عباد الله: فإن مما هو معلوم عند المسلمين جميعاً, عظم مكانة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ولذلك وصف الله نبيه صلى الله عليه وسلم بذلك في قوله: يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ووصف الصالحين من أهل الكتاب بذلك فقال جل شأنه: ليسوا سواء من أهل كتاب أمة قائمة يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون . يؤمنون بالله واليوم الآخر ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويسارعون في الخيرات وأولئك من الصالحين .
ووصف بذلك عباده المؤمنين: التائبون العابدون الحامدون السائحون الراكعون الساجدون الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر والحافظون لحدود الله وبشر المؤمنين , والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر .
ووصف المنافقين بنقيض ذلك فقال: والمنافقون والمنافقات بعضهم من بعض يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف ويقبضون أيديهم نسوا الله فنسيهم .
واستنبط الحسن رضى الله عنه من قوله جل وعلا: إن الذين يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيين بغير حق ويقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس فبشرهم بعذاب أليم ، إن في الآية دليلاً على أن الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر منزلته تلي منزلة النبيين فلذلك ذكرهم عقبهم.
ولعظم منزلة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عده بعض العلماء سادس أركان الإسلام.
عن حذيفة رضى الله عنه قال: الإسلام ثمانية أسهم, الإسلام سهم, والصلاة سهم, والزكاة سهم وصوم رمضان سهم والحج سهم والجهاد سهم والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سهم.
ونقل طائفة من أهل العلم الإجماع على وجوبه وأنه من شعائر الإسلام الظاهرة. قال الإمام النووي: [وأما قوله صلى الله عليه وسلم: ((من رأى منكم منكراً فليغيره)), فهو أمر إيجاب بإجماع الأمة. وقد تطابق وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الكتاب والسنة وإجماع الأمة. وهو أيضاً من النفحة التي هي الدين. ولم يخالف ذلك إلا بعض الرافضة ولا يعتد بهم].
وقال أبو بكر الجصاص: [أكد الله تعالى فرض الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في مواضع من كتابه وبينه رسول الله صلى الله عليه وسلم في أخبار متواترة عنه فيه وأجمع السلف وفقهاء الأمصار على وجوبه], وقال ابن حزم: [اتفقت الأمة على وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بلا خلاف منهم].
وحين ذكر شيخ الإسلام رحمة الله عليه قتال الطائفة التي تخرج على شريعة من شرائع الإسلام الظاهرة, ذكر من ذلك الامتناع عن النهي عن المنكر والأمر بالمعروف. لذلك كان السلف يعدون من لا يقوم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أهل الريب.
عن جامع بن شداد قال: كنت عند عبد الرحمن بن يزيد الفارسي فأتاه نعي الأسود بن يزيد فأتيناه نعزيه فقال: مات أخي الأسود. ثم قال: قال عبد الله: يذهب الصالحون أسلافاً ويبقى أهل الريب, قالوا: يا أبا عبد الرحمن وما أصحاب الريب. قال: قوم لا يأمرون بالمعروف ولا ينهون عن المنكر.
عن أبى الطفيل قال: سئل الطفيل: ما ميت الأحياء؟ قال: لا ينكر المنكر بيده ولا بلسانه ولا بقلبه.
من الأمور التي تتضح بها منزلة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ما يلي:
من ذلك صلته بالإيمان فقد وصف الله جل وعلا المؤمنين بالقيام به في أكثر من موضع كما سبق وبين الرسول صلى الله عليه وسلم أن الإيمان يقتضي أن ينكر المنكر, فعن أبى سعيد الخدري رضى الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((من رأى منكم منكراً فليغيره بيده, فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان)) رواه مسلم.
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((ما من نبي بعثه الله في أمة قبلي إلا كان له من أمته حواريون وأصحاب يأخذون بسنته ويقتدون بأمره ثم إنها تخلف من بعدهم خلوف, يقولون ما لا يفعلون ويفعلون ما لا يؤمرون. فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن, ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن وليس من وراء ذلك من الإيمان حبة خردل )).
وقال الإمام أحمد موضحاً الفرق بين المؤمن والمنافق في القيام بواجب الأمر والنهي. قال: يأتي على الناس زمان يكون المؤمن فيه مثل الجيفة ويكون المنافق يشار إليه بالأصابع فقلت والقائل هو عمر بن صالح: يا أبا عبد الله وكيف يشار إلى المنافق بالأصابع.
فقال: يا أبا حفص صيروا أمر الله فضولاً. وهذا ما يعيشه كثير من المسلمين اليوم, يسمون الآمر بالمعروف فضولي أو نحو ذلك قال: صيروا أمر الله فضولاً. المؤمن إذا رأى أمراً بالمعروف أو نهياً عن المنكر لم يصبر حتى يأمر أو ينهي, قالوا فضول.
والمنافق كل شيء يراه يضع يده على فمه, فقالوا: نعم الرجل ليس بينه وبين الفضول عمل (يعني ليس ملجوف أو معضول).
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أسباب تحقق الرحمة, قال عز وجل: والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم . وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إنما يرحم الله من عباده الرحماء)). والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إنما هو من باب رحمة الخلق ولذلك وصف أهل السنة بأنهم يعلمون الحق ويرحمون الخلق.
ومن ذلك أنه أداء للفرض وسقوط للتبعة فقد فرض الله الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على الأمة والقيام به سبباً في سقوط التبعة وأداء هذا الفرض ودليل ذلك الحديث: ((من رأى منكم منكراً فغيره بيده فقد برئ ومن لم يستطع أن يغيره بيده فغيره بلسانه فقد برئ ومن لم يستطع أن يغيره بلسانه فغيره بقلبه فقد برئ وذلك أضعف الإيمان)), يدل على ذلك قول أبى سعيد الخدري عندما سمع ما قاله الرجل لمروان: (أما هذا فقد قضى ما عليه), ومن ذلك حصول الأجر العظيم. قال الله تعالى: لا خير في كثير من نجوهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضاة الله فسوف نؤتيه أجراً عظيماً فقد نكر هذا الأجر ووصفه بأنه عظيم.
ومن ذلك أنه باب من أبواب الجهاد ومنزلة الجهاد في سبيل الله من أعظم المنازل. وقد أخبر صلى الله عليه وسلم: أن أفضل الجهاد أن يتصدى الرجل للإنكار على السلطان الجائر. فعن طارق بن شهاب أن رجلاً سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد وضع رجله في الغرز: أي الجهاد أفضل؟ فقال: كلمة حق عند سلطان جائر. رواه النسائي.
فغاية الجهاد هو إقامة دين الله تعالى وهذا هو المقصود من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وبابها واحد ._ ومن ذلك أنه من أحب الأعمال إلى الله إذ فيه السعي لنصرة الدين والغيرة على محارمه, فقد قال الرسول: ((أحب الأعمال إلى الله إيمان بالله ثم صلة الرحم ثم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, وأبغض الأعمال إلى الله الإشراك بالله وقطيعة الرحم)) رواه أبو يعلى.
ومن ذلك أن القائم به من أحسن الناس قولاً فقد قال الله تبارك وتعالى: ومن أحسن قولاً ممن دعا إلى الله وعمل صالحاً وقال إنني من المسلمين , وقال الحسن رحمه الله حين تلا هذه الآية: (هذا حبيب الله, يعني الذي دعا إلى الله, هذا ولي الله هذا صفوة الله, هذا خيرة الله, هذا أحب الخلق إلى الله, أجاب الله في دعوته, ودعا الناس إلى ما أجاب الله فيه من دعوته وعمل صالحاً في إجابته وقال إنني من المسلمين فهذا خليفة الله) ذكره ابن جرير رحمه الله.
ومن ذلك أنه سبب لتكفير السيئات, فعن حذيفة رضى الله عنه قال: كنا عند عمر فقال: أيكم يحفظ حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم في الفتنة. قال: فقلت أنا. فقال: إنك لجرئ وكيف قال؟ قال: قلت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((فتنة الرجل في أهله وماله وولده ونفسه وجاره يكفرها الصيام والصلاة والصدقة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فقال: عمر ليس هذا أريد إنما أريد الفتنة التي تموج كموج البحر)) والشاهد منه أنه قال: يكفرها وذكر منها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. رواه مسلم.
ومن ذلك أنه من أسباب النصر وحصول التمكين في الأرض, قال تعالى: الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وأتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر . عن عبد الله بن مسعود قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إنكم منصورون ومصيبون ومفتوح لكم فمن أدرك ذلك فليتق الله وليأمر بالمعروف ولينهى عن المنكر, ومن كذب على متعمداً فليتبوأ مقعده من النار)).
نفعني الله وإياكم بهدى كتابه, أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
|