.

اليوم م الموافق ‏03/‏جمادى الثانية/‏1446هـ

 
 

 

علامات حسن الخلق

1022

الرقاق والأخلاق والآداب

مكارم الأخلاق

عبد الرحمن بن عبد العزيز السديس

مكة المكرمة

جامع الفرقان

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

ملخص الخطبة

كيف يعرف المرء مدى اتصافه بحسن الخلق من عدمه – الضوابط والعلامات التي حدد بها الرسول صلى الله عليه وسلم حسن الخلق : أ- المعيار المجمل : محبة الخير لأخيه المسلم ب- المعيار المفصل : الأحاديث الدالة على مكارم الأخلاق : الأمانة – كظم الغيظ – عدم أذية الجار , والإحسان إليه – حسن اللقاء والمعاشرة – التعاون وقضاء حاجة المسلم – أسباب الألفة والمحبة : الكلام الطيب واللين – إفشاء السلام – الهدية – الزهد فيما في أيدي الناس

الخطبة الأولى

أما بعد:

أيها المسلمون، بينا في درس مضى فضل حسن الخلق ومنزلته في الدين وطرفاً من أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم الذي أثنى الله عليه في كتابه.

و كأني بنا نتساءل كيف يعرف الواحد منا مدى اتصافه من بحسن الخلق من عدمه ومدى التزامه بهذا التوجيه الكريم الذي يأمرنا فيه ربنا بالإقتداء بالرسول عليه الصلاة والسلام: لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيراً . وقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم نوعين من الضوابط والعلامات الدالات على حسن الخلق فمنها ما هو مجمل ومنها ما هو مفصل ولا نستطيع أن نأتي عليها كلها لكثرتها كثرة مستفيضة كما صح عنه . أما المعيار المجمل ما ذكره النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: ((لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه))[1] متفق عليه. وفي رواية أحمد والنسائي: ((والذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه من الخير))[2]، وهذه الرواية تفيد فائدة عظيمة وتقطع دابر من أراد أن يستعمل الحديث في غير ما أراده النبي صلى الله عليه وسلم، فقد يقول أنا أحب كذا وكذا مما يسخط الله فأريد أن أجلبه إلى أخي المسلم فتقطع هذه الوساوس بهذه الرواية الثانية: الخير فيما يحبه الله كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم.

فإن كنت تحب لإخوانك المسلمين ما تحبه لنفسك من خير فأنت إن شاء الله من ذوي الخلق الحسن.

وقد صح عن الرسول : ((وخالق الناس بخلق حسن))[3]. وفي صحيح مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((وأتي إلى الناس ما تحب أن يؤتوه إليك)) فما تحب أن يؤتوه إليك فبادرهم به إذا كان في حدود الشرع، فقد قال الله تعالى عن شعيب عليه السلام وهو يخاطب قومه: ولا تبخسوا الناس أشياءهم .

وقد جاءت أحاديث كثيرة في حسن الخلق نذكر طرفاً منها فمن ذلك:

قاله صلى الله عليه وسلم: ((أد الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك))[4] فهل أنت من هؤلاء القوم فتعفو وتصفح ولا تخن من خانك.

وصح عنه صلى الله عليه وسلم: ((ليس الشديد بالصرعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب))[5] متفق عليه. فهل أنت إذا ما أغضبك أحد كبت جماح نفسك ولم تترك لها الحبل على الغارب فتكون شديداً بحق كما قال صلى الله عليه وسلم.

وقد قال الله جل وعل:ا وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين . فأين نحن يا عباد الله من هذه الصفات، هل نحن ممن يكتم الغيظ ويعفو عن الناس حتى إن أساءوا إليه.

وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم: ((من كظم غيظاً وهو قادر على أن ينفذه دعاه الله على رؤوس الخلائق يوم القيامة يخيره من الحور العين يزوجه منها ما شاء)) رواه الترمذي وأبو داود والنسائي وابن ماجة[6].

وقد قال الله تعالى: ادفع بالتي هي أحسن السيئة نحن أعلم بما يصفون فإذا أساء إليك إنسان فادفع إليه بالكلمة التي هي أحسن وبالفعلة التي هي أحسن وقال: ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم وهذه نتيجة دفع السيئة بالحسنة.

ومن معايير حسن الخلق ما ذكره النبي بقوله: ((من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذي جاره ))[7]، وفي الحديث الآخر: ((والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، والله لا يؤمن الذي لا يأمن جاره بوائقه)) رواه أحمد والبخاري[8]. وروي عنه صلى الله عليه وسلم: ((والله لا يؤمن. قالوا: من يا رسول الله؟ قال: من بات شبعان وجاره جائع))[9].

وفي الحديث الصحيح: ((والذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتى يحب لجاره ما يحبه لنفسه))[10] رواه مسلم عن أنس رضي الله عنه. فهل نحن ممن يحسن الجوار، وقد قلنا فيما سبق أن حسن الخلق والجوار يعمران الديار ويزيدان في الأعمار كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم . فقد صح عنه صلى الله عليه وسلم: ((من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذي جاره))[11].

ومن معايير حسن الخلق ما ذكره الرسول صلى الله عليه وسلم: ((لا إيمان لمن لا أمانة له ولا دين لمن لا عهد له))[12]، وصح عنه صلى الله عليه وسلم: ((أد الأمانة إلى من ائتمنك))[13].

وقال الله تعالى: إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل إن الله نعما يعظكم به . فهل نحن ممن يحفظون العهود والمواثيق ونحفظ الأمانات حتى نؤديها إلى أهلها.

ومن ذلك قول الرسول : ((لا تحقرن من المعروف شيئاً ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق))[14] رواه الإمام أحمد، وقال: ((وتبسمك في وجه أخيك صدقة))[15] فهل نحن ممن يحسن اللقاء والمعاشرة، هل نحن ممن يبتسمون دائماً. فقد صح عن عائشة رضي الله عنها في وصفها للنبي صلى الله عليه وسلم أنه كان بساماً أي يكثر التبسم[16]. وقد صح عن بعض الصحابة أنه قال: ما نظر إلى الرسول عليه الصلاة والسلام منذ أسلمت ولا لقيني إلا تبسم[17]، بأبي وأمي هو صلوات الله وسلامه عليه.

فعلينا يا عباد الله أن نعرف أثر هذا التوجيه الكريم، فإنها عبادة من العبادات أن تقابل إخوانك بالابتسامة.

ومن ذلك ما صح عنه صلى الله عليه وسلم: ((وتعين الرجل على دابته فترفعه عليها أو ترفع له حاجته عليها صدقة)) متفق عليه[18]. فإن إعانة الآخرين والسعي إلى قضاء حوائجهم من علامات حسن الخلق فينبغي أن يسعى الإنسان إلى ذلك. فقد صح عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه كان معتكفاً في المسجد ذات يوم فدخل رجلٌ وعلى وجهه علامات الهم والغم فقال له ابن عباس: ما لك يا ابن أخي؟ فقال: إن على ديناً وقد حل أجله وليس عندي سداده. فقال ابن عباس: أتريد أن أكلم لك صاحب الدين أن ينظرك إلى ميسرة. قال: نعم. فأمسك بيده يمشيان في المسجد حتى إذا وصلا إلى الباب قال الرجل: يا ابن عباس أنسيت أنك معتكف وأن المعتكف لا يخرج من المسجد. قال: كلا ما نسيت ولكني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((لأن أمشي في حاجة أخي حتى أثبتها أحب إلى من أن أعتكف في المسجد شهراً))[19] هذا حديث صحيح عن ابن عباس.

و قد صح عنه صلى الله عليه وسلم في رواية أخرى: ((لأن أمشي في حاجة أخي حتى أقضيها أحب إلى من أعتكف في المسجد شهراً))[20].

فلنعرف هذا المنهج عباد الله ولنعلم منزلة حسن الخلق ولنعلم أن من أحب الأعمال سرور تدخله على قلب مسلم، وهذا حديث صحيح عن الرسول عليه الصلاة والسلام[21].

أسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه.

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.


 



[1] صحيح البخاري (13)، صحيح مسلم (45).

[2] مسند أحمد (3/206)، سنن النسائي (5017).

[3] مسند أحمد (5/153)، سنن الترمذي (1987).

[4] مسند أحمد (3/414)، سنن أبي داود (3535)، سنن الترمذي (1264).

[5] صحيح البخاري (6114).

[6] سنن الترمذي (2021)، سنن أبي داود (4777)، سنن ابن ماجة (4186)، ولم أجده في سنن النسائي.

[7] صحيح البخاري (5186)، صحيح مسلم (47).

[8] مسند أحمد (2/288)، صحيح البخاري (6016).

[9] أخرجه الطبراني في المعجم الكبير (751) بلفظ "من آمن بي ...".

[10] صحيح مسلم (45).

[11] تقدم قريباً.

[12]مسند أحمد (3/210).

[13] تقدم قريباً.

[14] صحيح مسلم (2626).

[15] سنن الترمذي (1956).

[16] البخاري (4829) بمعناه.

[17] صحيح البخاري (3036).

[18] صحيح البخاري (2891)، صحيح مسلم (1009).

[19] أخرجه الطبراني في المعجم الكبير (13646) عن ابن عمر.

[20]أخرجه الطبراني في المعجم الكبير (13646) عن ابن عمر.

[21] أخرجه الطبراني في المرجع السابق الحديث نفسه.

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله اللهم صلى وسلم عليه وعلى صحبه وآله وسلم تسليماً كثيراً.

أما بعد: فيا عباد الله فمن معايير حسن الخلق المفصلة أن تقيس بنفسك أين أنت من هذه الصفات؟. قال الله جل وعلا في وصف أهل الجنة: وهدوا إلى الطيب من القول ، وقال جل وعلا آمراً لنا: وقولوا للناس حسناً ، وقال: وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن إن الشيطان ينزغ بينهم ، وصح عنه صلى الله عليه وسلم: ((الكلمة الطيبة صدقة))[1], وقال جل وعلا حينما بعث موسى وهارون إلى فرعون الذي قال: أنا ربكم الأعلى والذي قال: ما علمت لكم من إله غيري بعثهما الله سبحانه وتعالى آمراً لهما: وقولا له قولاً ليناً لعله يتذكر أو يخشى .

وقد جاء أن أحد الوعاظ جاء ينصح أحد العصاة وقد شدد عليه، فقال له الفاسق: رويداً يا ابن أخي فلست خيراً من موسى وهارون ولست بأفسد من فرعون فإن الله قد ابتعث من هو خير منك إلى من هو شر مني وقال له: وقولا له قولاً ليناً لعله يتذكر أو يخشى .

فعلينا يا عباد الله أن نعي هذا التوجيه الكريم. وكان صحابة رسول الله فيما روي عنهم أنهم كانوا يختارون أطايب الكلام كما ينتقي أحدنا أطايب التمر من القصعة.

فعلينا عباد الله أن نتعامل فيما بيننا بهذا الخلق، ونحذر من الشياطين، فإن الشيطان ينزغ بيننا بكلمة من هذا تقع عند هذا فتكون البغضاء والكراهية.

فعلينا أن نعلم أن الكلام الطيب صدقة وأن القول اللين عبادة.

ومن ذلك ما ذكره الرسول : ((يا أيها الناس أفشوا السلام وصلوا الأرحام وصلوا بالليل والناس نيام تدخلوا الجنة بسلام)) فهذا الحديث رواه الإمام أحمد والترمذي[2]، يأمرنا رسول الله بإفشاء السلام الذي أصبح هذا الزمان على المعرفة كما صح عنه صلى الله عليه وسلم: ((إن من أشراط الساعة أن يكون السلام على المعرفة))[3]. وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم: ((ألق السلام على من عرفت ومن لم تعرف))[4]. وقال الله جل وعلا: وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها . فالواجب علينا يا عباد الله أن نفشي السلام بيننا، فقد قال الرسول: ((ألا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم، أفشوا السلام بينكم))[5].

ومن دواعي إفشاء المحبة ما ذكر النبي في قوله: ((تهادوا تحابوا))[6] فإن الهدية من علامات حسن الخلق، فإن الرسول كان يقبل الهدية ويرد بأحسن منها[7].

ومن جوالب المحبة بين المسلمين ما ذكره الرسول بقوله حين سأله أحدهم: ((يا رسول الله دلني على شيء إن فعلته أحبني الله وأحبني الناس. قال: ازهد في الدنيا يحبك الله وازهد فيما عند الناس يحبك الناس))[8] فليزهد المرء فيما في أيدي الآخرين، وليكن أوثق فيما عند الله عن ما في يده.

فإنني أحذر من يسألون الناس دائماً، فقد صح عنه صلى الله عليه وسلم: ((أنه يؤتي بالمرء يوم القيامة وليس في وجهه فرعة (قطعة) لحم بسبب سؤاله الناس))[9] فليتعفف المرء المسلم. والملاحظ أنك ترى كثيراً من الناس ليس بهم بأس شديد يضطرهم إلى الوقوف بين أيدي الناس.

وقد صح عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أنه ذهب مع رجل قال عنه النبي صلى الله عليه وسلم: ((إنه من أهل الجنة)) فبات عنده ابن عمرو ثلاث ليال، فقال: ابن عمرو: والله ما بيني وبين أبي أي شيء ولكني أردت أن أعرف بأي شيء استحققت الجنة (أو كما قال). فقال الرجل: ما بت ليلة وفي قلبي غل على مسلم[10].

فلنسعى جميعاً إلى تطهير قلوبنا من الغل حتى نكون ممن يغفر الله له: ربنا لا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا . فإن نزع الغل من صفات أهل الجنة: ونزعنا ما في صدورهم من غل إخواناً على سرر متقابلين .

فاعلموا أيها الإخوة أن هذه الصفات غيض من فيض وأنها جزء يسير مما أمرنا الله تعالى في كتابه.

أسأل الله العليم رب العرش العظيم كما حسن خلقنا أن يحسن خُلقنا.



[1] صحيح البخاري (2989)، صحيح مسلم (1009).

[2] مسند أحمد (5/451)، سنن الترمذي (2485).

[3] مسند أحمد (1/387).

[4] صحيح البخاري (12)، صحيح مسلم (39).

[5] مسند أحمد (2/477).

[6] موطأ مالك (2/693).

[7] صحيح البخاري (2585).

[8] سنن ابن ماجة (4102).

[9] صحيح البخاري (1475)، صحيح مسلم (1040).

[10] مسند أحمد (2/176).

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

إلى أعلى

إذا كانت لديك أية ملاحظات حول هذه الخطبة، إضغط هنا لإرسالها لنا.

كما نرجو كتابة رقم هذه الخطبة مع رسالتك ليتسنى لنا التدقيق وتصويب الأخطاء

 
 

 2004© مؤسسة المنبر الخيرية للمواقع الدعوية على شبكة الإنترنت، جميع الحقوق محفوظة

عدد الزوار حالياً