أما بعد:
فيا عباد الله إن الله أمرنا بأوامر كثيرة في كتابه العزيز ونهانا عن أمور كثيرة ووعدنا إن نحن امتثلنا بالجنة , ومن خالف عذبه في ناره , نسأل الله العافية والسلامة منها , ولكي يحفزنا ربنا جل وعلا بالعمل بما أمر والإنزجار عما عنه نهى وزجر , بين لنا الجزاء العظيم لمن سمع وأطاع وبين لنا العذاب الأليم لمن خالف وعصى , وقد تواترت الآيات والأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في وصف الجنة التي بها يجازي الله جل وعلا من سار على أمره وحذر نهيه فمن ذلك قول الله جل وعلا في كتابه مرغباً لعباده المؤمنين في دخول جناته: إن المتقين في جنات وعيون ادخلوها بسلام آمنيين ونزعنا ما في صدورهم من غل إخواناً على سرر متقابلين لا يمسهم فيها نصب والنصب هو التعب: وما هم منها بمخرجين ومن ذلك قوله جل وعلا: يا عبادي لا خوف عليكم اليوم ولا أنتم تحزنون الذين آمنوا بآياتنا وكانوا مسلمين فهؤلاء هم أهل الجنات ادخلوا الجنة أنتم وأزواجكم تحبرون أي تسرون يطاف عليهم بصحاف من ذهب وأكواب وفيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين وأنتم فيها خالدون فصحافهم التي فيها طعامهم من ذهب وأكوابهم التي بها يشربون من ذهب وفيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين وتلك الجنة التي أورثتموها بما كنتم تعملون بسبب أعمالكم الصالحة في الدنيا نلتم هذا الجزاء العظيم لكم فيها فاكهة كثيرة منها تأكلون ويقول جل شأنه: إن المتقين في مقام أمين في جنات وعيون يلبسون من سندس وإستبرق متقابلين لباسهم في الجنة الحرير ولذلك من لبس الحرير في الدنيا لم يلبسه في الآخرة ومن لبس الذهب في الدنيا لم يلبسه في الآخرة كذلك وزوجناهم بحور عين يدعون فيها بكل فاكهة آمنيين لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى ووقاهم عذاب الجحيم فضلاً من ربك ذلك هو الفوز العظيم وأي فوز أعظم من أن يزحزح المرء عن النار ويدخل الجنة فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور وأي خسران أعظم من أن يدخل نار جهنم نسأل الله العافية وقال الذين آمنوا إن الخاسرين الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة ألا ذلك هو الخسران المبين , ومما جاء في كتاب الله في وصف الجنة قوله جل شأنه إن الأبرار لفي نعيم على الأرائك ينظرون تعرف في وجوههم نظرة النعيم يسقون من رحيق مختوم ختامه مسك وفي ذلك فليتنافس المتنافسون ومزاجه أي مزاج هذا الرحيق من تسنيم عيناً يشرب بها المقربون والآيات في كتاب الله كثيرة جداً أكثر من أن تحصر في مقام واحد, وأما الأحاديث فقد صح عن النبي صلى الله عليه وعلي آله وسلم أحاديث كثيرة منها ما جاء عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((يأكل أهل الجنة فيها ويشربون ولا يتغوطون ولا يمتخطون ولا يبولون ولكن طعامهم ذلك جشاء كرشح المسك يلهمون التسبيح والتكبير كما يلهمون النفس)) رواه مسلم. وعن أبى هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((قال الله تعالى أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر علي قلب بشر, واقرءوا إن شئتم فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين )) متفق عليه. وصح عن أبى هريرة أيضاً عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال: ((أول زمرة يدخلون الجنة علي صورة القمر ليلة البدر ثم الذين يلونهم على أشد كوكب دري في السماء إضاءة لا يبولون ولا يتغوطون ولا يتفلون ولا يمتخطون أمشاطهم الذهب ورشحهم المسك ومجامرهم الألوة - والألوة هو عود الطيب - أزواجهم الحور العين على خلق رجل واحد على صورة أبيهم آدم ستون ذراعاً في السماء)) متفق عليه. وفي رواية أخرى لهذا الحديث: ((آنيتهم فيها الذهب ورشحهم فيها المسك ولكل واحد منهم زوجتان يرى مخ سوقهما من وراء اللحم من الحسن لا اختلاف بينهم ولا تباغض قلوبهم قلب رجل واحد يسبحون الله بكرة وعشياً)). وصح عنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: ((سأل موسى عليه الصلاة والسلام ربه ما أدنى أهل الجنة منزلة؟ قال: هو رجل يجيء بعدما أدخل أهل الجنة الجنة فيقال له: أدخل الجنة. فيقول: أي رب كيف وقد نزل الناس منازلهم وأخذوا أخذاتهم؟. فيقال له: أترضى أن يكون لك مثل ملك من ملوك الدنيا؟. فيقول: رضيت ربي. فيقول: لك ذلك ومثله ومثله ومثله فيقول في الخامسة رضيت ربي. فيقول: هذا لك وعشرة أمثاله ولك ما اشتهت نفسك ولذت عينك فيقول : رضيت ربي. قال ربي فأعلاهم منزلة. قال: أولئك الذين أردت غرست كرامتهم بيدي وختمت عليها فلم تر عين ولم تسمع أذن ولم يخطر على قلب بشر)) رواه مسلم.
وعن ابن مسعود رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((إني لأعلم آخر أهل النار خروجاً منها وآخر أهل الجنة دخولاً الجنة, رجل يخرج من النار حبواً, فيقول الله عز وجل له: اذهب فادخل الجنة. فيأتيها فيخيل إليه أنها ملأى فيرجع فيقول: يا رب وجدتها ملأى فيقول الله عز وجل له: اذهب فادخل الجنة. فيخيل إليه أنها ملأى فيرجع فيقول: يا رب وجدتها ملأى فيقول الله عز وجل له: اذهب فادخل الجنة فإن لك مثل الدنيا وعشر أمثالها. فيقول: أتسخر بي وأنت الملك. قال فلقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحك حتى بدت نواجذه صلوات الله وسلامه عليه, فكان يقول: ذاك أدنى أهل الجنة منزلة)) رواه البخاري ومسلم.
وعن أبي موسى رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن للمؤمن في الجنة لخيمة من لؤلؤة واحدة مجوفة طولها في السماء ستون ميلاً للمؤمن فيها أهلون يطوف عليهم المؤمن فلا يرى بعضهم بعضاً)) متفق عليه.
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: ((إن في الجنة شجرة يسير الراكب الجواد المضمر السريع مائة سنة لا يقطعها)) متفق عليه.
وصح عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: ((إن أهل الجنة ليتراءون أهل الغرف من فوقهم كما تتراءون الكوكب الدري الغابر في الأفق من المشرق أو المغرب لتفاضل ما بينهم. قالوا: يا رسول الله تلك منازل الأنبياء لا يبلغها غيرهم. قال: بلا والذي نفسي بيده, رجال آمنوا بالله وصدقوا المرسلين)) متفق عليه.
وعن أبى هريرة رضى الله عنه عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: ((لقاب قوس في الجنة خير مما تطلع عليه الشمس أو تغرب)) متفق عليه.
وصح عنه صلوات الله وسلامه عليه أنه قال: ((إن في الجنة سوقاً يأتونها كل جمعة فتهب ريح الشمال فتحثوا في وجوههم وثيابهم فيزدادون حسنا وجمالاً فيرجعون إلى أهليهم وقد ازدادوا حسناً وجمالاً فيقول لهم أهلوهم: والله لقد ازددتم حسناً وجمالاً. فيقولون: وأنتم والله لقد ازددتم بعدنا حسناً وجمالاً)) رواه الإمام مسلم. وعنه أيضاً عن أنس رضي الله عنه قال: شهدت مع النبي صلى الله عليه وسلم مجلساً وصف فيه الجنة حتى انتهى ثم قال في آخر حديثه: ((فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر, ثم قرأ صلى الله عليه وسلم: تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفاً وطمعاً ومما رزقناهم ينفقون فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون )). والأحاديث يا عباد الله في وصف الجنة كثيرة جداً أكثر من أن تحصى, فنسأل الله العلي العظيم رب العرش الكريم أن يجعلنا وإياكم من أهلها وأن يوفقنا وإياكم بالعمل الصالح والعلم النافع إنه ولى ذلك والقادر عليه.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
|