الحمد لله على نعمه وآلائه والشكر له على توفيقه وإحسانه وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، عباد الله إن الكسب في هذه الحياة هو سنة الله في خلقه وأمر المعاش أمر فطري فطر الله عليه عباده وقال تعالى: هو الذي جعل لكم الأرض ذلولاً فأمشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور وقد يتعرض المسلم في كل يوم من أيام حياته إلى المعاملة مع الناس أو البيع أو الشراء أو العمل أو الخصومة أو يؤدي أمانة أو يشهد على قضية لذا يجب على المسلم أن يراقب ربه ويخزن لسانه ويكف جوارحه عما حرم الله، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله : ((أيها الناس إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً وأن الله أمر المؤمنين بما امر به المرسلين، فقال: يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحاً إني بما تعملون عليم وقال: يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يقول: يا رب يا رب ومطعمه حرام ومشربه حرام وملبسه حرام وغذي بالحرام فأنى يستجاب لذلك)) [ت،م]. وعن خولة الأنصارية قالت سمعت رسول الله يقول: ((إن رجالاً يتخوضون في مال الله بغير حق فلهم النار يوم القيامة)) [خ]. وفي رواية للترمذي: ((إن هذا المال خضر حلو من أصابه بحقه بورك له فيه ورب متخوض فيما شاءت نفسه من مال الله ورسوله ليس له يوم القيامة إلا النار)) [خ]. ومعنى يتخوضون في مال الله بغير حق: أي يأخذونها ويتملكونها كما يخوض الإنسان الماء يميناً وشمالاً.
أيها الإخوة: إن المسلم مدعو أن يسأل الله عما أشكل عليه ولا يفتي لنفسه ليستبيح حق الآخرين وألا يقتصر على هواه ومجرد رأيه قال تعالى: فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون وعلى المسلم كذلك أن يترك المتشابه الذي لايدري هل هو حرام أم حلال؟ وأن يسعى دائماً في إبراء ذمته وأن يكون دائم الاستعداد للقاء ربه وإذا أخذت من أحد شيئاً قرضاً أو ديناً أو حقاً أو حاجة فإن عليك أن تكتبها وأن تشهد عليها فإن كنت حياً لا تنساها وإن مت علم بذلك أهلك وقرابتك ليسددوا عنك وما عليك لتبراً ذمتك ولتلقى الله وليس في ذمتك لأحد شيئاً كما عليك أخي المسلم أن تسعى ببراءة ذمتك من حقوق المسلمين في أعراضهم وأذيتهم بأن تتحلل منهم وترضيهم قال : ((من كانت عنده مظلمة لأخيه من عرضه أو من شيء فليتحلله منه اليوم قبل أن لايكون دينار ولادرهم إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته وإن لم يكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه)) [خ]. فاحذر يا عبدالله أن تذهب أعمالك الصالحة التي تعبت عليها لله احذر أن تذهب عنك وتخسرها لتعطي الناس الذين أنت ظلمتهم واعتديت على حقوقهم.
النفس تجـزع أن تكون فقيــرة والفقر خيـر من غنى يطغيـها
وغنى النفوس هو الكفاف فإن ابت فجميع مـا في الأرض لا يكفيها
أموالنا لذوي الميـراث نجمعهـا ودورنـا لخراب الدهر نبنيـها
كم من مدائن في الإقامة قد بنيـت أمست خراباً وأفنى الموت أهليها
عن النعمان بن بشير رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله يقول: ((إن الحلال بين الحرام بين وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس فمن اتقى الشبهات استبرأ لدينه وعرضه ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه)) [خ،م]. عباد الله إن من أسكن الحياة الدنيا في قلبه أصبحت هي همه وغايته فسيعمى عن الآخرة وستتشعب به الهموم ويهلك في أوديتها بين شبهاتها وشهواتها وسيكون عبداً للمال يوجهه المال إلى جمعه والجشع فيه والشح وسيبيع آخرته بدنياه ولكن من أسكن الآخرة قلبه وجعل همه لها فسيرى ببصيرته أن هذه الدنيا متاع قليل وإنها دار من لادار له ومال من لامال له ويجمعها من لاعقل له وإنها السحارة التي تسحر القلوب وإنها لعب ولهو وزينة وإن ما عند الله هو خيراً وأعظم أجراً، فما قل وكفى خير مما كثر وألهى ومن يتق الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب، فكونوا يا عباد الله من أبناء الآخرة ولا تكونوا من أبناء الدنيا لأن الدنيا والآخرة ضرتان لا تجتمعان في قلب واحد. |