.

اليوم م الموافق ‏18/‏شوال/‏1445هـ

 
 

 

التقول على رسول الله

1008

العلم والدعوة والجهاد

العلم الشرعي

عبد الرحمن بن عبد العزيز السديس

مكة المكرمة

جامع الفرقان

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

ملخص الخطبة

خطورة القول على الله بلا علم وأنه أعظم من الشرك – القول على رسول الله صلى الله عليه وسلم بغير علم كالقول على الله بلا علم , والتحذير من ذلك – موقف الناس من الأحاديث المكذوبة والأخبار الشائعة وأقسامهم : القسم الأول : أهل العلم والبصيرة , إذا سمعوها عرفوا بطلانها , القسم الثاني : من ليس له باع طويل في العلم , ولكن عنده من سلامة العقيدة ومجملات الدين ما يعصمه الله به , القسم الثالث : لا يكترث بهذه الأخبار ولا يعبأ بها القسم الرابع : المصدقون بهذه الأخبار المكذوبة , وهم فريقان , القسم الخامس : المروجون لها وناشروها , وهم فريقان – زواجر القرآن تكفي لمن تدبرها بدلاً من الأحاديث المكذوبة

الخطبة الأولى

أما بعد:

أيها المسلمون شاع بين العامة في الأيام الماضية خبر تباينت روايتهم له وتخالفت سياقاتهم إياه فمن مقل فيه ومستكثر ومن مصدق له ومكذب ومتحير, وصورت به أوراق تنسب به حديثاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا هو وحي يوحي ولست ممن يذكر مضمون هذا الحديث المكذوب عن النبي صلى الله عليه وسلم وألفاظه ورواياته فذيوعها على  اختلافها مغن عن شغل الوقت الآن بذكرها ولكنى أذكر هنا أموراً أعظ بها نفسي والحاضرين عل الله أن يرزقنا الفقه في الدين: ومن يرد الله به خيراً يفقه في الدين .

فأولها: خطورة القول على الله بلا علم فهو أعظم من الشرك بالله كما قال ابن القيم رحمه الله, لأن الشرك بالله فرع عنه, قال الله جل وعلا: قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير حق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطاناً وأن تقولوا على  الله ما لا تعلمون وقال جل وعلا: إنما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون بآيات الله وأولئك هم الكاذبون  وقال جل وعلا: ومن أظلم ممن أفترى على الله الكذب . وقال سبحانه: ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولاً , والقول على  رسول الله صلى الله عليه وسلم بغير علم كالقول على الله بلا علم لأن كلامه صلى الله عليه وسلم وما ينطق عن الهوى إن هو إلا هو وحي يوحي , ولذا كان الكاذب عليه صلى الله عليه وسلم من أهل النار, كما صح في المتواتر عنه صلى الله عليه وسلم: ((من كذب على  متعمداً فليتبوأ مقعده من النار))[1], وفي رواية: ((من قال على  ما لم أقل فليتبوأ مقعده من النار))[2] وفي حديث أخر: ((من حدث عني بحديث يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين))[3]. فكل تلكم النصوص وغيرها كثير في الوحي تدل على أن الواجب على المسلم أن لا ينسب إلى الله ورسوله كلاماً أو خبراً أو قولاً أو نهياً إلا بعد أن يتأكد من صحة نسبته إلى من نسبه إليه فالأمر خطير كما قال صلى الله عليه وسلم: ((إن كذب على ليس ككذب على غيري)), فالكذب كله محرم وهو على  الله ورسوله أشد تحريماً.

الأمر الثاني: وهو ناتج عن الأمر الأول أن الناس أمام هذه الأحاديث المكذوبة والأخبار الشائعة التي رويت لهم على  أنها من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم أقسام: فمن الناس من هو من أهل العلم والبصيرة بدين الله الذين إذا سمعوا بهذه الأباطيل عرفوا بطلانها وقال قائلهم وصدره مملوء برهاناً ويقيناً: ما يكون لنا أن نتكلم بهذا سبحانك هذا بهتان عظيم فسلطوا نور الوحي الذي في صدورهم بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم, سلطوا هذا النور على تلك الظلمات والأباطيل فإذا بها تنقشع فيجدون برد اليقين في صدق الله ورسوله في نفي علم الغيب عن أحد من الخلق فيقولون: هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله وما زادهم إلا إيماناً وتسليماً ، كذلك يضرب الله الحق والباطل فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض ، وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقاً .

القسم الثاني: من ليس له باع طويل في العلم ولكن عنده من سلامة العقيدة ومجملات الدين ما يعصمه الله به من الزلل فيرد المتشابه إلى المحكم ويكل ما لا يعلمه إلى من يعلمه فيسأل أهل الذكر امتثالا لقوله جل وعلا: فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون بالبينات والزبر أي بالحجج والبراهين , ومن المجملات والمسلمات التي لا تخفى على كل من عاش بين ظهراني المسلمين وهي من المعلوم بالضرورة عن هذا الدين أنه لا يعلم الغيب إلا الله: قل لا يعلم من في السموات والأرض الغيب إلا الله وما يشعرون أيان يبعثون ، قل لا أملك لنفسي نفعاً ولا ضراً إلا ما شاء الله ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير ، وما أدرى ما يفعل بي ولا بكم . فإذا نودي بحديث من هذا النوع الذي شاع وذاع يقول: أنا لست من ذو العلم والخبرة بصحيح الحديث وضعيفه ولكني أعلم أنه لا يعلم الغيب إلا الله, وتحديدكم هذا اليوم بأنه سيقع فيه كذا وكذا هو رجم بالغيب فلا أقبله ويكفيني أن أسمع كلام الله ورسوله وهو يدلني على  أنني معرض للموت في كل لحظة فالواجب على وعليكم وعلى الجميع الاستعداد للموت وعدم التفريق, وهذا القسم ناجي بإذن الله من التخبط في ظلمات الجهل والقول على  الله بلا علم.

القسم الثالث: من مرت عليه هذه الأقاويل والأخبار فلم يرفع بها رأسا ولم يكترث لها ولم يعبأ بها فهو سائر فيما هو عليه من الجد أو التقصير وكأن الأمر لا يعنيه , فهذا خرج منها كفافا لا له ولا عليه وهو خير ممن بعده والذي قبله خير منه.

القسم الرابع: من صدق بهذه الأخبار المكذوبة وأخذ للأمر أهبته على  حسب فهمه وتصديقه الخبر الذي بلغه وهؤلاء قسمان: فمنهم من إذا تبين له كذب الأخبار التي صدقها اتهم نفسه ومن روى له الخبر وأعتقد عصمة النبي صلى الله عليه وسلم وإجلال كلامه عن الخلق واستمر على ما حدث عنده من الطاعة والمسكنة والضراعة والرجوع إلى ربه ومولاه والإقلاع عما كان سائراً فيه من المعاصي فهذا يرجى له خير: وعسى أن تكرهوا شيئاً ويجعل الله فيه خيراً كثيراً . ومنهم من إذا تبين له كذب الخبر نكص على  عقبيه وفتن في دينه والعياذ بالله معتقداً أن كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم تبين بطلانه وطعن في أهل الديانة وشكك في كلام أهل العلم النافع والعمل الصالح وفي ما ينسبونه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من صحاح الأحاديث, فلسان حاله عند سماع الأحاديث الصحيحة يقول: لقد وعدنا هذا نحن وآبائنا من قبل إن هذا إلا أساطير الأولين وهذه فتنة عظمى, أعاذنا الله جميعاً من الوقوع فيها, ومن الناس من يعبد الله على  حرف فإن أصابه خير أطمئن به وإن أصابته فتنة انقلب على  وجهه خسر الدنيا والآخرة ذلك هو الخسران المبين , وهذه أحد الأضرار العظيمة التي تسببها الأحاديث الضعيفة والموضوعة.

القسم الخامس: من روجوا لهذه المرويات المكذوبة ونشروها وصوروها ووزعوها وهؤلاء قسمان: فمنهم من فعل ذلك تديناً ونصحاً للعباد حسب فهمه , وما أحراه بقول القائل:

       وما أدرى إذا يممت أرضاً                          أريد الخير أيهما يلينـى

       أ الخيـر الذي أنا أبتغيـه                          أم الشر الذي هو يبتغيني

فهؤلاء خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئاً عسى الله أن يتوب عليهم, فأما الصالح فهو نصحهم وإخلاصهم وأما السيئ فهو كونهم لم يتحروا فيما نُسب عن الرسول صلى الله عليه وسلم وكان الواجب عليهم التحري قبل أن ينشروا وأن يسألوا قبل أن يعظوا وينصحوا: ((إنما شفاء العي السؤال))[4], وقد قال صلى الله عليه وسلم: ((حتى إذا لم يبق عالم اتخذ الناس رؤوساً جهالاً فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا))[5], فالواجب على من نسب شيئاً مما ذاع بين الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبادر بالتوبة والتحري بعد ذلك فيما ينسب إلى الله ورسوله. ومن هؤلاء من فعل ذلك بخبث طوية وسوء نية يقصد تشكيك المؤمنين في مسلمات عقيدتهم فحسبه الله والله يعلم المفسد من المصلح: إن الله لا يصلح عمل المفسدين يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون ، وهذا شر الأقسام عند الله, فلن يفلت من الذي يعلم السر وأخفى وسيلقى ما عمل, وليحملن أثقالهم وأثقالاً مع أثقالهم وليسئلن يوم القيامة عما كانوا يفترون .

نفعني الله وإياكم بهدى كتابه, أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.



[1] صحيح البخاري (107)، صحيح مسلم (4) وغيرهما وهو من أشهر الأحاديث المتواترة.

[2] مسند أحمد (1/65)، سنن الدارمي (239).

[3] صحيح مسلم (1).

[4] سنن أبي داود (284)، سنن ابن ماجة (565).

[5] صحيح البخاري (98)، صحيح مسلم (4828).

الخطبة الثانية

إن الحمد لله نستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا

مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً

عبده ورسوله اللهم صلى وسلم عليه وعلى آله أجمعين.

أما بعد فيا عباد الله يقول الله جل وعلا: أولم ينظروا في ملكوت السموات والأرض وما خلق الله من شيء وأن عسى أن يكون قد اقترب أجلهم فبأي حديث بعده يؤمنون , ويقول سبحانه:  ولله ملك السموات والأرض ويقول جل شأنه: قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذاباً من فوقكم أو من تحت أرجلهم أو يلبسكم شيعاً ويذيق بعضكم بأس بعض , ويقول سبحانه:  وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد ولا تكاد صفحة من صفحات المصحف الكريم تخلو من هذا الواعظ الأكبر, نقرأه ويقرأ علينا ويوجد بين ظهرانينا بالليل والنهار ولا نرفع بذلك رأساً ولا نصغي له سمعاً ولا نفتح له قلباً ويأخذ بنا الباغي إلى حديث مكذوب على  رسول الله صلى الله عليه وسلم أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير ونتشبه بمن قال الله فيهم: ولما جاءهم رسول من عند الله مصدقً لما معهم نبذ فريق من الذين أوتوا الكتاب كتاب الله وراء ظهورهم كأنهم لا يعلمون واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر فنترك زواجر القرآن ونشتغل بالأحاديث الخرافية, وقد أمرنا جل شأنه بالإنذار بالقرآن:  وانذر به الذين يخافون أن يحشروا إلى ربهم ليس لهم من دونه ولي ولا شفيع , وقال:  وذكر بالقرآن من يخاف وعيد , وقال سبحانه: أفلا يتدبرون القرآن أم على  قلوب أقفالها , وقال جل شأنه: أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيراً والله جل وعلا قد يحدث في كونه ما يشاء من الأحداث العظام فله الحكمة البالغة في كل ما يأتي وما يذر, ولعل الله يمن في مستقبل العمر فنبين موقف المسلم من أحاديث الفتن وأشراط الساعة حتى لا تزل قدم بعد ثبوتها وتضل نفس بعد هداها.

أسأل الله العظيم ذي الأسماء الحسنى والصفات العلى أن يلهمنا البصيرة في الدين واتباع سنة سيد المرسلين.

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

إلى أعلى

إذا كانت لديك أية ملاحظات حول هذه الخطبة، إضغط هنا لإرسالها لنا.

كما نرجو كتابة رقم هذه الخطبة مع رسالتك ليتسنى لنا التدقيق وتصويب الأخطاء

 
 

 2004© مؤسسة المنبر الخيرية للمواقع الدعوية على شبكة الإنترنت، جميع الحقوق محفوظة

عدد الزوار حالياً