل على حسب دينه فإن كان في دينه صلابة شدد عليه في البلاء)).
ومن عبره الكلمات التي نطق بها رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهو يعالج سكرات الموت وكثيراً ما يحتفي الناس بآخر كلمة قالها ميتهم وهو ميتنا صلى الله عليه وعلى آله وسلم جميعاً فلنعي ولنسمع أخر كلماته صلى الله عليه وعلى آله وسلم ووصاياه ثم لتنظر أين نحن منها، روى البخاري ومسلم عنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن من أواخر كلامه قوله: ((قاتل الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد))، تقول عائشة: يحذر ما صنعوا ولولا ذاك لأبرز قبره صلى الله عليه وعلى آله وسلم . وعنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم في أواخر كلامه: ((لا يبقين دينان بأرض العرب)) فأين أمة الإسلام اليوم من أواخر كلماته، أين البراءة التامة من اليهود والنصارى، أين البراءة من اتخاذ القبور مساجد الذي شاع وذاع ليس قبور الأنبياء فقط بل قبور الأولياء والصالحين وغيرهم ممن ينسب إلى الولاية والصلاح، لقد شاع هذا وذاع في كثير من أقطار الإسلام إلا من رحم الله ومع ذلك نجد الاحتفاء بمولده صلى الله عليه وعلى آله وسلم مع معصيته في آخر وصاياه، أين تطهير جزيرة العرب وأرضها من أن يجتمع فيها دينان، كل هذا أعرض عنه واحتفل بأمور ورسوم لا تغني من الحق شيئاً، وفي صحيح مسلم عنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم مما قاله وهو يموت: ((لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله تعالى))، وقد بين أهل السنة والجماعة أن حسن الظن بالله جل وعلا ينبغي أن يغلب على الخوف عند الموت، أما مادام المرء في صحة وعافية فليتقي الله وليخف عذابه وليحذر مكره، ومن أواخر كلماته صلى الله عليه وعلى آله وسلم ما رواه الإمام أحمد عن أنس رضي الله عنه قال: ((كانت عامة وصية رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم حين حضرته الوفاة، الصلاة الصلاة وما ملكت أيمانكم وجعل يكررها حتى جعل يغرغر بها وما يفصح بها لسانه))، وفي رواية: ((حتى جعل يغرغر بها صدره وما يكاد يفيض بها لسانه)).
إن الصلاة اليوم لتشكو إلى الله من كثرة هاجريها من أبناء المسلمين مع الأسف، لا أقول تركاً لها مع الجماعات بل وتركها بالكلية حتى تجد بعض الناس يعيش ويقوم ويأكل ويشرب بين أبناء المسلمين ولا يؤدي الصلاة، نسأل الله العافية والسلامة.
ومن أواخر كلماته صلى الله عليه وعلى آله وسلم ما روته عنه عائشة رضي الله عنها قالت: ((رأيت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهو يموت وعنده قدح فيه ماء فيدخل يده في القدح ثم يمسح وجهه بالماء ثم يقول: اللهم أعني على سكرات الموت)) فهل يعتني بهذا كل من يعانون الموت من أبناء المسلمين الذين ربما تسخط بعضهم وسب وشتم ولعن وكأنه يعترض على قضاء الله وقدره: ((ثم رفع رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم بصره إلى السماء وقال: في الرفيق الأعلى)).
اللهم إنا نسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك العلا أن تصلي على هذا النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم. اللهم صلي وبارك عليه وعلى صحبه أجمعين.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
|