أما بعد:
أيها المسلمون، بينا في درس مضى فضل حسن الخلق ومنزلته في الدين وطرفاً من أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم الذي أثنى الله عليه في كتابه.
و كأني بنا نتساءل كيف يعرف الواحد منا مدى اتصافه من بحسن الخلق من عدمه ومدى التزامه بهذا التوجيه الكريم الذي يأمرنا فيه ربنا بالإقتداء بالرسول عليه الصلاة والسلام: لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيراً . وقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم نوعين من الضوابط والعلامات الدالات على حسن الخلق فمنها ما هو مجمل ومنها ما هو مفصل ولا نستطيع أن نأتي عليها كلها لكثرتها كثرة مستفيضة كما صح عنه . أما المعيار المجمل ما ذكره النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: ((لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه)) متفق عليه. وفي رواية أحمد والنسائي: ((والذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه من الخير))، وهذه الرواية تفيد فائدة عظيمة وتقطع دابر من أراد أن يستعمل الحديث في غير ما أراده النبي صلى الله عليه وسلم، فقد يقول أنا أحب كذا وكذا مما يسخط الله فأريد أن أجلبه إلى أخي المسلم فتقطع هذه الوساوس بهذه الرواية الثانية: الخير فيما يحبه الله كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم.
فإن كنت تحب لإخوانك المسلمين ما تحبه لنفسك من خير فأنت إن شاء الله من ذوي الخلق الحسن.
وقد صح عن الرسول : ((وخالق الناس بخلق حسن)). وفي صحيح مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((وأتي إلى الناس ما تحب أن يؤتوه إليك)) فما تحب أن يؤتوه إليك فبادرهم به إذا كان في حدود الشرع، فقد قال الله تعالى عن شعيب عليه السلام وهو يخاطب قومه: ولا تبخسوا الناس أشياءهم .
وقد جاءت أحاديث كثيرة في حسن الخلق نذكر طرفاً منها فمن ذلك:
قاله صلى الله عليه وسلم: ((أد الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك)) فهل أنت من هؤلاء القوم فتعفو وتصفح ولا تخن من خانك.
وصح عنه صلى الله عليه وسلم: ((ليس الشديد بالصرعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب)) متفق عليه. فهل أنت إذا ما أغضبك أحد كبت جماح نفسك ولم تترك لها الحبل على الغارب فتكون شديداً بحق كما قال صلى الله عليه وسلم.
وقد قال الله جل وعل:ا وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين . فأين نحن يا عباد الله من هذه الصفات، هل نحن ممن يكتم الغيظ ويعفو عن الناس حتى إن أساءوا إليه.
وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم: ((من كظم غيظاً وهو قادر على أن ينفذه دعاه الله على رؤوس الخلائق يوم القيامة يخيره من الحور العين يزوجه منها ما شاء)) رواه الترمذي وأبو داود والنسائي وابن ماجة.
وقد قال الله تعالى: ادفع بالتي هي أحسن السيئة نحن أعلم بما يصفون فإذا أساء إليك إنسان فادفع إليه بالكلمة التي هي أحسن وبالفعلة التي هي أحسن وقال: ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم وهذه نتيجة دفع السيئة بالحسنة.
ومن معايير حسن الخلق ما ذكره النبي بقوله: ((من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذي جاره ))، وفي الحديث الآخر: ((والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، والله لا يؤمن الذي لا يأمن جاره بوائقه)) رواه أحمد والبخاري. وروي عنه صلى الله عليه وسلم: ((والله لا يؤمن. قالوا: من يا رسول الله؟ قال: من بات شبعان وجاره جائع)).
وفي الحديث الصحيح: ((والذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتى يحب لجاره ما يحبه لنفسه)) رواه مسلم عن أنس رضي الله عنه. فهل نحن ممن يحسن الجوار، وقد قلنا فيما سبق أن حسن الخلق والجوار يعمران الديار ويزيدان في الأعمار كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم . فقد صح عنه صلى الله عليه وسلم: ((من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذي جاره)).
ومن معايير حسن الخلق ما ذكره الرسول صلى الله عليه وسلم: ((لا إيمان لمن لا أمانة له ولا دين لمن لا عهد له))، وصح عنه صلى الله عليه وسلم: ((أد الأمانة إلى من ائتمنك)).
وقال الله تعالى: إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل إن الله نعما يعظكم به . فهل نحن ممن يحفظون العهود والمواثيق ونحفظ الأمانات حتى نؤديها إلى أهلها.
ومن ذلك قول الرسول : ((لا تحقرن من المعروف شيئاً ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق)) رواه الإمام أحمد، وقال: ((وتبسمك في وجه أخيك صدقة)) فهل نحن ممن يحسن اللقاء والمعاشرة، هل نحن ممن يبتسمون دائماً. فقد صح عن عائشة رضي الله عنها في وصفها للنبي صلى الله عليه وسلم أنه كان بساماً أي يكثر التبسم. وقد صح عن بعض الصحابة أنه قال: ما نظر إلى الرسول عليه الصلاة والسلام منذ أسلمت ولا لقيني إلا تبسم، بأبي وأمي هو صلوات الله وسلامه عليه.
فعلينا يا عباد الله أن نعرف أثر هذا التوجيه الكريم، فإنها عبادة من العبادات أن تقابل إخوانك بالابتسامة.
ومن ذلك ما صح عنه صلى الله عليه وسلم: ((وتعين الرجل على دابته فترفعه عليها أو ترفع له حاجته عليها صدقة)) متفق عليه. فإن إعانة الآخرين والسعي إلى قضاء حوائجهم من علامات حسن الخلق فينبغي أن يسعى الإنسان إلى ذلك. فقد صح عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه كان معتكفاً في المسجد ذات يوم فدخل رجلٌ وعلى وجهه علامات الهم والغم فقال له ابن عباس: ما لك يا ابن أخي؟ فقال: إن على ديناً وقد حل أجله وليس عندي سداده. فقال ابن عباس: أتريد أن أكلم لك صاحب الدين أن ينظرك إلى ميسرة. قال: نعم. فأمسك بيده يمشيان في المسجد حتى إذا وصلا إلى الباب قال الرجل: يا ابن عباس أنسيت أنك معتكف وأن المعتكف لا يخرج من المسجد. قال: كلا ما نسيت ولكني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((لأن أمشي في حاجة أخي حتى أثبتها أحب إلى من أن أعتكف في المسجد شهراً)) هذا حديث صحيح عن ابن عباس.
و قد صح عنه صلى الله عليه وسلم في رواية أخرى: ((لأن أمشي في حاجة أخي حتى أقضيها أحب إلى من أعتكف في المسجد شهراً)).
فلنعرف هذا المنهج عباد الله ولنعلم منزلة حسن الخلق ولنعلم أن من أحب الأعمال سرور تدخله على قلب مسلم، وهذا حديث صحيح عن الرسول عليه الصلاة والسلام.
أسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
|